أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل محمود - محمد صبحي، عمرو أديب، وأم كلثوم .. في زمن الترفيه الموجه















المزيد.....

محمد صبحي، عمرو أديب، وأم كلثوم .. في زمن الترفيه الموجه


عادل محمود
محامِ مصري

(Adel Mahmoud)


الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 08:44
المحور: الادب والفن
    


ليست كل الضجة التي تملأ الفضاء الإعلامي ضجيجا متساوي القيمة. بعض الضجيج هو صوت السوق وهو يعيد ترتيب البضائع، وبعضه دوي منظومات دفاعية تخفي ضعفها، وقليل منه فقط صوت سؤال حقيقي . اعتراض محمد صبحي على فيلم "الست" لا ينتمي إلى الضجيج الأول، ولا إلى الدوي الثاني، لكن إلى الفئة الثالثة: فئة السؤال، الذي لا يهاجم عملا فنيا بعينه بقدر ما يطرح سؤال أعمق: من يملك الحق في إعادة صياغة الرموز؟ وبأي منطق؟ ولمصلحة من؟
محمد صبحي - بكل ما عليه وما له - ينتمي إلى جيل لم يعرف الفن بوصفه محتوى، ولا الفنان بوصفه براند. جيل رأى المسرح مدرسة، والسينما رسالة اجتماعية، جيل آمن أن الكلام عن الرموز مسؤولية تاريخية، لأن الرمز - خاصة حين يكون بحجم أم كلثوم - هو حصيلة تراكم اجتماعي، ووجداني، امتد لعقود.
من هنا لا ينطلق اعتراض محمد صبحى من سؤال: هل الفيلم جيد أم ردئ ؟ بل من سؤال أكثر خطورة: لماذا الآن؟ ولماذا بهذه الصيغة؟ ولماذا بهذا التمويل؟ ولمصلحة أي تصور عن أم كلثوم؟
أم كلثوم ظاهرة فنية و ثقافية موثقة في عشرات الدراسات الأكاديمية، من كتاب فرجينيا دانييلسون ( The Voice of Egypt 1997) إلى دراسات جوزيف مسعد حول القومية والثقافة، مرورا بتحليلات أنور عبد الملك عن الدور السياسي للأغنية العربية في زمن ما بعد الاستعمار. كانت أم كلثوم في ذروة حضورها، جزءا من معادلة سياسية وثقافية : صوت الدولة، وصوت الجماهير، وصوت التناقض بين السلطة والناس.
غنت للحب وغنت للهزيمة، غنت للانتظار وغنت للصبر القاسي، كانت حفلاتها الشهرية - التي تبث مباشرة في الراديو - تعلق فيه الحياة لساعتين، وتعيد صياغة المشاعر العامة.
إعادة تقديم هذه الشخصية، إذن، ليس عملا بلا غرض. كل اختيار درامي - من زاوية الكاميرا إلى بنية السرد - هو موقف معرفي حتى لو أنكره صناعه. وهنا تحديدا يبدأ الإشكال.
حين استخدم محمد صبحي لفظ "مؤامرة" ، سارع كثيرون إلى السخرية، كأن الرجل استدعى اجتماعا سريا في غرفة مظلمة. لكن القراءة السطحية هنا - كالعادة - تخفي المعنى الأهم. فـ"المؤامرة" في السياق الثقافي لا تعني بالضرورة تآمر أشخاص، بل تآمر منطق: منطق السوق حين يعيد ترتيب المعنى ليناسب الذائقة السائدة، لا السياق التاريخي.
المؤامرة بهذا المعنى هي :
أن يعمد هذا النوع من التناول إلى تبسيط سيرة الشخصية وإعادة ترتيبها في قالب درامي سهل، يتم فيه حذف التناقضات والصراعات الأساسية التي شكلت مسارها الحقيقي.
