أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسين غسان الشمخي - هل أهل الكوفة أهلُ غدرٍ وخيانةٍ ؟














المزيد.....

هل أهل الكوفة أهلُ غدرٍ وخيانةٍ ؟


حسين غسان الشمخي

الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 12:11
المحور: قضايا ثقافية
    


أنقلُ عن عليِّ الوردي، مع اختصار بعض المواضع، تحليلا دقيقا ووافيا لطبيعة المجتمع الكوفي آنذاك، يُفسِّر أسباب نصرة أهل الكوفة في البداية للخليفة عليِّ بن أبي طالب، قبل انقلابهم عليه، ثم نصرتهم للحسين بن علي، قبل أن ينقلبوا عليه أيضا:
كانت الكوفة، كغيرها من الأمصار الإسلامية آنذاك، مقرا للقبائل البدوية التي كانت قد جاءت من صحراء العرب لفتح العراق. ولكن الكوفة تميَّزت بوجود عددٍ من حملة التعاليم الإسلامية فيها يفوق ما كان في الأمصار الأخرى منهم. والسبب في ذلك هو أن عليًّا، عندما خرج من الحجاز قاصدا العراق في أوائل خلافته، كان في صحبته جماعة كبيرة من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم، حتى قيل إن الأنصار كلهم جاؤوا معه إلى العراق، ولم يتخلَّف عنه سوى ثلاثةٍ أو أربعةٍ منهم. وقد كتب هو إلى معاوية يقول: ((وأنا مُرْقِلٌ نحوك بجَحْفَلٍ من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان)) (1). معنى هذا أن المجتمع الكوفي كان في عهد عليٍّ خاضعا لنوعين من الزعامة، هما: الزعامة الدينية التي تتمثَّل في عليٍّ وأصحابه من جهة، والزعامة القبلية التي تتمثَّل في رؤساء القبائل من الجهة الأخرى.

وممَّا يجدر ذكره أن عليًّا، قبل وصوله الكوفة، كان قد قاتل أصحاب الجمل في البصرة وانتصر عليهم انتصارا باهرا، فكان هذا الانتصار من أهمِّ الأسباب في التفاف القبائل الكوفية حول عليٍّ وتحمُّسهم له، فهم كانوا موقنين أنه سوف ينتصر على معاوية، كما انتصر على أصحاب الجمل. وساروا معه إلى صفِّين يحدوهم الأمل بالنصر والفوز بالغنائم الوفيرة. انتهت معركة صفِّين بالخيبة بالنسبة لأهل الكوفة، ولهذا وجدنا فريقا منهم يخرجون على عليٍّ، وهم الذين اشتهروا في التاريخ باسم ((الخوارج)). أمَّا الفريق الآخر، وهم الأكثرون، فقد بقوا مع عليٍّ، ولكن حماسهم له قد فتر، فهم كانوا ينظرون إلى عليٍّ لا باعتباره إماما يُمثِّل التعاليم الإسلامية، بل باعتباره رئيسا يقودهم إلى النصر، فلمَّا خاب أملهم بالنصر وضعوا اللوم على عليٍّ وأخذوا يستهينون به.

لا حاجة بنا إلى القول إن أصحاب عليٍّ من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم ظلُّوا على ولائهم له؛ لأنه كان في نظرهم رمز الحقِّ تجاه الباطل، ولكن هؤلاء لم يكن لهم تأثيرٌ على أهل الكوفة كتأثير القبائل البدوية.

حين ندرس الأيام الأخيرة التي قضاها عليٌّ في الكوفة قبل مقتله، حسبما ورد وصفها في تاريخ الطبري وابن أبي الحديد وغيرهما، نرى بوضوح مبلغ الألم والتذمُّر الذي كان عليٌّ يشعر به تجاه أهل الكوفة، فكان يذمُّهم في خطبه ذمّا شديدا، ويقول عنهم إنهم ملأوا قلبه قيحا؛ إذ كانوا يعدونه بالخروج معه لحرب معاوية مرةً بعد مرة، ثم يُخلِفون الوعد معه في كلِّ مرة. من جملة الخطب التي ألقاها عليٌّ في ذمِّ أهل الكوفة خطبةٌ معروفةٌ تُسمَّى ((القاصعة))، يوضِّح فيها عليٌّ بجلاء موضع الخلاف بينه وبينهم، فهم في سلوكهم العملي يسيرون حسب قيمهم البدوية التي نشأوا عليها في محيطهم القبلي، ولكنهم يتظاهرون بالدين شكليا، بينما هو يريد منهم أن يكونوا متديِّنين ظاهرا وباطنا. فهو يقول في تلك الخطبة:
(واعلموا أنكم صرتم بعد الهجرة أعراباً، وبعد الموالاة أحزاباً، ما تتعلَّقون من الإسلام إلَّا باسمه، ولا تعرفون من الإيمان إلَّا رسمه. تقولون النار ولا العار، كأنكم تريدون أن تكفِئوا الإسلام على وجهه) (2).

