|
|
البلد / المدينة . . تغرق بالخطيئة - قصة قصيرة / 26سبتمبر 2023م
أمين أحمد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 16:20
المحور:
الادب والفن
قلب المدينة يغفو في صمت مبهم ، كانت هناك مجموعات متباينة من البشر تجتمع في زوايا مظلمة بعيدة داخل اقبية تحت الأرض – هناك في زاوية الشمال البعيدة جلس اليساريون يناقشون ثورتهم الموعودة منذ عقود طويلة ، على الجانب الآخر كانوا المحافظون يتمتمون بصلواتٍ خافتة ، يخططون لحماية ما تبقّى من النظام القديم – كانوا الأكثر إدراكا وتخطيطا لتكون هذه الليلة الأخيرة قبل تفجر الوضع – وفي غرف مغلقة في ازقة نائمة في القدم ، كانت تنبعث منها أصوات صاخبة – كل واحدة لطائفة مذهبية غاضبة شديدة العدائية قبلية او مناطقية او عائلية – كانت تجهر بسفك الدماء و . . رفع شعارات الله والنصر للحق و . . إعادة الزمن الى الماضي الذي جثم على البلد لأكثر من الف عام ، الكلٌّ يلعن الآخر باسم الله والكراهية كانت تتصاعد كدخانٍ سامّ يملأ المكان – كانت الشوارع متخمة بالخوف ، المباني والازقة النائمة في عجينة طين التراب وبقايا مياه المطر ، كانت العيون تترقب لحظة الشرارة الأولى. حين انطفأ الضوء فجأة، انطلقت الصرخة الأولى، وتحوّلت الاجتماعات إلى ساحات دماء تختلط ببعضها البعض ، والمدينة لم يطلع عليها النهار إلا وهي متيبسة في تكومات الرماد المغطية الشوارع والابخرة السامة المغطية الفضاء – خراب . . خراب يصاحب ضجيج صدى أصوات البارحة الناقمة على بعضها بفعل اوهامها بالسيادة . . .
اندلعت الحرب كوحشٍ أُطلق من قيودها ، السماء احمرّت بنيران القصف ، والهواء امتلأ برائحة الحديد والرماد. انهارت الجسور، واشتعلت الأسواق القديمة التي كانت تضج بالحياة. كل فصيلٍ يقاتل تحت رايةٍ يظنها الحقيقة، وكل شارعٍ صار جبهةً بين أشباحٍ فقدت أسماءها. تكسّرت المآذن ، تحوّلت المآوي إلى مقابر - في ليال تلك الفاجعة الباردة ، كان صراخ الجرحى يختلط بعواء الريح، وكأن الأرض نفسها تبكي أبناءها انقطعت الكهرباء، جفّ الماء، وتحوّلت المدينة إلى متاهة من الدخان والعتمة . . ومع كل طلقة . . كانت فكرة الوطن تتبعثر أكثر، مرآة كان يحطمها الجميع ، حين انبثق النهار خلسة في كل صباح بعد توقف المعارك ك . . كان وجه المدينة يئن تحت ركامات الرماد والجثث تغطي الشوارع. لا منتصر سوى الخراب، ولا بقاء إلا لصدى الأصوات التي تشاجرت من أجل أوهامها * * * قد يكون الصخب قد هدأ ، لكن الصمت المخيم بشيوع الرعب كان أشد وجعا. ، الجدران كانت مضرّجة بآثار الرصاص والدماء الملطخة كل مكان ، الممرات تعجّ بالأنين الأخير لمن ظنّ أنه يقاتل من أجل وهم الحق الذي غذى رجولته – وباستراق خجول خرجت الشمس تسللت الشمس بضوئها الشتوي الخافت بين غمام دخان القذائف ، كانت كما لو انها تتلمس بين الأنقاض وجوهًا بلا ملامح ، تبحث عن معنى لما حدث .
في زاويةٍ من الحواري المدمرة بيوتها ، جلس شيخٌ متعب يهمس بشبه جنون الى نفسه .......... لو عرفوا أن الحرب لا تبقي لأحد شيئا او حياة ، لما رفعوا السلاح .
