أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل محمود - فوز ممداني .. انعطافة سياسية في عاصمة المال الأمريكي















المزيد.....

فوز ممداني .. انعطافة سياسية في عاصمة المال الأمريكي


عادل محمود
كاتب و باحث

(Adel Mahmoud)


الحوار المتمدن-العدد: 8517 - 2025 / 11 / 5 - 20:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في زمن الانهيارات الكبرى والتحولات الجذرية ، حيث تتقاذف الأمواج العاتية سفن السياسة التقليدية في الغرب ، تطل علينا نيويورك بكل ثقلها المالي والإعلامي والرمزي ، بحادثة سياسية أشبه بالزلزال الذي يعيد رسم الخرائط من أساسها .
لم يعد الانتصار الانتخابي لمرشح شاب مجرد حدث عابر ، بل إعلان عن ميلاد سياسي جديد ، وقبلة للتيار التقدمي العالمي ، وصفعة لمنطق "الوسط المعقول" و"الواقعية العملية" التي حكمت السياسة الأمريكية لعقود .

لم يتوقع أحد من مراكز الأبحاث والاستطلاعات أن يحقق "زهران ممداني" ، الاشتراكي الديمقراطي البالغ من العمر 34 عاما ، هذا الانتصار الساحق ، متفوقا على "أندرو كومو" ، الحاكم السابق صاحب الخبرة والصلات العميقة داخل مؤسسة الحزب الديمقراطي ، والذي شن حملته كمرشح مستقل ، متسلحا بشبكة من العلاقات والامتيازات التي كونها على مدى أربعين عاما . كما تفوق ممداني على "كورتيس سليوا" ، المرشح الجمهوري المؤيد لترامب ، الذي حاول حشد ما تبقى من قاعدة اليمين الشعبوي في المدينة .

الأرقام النهائية كانت صادمة للجميع : 52% لممداني ، مقابل 28% لكومو ، و14% لسليوا . الأهم من ذلك ، الإقبال الانتخابي الهائل الذي تجاوز المليونين ، وهو الأعلى في سباق انتخابات عمدة مدينة نيويورك منذ أكثر من خمسين عاما .
إنه مؤشر واضح على أن الناخب ، الذي طالما اتهم بالسلبية واللامبالاة ، يعود إلى صناديق الاقتراع حين يجد من يعبر عن هواجسه الحقيقية ويلمس جراحه اليومية .

الأكثر دلالة في هذا السياق هو التدخل الفج للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، الذي حاول عبر منصته "تروث سوشيال" إنقاذ حملة كومو ، وحث أنصاره على دعمه ، بل وهدد صراحة بتقليص التمويل الفيدرالي المقدم لنيويورك في حال فوز ممداني ، واصفا إياه بـ"كارثة قادمة" و"شيوعي" . لكن تهديدات ترامب ، بدل من أن تضعف حماس الناخبين ، زادتهم إصرارا على معاقبة المؤسسة بكل ألوانها اليمينية والوسطى على حد سواء .

تحليل استراتيجية الفوز : تشريح "المعجزة"

