أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل محمود - -ولاد الشمس- ... محمود حميدة وموسيقى الشر السيمفوني














المزيد.....

-ولاد الشمس- ... محمود حميدة وموسيقى الشر السيمفوني


عادل محمود
محامِ مصري

(Adel Mahmoud)


الحوار المتمدن-العدد: 8525 - 2025 / 11 / 13 - 10:07
المحور: الادب والفن
    


لا يكتفي مسلسل "ولاد الشمس" بأن يكون مجرد حكاية درامية عرضت في زحام سباق الدراما الرمضانية ، بل يأبى إلا أن يكون صرخة مدوية في وجدان المتفرج ، ومطرقة ثقيلة تدق على أوتار القضية الاجتماعية الأكثر إيلاما وإظلاما ، إنه يستدرجك إلى دهاليز دار للأيتام ، ليقيم فيها مأتما طويلا للبراءة المسروقة والطفولة المغدورة .

هنا في هذا القبو المعتم ، حيث يفترض أن يكون الملاذ والأمان ، تصنع الخطيئة وتستزرع الوحشة في نفوس لم تعرف من الحياة إلا القسوة ، إنه عالم مواز ، قائم على استغلال الضعف وترويض اليتم ، تتحول فيه دار الرعاية إلى مزرعة يحرثها "بابا ماجد" - ذلك المخلوق الاستثنائي الذي يصوغه "محمود حميدة" بإتقان الساحر الذي لا تخلو يده من شفقة ملغومة بالسم - ليزرع فيها بذور الجريمة ويحصد ثمارا الإجرام .

لم يعد "محمود حميدة" ممثلا يؤدي دورا ، بل تحول إلى ظاهرة فنية قائمة بذاتها ، إنه ذلك النحات الماهر الذي ينحت شخصياته من لحم ودم وضمير متأزم ، لا من كارتون الأسود والأبيض ، في "ولاد الشمس" ، يقدم لنا "ماجد العيسوي" أو "بابا ماجد" بوصفه أبرع تشخيص للشر المطلق ، لكنه شر مغلف بغلاف إنساني مريب .
إنه ليس شريرا تقليديا يصرخ ويهدد ، بل هو أكثر خبثا وأعمق أثرا ، إنه يمتلك سلاح الإقناع لا الإكراه ، ويجيد لعبة التلاعب النفسي ببراعة المؤسس لأكذوبة كبرى ، يرتدي عباءة الأبوة ليمارس أسوأ أنواع الاستغلال ، كل كلمة ينطقها محسوبة كقطرة السم في العسل ، وكل نظرة يرمق بها الأيتام هي خليط من التملك والاستعلاء والاستغلال.
الأداء هنا ليس تمثيلا ، بل هو حالة من التماهي الوجودي ، صوت حميدة المتموج بين الهمس والوعيد ، وحركاته البطيئة المحسوبة ، وعينيه اللتين تقدحان شرا مستعارا من قلب التراجيديا الإغريقية ، كلها عناصر تصوغ لنا شرا "سيمفونيا" متعدد الطبقات ، شرا لا يمكنك كرهه بالكامل ، لأنه يمنحك بين لحظة وأخرى بصيصا من شفقة حقيقية ، أو لمحة من مبدأ مشوه ، فيحيرك ويأسرك .

في مواجهة هذا التمثال الطاغي ، تنبثق شخصيات الأيتام ، لا كمجرد ضحايا سلبيين ، بل كشعلة من التمرد ، "ولعة" و "مفتاح" ليسا مجرد شابين يريدان الهروب ، بل هما تجسيد لإرادة الحياة التي ترفض أن تسجن في قفص الاستغلال ، تمردهما هو بحث عن الذات وسط عالم يسعى لطمسها ، أما "ألمظ" و"قطايف" فهما وجها البراءة التي لم تفسد بعد بشكل كامل ، وهما يمثلان الأمل الهش الذي يجب إنقاذه من براثن ذلك الوحش الإنساني .

لا ينسى المسلسل أن يكون عملا بصريا أخاذا ، المخرج "شادي عبد السلام" لا يكتفي بسرد الحكاية ، بل ينقلنا إلى داخل الجحيم ، يستخدم الكاميرا كعينا متلصصة على العذاب ، تلتقط الهمسات ، وتكبر من ملامح الخوف ، وتغوص في عيون الأطفال لترى العالم الذي بداخلهم ، مشهد استماع "بابا ماجد" للموسيقى الكلاسيكية هو لمسة عبقرية ، تضيف بعدا تراجيديا مأساويا للشخصية ، وكأن الموسيقى هي محاولة يائسة لغسل ذنب متأصل ، أو تناقض صارخ بين رقة الفن وفظاعة الفعل .

"ولاد الشمس" هو أكثر من مسلسل ، هو وثيقة اتهام اجتماعي ، واستفهام فلسفي كبير عن طبيعة الشر والخير ، إنه يضع المرآة أمام المجتمع ليرى جانبه المظلم ، ويسأل : من هو الشرير الحقيقي؟ هل هو : "بابا ماجد" وحده ، أم المجتمع الذي سمح بوجود نظام يستولد أمثاله؟






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -قهوة المحطة- .. تراجيديا معاصرة في فضاء القهوة المظلم
- -6 أيام- .. سينما العاشق المتأخر
- عروستي .. حين يتوه الإبداع في متاهات الترفيه السهل
- فوز ممداني .. انعطافة سياسية في عاصمة المال الأمريكي
- مؤتمرا شرم الشيخ : سلام حقيقي أم حلقة مفرغة ؟ قراءة في استمر ...
- ن أجل زيكو : حين يضحكك الفقر وتخفى الحقيقة
- الأسرة في مرآة الشاشة ... من حلم جماعي إلى عزلة وجودية ، قرا ...
- العبودية المختارة .. الكتاب الذي هز عرش الطغاة
- قراءة في كتاب -الثورة المضادة في مصر
- العلاقة الاردنية السورية والقلق المشترك
- حوار مع الشاعر والكاتب المسرحي مهدى بندق
- الحضارة الشرقية غنية بأشكال ما قبل المسرح


المزيد.....




- ميريل ستريب تلتقي مجددًا بآن هاثاواي.. إطلاق الإعلان التشويق ...
- رويترز: أغلب المستمعين لا يميزون الموسيقى المولدة بالذكاء ال ...
- طلاق كريم محمود عبدالعزيز يشغل الوسط الفني.. وفنانون يتدخلون ...
- المتحف الوطني بدمشق يواصل نشاطه عقب فقدان قطع أثرية.. والسلط ...
- وزارة الثقافة السورية تصدر تعميما بمواصفات 6 تماثيل مسروقة م ...
- هنادي مهنّا وأحمد خالد صالح ينفيان شائعة طلاقهما بظهورهما مع ...
- السعودية تُطلق -أكاديمية آفاق- لتعزيز الشراكة بين التعليم وا ...
- بدورته الـ 46.. مهرجان -القاهرة السينمائي- يكرم خالد النبوي ...
- مع تحدي السياحة.. هل يحافظ دير سانت كاترين بعمر 1500 عام على ...
- -أعرف مدى دناءة دونالد ترامب-.. جيفري إبستين في رسالة عن قضي ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل محمود - -ولاد الشمس- ... محمود حميدة وموسيقى الشر السيمفوني