أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل محمود - عروستي .. حين يتوه الإبداع في متاهات الترفيه السهل














المزيد.....

عروستي .. حين يتوه الإبداع في متاهات الترفيه السهل


عادل محمود
محامِ مصري

(Adel Mahmoud)


الحوار المتمدن-العدد: 8519 - 2025 / 11 / 7 - 21:30
المحور: الادب والفن
    


"عروستي" عنوان يعد بالبساطة والمرح ، لكنه يستر وراءه إشكاليات عميقة تعكس ماوصل اليه حال قطاع من السينما المصرية اليوم. فيلم يغازل الجمهور بخفة الظل والطلة البراقة ، لكنه يغرق في مستنقع الإبهار المجاني وتكريس السطحية. ما يدعونا لتأمله ليس كعمل فني بالمعنى الدقيق ، بل كمؤشر صارخ على ما يروج تحت شعارات "السينما الشبابية" أو "أفلام الجيل الجديد".
ينتمي "عروستي" إلى ما يمكن وصفه بـ"سينما الكمبوند" ، حيث يطغى الموقع الفخم والديكور المتلألئ وتصفيفة الشعر على جوهر الحكاية. الكاميرا لا تكاد تلقي نظرة على أزمة اجتماعية أو نفسية ، بل تنشغل بتوثيق أناقة المكان ولمعان الأزياء. كل لقطة تقدم عالما أشبه بكتالوج إعلاني ، خال من الضغوط ، منفصل عن الهموم المادية ، منزه عن القبح ، وبالتالي ، بلا نبض حقيقي للحياة.
ليست المشكلة في تصوير الرفاهية ، بل في "تجميل" الواقع قسرا. حين يتحول الفيلم إلى عرض للعقارات والأزياء ، يسقط من علياء التعبير عن الوجدان الجمعي إلى حضيض الترويج لنمط حياة لا يعيشه سوى قلة ، فيصبح الفيلم إعلانا مطولا لا عملا سينمائيا.
قصة الفيلم لا تخرج عن النموذج المتكرر : لقاء ، تقارب ، أزمة ، ثم نهاية سعيدة. التكرار ليس جرما إذا حمل تجديدا ، لكن الكارثة تكمن في إعادة إنتاج النموذج ذاته بلا روح أو عمق ، وعرض الأزمات بافتعال يهين ذكاء المشاهد.
يزعم أن "دليلة" تخضع "شريف" لسلسلة اختبارات نفسية بسبب جراح طفولتها ، لكن هذه الاختبارات تبدو حبكات ميكانيكية تخدم سردا هشا أكثر من كونها تعبيرا عن صدمة حقيقية. الحل الدرامي نفسه يأتي عبر "مقلب" أشبه ببرامج المقالب ، ليس له أساس في المنطق السيكولوجي أو السردي. يطرح سؤال جوهري : هل الضغط النفسي والإذلال العاطفي هما اختبار للحب ؟ وهل هكذا تعالج صدمات الماضي ؟
هنا يكمن أحد أخطر إشكاليات الفيلم. "دليلة" ليست مجرد ضحية عنف أسري ، بل تقدم أيضا كشخصية هستيرية عصبية يصعب تفهم دوافعها. الخطر لا يكمن في السرد فقط ، بل في الرسالة الضمنية : أن المرأة المستقلة أو المتشككة في الحب هي مشكلة تحتاج إلى "تأديب" وإعادتها إلى "طبيعتها" التقليدية.
تختزل معاناة نفسية عميقة إلى مجرد "دلع "، ويصبح "العلاج" عبر إثارة الغيرة. هذا الاختزال الفج لا يعكس سطحية فحسب ، بل يعزز صورا نمطية ضارة ، ويسخف قضايا إنسانية تستحق معالجة جادة.
يمتلك أحمد حاتم وجميلة عوض كاريزما طاغية ، لكن حضور النجم وحده لا يصنع أداء متماسكا. إقحام نجوم السوشيال ميديا دون خبرة تمثيلية كافية تشوش توازن المشاهد ، فتحولت الأدوار المساندة إلى ديكور بشري ضمن استراتيجية تسويقية. ظل التمثيل أسير نبرة واحدة : الخفة والتهريج ، حتى في اللحظات المفترض أن تحمل جرعة من التوتر أو العمق.