أولا : الأولوية الاقتصادية واستعادة الكرامة المالية
- نجح ممداني في تحويل الانتخابات من نقاش حول الهويات والثقافات إلى نقاش صريح حول الطبقية والعدالة الاجتماعية . كانت رسالته واضحة وجريئة : المشكلة ليست في لون جلدك أو دينك ، بل في أن النظام الاقتصادي القائم يسرق منك حقك في حياة كريمة .
- ركز ممداني بلا كلل على أزمة تكلفة المعيشة في واحدة من أغلى مدن العالم ، مقدما حزمة من الحلول الجذرية التي وصفها الخصوم بـ"الخيالية" ، لكنها استقرت في وعي الناخب العادي كحلول ممكنة وضرورية :
تجميد الإيجارات لملايين المستأجرين الذين يخنقهم ارتفاع الأسعار .
توفير حافلات المدينة المجانية لتخفيف العبء عن الفقراء والعمال .
إنشاء متاجر بقالة مملوكة للمدينة لمواجهة احتكار كبار التجار وارتفاع أسعار الغذاء .
تمويل رعاية الأطفال الشاملة من خلال الضرائب التصاعدية على الأثرياء .
هذا التركيز على "النواحي الاقتصادية" مكنه من اختراق جميع الخطوط الديموغرافية والعرقية والدينية ، في توبيخ مباشر ومذل لكل الخطابات السياسية الوسطى التي تتغنى بـ"الاعتدال" بينما تفرط في الحقوق الأساسية للمواطنين .
ثانيًا : قوة البنية التحتية للحركة والتعبئة الشعبية خارج الصندوق
لم يكن فوز ممداني صدفة أو نتاج خطاب شعبي جذاب فقط ، بل كان تتويجا لجهد تنظيمي ضخم قادته منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في نيويورك (NYC DSA).. أثبتت هذه الحملة أن "سياسة الحركة" قادرة على هزيمة "سياسة الآلة" حين تدار ببراعة .

قدمت المنظمة نموذجا تنظيميا فريدا شمل :
جيش من المتطوعين تجاوز عددهم 50 ألف متطوع ، كل منهم مؤمن برسالة الحملة .
تواصل مباشر مع الناخبين ، حيث طرق أكثر من 1.5 مليون باب ، في عمل ميداني شاق طوال أشهر .
هيكل قيادي متعدد المستويات ، مع تدريب 430 قائدا ميدانيا أشرفوا على عمل المتطوعين .

استهداف غير الناخبين ، عبر التركيز على شريحة الشباب والمجتمعات المهاجرة المهمشة ، التي غالبا ما تشعر بأن السياسة لا تعنيها .
النتيجة كانت مذهلة : في الدوائر التي فاز فيها ممداني ، قفزت نسبة المشاركة بأكثر من 40% مقارنة بالانتخابات السابقة . هذا النموذج يثبت أن الفوز الحقيقي لا يأتي من إقناع الناخبين المتذبذبين فقط. ، بل من خلق ناخبين جدد وتوسيع دائرة المشاركة إلى أقصى حد .

ثالثا : التحالف الشامل وتقاطع الهوية والطبقة
تمكن ممداني من بناء تحالف واسع أعاد تعريف القاعدة الانتخابية للسياسات التقدمية . لم يعد اليسار مقتصرا على النخب الليبرالية البيضاء ، بل أصبح قادرا على اجتذاب تحالف متعدد الأعراق والطبقات :
67% من أصوات الناخبين من أصول آسيوية .
50% من أصوات الناخبين من أصول لاتينية .
48% من أصوات الناخبين من أصول أفريقية .
دعم معتبر من الناخبين البيض بلغ 37% .
استخدم ممداني هويته المركبة - مولود في أوغندا ، من أصل هندي ، مسلم - ليس مجرد رمز شكلي ، بل كجسر للتواصل مع المهمشين ، ودليل على أن "الآخر الأمريكي" لم يعد هامشا ، بل أصبح في صلب صناعة القرار .

كما كتب روس باركان في تحليله لصحيفة نيويورك تايمز ، سيكون ممداني بلا شك أقوى سياسي يساري في أمريكا بعد فوزه بمنصب عمدة نيويورك . سيكون مسؤولًا عن :
أكبر قوة شرطة في أمريكا ، في اختبار صعب لوعوده بإصلاح منظومة العدالة الجنائية .
أكبر منظومة تعليمية في البلاد ، حيث سيكون تطبيق رؤيته التقدمية تحديا كبيرا .
ميزانية بلدية تجاوزت 110 مليار دولار ، أكبر من ميزانيات العديد من الدول .
إدارة مدينة توظف 325 ألف شخص وتنفق 21 مليار دولار لتثقيف أكثر من 1.1 مليون طالب .
هذه الصلاحيات تمنحه منصة غير مسبوقة لاختبار وتطبيق السياسات التقدمية في قلب عاصمة الرأسمالية العالمية .
نجاحه هنا سيفتح الباب أمام موجة جديدة من المرشحين التقدميين ، ويعيد ترتيب موازين القوى داخل الحزب الديمقراطي لصالح جناحه اليساري .

