أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل محمود - -6 أيام- .. سينما العاشق المتأخر














المزيد.....

-6 أيام- .. سينما العاشق المتأخر


عادل محمود
محامِ مصري

(Adel Mahmoud)


الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


كأن هذا الفيلم لم يصور بالكاميرا، بل بنبضات حنين عتيق ، وكأن المخرج لم يوجه عدسته نحو مشهد خارجي، بل غاص في ذاكرة قلبه، وراح يبحث فيها عن صدى صوت قديم، عن أغنية تحزننا كلما تذكرنا أين كنا حين سمعناها لأول مرة.

"6 أيام" ليس فيلما، بل رقعة عاطفية مخاطة بمسامير الزمن. هو حوار طويل، واعتراف مقسم على ستة مشاهد من العمر، بين "يوسف" و"عالية"، لكننا نحن من يشعر أننا الطرف الثالث في هذه القصة، كأن الفيلم لا يشاهد من الخارج، بل يشاهدك من الداخل.

من 2006 إلى 2024، يحكي الفيلم عن علاقة حب تشبه حياتنا نحن، أكثر مما تشبه أفلام الحب. تبدأ بلقطة على شاشة سينما، وتنتهي بلقطة أخرى على شاشة تشبه الأولى، لكن الفرق بين المشهدين ليس الكادر ، بل الجرح الذي أصبح جزءا من الصورة.

المخرج "كريم شعبان" ، في تجربته الأولى، لا يريد أن يقول لك شيئا. لا يهمه أن يبهرك أو يدهشك. هو فقط يريدك أن تجلس بجوار شخصين يحاولان فهم نفسيهما من خلال بعضهما. هذا فقط ، وكل شئ بعد ذلك يأتي تلقائيا: النظرات، الصمت، الأغنية التي تأتي في اللحظة التي لم يعد عندها الكلام ممكنا.

الزمن هنا لا يستخدم كترتيب تقويمي، بل كوسيلة كشف. كل عام من الأعوام الستة التي يمر بها الفيلم، هو كأنك فتحت درجا في خزانة قلبك، ووجدت ورقة مطوية على شكل ألم مألوف.

"آية سماحة" لا تمثل. بل تعيش "عالية" كما لو أنها حلم لم يكتمل. كائن ناعم هش لكنه عنيد. حين تغضب، تشبه المطر الذي ينهار فجأة. وحين تبتسم، تذكرك بابتسامة عرفتها يوما ثم نسيتها.

أما "أحمد مالك" ، فهو لا يزال يراوغ بين الطفل الذي يخاف من الفقد، والرجل الذي يتظاهر بالقوة. في مشهده عام 2017، لا يبكي، بل يتركنا نحن نبكي عنه. يقف كما يقف شخص اعتاد الهزيمة، ويعرف أن الاعتذار لا يصلح شيئا، لكنه يقوله رغم ذلك ، لأن الصمت أسوأ.

الحوار بينهما ليس حوارا، بل تقاطع وجدانين. كل جملة تنبع من جرح، وكل صمت يخفي جملة أعمق. الفيلم هو حوار بينهما فقط، لكن لم نشعر بالملل، لأن الصدق لا يمل، والضعف الإنساني دائما مذهل حين يقدم بشجاعة.

في لحظة ما، نشعر أن "محمد منير" جالس معهما، لا يسمعانه فحسب، بل يتذكرانه وهما يستمعان. أغنية "راجعة ليه" لم تستخدم كموسيقى تصويرية، بل كـ صرخة مكتومة. أغنية "العيون السود" ليست في الخلفية، بل في المقدمة، تماما كما تكون الأغنية جزءا من الحنين، لا من المشهد.

وهنا ندرك عبقرية الاختيار: لم تكن الأغاني لإثارة التعاطف، بل كانت وسيلة لإحياء علاقة، كأن الحنين لا يعيش إلا في الصوت.

