أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عادل محمود - متى تشعر الأنظمة الديكتاتورية بالقلق؟ .. الصراع الداخلي على السلطة والخطر الوجودي














المزيد.....

متى تشعر الأنظمة الديكتاتورية بالقلق؟ .. الصراع الداخلي على السلطة والخطر الوجودي


عادل محمود
محامِ مصري

(Adel Mahmoud)


الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 20:29
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


لطالما نظرنا إلى النظام الدكتاتوري على أنه كتلة صلبة موحدة، قادرة على سحق أي تهديد خارجي بمنتهى السهولة. غير أن التجارب التاريخية تكشف أن أخطر التهديدات التي تواجه هذه الأنظمة لا تأتي من الشارع الغاضب، بل من صراعات القوى والتنافس بين الأجهزة التي يُفترض أنها عماد نظام الحكم. حين يبدأ هذا التنافس في الخروج عن السيطرة، يشعر النظام بالقلق الحقيقي، ويُضطر إلى إعادة توزيع الأدوار والحصص حفاظا على توازنه الداخلي.

تكشف الدراسات المقارنة أن الأنظمة الدكتاتورية، رغم مظهرها الصلب، هي أنظمة هشة في جوهرها. فهي تعتمد على تحالفات ضيقة وتوازنات قوى داخلية دائمة التغير. ويعود سبب هذه الهشاشة إلى أن مصدر قوة الدكتاتوريات نفسه يحمل في طياته بذور انهيارها، فالنظام الذي يرتكز إلى شخص أو مجموعة صغيرة يظل عرضة للاهتزاز مع أي تغير في تحالفات النخبة الحاكمة.

تعتمد هذه الأنظمة على عدة ركائز هشة تتحول إلى مصادر تهديد عند اختلالها، يأتي في مقدمتها التعاون الداخلي عبر متعاونين محليين يديرون أجهزتها، والتحالفات الإقليمية والدولية التي تدعم استمرارها تحقيقا لمصالحها، والأحزاب السياسية التي تنظم داعمي النظام الحاكم، وأخيرا السيطرة على المعلومات وتقييد تدفقها.

يعد الجيش والأجهزة الأمنية من أهم أركان أي نظام دكتاتوري، وعندما يبدأ الصراع بينها، يصبح النظام على حافة الهاوية. يتعامل الباحثون مع الجيش باعتباره "جماعة مصالح وفاعلا سياسيا منظما"، لكن الضباط لا يمثلون بالضرورة مصالح مجتمعة بعينها، فكثير من الانقلابات العسكرية تنبع من مظالم الضباط وأحقادهم، خصوصا أولئك الذين استبعدوا من الترقية.

لا تقل النخب الاقتصادية والقطاعات التجارية أهمية عن الأجهزة العسكرية. تدعم هذه النخب النظام طالما يخدم مصالحها، لكنها تسحب دعمها فور ما أصبحت سياساته عبئا عليها. وتلجأ الدكتاتوريات إلى تفويض السلطة والمحسوبية وإعادة توزيع الموارد لضمان ولاء المؤيدين. لكن هذه الآلية تتحول إلى مصدر تهديد عندما تعجز الأنظمة عن توفير التدفق المتواصل من المنافع بسبب الأزمات الاقتصادية أو انخفاض الموارد، مما يؤدي إلى انهيار التحالفات الاجتماعية الداعمة للنظام.

كثيرا ما تحاول الأنظمة الدكتاتورية إنشاء مؤسسات صورية تهدف إلى إضفاء شرعية زائفة على حكمها، لكن هذه المؤسسات يمكن أن تتحول إلى مواقع للمقاومة والصراع. فالمؤسسات التي أنشأها النظام كأدوات لخدمة أغراضه قد تكتسب استقلالية غير متوقعة، لتصبح ساحات لتحدي سياساته من قبل جماعات داخل النخبة الحاكمة أو خارجها. هذه المفارقة تؤكد أن الدكتاتوريات، حتى عندما تحاول بناء مظاهر مؤسسية، فإنها تخلق دون قصد آليات يمكن أن تتحول إلى تهديدات لاستقرارها.

