حسين غسان الشمخي
الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 22:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في عام 1775م كانت شركة الهند الشرقية البريطانية تنظر إلى الكويت على أنها جزء تابع لمدينة البصرة(1). وفي سياق سياسة الدولة العثمانية الرامية إلى تعويض خسائرها في أوروبا، سعى مدحت باشا، والي بغداد، إلى إحكام السيطرة الفعلية على المناطق التي كانت خاضعة لها اسمياً. وضمن هذا التوجه، وضع خطة لإخضاع الكويت للنفوذ العثماني المباشر، ولم يواجه صعوبات تُذكر في تنفيذها، نظراً لميول أسرة آل الصباح الحاكمة في الكويت إلى الاعتراف بسيادة السلطان العثماني، شريطة ألا يترتب على هذا الاعتراف التزام بدفع الجزية(2). ويُذكر أن شيخ الكويت كان قد أقر بخضوعه للدولة العثمانية ودفع الجزية لها سنة 1829م(3).
وفي سنة 1871م، استصدر مدحت باشا فرماناً سلطانياً قضى بإعلان الكويت سنجقاً تابعاً لمتصرفية الأحساء، كما مُنح شيخ الكويت من أسرة آل الصباح لقب قائمقام. وفي العام نفسه، قامت الحكومة العثمانية برفع مدينة البصرة من متصرفية تابعة لبغداد إلى ولاية مستقلة، ضمّت ضمن حدودها سنجق الكويت ومتصرفية الأحساء(4).
أما في سنة 1898م، فقد طرأت تطورات دفعت الحكومة البريطانية إلى اتخاذ خطوات فعلية لإبعاد النفوذ الأجنبي عن الكويت، وذلك عقب محاولة روسيا إقامة مشروع لتخزين الفحم فيها. وقد أدى هذا الأمر إلى توقيع اتفاقية بين بريطانيا والكويت في 23 كانون الثاني 1899م، تعهد بموجبها الشيخ مبارك الصباح، وأبناؤه وخلفاؤه من بعده، بعدم السماح لأي دولة أو حكومة أجنبية بإقامة ممثلين لها في الكويت أو في الأراضي التابعة لها إلا بموافقة مسبقة من الحكومة البريطانية(5). وتُعد هذه الاتفاقية غير مشروعة من الناحية القانونية، لأن الكويت لم تكن دولة مستقلة، بل كانت تابعة لولاية البصرة العثمانية، ولا يحق لها إبرام اتفاقيات دولية. ويبدو أن الشيخ مبارك لم يُعلن انفصاله الكامل عن الدولة العثمانية بعد توقيع اتفاقية الحماية مع بريطانيا، إذ بادر إلى الاتصال بالسلطات في الأستانة وأعلن ولاءه لها، مما جعله في حالة ولاء مزدوج(6).
وسعت الحكومة العثمانية لاحقاً إلى إنهاء حكم الشيخ مبارك، فأصدرت في تشرين الثاني 1901م أمراً يقضي بنفيه نفياً اختيارياً، مع التهديد بإبعاده بالقوة في حال رفضه. وعلى هذا الأساس، قام السيد رجب النقيب، نقيب الأشراف في البصرة، بزيارة الكويت برفقة الأمير نجيب بك، شقيق والي البصرة مصطفى نوري باشا، بناءً على برقية صادرة من الأستانة، لعرض خيارين على الشيخ مبارك: إما القبول بالحماية العثمانية أو التخلي عن الحكم(7). إلا أن الشيخ مبارك رفض الامتثال للأمر العثماني، ولجأ إلى طلب الحماية البريطانية، فأرسلت بريطانيا سفينة حربية إلى سواحل الكويت، وهدد قائدها الوفد العثماني بإطلاق النار إن لم يغادر فوراً، مما اضطره إلى الانسحاب.
