أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عادل محمود - قراءة في كتاب -الثورة المضادة في مصر














المزيد.....

قراءة في كتاب -الثورة المضادة في مصر


عادل محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8506 - 2025 / 10 / 25 - 01:44
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


في خضم التحولات الجارفة التي عصفت بالواقع العربي، وتحت وطأة الانهيارات المتلاحقة لمشاريع التحرر الوطني، يبدو كتاب "الثورة المضادة في مصر" للناقد والمفكر غالي شكري كصرخة وعي ضد النسيان، وضد إعادة تدوير الهزيمة في ثياب النصر. صدر الكتاب في لحظة حرجة من تاريخ مصر، في أعقاب حرب أكتوبر وما أعقبها من انفتاح اقتصادي واتفاقيات سلام أنهت فعليا ما تبقى من المشروع الناصري، لكنه لا يكتفي بالتأريخ السياسي، بل يقدم تحليلا سوسيولوجيا وثقافيا تتجلى فيه بصيرة مفكر رأى كيف تغتال الثورات باسم الحداثة، وكيف يباع الحلم الشعبي في سوق السياسات الدولية.

في متن هذا العمل، يمضي شكري في تفكيك سردية النصر الأكتوبرية التي اعتبرها "نصرا مهزوما"، لا بمعنى الإنكار البطولي، بل من باب الكشف عن الاستغلال الأيديولوجي للحظة عسكرية لصالح انقلاب سياسي واقتصادي على ما تبقى من روح يوليو. يستعرض الكاتب، بلغة تجمع بين التحليل والتأمل، كيف تحول النظام في عهد السادات إلى أداة لإعادة إنتاج التبعية عبر ما أسماه بـ"الثورة المضادة"، التي لم تكن مجرد تغير في السياسات، بل مشروعا متكاملا أعاد تشكيل بنية الدولة والمجتمع والثقافة معا.

يعتمد شكري في تحليله على رؤية ماركسية غير دوغمائية، ترى في الصراع الطبقي مفتاحا لفهم المسار السياسي المصري. في هذا السياق، يبرز صعود تحالف البرجوازية الزراعية والبيروقراطية كقوة دفعت بمصر نحو الانفتاح الكاسح، وإعادة تمكين الطبقات الطفيلية التي عادت لتتصدر المشهد بعد أن كمنت في ظل الشعارات الاشتراكية. لكنه، في الوقت ذاته، لا يتورع عن مساءلة المشروع الناصري ذاته، فيضع إصبعه على مواضع الخلل البنيوي: غياب الديمقراطية، تأجيل الحريات، والتناقض بين الشعارات الكبرى والممارسات اليومية. ذلك التناقض، كما يراه، هو ما فتح الباب لشرعنة التحول المعاكس، وجعل من النكوص حتميا أكثر منه مؤامرة.

يقرأ غالي شكري المشهد السياسي المصري بعيون الجغرافيا السياسية، فيرى في مصر قلب العالم العربي، ومفتاح التوازن في الشرق الأوسط، ولهذا كان استهدافها ضرورة لأي مشروع إمبريالي جديد. من هنا، يربط بين اتفاقية كامب ديفيد وخروج مصر من دائرة الفعل العربي، ويقارن ذلك بخروجها من النظام العالمي أيام محمد علي وعبد الناصر، فيرى كيف أن السادات لم يكن مجرد رئيس، بل رأس سهم استهدف الذاكرة، وانقض على الحلم من داخله.

ولأن غالي شكري لم يكن ناقدا سياسيا فقط، بل ناقدا ثقافيا بامتياز، فقد أولى جانبا مهما من كتابه لتحليل التحولات التي ضربت البنية الثقافية في مصر. يتتبع انهيار المؤسسات الثقافية التي رعتها الدولة الناصرية، ويقرأ تفكيك قطاع السينما الوطني، لا بوصفه أزمة إنتاج، بل كعلامة على الانقلاب في الذوق، وتحول الخطاب من جماعي تحرري إلى فردي استهلاكي. ومن هنا، تتصل الثقافة بالسياسة، ويتضح أن الثورة المضادة لم تكتف بتغيير السياسات، بل سعت إلى تغيير وعي المواطن ذاته.

ولا تنبع أهمية الكتاب من صدقه التحليلي وحده، بل من توقيته أيضا، ومن جرأته في تسمية الأشياء بأسمائها، في زمن لم تكن فيه المكاشفة أمرا هينا. لقد كان شكري صوتا من داخل المعركة، لا مراقبا من عل . وبهذا المعنى، فإن "الثورة المضادة في مصر" لا يقرأ بوصفه وثيقة تاريخية، بل كبيان ثقافي لمثقف اختار أن يكون في مواجهة التيار، لا في خدمته. وهو في هذا يذكرنا بما كان يردده علي أبو شادي دوما عن دور المثقف، ليس في تفسير العالم، بل في تغييره، ولو بالكلمة.

يبقى غالي شكري حاضرا في كل لحظة تساءلت فيها مصر عن هويتها، وعن موقعها، وعن المسافة بين الثورة والحلم. وكتابه هذا، رغم ما مضى من زمن على صدوره، لا يزال مفتوحا على أسئلة اليوم، لأن الثورة المضادة لم تنته، بل اتخذت لنفسها أقنعة جديدة. وبين السطور، نسمع صوتا لا يشيخ: لا تصدقوا المظاهر، التاريخ الحقيقي يكتب تحت الجلد، لا على الجدران .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقة الاردنية السورية والقلق المشترك
- حوار مع الشاعر والكاتب المسرحي مهدى بندق
- الحضارة الشرقية غنية بأشكال ما قبل المسرح


المزيد.....




- غزة بعد الاتفاق مباشر.. توافق الفصائل بشأن الإدارة ومسيرات أ ...
- الفصل الأخير من الجزيرة بتوقيت غزة.. التغطية مستمرة
- حقوقيون يتحدثون عن انتهاكات بمحاكمات معتقلي -جيل زد- في المغ ...
- استطلاع: 52% من الإسرائيليين يعارضون ترشح نتنياهو للانتخابات ...
- غوتيريش: مجلس الأمن يحتاج إصلاحات عاجلة طال انتظارها
- -ترامب يدرس خططا لاستهداف منشآت الكوكايين داخل فنزويلا-.. مص ...
- منشور قديم على مواقع التواصل وموقف من إسرائيل يشعلان استجواب ...
- نقاش اسرائيلي في مسألة الاقتراب من الخط الأصفر.. وبن غفير يد ...
- واشنطن تعيّن سفيرها في اليمن ستيفن فاجن مديرًا مدنيًا لمركز ...
- قضية جديدة تلاحق أكرم إمام أوغلو.. السلطات التركية تحقق معه ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عادل محمود - قراءة في كتاب -الثورة المضادة في مصر