أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل محمود - الأسرة في مرآة الشاشة ... من حلم جماعي إلى عزلة وجودية ، قراءة نقدية في -عائلة زيزي- (1963) و-عائلة ميكي- (2010)














المزيد.....

الأسرة في مرآة الشاشة ... من حلم جماعي إلى عزلة وجودية ، قراءة نقدية في -عائلة زيزي- (1963) و-عائلة ميكي- (2010)


عادل محمود
كاتب و باحث

(Adel Mahmoud)


الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 01:33
المحور: الادب والفن
    


في تاريخ السينما المصرية، نادرا ما نجد فيلمين يضعان الأسرة في قلب الدراما، ويقدمانها كـ"مسرح" تتحرك فيه القوى الاجتماعية والثقافية كما في فيلمين يفصل بينهما ما يقارب نصف قرن : "عائلة زيزي" (1963) للمخرج فطين عبد الوهاب، و "عائلة ميكي" (2010) للمخرج أكرم فريد.
الأول يصور الأسرة كخلية حية تحتفظ ببراءتها وسط الأحلام والأزمات، أما الثاني فيرصد تفككها التام، حيث تتحول القيم إلى ديكور مزيف، والروابط إلى كذبة جماعية. بين الفيلمين، لا تتغير الأسماء بقدر ما تتغير الوظائف النفسية والاجتماعية للأسرة. فما الذي حدث للمجتمع المصري، وما الذي تقوله السينما عنه بوضوح لا يتوفر في الخطابات الرسمية؟

- في "عائلة زيزي" ، تتجسد ملامح الطبقة المتوسطة المستقرة: منزل واسع، أحلام بسيطة قابلة للتحقق، وروح متفائلة تسكن العلاقات الأسرية. سبعاوي يعمل على اختراع آلة للنسيج، سامي يخوض تجربة حب جارته، وسناء تحلم بالتمثيل، أما زيزي الطفلة فترصد العالم حولها بعين مندهشة. هنا الحلم له طعم المعرفة، والاجتهاد، والانتماء.
أما في "عائلة ميكي"، فنجد طبقة متوسطة هشة، تعيش على المظاهر، وتخاف من السقوط إلى قاع الفقر أكثر مما تأمل في الصعود. الأبناء لا يحلمون، بل يحتالون: ضابط شرطة مرتش، طالب يزيف درجاته، وابنة تعيش مأزقا نفسيا وجسديا. والطفل الأصغر، ميكي، لا يرى سوى عالم التنقيب عن الآثار، لا لعلم أو متعة، بل كوسيلة سريعة للثراء. لقد تغير معنى "النجاح": من اختراع يصرخ صاحبه "قماش!"، إلى شهادة مزورة تشتريها رشوة.

- في "عائلة زيزي"، تحضر الأم بوصفها العمود الفقري للأسرة، صوت الحكمة والإتزان، حتى حين تمارس العتاب واللوم. إنها الحاضنة التي تجمع الشمل وتخفف من صخب الأحلام المتضاربة.
أما في "عائلة ميكي"، فتحضر الأم كمرآة مشروخة للأخلاق المنهارة: تتواطأ مع أبنائها في الكذب، بل تشارك في خداع لجنة تحكيم لاختيار الأسرة المثالية، في مفارقة قاسية تكشف انهيار معيار "المثالية" ذاته.

- الفيلم الأول يقدم نقدا رشيقا لصناعة السينما المصرية، من خلال مشهد ساخر يجمع بين كاتب سيناريو ومخرج يعيدان تدوير القصص المهترئة، دون وعي بالتكرار أو الحاجة للتجديد. لكن رغم السخرية، يظل هناك تقدير للفن كقيمة إنسانية.
أما الفيلم الثاني، فيغوص داخل مؤسسات المجتمع ذاتها: الشرطة، التعليم، الإعلام، الأسرة، ويكشف هشاشتها من الداخل. الفساد لم يعد حدثا معزولا، بل هو بنية شاملة، تطال كل فرد، وتعيد إنتاج نفسها عبر التنشئة الأسرية نفسها.

- في "عائلة زيزي"، الطفلة الصغيرة ترصد، تتعلم، وتمنح الفيلم نكهة من الطهر. أما في "عائلة ميكي"، فالطفل نفسه يتصدر المشهد بوصفه زعيما صغيرا لعصابة تنقيب عن الآثار، كأن الطفولة لم تعد بريئة، بل باتت مرآة للمجتمع المنهار.

- ليست السينما هنا مجرد مساحة للتسلية، بل سجل دقيق – وربما موجع – لما حدث للمجتمع المصري. في زمن "عائلة زيزي" ، كانت الجيرة امتدادا للعائلة، والبيت وطنا صغيرا. في زمن "عائلة ميكي" ، صار الجار مصدر فضيحة، والبيت ملعبا للأنانية والخداع.

- لقد تغيرت أحلام الطبقة المتوسطة من الطموح الشريف إلى الاحتيال المقنن، وتحول النجاح من إنجاز ذاتي إلى شهادة مزورة. وبين الحلم والأقنعة، بين البراءة والخداع، تقف السينما شاهدة، ومُدانة أحيانًا.

- "عائلة زيزي" ينتهي بزواج الأبناء ونجاح الاختراع – نهاية تؤمن بإمكانية التغيير والتقدم، ولو بالتدريج. أما "عائلة ميكي"، فتنتهي بانتصار أسرة فاسدة، رشت لجنتها وابتسمت أمام الكاميرا – نهاية لا تحتمل أي تفسير سوى أننا صرنا نكافئ القبح.

وبينهما، لا تزال السينما تكتب شهادة المجتمع، لا لتدين، بل لتوقظ من نام طويلا أمام الشاشة.



#عادل_محمود (هاشتاغ)       Adel_Mahmoud#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العبودية المختارة .. الكتاب الذي هز عرش الطغاة
- قراءة في كتاب -الثورة المضادة في مصر
- العلاقة الاردنية السورية والقلق المشترك
- حوار مع الشاعر والكاتب المسرحي مهدى بندق
- الحضارة الشرقية غنية بأشكال ما قبل المسرح


المزيد.....




- كلاكيت: الذكاء الاصطناعي في السينما
- صدر حديثا. رواية للقطط نصيب معلوم
- أمستردام.. أكبر مهرجان وثائقي يتبنى المقاطعة ويرفض اعتماد صن ...
- كاتب نيجيري حائز نوبل للآداب يؤكد أن الولايات المتحدة ألغت ت ...
- إقبال كبير من الشباب الأتراك على تعلم اللغة الألمانية
- حي الأمين.. نغمة الوفاء في سيمفونية دمشق
- أحمد الفيشاوي يعلن مشاركته بفيلم جديد بعد -سفاح التجمع-
- لماذا لا يفوز أدباء العرب بعد نجيب محفوظ بجائزة نوبل؟
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل محمود - الأسرة في مرآة الشاشة ... من حلم جماعي إلى عزلة وجودية ، قراءة نقدية في -عائلة زيزي- (1963) و-عائلة ميكي- (2010)