وقد أدت المحاولات المتكررة للسلطات العثمانية في بغداد والبصرة لبسط سيادتها على الكويت، ولا سيما بعد تقارب الشيخ مبارك مع بريطانيا، إلى توقيع الاتفاقية العثمانية – البريطانية عام 1913م، والتي اعترفت بالكويت كولاية عثمانية تتمتع بحكم ذاتي(8). غير أن هذه الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى. وفي سنة 1914م، تلقت الكويت تأكيداً من بريطانيا باعترافها دولة مستقلة تحت الحماية البريطانية، مقابل تعاونها في احتلال مدينة البصرة، وهو ما تحقق فعلاً، فأصبحت الكويت خلال الحرب العالمية الأولى قاعدة عسكرية رئيسة في العمليات البريطانية لاحتلال العراق(9). وبذلك استمرت الكويت قائمقامية تابعة للبصرة حتى عام 1914م، حين قامت القوات البريطانية باحتلال العراق وفصل الكويت عنه.
وفي عام 1923م، جرى تبادل رسائل بين الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، الميجر مور، والمندوب السامي البريطاني في العراق، بيرسي كوكس، جرى بموجبها تحديد الحدود العراقية – الكويتية. ولم تواجه بريطانيا صعوبة في هذا الشأن، نظراً لسيطرتها على كلا الطرفين. واستمر هذا الوضع حتى عام 1932م، عندما قررت بريطانيا منح العراق استقلاله وتهيئته للانضمام إلى عصبة الأمم، فاشترطت عليه تحديد حدوده مع الكويت. وقد وافق العراق في رسالة رسمية بعث بها رئيس وزرائه نوري السعيد في 21 تموز 1932م على ما ورد في مراسلات 1923م، كما وافق الشيخ أحمد الجابر الصباح على ذلك في 3 آب 1932م(10).
غير أن العراق عاد وتراجع عن قبوله ترسيم الحدود، إذ أعلن الملك غازي، بعد اعتلائه العرش عام 1933م، رفضه للمطلب البريطاني، وطالب بضم الكويت إلى العراق(11). وفي منتصف عام 1938م، دعا الملك غازي عبر إذاعته الخاصة في قصر الزهور إلى دعم مطالب بعض الصحف العراقية بضم الكويت، باعتبارها أرضاً عراقية، ولأن العراق وريث الدولة العثمانية، ولديه الحق في استعادة الكويت التي انتُزعت منه بالقوة من قبل البريطانيين(12). وقد حظيت هذه الدعوة بتأييد المجلس التشريعي الكويتي، الذي قرر عام 1938م تقليص النفوذ البريطاني والمطالبة بالوحدة مع العراق، إلا أن الشيخ أحمد الجابر الصباح رفض هذا التوجه، وأمر بحل المجلس بتوجيه بريطاني، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات وأعمال عنف في الكويت، قمعتها السلطات بمساعدة بريطانية، وأُعدم قائد المظاهرات محمد المنيس، بينما فرّ باقي المشاركين إلى العراق(13). كما تشير بعض الروايات إلى خروج تظاهرات شعبية في الكويت في شباط 1939م، رفعت خلالها الأعلام العراقية ولافتات كتب عليها “الكويت جزء من العراق”، تأييداً لمطالب الملك غازي(14).
أما المحاولة الثانية لضم الكويت، فجرت في سياق تشكيل الاتحاد الهاشمي في شباط 1958م بين العراق والأردن، حيث طرح رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد فكرة انضمام الكويت إلى هذا الاتحاد. وأجرى اتصالات مع الملك السعودي سعود بن عبد العزيز، الذي أبدى موافقته، كما حصل على تأييد الولايات المتحدة(15). وتضمنت مسودة الاتفاقية الاعتراف باستقلال الكويت، مع تولي حكومة الاتحاد إدارة الشؤون الخارجية والعسكرية والجمركية، وتنظيم العملة، وتوحيد السياسات التعليمية والمواصلات، مقابل مساهمة الكويت بنسبة محددة في ميزانية الاتحاد. إلا أن هذه المحاولة توقفت إثر انهيار الاتحاد الهاشمي عقب ثورة 14 تموز 1958م في العراق، وهو ما قابله أمير الكويت عبد الله السالم الصباح بارتياح واضح، لأنه جنّبه تبعات الانضمام القسري للاتحاد(16).