"كريم شعبان" لم يضع كاميرته ليثبت براعة، بل ليراقب انكسارا ناعما. في زحام التجارب الأولى، التي غالبا ما تنشغل بالإثبات، اختار أن يصغي أكثر مما يتكلم. لم يدر الكاميرا، بل أدخلنا إلى رأس "يوسف" وقلب "عالية"، وجعل المكان يهمس، والضوء يواسي، والشارع يقول ما عجزت الجملة عن قوله.

كل شيء بسيط، لكنه مسكون: زاوية التصوير، ضوء الشمس، كادر الغروب، صمت الشقة، صوت القاهرة البعيد. كل تفصيلة تختزن تجربة، وكل مشهد فيه أثر مشاعر لم تقال يوما، لكنها موجودة في الهواء.

"6 أيام" لا يحكي عن حب فقط، بل عن التأخر في فهم الحب. عن اللحظة التي أدركنا فيها أننا لم نحب جيدا، لأننا كنا مشغولين بالخوف من الحب. عن تلك النظرة التي تمنينا أن نعود إليها، لا لنقول شيئا، بل لنصمت قربها مرة أخرى.

ليس فيلما مثاليا ، نعم، بعض الحوارات بدت ذهنية أكثر من اللازم. وبعض الانتقالات الزمنية كانت بحاجة إلى خيط أمتن ، لكن، من يهتم؟!
في النهاية، هذا ليس فيلما نقيمه، بل فيلم نصدقه. وهذه قيمة لا تشتري .

"6 أيام" يشبه رسالة لم ترسل. أو مكالمة لم نجرؤ على إجرائها. أو ربما وجها قديما رأيناه في المترو فجأة، وابتسمنا، دون أن نعرف لماذا.

هذا الفيلم لا يهمه إن كنت تحبه أم لا. يكفيه أنك تتذكر شيئا أثناء مشاهدته ، وربما – وهذا يكفيه تماما – أن تشعر بوخزة في القلب حين تسمع أغنية قديمة بعد خروجه .

السنين غيرتنا ، لكن هل قتلت فينا القدرة على الحب؟
ربما لا نعرف الجواب ، لكن هذا الفيلم يعرف كيف يسأل السؤال بصوت ناعم ، لكنه لا ينسى.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عروستي .. حين يتوه الإبداع في متاهات الترفيه السهل
- فوز ممداني .. انعطافة سياسية في عاصمة المال الأمريكي
- مؤتمرا شرم الشيخ : سلام حقيقي أم حلقة مفرغة ؟ قراءة في استمر ...
- ن أجل زيكو : حين يضحكك الفقر وتخفى الحقيقة
- الأسرة في مرآة الشاشة ... من حلم جماعي إلى عزلة وجودية ، قرا ...
- العبودية المختارة .. الكتاب الذي هز عرش الطغاة
- قراءة في كتاب -الثورة المضادة في مصر
- العلاقة الاردنية السورية والقلق المشترك
- حوار مع الشاعر والكاتب المسرحي مهدى بندق
- الحضارة الشرقية غنية بأشكال ما قبل المسرح


المزيد.....




- الفنان المصري ياسر جلال يعتذر عن تصريحاته بشأن دور الجزائر ب ...
- ياسر جلال: رواية -غير مثبتة- عن دور للجيش الجزائري في القاهر ...
- مهرجان فلفل إسبيليت الأحمر: طعام وموسيقى وآلاف الزوار
- فيلم وثائقي يعرض الانهيار الأخلاقي للجنود الإسرائيليين في حر ...
- من -سايكو- إلى -هالوين-.. لماذا تخيفنا موسيقى أفلام الرعب؟
- رام الله أيتها الصديقة..!
- ياسر جلال يعتذر عن معلومة -خاطئة- قالها بمهرجان وهران للفيلم ...
- التربية تعلن نتائج السادس الإعدادي بفرعيه العلمي والأدبي للد ...
- مارغريت آتوود تنقل قراءها لعالمها الداخلي في -كتاب الحيوات- ...
- مكتبة الملك عبدالعزيز تطلق فيلم الحج -على خطى ابن بطوطة-


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل محمود - -6 أيام- .. سينما العاشق المتأخر