أما سلوك أهل الكوفة مع الحسين فكان كمثل سلوكهم مع أبيه. فهم عندما بلغهم خبر موت معاوية في أواخر عام 60 هـ ظنُّوا أن الدولة الأموية قد انهارت، وأن الدنيا أصبحت مع الحسين. وهنا اتَّفق رأي الزعامة الدينية ورأي الزعامة القبلية على استدعاء الحسين: تلك تريد الحسين إماما، وهذه تريده رئيسا يقودهم إلى النصر. اجتمع الكثير من زعماء الكوفة وكتبوا إلى الحسين يستدعونه ليجعلوه خليفةً عليهم، فأرسل الحسين إليهم ابن عمِّه مسلمَ بنَ عقيل. ولمَّا وصل هذا الرسول إلى الكوفة استقبله أهلها بحماسٍ بالغٍ وبايعه الأكثرون منهم. ولكن هذا الحماس لم يدم طويلًا، فقد وصل إلى الكوفة الوالي الجديد عبيدُ الله بن زياد، وأخذ يستخدم وسائل الترغيب والترهيب بطريقةٍ بارعةٍ، حتى استطاع بعد فترةٍ وجيزةٍ أن يسيطر على الكوفة. والتفت مسلمٌ وراءه فلم يجد من أعوانه أحدا، فالتجأ إلى امرأةٍ أخفته في بيتها، ولكن ولدها أحسَّ به فأخبر السلطة عنه، وانتهى أمر مسلمٍ أخيرًا نهايةً مفجعةً كما هو معروف.

لقد تشوَّهت سمعة أهل الكوفة، وما زالت مشوَّهةً حتى يومنا هذا، جرَّاء اشتراك بعضهم في مقتل الحسين. غير أنهم في حقيقة أمرهم لم يكونوا سيِّئين إلى تلك الدرجة التي اشتهرت عنهم. فنحن حين نرى فريقا من أهل الكوفة يخرجون لقتال الحسين يجب ألَّا ننسى أن فريقا آخر منهم قد خرجوا للأخذ بثأره. والواقع أن التوَّابين الذين خرجوا للأخذ بالثأر ضربوا مثلا رائعا في الوفاء والشهامة يندر نظيره؛ فهم قد صمَّموا على الموت منذ بداية خروجهم، ولم يطلبوا من خروجهم أيَّ مكسبٍ دنيويٍّ، وظلُّوا مصرِّين على الموت حتى قُتلوا عن آخرهم. إن الأكثرية الساحقة من أهل الكوفة كانوا من المحبِّين للحسين المطالبين بثأره، ولم يكن الذين خرجوا لقتال الحسين إلَّا نسبةً قليلةً منهم. ولذا رأيناهم قد ساعدوا المختار على تتبُّع قتلة الحسين واحدا بعد الآخر، حتى استأصلوهم من الكوفة.إن الفرق بين أهل الكوفة وأهل الأمصار الأخرى هو أن لهم نوعين من الزعامة، كما قلنا، حيث كانت إحداهما تدفعهم نحو اتجاهٍ مضادٍّ لما تدفعهم إليه الأخرى. أمَّا أهل الأمصار فكان لهم نوعٌ واحدٌ من الزعامة واتجاهٌ واحدٌ، وهم لذلك قد استراحوا وأراحوا!



#حسين_غسان_الشمخي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ النزاع العراقي–الكويتي
- ماريون فاروق
- سارة خاتون: العفة والكرامة في أنقى صورِهما
- سليمان القانوني في بغداد
- الكاظمية: شعلة بغداد التي لا تنطفئ عبر القرون.
- «نفرتاري… التي تشرق لها الشمس»
- خيانة أم حذر وشك ؟ لماذا أباد هارون الرشيد البرامكة؟
- ممداني عمدةً لنيويورك: حين يهتزّ نفوذُ اللوبي الصهيوني في عا ...
- رواية «حب الضياع»
- سجن الرضوانية: صيدنايا العراق
- سجن الرضوانية: صيدنايا العراق في عهد النظام البائد
- صباح السابع من أكتوبر
- اليوم الوطني العراقي
- شعب الله المختار
- سقراط والموت
- البابليون : أوّلُ من رصد خسوف القمر
- محاورة كريتو لأفلاطون
- أسطورة الخليقة السومرية
- بين الطوفان البابلي والطوفان التوراتي
- تموز وعشتار


المزيد.....




- زيارة غير متوقعة لزيلينسكي إلى كندا قبل لقاء ترامب.. إليكم م ...
- عام على القبض على عبد الرحمن يوسف القرضاوي: عام من التواطؤ و ...
- لبنان 2025.. انتخابات وحكومة جديدة وسط تحديات سلاح حزب الله ...
- رئيس الصومال يحذّر إسرائيل من نقل صراعاتها بالشرق الأوسط إلى ...
- مغردون يتساءلون: ما الرابط بين دعوة غزال وتحركات جنرالات الأ ...
- ذا هيل: هذه المبادرات بصيص نور في ليل السودان الحالك
- مأساة الطفل عطا وغرق الخيام بغزة مشاهد تتصدر المنصات
- روسيا تجدد رفضها لاستقلال تايوان وتنتقد -النزعة العسكرية- لل ...
- ماذا يمكن أن تكسب إسرائيل من الاعتراف بأرض الصومال؟
- بمشاركة الدبيبة.. ليبيا تشيع رئيس الأركان محمد الحداد ورفاقه ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسين غسان الشمخي - هل أهل الكوفة أهلُ غدرٍ وخيانةٍ ؟