وشهد عام 1961م أول أزمة حقيقية بين العراق والكويت في العهد الجمهوري، حيث عادت المطالبة بالكويت بالكامل. ففي 19 حزيران 1961م وقعت بريطانيا اتفاقية جديدة مع الكويت أنهت بموجبها الحماية البريطانية القائمة منذ عام 1899م، وأعلنت الكويت استقلالها في اليوم نفسه(17). وبعد ذلك بستة أيام، وتحديداً في 25 حزيران 1961م، أعلن عبد الكريم قاسم في بيان إذاعي أن الكويت جزء لا يتجزأ من العراق، وأنها كانت تابعة لولاية البصرة العثمانية، كما أعلن تعيين حاكم للكويت بصفة قائمقام تابع لمتصرفية البصرة(18).
وعلى إثر ذلك، قامت بريطانيا في 1 تموز 1961م، وبناءً على طلب الحكومة الكويتية، بإنزال قوات عسكرية في الكويت للدفاع عنها، في حين حشد العراق قواته في منطقة البصرة، وقدم شكوى إلى مجلس الأمن ضد الوجود العسكري البريطاني في الكويت(19). وفي أثناء عرض النزاع على مجلس الأمن، تقدمت الكويت بطلب الانضمام إلى جامعة الدول العربية، وقُبل طلبها في 20 تموز 1961م، الأمر الذي دفع العراق إلى تعليق تعاونه مع الجامعة. وقررت الجامعة العربية إرسال قوات عربية لتحل محل القوات البريطانية، فوصلت أولى هذه القوات في 10 أيلول 1961م، وبقيت حتى عام 1963م. وفي 26 كانون الأول 1961م أعلن وزير الخارجية العراقي هاشم جواد أن العراق سيعيد النظر في علاقاته مع أي دولة تعترف بالكويت، ومع تزايد عدد الدول المعترفة، سحب العراق سفراءه منها دون قطع العلاقات الدبلوماسية نهائياً(20). وانتهت محاولة عبد الكريم قاسم لضم الكويت بالفشل، وأدت إلى عزلة العراق عربياً.
وبعد انقلاب 8 شباط 1963م، تغير الموقف الرسمي العراقي، حيث أعلن العراق في بيان مشترك مع وفد كويتي زار بغداد في 3 تشرين الأول 1963م اعترافه باستقلال الكويت وسيادتها ضمن حدودها المقررة في مراسلات 1932م، وتم الاتفاق على تبادل التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء(21). غير أن العلاقات عادت إلى التوتر بعد وفاة الرئيس عبد السلام عارف في حادث تحطم طائرة عام 1966م وتولي شقيقه عبد الرحمن عارف الرئاسة، إذ شهدت هذه المرحلة أزمتين: الأولى في 1 تشرين الأول 1966م عندما دخلت قوات عراقية جزيرة بوبيان احتجاجاً على المفاوضات الإيرانية – الكويتية بشأن المجرى الملاحي دون إشراك العراق، والثانية في 18 نيسان 1967م عندما وجهت الحكومة العراقية إنذاراً رسمياً للكويت تطالب فيه بإنزال العلم الكويتي عن جزيرتي وربة وبوبيان(22).
وعقب وصول حزب البعث إلى السلطة في 17 تموز 1968م بقيادة أحمد حسن البكر، اتجهت السياسة العراقية نحو تهدئة العلاقات مع الكويت. إلا أن إلغاء إيران لاتفاقية الحدود لعام 1937م مع العراق عام 1969م، ومطالبتها بأن يكون خط الحدود في شط العرب هو خط المنتصف، أضعف الموقف العراقي، ودفعه إلى طلب السماح بتمركز قواته شمال الكويت تحسباً لهجوم إيراني محتمل على ميناء أم قصر. وعندما رفضت الكويت الطلب، قامت القوات العراقية في 20 آذار 1973م باحتلال مخفر الصامتة الحدودي الغني بالنفط(23). وفي عام 1975م نجحت جهود الجامعة العربية في إنهاء الأزمة، وأُقنع العراق بسحب قواته. وبقيت القضية مجمدة بسبب عدة عوامل، من بينها تنحي أحمد حسن البكر، ونجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، واندلاع الحرب العراقية – الإيرانية عام 1980م، ما أدى إلى توقف المباحثات الحدودية طوال سنوات الحرب.
