أمين أحمد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 12:01
المحور:
الادب والفن
" يا أهل سبأ . . كفى حروبا ونهبا
و . . سحقا لبعضكم طول العصور "
أحمل زهرتي كقلبي الوليد حين فتح عينيه على وطن ينهشه الغبار، تتسلل خيوط بنفسجية كأنها دمعةُ الحرير على بتلات مرتجفة، ويغمرها برتقاليّ الغروب كشعاع يهبط من كأسها إلى الجذور .
أحملها منذ خمسين عاماً، أداريها من لصوصٍ ينهبون الأرض، من قتلة يزرعون الخراب ، ولم أجد لها موطنا ، فالعمر يضيق ، والليل يثقل ، والذئاب تترصد - هذا قلبي، كما شاء له أن يكون - مفجوعاً في عزاء الأحبة ، ممزقا بالرحيل ، وينبض كل يومٍ قريب ، يكسرني . . صوت يقول : سيأتي نهار بديل ، نهار مغامر . . يريق الرحيق ، يسرق الضوء منه ، وتخبأ فيه بقايا الأمنيات القديمة وزادا ليوم مغادر .
كم من الوجوه أنهكتها الحروب ، كم من فرحة زرعتها في الذاكرة الخلفية للوطن ، عسى تورق في زمن آخر ، وقتا يعرف أن العيش شغف لا يقطع ، وليس للألم حتما أن لا يزول .
كلما حاصرتني الحدود ، توسلت لقلوب جائعة ، فأجدها تطلب لقمة نجاة ، وفي رمقها الأخير تراق الدماء ثمنا لحروب بالوكالة ، ويعترف ضعفي أني كنت واهما . . طوال عمري الطويل – وإذا بقول يصيبني ، يضج مضجعي و . . الناس نائمون – صوت يعود امسا بخشوع :
ستأتي حمى الجنون ، وجع الدهور الخاملة . . تجرف ما علق في النفوس من الرائحة الكريهة ، وتكنس وسخ المنابر ، وجموع ديدان متخمة أثقلتها الأطماع وارتوت من دماء الآخرين .
يطول الانتظار، ينهكك الزحام ، وغثاء شعبٍ مخدر بالوعود – يطول التبلد و . . لا تجد من تتكلم إليه ، حتى امرأة تقف على حدود الذاكرة لا تأتيك لتشكو اليها – ارتهان هو زمنك الحالي ، ارتهان هو ما سيأتي .
في الانتظار . . تلتفني الغصة ، تحرقني وأنفاسي الأخيرة ، تعصر ما تبقى مني ، فأهرب إلى ذاكرة المطر ، حين كان يسقط قطرة . . قطرة ، وأنا أطارد الفراشات وألهو ، وكان النهار يرحل سريعا ، ويأخذني التعب إلى لعنات تسوط صبري ، وتنفث ذاتها في أفواه الحالمين ، النازحين إلى القبول ، المختبئين في القبور ، الخانعين للقدر - قدر يجعلني وحيدا ، أختبئ فيه ليلا ، أسرق الذكريات ، وأسأل : هل بقي منكم احد . . في الزمنٍ الكريه ، وتحرقك المواجع كل حين ، حتى لا تجد لك موطنا للمبيت ، لا تجد اغنية ترافقك المسير أو فرحا عابرا يلتقيك يستحقك للبقاء .
#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