أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن مدبولى - الديكتاتورية تولد الانقسام !!














المزيد.....

الديكتاتورية تولد الانقسام !!


حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 8572 - 2025 / 12 / 30 - 10:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يولد الاعتراف الإسرائيلي بما يُسمّى «جمهورية أرض الصومال» من فراغ، ولم يكن نتاج مناورة دبلوماسية معاصرة فحسب، بل هو ثمرة فاسدة مُرّة لمسار طويل من القمع والاستبداد، ذلك المسار الذى بدأ حين اختُطفت الدولة الصومالية على يد الديكتاتورية العسكرية، وانتهى بتفكيك الوطن وتحويله إلى كيانات متنازعة، قابلة للاختراق والاعتراف الخارجي.
ففي عام 1969، لم يأتِ الجنرال محمد سياد بري إلى الحكم بوصفه منقذًا، بل بوصفه بداية لانهيار بطيء. حيث أقام نظامًا فرديًا صادر السياسة، وكسر المجتمع، وحوّل الدولة إلى جهاز أمني مغلق. المدهش أن نظام حكمه رفع شعارات الاشتراكية والوحدة والعدالة، لكنه في الواقع صادر الاقتصاد، وأمّم الحياة العامة، وأخضع البلاد لحكم الخوف والترهيب ، لا لحكم القانون. ولم تعد الدولة إطارًا جامعًا، بل غنيمة نخبوية تُدار بالقبضة الحديدية.
حتى اللغة لم تنجُ من العبث السلطوي. فقرار فرض الكتابة بالحروف اللاتينية لم يكن بريئًا أو تقنيًا، بل كان جزءًا من مشروع قطيعة قسرية مع الهويةالعربية والإسلامية بحجة التقدمية والتنوير ، ووسيلة إضافية لفرض هيمنة السلطة على المجتمع، لا لتوحيده.
ومع الوقت، تخلّى النظام عن أي ادعاء وطني جامع، واستعاض عنه بإحياء العصبيات القبلية، مستخدمًا إياها وقودًا للسيطرة، ومُفككًا ما تبقى من نسيج اجتماعي هش.
ثم جاءت مغامرة حرب أوجادين، لا باعتبارها مشروع تحرير، بل كرهان شخصي لزعيم مأزوم. وحين خسر الحرب، خسر معها الحلفاء الإشتراكيين الذين تحولوا لدعم أثيوبيا الطرف المعادى له،
وبالتالى لم يجد نظام سياد برى سوى تعميق الاستبداد في الداخل.وانقلب على توجهاته الاشتراكية المعلنة، وبدل تحالفاته الدولية بسهولة، فارتمى فى أحضان الغرب والولايات المتحدة، لكنه لم يبدّل طريقته في الحكم: قمع، اعتقالات، إعدامات، ومطاردة لكل صوت معارض.
فكانت الهزيمة العسكرية أمام أثيوبيا مقدمة لانهيار سياسي وأخلاقي بكامل البلاد، ومعارضة واسعة ضده،

