أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أمين أحمد ثابت - أعظم جريمة في التاريخ . . أنتجها الإنسان / مقالة فكرية














المزيد.....

أعظم جريمة في التاريخ . . أنتجها الإنسان / مقالة فكرية


أمين أحمد ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 8534 - 2025 / 11 / 22 - 18:16
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


منذ أن خطا الإنسان أولى خطواته في طريق الحضارة، حمل معه حلما بسيطا . . أن يعيش بأمان ، أن يشبع حاجاته ، ويصنع لنفسه عالما أقل قسوة وأكثر رحمة .

غير أنّ هذا السعي المشروع انقلب على الدوام بمنتج موازي مضاد القيم عبر كلية المسار الطويل من التطور ، لينتج مقابل التطور من اجل الرخاء إلى منتج يمكن وصفه بأعظم منتج للجريمة في التاريخ - جريمة بناء منظومة حضارية متقدمة في ظاهرها ، مدمرة في جوهرها ، صنعت من الإنسان نفسه ضحية ومنجزاته سلاحا يرتد على نفسه .

1. من الحاجة إلى الجشع :
" نزعة التطوير المنحرفة "

بدأت القصة حين ربط الإنسان فكرة التطوير بكمية الإشباع، لا بجودته. فكلما توسّعت حاجاته ارتفع سقف جشعه، وكلما اكتشف أداة جديدة وجد فيها وسيلة للهيمنة أو الاستغلال. وهكذا غدت الحضارة سلسلة من التحسينات التقنية التي لم تُصمَّم لراحة الإنسان بقدر ما صُمّمت لتوسيع قدرته على السيطرة.

2. تعقيد الحياة لحمايتها :
" حين أصبحت القلعة جحرا مغلقا "

سعى الإنسان إلى تبسيط واقعه، لكنه لم يجد سوى طريق واحد: بناء حائط صلب من التعقيد.
بيروقراطية قضائية قاسية بحجّة حماية الحقوق.
وإدارة سياسية متسلطة بحجّة تنظيم المجتمع.
ومؤسسات ضخمة تقنن كل شيء، لكنها في عمقها تنهب طاقة الفرد وتخنق ملامح إنسانيته.
لقد تحوّل "تنظيم الحياة" إلى سلسلة متشابكة من التعقيدات التي تستنزف الإنسان بدل أن تحميه، وتحوّلت فكرة "صون الكرامة" إلى منظومة تراقب وتحاسب أكثر مما ترعى وتمنح.

3. منذ اصبح السلم منتجا للحروب

أمضى الإنسان قرونا يبحث عن السلام. لكن كل محاولة لتحقيقه أدت إلى نتيجة معاكسة
كل جهد لصناعة الأمان انتهى إلى تطوير أسلحة إبادة أكثر فتكا.
في سبيل حماية الأرض، حول بعض الشعوب أراضي الآخرين إلى ساحات اختبار.
وفي سبيل منع الحرب، ابتكر توازنات رعب جعلت العالم كله رهينة زر واحد.
وهكذا صار السلم مشروعا نظريا، والحرب واقعا تقنيا متطورا.

4. الغذاء والصحة
" حين يصبح العلاج أصل المرض "

من أجل تأمين الغذاء والماء وتحسين الصحة، ولد علم الصناعات الحيوية.
لكن على الضفة الأخرى ولد معه التخليق المختبري للأوبئة، وصناعة الأسلحة البيولوجية، وضخ سيل العالم في متجه تلوث لا يتوقف.
صار التقدم الصناعي السلعي شرطا لاقتصاد عالمي، لكنه في المقابل فتح باب الفوضى البيئية، والتجارب التي يمكن أن تخرج من المختبر بلا عودة.
هنا فقط أدرك الإنسان أنه يسير في طريق بني أساسا ليخدمه، لكنه ينقلب عليه كلما تقدم خطوة أعمق.