كما يتجاهل السياق السياسي والاجتماعي الذي أحاط بالتجربة، ولا يتوقف عند علاقة الشخصية بالسلطة أو بالواقع العام، مكتفيا بتقديم قصة نجاح فردية منزوعة الخلفية.
وبهذا الأسلوب، تتحول الشخصية من تجربة إنسانية فريدة تستحق النقاش إلى نموذج جاهز للاستهلاك، يقدم للجمهور بوصفه إجابة نهائية لا تحتمل الأسئلة أو النقد.
هي عملية تسطيح لا تشويه. والتسطيح أخطر، لأنه ينتج قبولا هادئا.
هنا يدخل عمرو أديب إلى المشهد، لا بوصفه إعلاميا صاحب رأي مستقل، بل بوصفه موظف داخل منظومة. العلاقة المهنية بينه وبين الجهة المنتجة للفيلم ليست تفصيلة جانبية لكنها مفتاح القراءة. الإعلام في هذا السياق أداة إدارة للصورة العامة و ليس مساحة للنقاش .
الهجوم على محمد صبحي لم يكن تفنيدا لحجج، ولا مناقشة لرؤية، بل كان عملية تحويل ممنهجة لمسار النقاش:
من الفيلم إلى الشخص
من التاريخ إلى السيرة الذاتية
من السؤال الفني إلى المحاكمة الأخلاقية
الأسئلة من نوع: عملت إيه؟ كنت فين؟ دفعت تمن إيه؟
ليست بريئة. إنها أسئلة تستخدم لإسقاط شرعية الاعتراض من خلال التشكيك في أهلية المعترض. كأن النقد لا يسمح به إلا لمن دفع ثمنا شخصيا كافيا، وإلا صار اعتراضه "ترفا أخلاقيا".
هذه ليست مناظرة. إنها آلية إقصاء ناعمة، تفرغ النقد من محتواه، وتحوله إلى مسألة سلوك فردي.
الخطر الحقيقي لا يكمن في فيلم واحد، بل في النموذج. نموذج إنتاج ثقافي يمتلك:
المال
المنصات
الإعلام
والقدرة على تحويل أي اعتراض إلى "ضجيج كاره للفرح"
في هذا النموذج، لا يقاس العمل بعمقه ولكن بانتشاره، ولا تقاس القيمة بقدرتها على طرح الأسئلة، ولكن بقدرتها على التسويق. الرمز يعامل كعلامة تجارية والذاكرة تضغط في قالب درامي قابل للاستهلاك، والنقد يعاد تعريفه بوصفه "معطل للنجاح".
وهنا تستبدل الأسئلة الكبرى - من نحن؟ كيف تشكلنا؟ ما الذي خسرناه؟ - بسؤال واحد صغير، لكنه فعال:
"ليه مكبرين الموضوع؟ ده فيلم!"
سؤال يبدو بسيطا، لكنه يحمل داخله فلسفة كاملة: فلسفة اختزال الثقافة في الترفيه، والتاريخ في الحكاية، والرمز في الشخصية.
الهيمنة الحديثة لا تأتي بالدبابات، بل بالمسلسلات، وبجملة تبدو ودية: "سيبونا نفرح"
لكن الفرح حين يدار من أعلى وحين يمول بلا حساب وحين يقدم على حساب السياق التاريخي، يتحول إلى مخدر ثقافي. أم كلثوم - التي غنت للزمن الصعب - تعاد اليوم بلا صعوبة. بلا توتر. بلا سياق.
يعاد تقديمها كأيقونة نجاح فردي، لا كنتاج صراع اجتماعي. كصوت "عظيم" بلا زمن، بلا دولة، بلا هزيمة، بلا جمهور كان يستمع وهو يعرف أن الغد ليس مضمونا.
وهنا يصبح اعتراض محمد صبحي مزعجا، لا لأنه صحيح أو خاطئ، بل لأنه يكسر الإجماع المصنع. لأنه يعيد السؤال إلى مكانه الطبيعي: السياسة لا الذائقة.
في زمن يتهم فيه من يدافع عن التاريخ بأنه "عدو للنجاح"،
ويكافأ فيه من يسطح الرمز باعتباره "صانع فرح"،
تصبح أم كلثوم ، خلفية موسيقية لمشروع ناعم، لا يريد أن يزعج أحدا.