صحيح أن الفيلم حقق أرقاما مرضية في شباك التذاكر ، وتصدر "الترندات" الرقمية ، لكن هل يبرر الإقبال التجاري تخلفا فنيا ؟ هل معيار نجاح السينما اليوم هو عدد "المشاهدات" و"الإعجابات" ، أم الأثر الفكري والجمالي الذي يخترق وجدان المشاهد ؟
قد يمنح "عروستي" الجمهور مهربا مؤقتا من واقعهم ، لكن الفن الحقيقي لا يكتفي بتجميل الواقع ، بل يدعونا لتأمله وإعادة اكتشافه. السينما ، في رؤيتي ، ليست ترفيها عابرا فحسب ، بل فعل مقاومة ضد النسيان والابتذال.
أجمل ما في "عروستي" هو صورته البصرية المتقنة ، لكنها ذاتها تعد مكمن ضعفه. ففي سعيه المحموم للإبهار ، ينسخ الفيلم مشاهد عالمية دون أن يمنحها روحا خاصة. الإلهام من السينما العالمية مشروع وضروري ، لكنه لا يغني عن الحاجة إلى لمسة أصيلة تتحول معها الاقتباسات إلى شئ جديد ذي هوية ، لا مجرد تقليد أجوف.
"عروستي" ليس فشلا ذريعا ، لكنه أبعد ما يكون عن النجاح الفني. هو ببساطة نتاج معادلة تجارية صارمة : حبكة رقيقة ، تسويق ضخم ، نجوم جذابون ، وديكورات فاخرة ، تكفي لضمان نجاح مؤقت في السوق. لكنها لا تكفي لإضافة لبنة للسينما ، أو إثارة سؤال جاد ، أو تحفيز تأمل طويل الأمد.
هو فيلم يشبه صورة معدة بعناية على "إنستجرام" : كل شئ فيه لامع ومبهج ، لكنه يفتقر إلى الروح والعمق.
الفن الحقيقي لا يقاس بضحكاتك أثناء المشاهدة ، بل بتأملاتك بعد انتهاء العرض ، و "عروستي" ، للأسف ، ينتهي بانطفاء الشاشة وتبدد الضحكة.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فوز ممداني .. انعطافة سياسية في عاصمة المال الأمريكي
- مؤتمرا شرم الشيخ : سلام حقيقي أم حلقة مفرغة ؟ قراءة في استمر ...
- ن أجل زيكو : حين يضحكك الفقر وتخفى الحقيقة
- الأسرة في مرآة الشاشة ... من حلم جماعي إلى عزلة وجودية ، قرا ...
- العبودية المختارة .. الكتاب الذي هز عرش الطغاة
- قراءة في كتاب -الثورة المضادة في مصر
- العلاقة الاردنية السورية والقلق المشترك
- حوار مع الشاعر والكاتب المسرحي مهدى بندق
- الحضارة الشرقية غنية بأشكال ما قبل المسرح


المزيد.....




- حضور فلسطيني قوي في النسخة الـ46 من مهرجان القاهرة السينمائي ...
- للمرة الثانية خلال شهور.. تعرض الفنان محمد صبحي لأزمة صحية
- -كان فظيعًا-.. سيسي سبيسك تتذكر كواليس مشهد -أسطوري- في فيلم ...
- اشتهر بدوره في -محارب الظل-.. وفاة الممثل الياباني تاتسويا ن ...
- عرف النجومية متأخرا وشارك في أعمال عالمية.. وفاة الممثل الإي ...
- السيسي يوجّه بمتابعة الحالة الصحية للفنان محمد صبحي
- الفنان المصري إسماعيل الليثي يرحل بعد عام على وفاة ابنه
- الشاهنامة.. ملحمة الفردوسي التي ما زالت تلهم الأفغان
- من الفراعنة إلى الذكاء الاصطناعي، كيف تطورت الكوميكس المصرية ...
- -حرب المعلومات-.. كيف أصبح المحتوى أقوى من القنبلة؟


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل محمود - عروستي .. حين يتوه الإبداع في متاهات الترفيه السهل