5. عصر الذكاء الصناعي :
" الوعد الذي يخفي داخله عباءة العبودية المفرطة "

في العصر الحديث، صنع الإنسان الذكاء الصناعي باعتباره مفتاح الرخاء القادم.
عالم من الأمان، الإنتاج الفوري، الصحة المحسنة، الحياة الذكية…
لكن خلف هذا الحلم يقف الوجه الآخر:
خطر خلق قوة طبقية جديدة، هجينة الجينات، تجمع بين البشري والتقني، وتملك القدرة على الهيمنة المطلقة.
إنها طبقة "السيد المخلق" الذي لا يشيخ، لا يمرض، لا ينسى، ولا يُستبدل.
طبقة تتفوق على البشر الأصليين الذين يحملون تاريخ الجسد وعيوبه وحدوده.
وهكذا يفتح الباب أمام نموذج جديد من العبودية—عبودية لم يعرف التاريخ مثيلها،
عبودية قد لا تمارَس بالسلاسل بل بالاستغناء عن الإنسان نفسه.

الخلاصة :

" الجريمة التي لم ترتكب دفعة واحدة "

لم تكن هذه الجريمة لحظة واحدة، بل سلسلة طويلة من الانحرافات الصغيرة، تراكمت عبر قرون حتى صنعت نظامًا حضاريًا قائمًا على تناقض أخلاقي جذري:
نطور كل شيء من أجل الإنسان، لكننا ندمر الإنسان في كل خطوة تطوير.
إن أعظم جريمة في التاريخ ليست حربا بعينها، ولا وباء واحدا، ولا اختراعا متوحشا…
إنها القدرة البشرية على تحويل أعظم ما خلقته—العقل—إلى أداة تدمير بطيء لذاته.
ويبقى السؤال مفتوحا:
هل يستطيع الإنسان إعادة هندسة مساره قبل أن يكتمل هذا المشروع الكارثي؟
أم أنه سيبني بيده نهاية زمنه، كما بنى بدايته؟



#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عشق . . يفوق ذاته / اقصوصة خاطرة مارس18 /٢٠£ ...
- على حافة الذاكرة / ١٥ نوفمبر ٢٠£ ...
- الذكاء الاصطناعي عبقرية تهدد الانسانية ب : تحولات السلطة وال ...
- وجها مرآة واحدة / يناير ٢٠٢٣ م
- راقص الجمر اقصوصة الومضة. 10نوفمبر 2025
- لي نشوة الغمام المسافر /9ابريل 2025 - ذكرى عودتك مولدي
- على فراغ تقف / مايو ١٩٨٧ م - ...
- على فراغ تقف / مايو ١٩٨٧ م ...
- ضباب الذاكرة / قصيدة مدورة
- تحليل كتاب ابجديات يمنية معاصرة في التفكير والكتابة للكاتب أ ...
- مؤلفي ( ابجديات يمنية معاصرة في التفكير والكتابة)
- الانسان . . وغائية العقل التخليقي June 1981 - من كتابي (اب ...
- تحليل نقد ادبي جمالي اولي ل : رواية البلاد المشمسة لا تعرف ا ...
- البلد / المدينة . . تغرق بالخطيئة - قصة قصيرة / 26سبتمبر 2 ...
- الشوفة / قصة 23/ اكتوبر 2025
- الثقب / اقصوصة
- بلدي اليوم مطير قصة قصيرة / ومضة - 15 اكتوبر ...
- ليلة ممطر حمرة
- لهب يشيخ العمـــر / ذكرى اكتوبر ثورة اكتوبر1963 ضد الاستعمار ...
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ...


المزيد.....




- سلطنة عُمان.. الشرطة تعتقل عدة مواطنين ملثمين افتعلوا الفوضى ...
- لماذا التخلّي الرسميّ العربيّ عن غزّة؟
- ما حدود هامش المناورة أمام زيلينسكي بشأن خطة ترامب لإنهاء ال ...
- مظاهرة وسط العاصمة التونسية دفاعا عن الحريات والحقوق
- حليفة سابقة لترامب تعلن استقالتها من الكونغرس بعد خلافات بشأ ...
- ما هي مضامين خطة ترامب للسلام في أوكرانيا ولماذا رفضها زيلين ...
- موجة غارات إسرائيلية تستهدف الجنوب اللبناني
- عُثر عليها في علّية.. نسخة من -سوبرمان- تصبح أغلى مجلة قصص م ...
- بعد خطة ترامب.. أوكرانيا تكشف عن تطور بشأن مشاورات مع أمريكا ...
- دونالد ترامب يطرح آخر عروضه لاستسلام أوكرانيا - مقال في وول ...


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أمين أحمد ثابت - أعظم جريمة في التاريخ . . أنتجها الإنسان / مقالة فكرية