أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عادل محمود - -مستقبل الثقافة في مصر- ..بين أسطورة التنوير وأزمة النهضة المؤجلة














المزيد.....

-مستقبل الثقافة في مصر- ..بين أسطورة التنوير وأزمة النهضة المؤجلة


عادل محمود
محامِ مصري

(Adel Mahmoud)


الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 20:59
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


منذ سبعة وثمانين عاما ، وفي لحظة بدا فيها أن مصر تتأهب للانطلاق نحو استقلالها ، نشر طه حسين كتابه الأشهر "مستقبل الثقافة في مصر" .
لم يكن الكتاب مجرد تأمل في التعليم أو الهوية ، بل كان صرخة مثقف رأى أن طريق التحرر يبدأ من الوعي لا من السياسة .
خرج طه حسين من قلب معاهدة 1936 ، حين ظن المصريون أن الاستقلال على الأبواب ، ليضع مشروعا يرى فيه أن الثقافة هي الأساس الحقيقي لبناء الدولة الحديثة .
لكن ما طرحه الرجل لم يكن مجرد برنامج تعليمي ، بل زلزالا فكريا هز علاقة مصر بتاريخها وجغرافيتها معا .
ومن يومها ، والكتاب لا يزال يعيش بيننا ، يسائلنا أكثر مما نسائله : من نحن ؟ ولمن ننتمي ؟ وإلى أي أفق نتجه ؟

في ثلاثينيات القرن الماضي ، كانت مصر تعيش مخاضا سياسيا وثقافيا قاسيا ، صراع بين الشرق والغرب ، بين الأصالة والحداثة ، بين المثقف الوطني والمثقف الأوروبي الهوى .
وسط هذه الفوضى الفكرية ، جاء طه حسين ليقول كلمته : إننا جزء من حضارة البحر المتوسط ، لا من الشرق الغامض الذي لا يعرف العقل .
كان هذا القول كمن يشعل عود ثقاب في حقل من القش ، فاشتعل الجدل بين من رأى فيه خيانة للهوية ، ومن اعتبره فتحا تنويريا جديدا .

لم يكن طه حسين مؤرخا للحضارات ، بل كان مفكرا يبحث عن نسب للعقل المصري .
رأى أن مصر - منذ فجر التاريخ - انتمت إلى حضارة البحر المتوسط ، حيث تفاعل عقلها مع عقل اليونان ، وازدهرت الإسكندرية كجسر بين الشرق والغرب .
وعنده - طه حسين - أن الإسلام لم يقطع هذا الخيط الحضاري ، بل امتد به نحو الفكر الفلسفي الذي صاغه العرب واليونان معا .
هكذا بدا وكأنه يريد أن يقول : لسنا عربا فقط ، ولسنا غربيين تماما ، نحن ذلك المزيج الذي يسكن بين ضفتين .
لكن هذا الطموح الفكري ، الذي بدا تنويريا في زمانه ، كان يحمل في طياته نزعة تغريبية خفية ، نزعة تبهرها أوروبا فتغفل ما تحت القدم من تراب شرقي خصب لا يقل عمقا ولا غنى .

طه حسين لم يكتب عن الثقافة بوصفها ترفا ، بل كمنهج لبناء الأمة .
دعا إلى تعليم مجاني وإلزامي ، إلى مدارس تزرع العقل النقدي لا الطاعة ، إلى انفتاح على اللغات الأوروبية بوصفها مفاتيح العصر .
وفي خلفية المشروع ، تتجلى رؤيته الثلاثية :
الحضارة - القوة - الثروة ، وكلها تبدأ من الثقافة والعلم .
لقد حلم بمصر متعلمة تفكر بعقل أوروبي لكنها تحيا بروح مصرية .
ولعل هذه المفارقة هي جوهر الكتاب : التنوير كحلم نبيل ، والهوية كقلق لا يهدأ .

ما إن صدر الكتاب حتى تحول إلى معركة فكرية .
رأى فيه سيد قطب محاولة لتغريب مصر وطمس جذورها الشرقية ، وكتب ردا بعنوان "نقد كتاب مستقبل الثقافة في مصر" .
بينما اعتبر آخرون أن طه حسين يمارس نوعا من "الاستعلاء الثقافي" ، إذ يقيس العالم بمسطرة أوروبا وحدها .
لكن طه حسين ظل ثابتا على موقفه حتى آخر أيامه ، مؤمنا بأن العقل المصري أقرب إلى المتوسط منه إلى الصحراء .
وفي ذلك الثبات ، يطل السؤال الكبير : هل كان طه حسين مثقفا شجاعا ، أم أسيرا لفكرة أوروبا بوصفها الفردوس المفقود ؟

بعد سبعة وثمانين عاما ، تبدو مصر وقد دخلت مرحلة جديدة من التيه الثقافي .
التعليم يعاني ، والوعي الجمعي مشوش ، والأسئلة التي طرحها طه حسين لم تجد بعد جوابا .
لكن ما تغير حقا هو المشهد العالمي نفسه ،
لم تعد أوروبا هي النموذج الأوحد ، ولا البحر المتوسط هو مركز التاريخ ، بل صارت المعرفة عابرة للقارات ، والهوية خليطا من الذاكرة والإنترنت .
وهنا تكمن أهمية إعادة قراءة طه حسين لا كقديس تنويري ، بل كإنسان عاش أزمة هوية في زمن كان فيه الشرق يبحث عن ذاته بين باريس والأزهر .