السخرية هنا ليست في الفيلم، بل في ردود الفعل. في هذا الحرص المفاجئ على "مشاعر الجمهور"، وكأن الجمهور كائن هش لا يحتمل السؤال. وكأن الذاكرة عبء يجب تخفيفه، لا مادة يجب تفكيكها.
القضية في جوهرها، ليست فيلم "الست"، ولا محمد صبحي، ولا عمرو أديب.
القضية هي : هل ما زالت الذاكرة الثقافية العربية ملكا لأصحابها؟
أم أنها صارت مادة خام في خط إنتاج ترفيهي، يعاد تشكيلها وفق طلب السوق؟
أم كلثوم لا تحتاج إلى من "يحييها".
هي حية بقدر ما نحافظ على تاريخها كاملا، بما فيه من تناقضات وأسئلة غير محسومة. وأخطر ما يمكن أن يحدث لأي رمز ليس أن يهاجم أو يرفض، بل أن يقدم في صورة ملساء ومطمئنة، تفرغ من محتواها، حتى تفقد قدرتها على طرح الأسئلة.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصل الشتاء .. حين يقول الجسد ما تخفيه السياسة
- دراما رمضان … محظورات تكتب السيناريو قبل المبدعين
- فيلم -الست- … علي صفيح ساخن
- جورجيا ميلوني .. امرأة هزت عرش أوروبا
- -مستقبل الثقافة في مصر- ..بين أسطورة التنوير وأزمة النهضة ال ...
- متى تشعر الأنظمة الديكتاتورية بالقلق؟ .. الصراع الداخلي على ...
- التأشيرة والثورة .. جوستافو بيترو يهز عرش الإمبراطورية
- -ورقة جمعية- ...الأمهات اللواتي يصنعن العالم ثم يغيبن في صمت
- -ولاد الشمس- ... محمود حميدة وموسيقى الشر السيمفوني
- -قهوة المحطة- .. تراجيديا معاصرة في فضاء القهوة المظلم
- -6 أيام- .. سينما العاشق المتأخر
- عروستي .. حين يتوه الإبداع في متاهات الترفيه السهل
- فوز ممداني .. انعطافة سياسية في عاصمة المال الأمريكي
- مؤتمرا شرم الشيخ : سلام حقيقي أم حلقة مفرغة ؟ قراءة في استمر ...
- ن أجل زيكو : حين يضحكك الفقر وتخفى الحقيقة
- الأسرة في مرآة الشاشة ... من حلم جماعي إلى عزلة وجودية ، قرا ...
- العبودية المختارة .. الكتاب الذي هز عرش الطغاة
- قراءة في كتاب -الثورة المضادة في مصر
- العلاقة الاردنية السورية والقلق المشترك
- حوار مع الشاعر والكاتب المسرحي مهدى بندق


المزيد.....




- ترحيل الأفغان من إيران.. ماذا تقول الأرقام والرواية الرسمية؟ ...
- الإعلام الغربي وحرب الرواية بغزة: كيف كسرت مشاهد الإبادة الس ...
- أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة
- يوروفيجن تحت الحصار.. حين تسهم الموسيقى في عزلة إسرائيل
- موجة أفلام عيد الميلاد الأميركية.. رحلة سينمائية عمرها 125 ع ...
- فلسطينية ضمن قائمة أفضل 50 معلمًا على مستوى العالم.. تعرف عل ...
- أفلام الرسوم المتحركة في 2025.. عندما لم تعد الحكايات للأطفا ...
- العرض المسرحي “قبل الشمس”
- اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.. احتفال باللغة وال ...
- المدير التنفيذي لمعجم الدوحة: رحلة بناء ذاكرة الأمة الفكرية ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل محمود - محمد صبحي، عمرو أديب، وأم كلثوم .. في زمن الترفيه الموجه