أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل محمود - -ورقة جمعية- ...الأمهات اللواتي يصنعن العالم ثم يغيبن في صمت














المزيد.....

-ورقة جمعية- ...الأمهات اللواتي يصنعن العالم ثم يغيبن في صمت


عادل محمود
محامِ مصري

(Adel Mahmoud)


الحوار المتمدن-العدد: 8527 - 2025 / 11 / 15 - 12:16
المحور: الادب والفن
    


لا يشاهد المرء فيلم "أحمد البابلي" "ورقة جمعية" بقدر ما يعيشه، إنه ليس شريطا سينمائيا يعرض على الشاشة، بل هو نبض حار يخترق جدار الصمت حول عالمنا الداخلي، وحول تلك الأحياء التي تمر في خيالنا كظلال، لا نكاد نعي أنها تختزل فيها تراجيديا الإنسان المعاصر.

هنا في الحارة ، حيث الهواء ثقيل برائحة الحياة البسيطة القاسية، تطل علينا "أم عبدالله" - ببراعة استثنائية من الفنانة "لوسي" - لا كممثلة تؤدي دورا، بل كروح حقيقية لهذا المكان، إنها ليست مجرد امرأة تدير "جمعية" مالية ، إنها الأم الحكيمة الحاملة هموم الجميع، الحافظة للتوازن الهش في كون على حافة الانهيار ، إنها تمسك بورقة الجمعية ليس كوثيقة مالية، بل كعقد اجتماعي غير مكتوب، عهد على التضامن في زمن انحسرت فيه كل أشكال التكافل.

لكن المخرج البابلي، في خطوته الجريئة، لا يمنحنا الوقت لنتعلق بهذه الشخصية الأسطورية، إن موتها المفاجئ ليس حدثا دراميا فحسب، بل هو زلزال يسقط القلب النابض من جسد الحارة، تاركا إياها في فراغ قاتل، هذا الغياب هو البطل الحقيقي للفيلم، وهو من يحول العمل من قصة عن امرأة طيبة إلى استعارة مرعبة عن القيادة التي غابت وتركت خلفها فراغا من التشرذم والارتباك ، والفيلم بذكاء نادر، لا يصرح بذلك، بل يزرع الإحساس في وجداننا فنشعر به دون أن نراه، كشبح يطوف في أزقة الحارة وخبايا أنفسنا.

وفي هذا الفراغ، تختبر العزيمة وتكشف مواهب الممثلين ، إنه اختبار حقيقي للموهبة في مواجهة طغيان حضور أسطورة مثل لوسي، لكن كلا من محمد عادل و سهر الصايغ خرج مكللا بالنصر، كل بطريقته الخاصة.

"ميدو عادل" (عبدالله) الابن البار الذي يتحمل تبعات موت أمه المفاجئ وعبء ديون الجمعية ، إنه شخصية "بطل صامت" ، تحمل كل الألم في داخلها ، تميز أداء "ميدو عادل" بهدوء يعكس العمق الإنساني للشخصية، لم يلجأ إلى المبالغة الدرامية أو البكاء الصارخ، بل استخدم لغة الجسد والعينين ، نظراته الحزينة المليئة بالإرهاق والقلق، وصمته المطبق في بعض المشاهد، كانا أبلغ من أي حوار ، لقد نجح في نقل صورة الابن المسؤول الذي يضحي بكل شيء في صمت، مما منح الشخصية مصداقية كبيرة وجعل المشاهد يتعاطف معها بعمق. لقد أثبت أنه قادر على حمل مشروع درامي على كتفيه، ليس كممثل مساعد فحسب، بل كبطل قادر على قيادة الرحلة العاطفية للفيلم.

"سهر الصايغ" (رشا) الأخت التي تنتظر الزواج وتجد نفسها في مواجهة تبعات مأساة العائلة ، براعة "سهر الصايغ" تكمن في تصويرها لتناقضات الشخصية النسوية في المجتمع الشرقي ، هي تظهر هشة ضعيفة من الخارج، لكنها قوية ومتحملة من الداخل ، مشهد تنازلها عن مصاغ أمها هو ذروة الأداء ، حيث استطاعت أن تنقل بمزيج من الدموع المكتومة ونبرة الصوت المرتعشة مأساة التضحية الأنثوية في سبيل الأسرة ، حتى في صمتها، هناك قصة تحكى ، لقد استكملت دائرة العاطفة في الفيلم التي بدأتها لوسي.