رغم ما يمكن أن يقال عن نزعة التغريب ، فإن الكتاب يبقى أول محاولة جادة لصياغة مشروع ثقافي وطني متكامل .
لقد أدرك طه حسين - قبل كثيرين - أن التعليم هو معركة المستقبل ، وأن النهضة لا تستورد ، بل تبنى على قاعدة من النقد والمساءلة .
قيمته اليوم ليست في يقينه ، بل في شجاعته على طرح الأسئلة الكبرى : ما معنى أن نكون مصريين في عالم بلا حدود ؟
كيف نحافظ على اللغة ونحن نعيش داخل فضاء رقمي يلتهم الهويات ؟
وكيف نصنع تنويرا جديدا لا يبدأ من النقل عن أوروبا ، بل من معرفة أنفسنا ؟

لقد أراد طه حسين أن يجعل من الثقافة طريقا إلى الحرية ، لكن الحرية ظلت حلما مؤجلا .
ربما أخطأ في المبالغة بعقلنة الانتماء ، وربما بالغ في تقديس الغرب ، لكن لا أحد ينكر أنه فتح الباب أمام سؤال لم يغلق بعد : كيف ننهض دون أن نفقد ملامحنا ؟
وها نحن بعد قرابة قرن ، ما زلنا ندور في نفس الدائرة : بين "الخصوصية" و"الانفتاح" ، بين "الأصالة" و"المعاصرة" ، بين "الامل" و "الخوف" .
غير أن طه حسين - رغم كل شيء - ما زال يبتسم من بعيد ، كأنه يقول لنا : لا تخافوا من الأسئلة ، فالنهضة لا تولد من الطاعة ، بل من الشك .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى تشعر الأنظمة الديكتاتورية بالقلق؟ .. الصراع الداخلي على ...
- التأشيرة والثورة .. جوستافو بيترو يهز عرش الإمبراطورية
- -ورقة جمعية- ...الأمهات اللواتي يصنعن العالم ثم يغيبن في صمت
- -ولاد الشمس- ... محمود حميدة وموسيقى الشر السيمفوني
- -قهوة المحطة- .. تراجيديا معاصرة في فضاء القهوة المظلم
- -6 أيام- .. سينما العاشق المتأخر
- عروستي .. حين يتوه الإبداع في متاهات الترفيه السهل
- فوز ممداني .. انعطافة سياسية في عاصمة المال الأمريكي
- مؤتمرا شرم الشيخ : سلام حقيقي أم حلقة مفرغة ؟ قراءة في استمر ...
- ن أجل زيكو : حين يضحكك الفقر وتخفى الحقيقة
- الأسرة في مرآة الشاشة ... من حلم جماعي إلى عزلة وجودية ، قرا ...
- العبودية المختارة .. الكتاب الذي هز عرش الطغاة
- قراءة في كتاب -الثورة المضادة في مصر
- العلاقة الاردنية السورية والقلق المشترك
- حوار مع الشاعر والكاتب المسرحي مهدى بندق
- الحضارة الشرقية غنية بأشكال ما قبل المسرح


المزيد.....




- -أمر مؤثر للغاية بالنسبة لي-.. أمريكية أطلق عليها حرس الحدود ...
- -توزيع أموال وتعطيل تصويت-.. الداخلية المصرية توضح حقيقة فيد ...
- فيديو متداول لـ-مقاتلات سعودية تقصف الدعم السريع بالسودان-.. ...
- الشهرة المبكرة: كيف ينجو الأطفال النجوم من آثارها النفسية وا ...
- غارات روسية بطائرات مسيرة على خاركيف تقتل 4 وتصيب العشرات
- بوتين وأردوغان يناقشان خطة السلام بأوكرانيا..والمقترح الأمير ...
- جمهورية الكونغو الديمقراطية : شبح الصراعات العرقية يسيطر على ...
- في أحدث نشاط له.. بركان كيلاويا في هاواي ينفث حمما منصهرة
- حماس تبحث في القاهرة المرحلة الثانية من الهدنة بغزة وسط سقوط ...
- مئات الأشخاص يشيعون جنازة -رئيس أركان- حزب الله بضاحية بيروت ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عادل محمود - -مستقبل الثقافة في مصر- ..بين أسطورة التنوير وأزمة النهضة المؤجلة