الطريق أمام ممداني لن يكون مفروشا بالورود ، فهو يواجه تحديات جسيمة في تحقيق التوازن بين وعوده الطموحة والواقع الإداري والمالي المعقد :
الوفاء بوعود حملته الانتخابية في مواجهة مستشارين سيخبرونه بأنها "غير واقعية" .
إدارة توقعات قاعدته المتنوعة في مدينة غاية في التنوع عرقيا ودينيا واجتماعيا وسياسيا .
التعامل مع معارضة سياسية واقتصادية قوية ، ليس أقلها تهديدات ترامب بتقليص التمويل الفيدرالي وتربص وسائل الإعلام عند أول خطأ .

يمثل فوز زهران ممداني أكثر من مفاجأة سياسية داخلية ، فهو علامة فارقة في المسار السياسي الأمريكي ودرس عميق للمراقبين في كل مكان .
قدمت حملته مخططا عمليا وقابلا للتطبيق لقوى التغيير التي تسعى لتحدي المؤسسات السياسية والمالية الراسخة .

صعود ممداني يعطي مصداقية للديمقراطيين الذين حثوا الحزب على احتضان المزيد من المرشحين التقدميين واليساريين بدلا من التجمع خلف الوسطيين الذين يفقدون الحزب روحه وتميزه .
وقد يكون مؤشرا على تحول أعمق في التحالفات السياسية الأمريكية قبل الانتخابات النصفية المقبلة .

سواء أنجز ممداني كل ما وعد به أم اصطدم بقيود الواقع والسلطة ، فإن دروس حملته - في أولوية الاقتصاد ، قوة التنظيم الشعبي ، وبناء تحالفات جديدة - ستستمر في التأثير على السياسة الأمريكية والعالمية لسنوات قادمة .
لقد أثبت أن المستحيل سياسيا ليس سوى وهم صنعته النخب الخائفة ، وأن الجديد دائما يأتي من حيث لا تحتسب الحسابات .



#عادل_محمود (هاشتاغ)       Adel_Mahmoud#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤتمرا شرم الشيخ : سلام حقيقي أم حلقة مفرغة ؟ قراءة في استمر ...
- ن أجل زيكو : حين يضحكك الفقر وتخفى الحقيقة
- الأسرة في مرآة الشاشة ... من حلم جماعي إلى عزلة وجودية ، قرا ...
- العبودية المختارة .. الكتاب الذي هز عرش الطغاة
- قراءة في كتاب -الثورة المضادة في مصر
- العلاقة الاردنية السورية والقلق المشترك
- حوار مع الشاعر والكاتب المسرحي مهدى بندق
- الحضارة الشرقية غنية بأشكال ما قبل المسرح


المزيد.....




- لماذا تُعدّ زيادة التمويل للجيوش خبراً سيئاً للمناخ؟
- من كوب 30 إلى البيت الأبيض.. هل ستمهد رحلة الشرع الدولية لحق ...
- احتجاجات وحشود خلال افتتاح -شي إن- أول متجر دائم في باريس
- -القسام- ترد على اتهامات إسرائيل: استخدمنا عمليات مموهة لحما ...
- أبو مرزوق يعلن موافقة حماس على تولي وزير من السلطة الفلسطيني ...
- البصل ليس واحدا.. 4 أنواع مختلفة تضيف نكهات مميزة لمائدتك
- إدارة ترامب ترفض نداءات للإفراج عن الصحفي سامي الحامدي
- أين يقف طرفا حرب السودان من مبادرة واشنطن؟
- أفريقيا تعيد رسم موازين القوى الجديدة في العالم
- ما فرص نجاح المبادرة الأميركية لوقف حرب السودان؟


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل محمود - فوز ممداني .. انعطافة سياسية في عاصمة المال الأمريكي