ولا ننسى هنا "أحمد صيام" (عم سليمان) الذي يجسد حكمة الشارع المصري بتلقائية شديدة، و"ناهد رشدي" - رحمة الله عليها - (أم ثناء) التي تقدم أداء مكثفا ومقتصدا يعبر عن قوة الأم المصرية التي ترفض الاستسلام، و"محمود فارس" (أودي) الذي يمثل الوجه الآخر للمأساة، مظهرا التناقض الإنساني بين الخير والشر في نفس الإنسان المحاصر.

وبالعودة إلى لوسي، لا يحتاج القلم إلا أن يرفع لها التحية ، فهي لم تكن تؤدي دورا على الشاشة، بل كانت تعيشه بكامل روحها ، تخلت عن كل زينة زائفة، وعن كل قناع مصطنع، لتمنحنا إنسانيتها الخالصة. وجهها الذي صبغته شمس مصر، وتجاعيده التي تختزن حكايات الأمهات جميعا، وعيناها اللتان تحملان في آن واحد وجع العالم ورجاءه، صارت في حد ذاتها النص الأعمق، والسيناريو الأصدق الذي كتبه الوجود لهذه الشخصية.

ولكن العمل، رغم عمقه، ليس معصوما، ثمة هالة من المثالية تغلف بعض الشخصيات ، وكأن الأخلاق لم تخدش بعد من قسوة الحياة. وكان يمكن للفيلم أن يغوص أكثر في تناقضات هذه النفوس المحاصرة.
كما أن حل عقدة اختفاء النقود جاء سريعا وسحريا، وكأن المخرج نفسه أراد الهروب من فخ الواقعية القاسية التي صنعها إلى نهاية مطمئنة، ربما حرصا على عدم إثقال كاهل المشاهد.

"ورقة جمعية" هو أكثر من فيلم ، هو صرخة ، هو منحة، هو مرآة. هو إثبات أن السينما المصرية لم تفقد روحها بعد ، رغم كل القيود، ها هو عمل يخرج من قلب المهمشين ليقول كلمته بشجاعة، معتمدا على مواهب تمثيلية صادقة ترفع راية السينما الواقعية ، إنه فيلم عن القيمة التي تمنحها القيادة الحقيقية ، القائمة على الحب والاحترام، وعن الفوضى التي يعيشها المجتمع حين تختفي هذه القيادة.

إنها ورقة جمعية ، قد تطير بها الريح، وقد تبني منها عالما ، الفيلم - ومعه أبطاله - يترك لنا الخيار.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ولاد الشمس- ... محمود حميدة وموسيقى الشر السيمفوني
- -قهوة المحطة- .. تراجيديا معاصرة في فضاء القهوة المظلم
- -6 أيام- .. سينما العاشق المتأخر
- عروستي .. حين يتوه الإبداع في متاهات الترفيه السهل
- فوز ممداني .. انعطافة سياسية في عاصمة المال الأمريكي
- مؤتمرا شرم الشيخ : سلام حقيقي أم حلقة مفرغة ؟ قراءة في استمر ...
- ن أجل زيكو : حين يضحكك الفقر وتخفى الحقيقة
- الأسرة في مرآة الشاشة ... من حلم جماعي إلى عزلة وجودية ، قرا ...
- العبودية المختارة .. الكتاب الذي هز عرش الطغاة
- قراءة في كتاب -الثورة المضادة في مصر
- العلاقة الاردنية السورية والقلق المشترك
- حوار مع الشاعر والكاتب المسرحي مهدى بندق
- الحضارة الشرقية غنية بأشكال ما قبل المسرح


المزيد.....




- مصر.. إصابة الفنان أحمد سعد في ظهرة ومنطقة الفقرات بحادث سير ...
- أول تعليق لترامب على اعتذار BBC بشأن تعديل خطابه في الفيلم ا ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- لقاء خاص مع الممثل المصري حسين فهمي مدير مهرجان القاهرة السي ...
- الممثل جيمس فان دير بيك يعرض مقتنياته بمزاد علني لتغطية تكال ...
- ميرا ناير.. مرشحة الأوسكار ووالدة أول عمدة مسلم في نيويورك
- لا خلاص للبنان الا بدولة وثقافة موحدة قائمة على المواطنة
- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن قائمة السينمائيين المشار ...
- جائزة الغونكور الفرنسية: كيف تصنع عشرة يوروهات مجدا أدبيا وم ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل محمود - -ورقة جمعية- ...الأمهات اللواتي يصنعن العالم ثم يغيبن في صمت