توظف الأنظمة الدكتاتورية عدة آليات للحد من التهديدات الداخلية، منها تأسيس أحزاب سياسية لترسيخ الحكم الدكتاتوري بعد الاستيلاء على السلطة، حيث تثبت الدراسات أن الأنظمة التي تديرها أحزاب تستمر ضعفي مدة الأنظمة التي لا تديرها تلك الأحزاب. كما تعتمد على توزيع المنافع والامتيازات بشكل مستمر، والمراقبة الدائمة حيث تتحول الدولة إلى "هيكل أمني" يخدم بقاء النظام فقط.

محاولات إعادة ضبط التوازن بين الأجهزة ليست مضمونة النجاح، وقد تكون مؤشرا على بداية النهاية. وتتمثل العلامات التحذيرية في الانقسامات داخل "جماعة السيطرة" وهي المجموعة الصغيرة التي تمسك بالسلطة، وفشل آلية توزيع المنافع عندما تعجز الأنظمة عن توفير تدفق متواصل من المنافع للمقربين، وبروز قيادات بديلة داخل النظام أو خارجه مما يهدد بتحول الولاءات، وأخيرا الانهيار البنيوي عندما تتحول الدولة إلى "هيكل أمني" يخدم بقاء النظام فقط على حساب كل المؤسسات الأخرى.

في النهاية تؤكد الأدلة التاريخية أن القلق الوجودي للأنظمة الدكتاتورية ينبع من داخلها. بينما يمكن قمع الاحتجاجات الشعبية بالقوة، يصبح الصراع بين الأجهزة الأمنية أو انسحاب دعم النخب الاقتصادية والعسكرية تهديدا لا يمكن احتواؤه بسهولة. وهكذا ينشغل الحاكم المستبد باستمرار بمراقبة موازين القوى داخل نظامه، لأنه يدرك أن عرشه قد ينهار بفعل يد من داخل القصر، قبل أن تهدمه أيادي المتظاهرين في الساحات.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأشيرة والثورة .. جوستافو بيترو يهز عرش الإمبراطورية
- -ورقة جمعية- ...الأمهات اللواتي يصنعن العالم ثم يغيبن في صمت
- -ولاد الشمس- ... محمود حميدة وموسيقى الشر السيمفوني
- -قهوة المحطة- .. تراجيديا معاصرة في فضاء القهوة المظلم
- -6 أيام- .. سينما العاشق المتأخر
- عروستي .. حين يتوه الإبداع في متاهات الترفيه السهل
- فوز ممداني .. انعطافة سياسية في عاصمة المال الأمريكي
- مؤتمرا شرم الشيخ : سلام حقيقي أم حلقة مفرغة ؟ قراءة في استمر ...
- ن أجل زيكو : حين يضحكك الفقر وتخفى الحقيقة
- الأسرة في مرآة الشاشة ... من حلم جماعي إلى عزلة وجودية ، قرا ...
- العبودية المختارة .. الكتاب الذي هز عرش الطغاة
- قراءة في كتاب -الثورة المضادة في مصر
- العلاقة الاردنية السورية والقلق المشترك
- حوار مع الشاعر والكاتب المسرحي مهدى بندق
- الحضارة الشرقية غنية بأشكال ما قبل المسرح


المزيد.....




- لحظة وصول ترامب والأمير محمد بن سلمان لحضور منتدى الاستثمار ...
- ولي العهد السعودي يلتقي قادة وأعضاء في مجلس النواب الأمريكي ...
- غارات إسرائيلية جديدة على مواقع تابعة لحزب الله جنوب لبنان ب ...
- بعد موجة انتقادات واسعة.. الجزائر توضح خلفية تصويتها لصالح ا ...
- عرض في الشارع يحيي ذكرى نشطاء الديمقراطية في إسبانيا بعد 50 ...
- نتنياهو وكاتس في جنوب سوريا.. ما هي رسائل إسرائيل من هذه الز ...
- الحكم الذاتي… رؤية مغربية لحل دائم ومستدام
- ترامب مدافعا عن بن سلمان: لم يكن يعلم شيئا عن مقتل خاشقجي
- مصادر فلسطينية تؤكد إلغاء الاجتماع بين ستيف ويتكوف وخليل الح ...
- إغلاق إذاعة الجيش الإسرائيلي.. إجراء إداري أم قرار سياسي؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عادل محمود - متى تشعر الأنظمة الديكتاتورية بالقلق؟ .. الصراع الداخلي على السلطة والخطر الوجودي