أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عادل محمود - اقتصاد الامل .. كيف يباع المستقبل حين يضيق الحاضر؟














المزيد.....

اقتصاد الامل .. كيف يباع المستقبل حين يضيق الحاضر؟


عادل محمود
محامِ مصري

(Adel Mahmoud)


الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 19:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في زمن صار الناس فيه يقتاتون على الخيبة، ظهر تجار من كل الأصناف يبيعون شيئا لا يمسك إسمه الأمل، هناك من يعلقه في لافتة إنتخابية، وآخر يسكبه في خطبة دينية، وثالث يحول الأزمات الشخصية الى "فرص" عبر دورة تدريبية لا يتجاوز ثمنها نصف مرتب موظف. فجأة أصبح الأمل سوقا واسعا، له سماسرة ولغة وبورصة صعود وهبوط. كلما إزداد الضيق تمدد السوق، وكلما اشتد العوز إرتفع سعر الوعد.
لم يعد الأمل فعلا داخليا يولد الحركة،بل صار أقرب الى مخدر يشغل الناس بانتظار الغد، على امل ان ياتي احدهم بالخلاص. هذا النص محاولة لتتبع كيف سرقت هذه الطاقة القديمة، وكيف جرى تغليفها وبيعها، حتى تحول المستقبل الى منتج يسوق كما تسوق مساحيق الغسيل.

تاريخ البشر يعرف الأمل جيدا.في الأساطير اليونانية، حين فتحت باندورا صندوقها، انفلتت الشرور وبقي الأمل وحيدا في الداخل، آخر ما يتمسك به البشر حين يسد كل باب. في الأديان، صار الأمل أحد فضائل النجاة، وسندا روحيا يربط الأرض بالسماء.
لكن وسط كل ذلك، كان الأمل فعلا مرتبطا بالحركة: ثائر يأمل في العدالة فيخرج الى الشارع، مريض يأمل الشفاء فيمسك بأسباب العلاج، فقير يأمل الخلاص فيقاوم تغول الفقر.
كان الأمل دوما توأم الفعل إلى ان دخل السوق.

مع تمدد منطق السوق إلى أكثر مناطق الحياة خصوصية دخل الامل غرفة البضائع الراسمالية: صقل، غلف، وخرج في هيئة منتج قابل للتسويق.
صارت كتب التحفيز تعلب الأمل، وصار الساسة يسوقونه مثل سلعة موسمية، وصارت المؤسسات الدينية توزعه بنظام "النقاط": افعل كذا، تمنح غدا.
فجأة لم يعد الأمل تجربة إنسانية، أصبح تجارة تحتاج الى جمهور هش، والى أزمات مستمرة تجعل الزبائن يقفون في الطابور.

السياسة الحديثة تبيع الأمل في عبوات ضخمة: شعار لامع، أغاني وطنية، ووعود "تغير حياتك".
لا احد يشرح كيف، ولا متى، ولا بأي أدوات. المهم ان يظل الوعد كبيرا بما يكفي لامتصاص اوجاع الناس.
بعد الإنتخابات، ينفض المولد، لكن البضاعة لا تبور: سيأتي سياسي جديد، بخطاب جديد، ليبيع نفس السلعة بوجه مختلف.
والمواطن يعود للانتظار، يؤجل غضبه، ويبتلع خيبته، ويتعلم دون ان يشعر ان "الوقت المناسب" للمطالبة لا يأتي ابدا.

الدين - في صورته المؤسسية المعاصرة - دخل السوق أيضا، أصبح هناك تسويق مدهش للوعد الأخروي: اصبر وبعد الموت ستنال، تحمل والله سيعوضك، قصور في الجنة تنتظر الصابرين.
هكذا يصبح الألم فضيلة، والفقر إبتلاء حميدا، والظلم "اختبارا".
الأمل هنا لا يحرك الفرد لتغيير واقعه، بل يطلب منه قبوله.
والمفارقة أن الأديان الأولى جاءت، في أصل خطابها التأسيسي، لتحرير الإنسان من الظلم لا لتسويغه، لتقويض الإستبداد لا لمنحه غطاء أخلاقيا، و تفكيك منطق القهر لا لإعادة إنتاجه بلغة مقدسة. قبل أن يأتي التاريخ - كعادته - ليعلم النص الديني كيف يصمت.
والمفارقة أن بعض التيارات جعلت الأمل سلعة فاخرة: ادفع تبرعك وستاتي البركة، كرر وردك وسيحل الرزق.
وهي وصفات تذكر أكثر بخزعبلات التنمية البشرية منها بأي خطاب روحي حقيقي.

صناعة التحفيز: تغليف الأزمة وبيعها كحل
هذه الصناعة، التي تدر المليارات، لا تبيع الأمل فقط، بل تبيع "الشعور بانك قادر" حتى لو لم تتغير حياتك قيد انملة.
بطالة؟ ستجد من يلوم "طاقتك السلبية".
فقر؟ السبب في "برمجتك".
اكتئاب؟ العلاج هو "امتنان اكثر".
يتحول الخلل من بنية اجتماعية الى مشكلة في الفرد. وهكذا يتنصل النظام من مسؤوليته، ويجلس الفرد امام فيديو مدته عشر دقائق، مطلوب أن يحل فقره عبر "قوة التفكير الإيجابي". وفي أوقات الأزمات الكبرى، ترتفع أرباح هذا السوق.