وفي 15 تموز 1990م تصاعد التوتر مجدداً، إذ اتهم العراق الكويت رسمياً بالتجاوز على أراضيه، واستغلال آبار نفطية من حقل الرميلة الحدودي أثناء انشغال العراق بالحرب مع إيران، إضافة إلى اتهام الكويت والإمارات بإغراق سوق النفط، مما أدى إلى انخفاض الأسعار وإلحاق خسائر كبيرة بالاقتصاد العراقي.
المصادر:
(1) د.حسن سليمان محمود، الكويت، ماضيها وحاضرها، المكتبة الأهلية، بغداد، 1968، ص 24-25
(2) المصدر السابق نفسه، ص197.
(3) جي. ج. لوريمر، الكويت في دليل الخليج، الجزء الأول، السفر التاريخي، شركة الربيعان للنشر والتوزيع,ص60
(4) د.حسن سليمان محمود، الكويت، ماضيها وحاضرها، المكتبة الأهلية، بغداد، 1968، ص 199
(5) نورية محمد ناصر الصالح، علاقات الكويت السياسية بشرقي الجزيرة العربية والعراق العثماني، منشورات ذات السلاسل، الكويت، 1977، ص70،69.
(6) د. حسن سليمان محمود، مصدر سبق ذكره، ص203.
(7) نورية محمد ناصر الصالح، مصدر سبق ذكره، ص75.
(8) نجاة عبد القادر، مصدر سبق ذكره، ص146 ،145.
(9) سالم مشكور، نزاعات الحدود في الخليج، معضلة السرادة والشرعية، مركز الدراسات الستر اتوجية، البحوث والتوثرق، ط1، بيروت، 1993 ، ص65 ،64.
(10) أروى هاشم عبد الحسن، مشكلة الحدود العربية- العربية في منطقة الخليج العربي. رسالة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم السياسية،جامعة بغداد، 1996، ص115 -114.
(11) د. إسماعيل محمد الزيود، د. فاطمة سليم الطروانة،، قضايا معاصرة، دار كنوز المعرفة، عمان، 2012، ص137.
(12)د. لطفى جعفر فرج، الملك غازي، مكتبة اليقظة العربية، بغداد، 1987، ص222.
(13) د. إسماعيل محمد الزيود، مصدر سبق ذكره، ص138
(14) د. حسين على عبود الطاني، حرب الخليج الثانية 1991، وثائق وحقائق، ط1، بغداد، ص11
(15) Waldemer J. Gallman, Iraq Under General Nuri, The John Hopkins Press, United States, 1964,p.148
(16) إسماعيل العارف، أسرار ثورة 14 تموز وتأسيس الجمهورية في العراق، دار الحياة للنشر والتوزيع، القاهرة، 2012، ص306.
(17) سالم مشكور، مصدر سبق ذكره، ص99.
(18) د. فيبي مار، تاريخ العراق المعاصر، العقد الجمهوري الأول، الجزء الأول، ترجمة مصطفى أحمد، دار مصر للطباعة، القاهرة، 2009،
(19) إسماعيل عارف، مصدر سبق ذكره، ص309.
(20) د. فيبي مار، مصدر سبق ذكره، ص64.
(21) أروى هاشم عبد الحسن، مصدر سبق ذكره، ص124.
(22) عدنان أحمد سلوم، د. أسامة مرتضى، الأفاق المستقبلية للعلاقات العراقية الكويتية ما بعد نيسان 2003، ط1، دار مكتبة البصائر، بيروت، 2011، ص22، ص23.
(23) عدنان أحمد سلوم، د. أسامة مرتضى، السابق نفسه، ص25-24.
#حسين_غسان_الشمخي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