لكن فى الشمال الصومالي، لم تُنتج الديكتاتورية والقمع معارضة سياسية فحسب، بل صنعت كراهية تاريخية. فعندما واجهت الدولة المعارضة هناك، لم تفعل ذلك بالحوار أو السياسة، بل بالطائرات والمدافع. فقُصفت هرجيسا عاصمة الشمال عام 1988، لا كمدينة متمردة، بل كعقاب جماعي، فسقط عشرات الآلاف، ودُمرت المدينة، وانكسرت فكرة الدولة في وعي سكان الشمال إلى الأبد. فهناك، لم تُقصف المباني فقط، بل قُصفت الثقة، والانتماء، ومعنى الوطن نفسه.
وعندما سقط نظام سياد بري في مطلع 1991، لم يسقط وحده، بل ترك خلفه دولة ميتة. لم يكن هناك جيش، ولا مؤسسات، ولا عقد اجتماعي. في هذا الخراب، لم يكن إعلان الشمال إعادة استقلاله فعل انفصال فحسب، بقدر ما كان هروبًا من جحيم الدولة المنهارة، وردًا مباشرًا على تاريخ طويل من القمع والقتل والتهميش. لقد انسحب الناس من دولة خانتهم، قبل أن تنسحب الدولة منهم.
ومنذ ذلك الحين، ظل هذا الكيان الوليد يبحث عن شرعية خارجية تعوّض غياب الدولة التي دمّرها الاستبداد. ومع كل خطوة نحو الموانئ والتحالفات، وصولًا إلى مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، ثم الاعتراف الإسرائيلي العلني، تتكشف الحقيقة العارية: الديكتاتورية لا تسقط وحدها، بل تظل تُنتج كوارثها حتى بعد زوالها بسنوات طويلة.
إن شكر قيادة أرض الصومال لنتنياهو على الاعتراف، يقابله غضب وإدانة رسمية من الحكومة الفيدرالية الصومالية، لكنه في جوهره ليس صراعًا دبلوماسيًا فقط، بل محاكمة متأخرة لنظام دمّر الدولة، وفتح أبوابها لكل من شاء أن يعترف بانقسامها أو يستثمر فيه.
فالديكتاتورية لم تقسّم الصومال جغرافيًا فحسب، بل مزّقته أخلاقيًا وسياسيًا، وحوّلت وحدته إلى شعار فارغ، وسيادته إلى ورقة تفاوض. وما الاعتراف الإسرائيلي اليوم إلا شاهد جديد على جريمة قديمة: حين يحكم المستبد، لا يترك وراءه وطنًا، بل أطلالًا متشرذمة تتنازعها القوى الأجنبية ، وتُعلن الاعتراف بها واحدة بعد الأخرى.



#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سعيدة العلمى ، الحرية وكرة القدم ،،
- أرض الصومال ،،،
- هدم الحجر،،،
- تعديل القرآن ، وتعديل الانجيل
- أزمات سورية ،،
- الشعر والهدم،،،
- تركيا والمخدرات ،،،
- العلاقة بين -برياه فيهر - والمسجد الأقصى !!
- عندما يكون الهدف نبيلا !!
- صفقة الغاز المصرية الإسرائيلية
- حينما تصبح كرة القدم ، مرآة للسياسة
- وهم الحصانة،،،
- حين تصبح كرة القدم مرآة للسياسة ،،
- حملات دعائية !!
- سيكتب عنها اللاحقون !؟
- البعد الإنسانى لحبس الفتيات ،،
- وداد مترى أنطون ، إمرأة من مصر،،
- فاطمة نعمت راشد، والحزب النسائى المصرى
- الأم المصرية ، وولدها
- إبراهيم يسرى ، القابض على جمر الوطن


المزيد.....




- فيديو لغارة أمريكية على قارب بشرق المحيط الهادئ يثير تساؤلات ...
- السعودية: المملكة لن تتردد في مواجهة أي مساس أو تهديد لأمنها ...
- تصاعد موجة الاحتجاجات في إيران بسبب ارتفاع الأسعار بشكل حاد ...
- مقصية أيوب الكعبي الجديدة تقود المغرب إلى دور 16 بكأس أمم أف ...
- كيف علق أحمد الشرع وسوريون على العملة الجديدة؟
- ماذا يجري في اليمن بين السعودية والإمارات؟
- سوريا: حظر تجوّل ليلي في اللاذقية وسط اضطرابات طائفية دامية ...
- مصر تُعلن تلقيها عروضًا مالية ضخمة لتهجير الفلسطينيين قوبلت ...
- وسط تصعيد وضربة سعودية.. الإمارات تعلن سحب قواتها في اليمن
- ما الذي يحدث في اليمن وما دور السعودية والإمارات في النزاع ا ...


المزيد.....

- صفحاتٌ لا تُطوى: أفكار حُرة في السياسة والحياة / محمد حسين النجفي
- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن مدبولى - الديكتاتورية تولد الانقسام !!