الأمل ايضا طبقي، الغني يبحث عن تطوير الذات وورش الإبتكار، والفقير يبحث عن"ستر اليوم" و"فرج قريب".
الطبقة الاولى تشتري املا يوسع نفوذها،
والطبقة الثانية تشتري املا يخفف عنها ضغط الحياة.
حتى الحلم صار موزعا بالتفاوت نفسه الذي توزع به الثروة.

ومن الفكرة إلى الواقع، لم يحتج الأمل طويلا كي يكتشف هشاشته حين يترك وحيدا في مواجهة المصالح.

الربيع العربي كان أملا صلبا، ثم وضع على الرف. حين امتلأت الشوارع في 2011، كان الأمل حقيقيا، عنيدا، وُلِد من فعل جماعي هائل، لا من بيان ولا من منصة خطاب. لكن سرعان ما التفت عليه الأسواق السياسية: أحزاب تبيع نسخة جاهزة من "الحل"، جماعات دينية تطرح بديلا آخر مغلفا باليقين، وإعلام يصنع أملا على المقاس، سريع الاستهلاك. هكذا تحوّل الأمل الأصلي إلى مادة صراع بين النخب، ثم إلى ذكرى مؤجلة.
وبعد عقد، لم يختف الأمل، بل تغير مكانه: أصبح يباع في سوق الحنين، هناك من يستدعيه بوصفه حلما ضائعا، وهناك من يستثمره لإعادة تدوير الاستبداد، وهناك من يلوح به كتحذير: "ألم نجرب؟" - كأن الخطأ كان في الأمل نفسه، لا في من صادره.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إقتصاد البقاء .. حين كانت الحضارة تعني الخلود
- ديسمبر : شهر البدايات والنهايات .. الأسطورة التي تعيد نبض ال ...
- محمد صبحي، عمرو أديب، وأم كلثوم .. في زمن الترفيه الموجه
- فصل الشتاء .. حين يقول الجسد ما تخفيه السياسة
- دراما رمضان … محظورات تكتب السيناريو قبل المبدعين
- فيلم -الست- … علي صفيح ساخن
- جورجيا ميلوني .. امرأة هزت عرش أوروبا
- -مستقبل الثقافة في مصر- ..بين أسطورة التنوير وأزمة النهضة ال ...
- متى تشعر الأنظمة الديكتاتورية بالقلق؟ .. الصراع الداخلي على ...
- التأشيرة والثورة .. جوستافو بيترو يهز عرش الإمبراطورية
- -ورقة جمعية- ...الأمهات اللواتي يصنعن العالم ثم يغيبن في صمت
- -ولاد الشمس- ... محمود حميدة وموسيقى الشر السيمفوني
- -قهوة المحطة- .. تراجيديا معاصرة في فضاء القهوة المظلم
- -6 أيام- .. سينما العاشق المتأخر
- عروستي .. حين يتوه الإبداع في متاهات الترفيه السهل
- فوز ممداني .. انعطافة سياسية في عاصمة المال الأمريكي
- مؤتمرا شرم الشيخ : سلام حقيقي أم حلقة مفرغة ؟ قراءة في استمر ...
- ن أجل زيكو : حين يضحكك الفقر وتخفى الحقيقة
- الأسرة في مرآة الشاشة ... من حلم جماعي إلى عزلة وجودية ، قرا ...
- العبودية المختارة .. الكتاب الذي هز عرش الطغاة


المزيد.....




- ترامب يهدد بشن هجوم جديد على إيران إذا أعادت بناء برنامجها ا ...
- مصر.. جدل في سوق السيارات بعد إغلاق معارض أسفل المباني السكن ...
- ترامب: المرحلة الثانية من خطة غزة ستبدأ -بأسرع ما يمكن-
- محادثة -إيجابية- بين ترامب وبوتين.. وزيلينسكي يُكذّب رواية ا ...
- من هو هيبت الحلبوسي الذي حسم رئاسة البرلمان العراقي من الجول ...
- مصر تتصدر مجموعتها بتعادل سلبي مع أنغولا وجنوب أفريقيا تخطف ...
- ترامب مستقبلا نتنياهو: آمل الوصول للمرحلة الثانية من خطة غزة ...
- كاتب إسرائيلي: الاعتراف بأرض الصومال رسالة لثلاث جهات
- صحيفة روسية: بؤرة توتر جديدة تتشكل في آسيا الوسطى
- موقع بريطاني: علينا الحذر مما يخططه لنا بوتين في 2026


المزيد.....

- أسباب ودوافع السلوك الإجرامي لدى النزلاء في دائرة الإصلاح ال ... / محمد اسماعيل السراي و باسم جبار
- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عادل محمود - اقتصاد الامل .. كيف يباع المستقبل حين يضيق الحاضر؟