أسدل رأسه – كانت المدينة تبكي من حوله بصمتٍ طويل . . خلال أيام . . أسابيع شهور من زمن وقف الحرب – هل تعبوا أم انتهت القذائف والرصاص . . أم لعنة هذا الشعب الساذج في براءته خنقت فيهم مقدرة الاستمرار في القتل والتدمير – لا ربما هي موجهات الخارج لإدارة حرب الاقتتال الى هنا وفقط ، ليبقى منها مؤجل الى زمن آخر قادم . . . * * *
رغم انتهاء الحرب منذ زمن إلا أن المدينة ما تزال تئنّ تحت ذاكرة غبار الخرائب ، لم يعد أحد يعرف من بدأ الحرب ، ولا من كان على حق و . . تتناثر الشائعات يقول بعضهم ان الدخلاء اضرموا اسفين المواجهة ، آخرون يؤمنون أن الخيانة خرجت من الداخل ، لوّحت مجاميع شباب صغار بعلم جديد بلونٍ باهت ، لا أحد يعرف لمن ينتمي – اعلنوا كرههم للجميع و. . لن ينجي البلد سوى أن يكونوا هم اركان دولة الحكم حتى لو كانوا مراهقين – منهم نعرفهم الى الامس كانوا أطفالا يلعبون في الشارع - كانت الأكثر تأذيا وتوهما النساء في حاكياهن بعد الكارثة وكل حرب حين يقصصن عن زمن ماضي من الأمان . . .
* * * يبدو أن الدورة لم تنته ، ففي مكانٍ بعيد ، تجمعات وجوه جديدة ومن تبقوا احياء من الحرب الأخيرة ، في اقبية وغرف جديدة فالقديمة قد عرف مكانها آخر - كلها تتكلم وترغي عن خلق نهضة قادمة وبناء العدالة المنشودة . . بنفس الحماس القديم ، نفس الغضب وروائح الكراهية الأشد وقعا من سابقاتها . هل ستكون بداية دم يراق مجددا ، أم أن الرماد ومخلفات من يسمونهم شهدائهم سيعلمهم الصمت والتردد في نزعة المواجهة بمتحديات الحرب الشعواء
* * *
من جديد في خضمّ فوضى معتاد الحياة في هذا البلاد ، تظل ذاتها الأصوات تختلط ، أوامر القادة . . صرخات الأمهات . . نشيج الجوعى وتأوهات المقابر وبكاء صامت لمتوهمي جند الطوائف عمن فقدوهم من رفاقهم . . في حرب البسوس الماضية - لم يعد هناك جبهة واضحة ، فكل شارعٍ يقاتل ، كل بيت هناك منهم متورطا في الحرب القديمة والقادمة ، وعلى سقوف بيوت بناها لصوص الانتصار السابقين يرفع عليها علم يختلف مع شروق كل يوم تالي .
تسلّلت المجاعة بين الأزقة ، وبدأ قلة لناس يبادلون ما تبقّى من الطعام بذكرياتهم ، قلة اكثر يخفون ما خزنوه من الغذاء المنهوب و . . الكثرة تنوء خوفا من المجاعة . . انتظارا للقادم المجهول . . اللعين . . الذي لا ينتهي في هذا البلد - حتى الأطفال الذين كانوا يركضون في الساحات صاروا الآن يحفرون بين الركام بحثًا عن الخبز أو الدفء الذي يخفيهم عن القذائف – مروعة هي الاقاصيص التي سمعوها عن ابائهم و . . وانها قريبة من الوقوع – حتى السماء ب . . بدت تخلو من تحليق الطيور وتكاد تنعدم اصواتها في المكان الذي كان يضج بها سابقا – كانت قد رحلت عن البلد الذي لا يعشق الحروب وتناقل اخبارها بنوع من الفخر والاعتزاز وتمجيد البطولات – رحلت تاركة الذي هم يصنعوه . * * *
تتفجر حرب جديدة ، لم يزل هناك من يهمس الحرب ستنتهي ، وأن المدينة ستنهض من رمادها يومًا ما – هذا إن بقي أحد ليحكي ما سيتبقى من الحكاية !!!........
كانت الشوارع كأنها صفحة من جحيمٍ مفتوح ، البيوت التي كانت تضجّ بالضحك صارت أكوامًا من الغبار والحديد الملتوي. تتدلى منها الأبواب والنوافذ كأطرافٍ مبتورة - بين الركام . . كان كل من تبقى حيا يحاول انتشال احياء او جثث مشوهة تحت الانقاض بأيد مرتجفة وعيونٍ غارقة في الرعب ، نادرا ما كانوا يسمعون أنينًا خافتًا من تحت الأنقاض ، يسابقون الوقت لانتشال ما تبقّى من الحياة – كان تحت بقعة من الأنقاض امرأة تخرج مغطاة بالرماد، تحمل بين ذراعيها خرقة متهالكة محترقة كأنها طفلها الأخير – وهناك اخرج طفلا مرعوبا في حالة صدمة يرتجف بشدة ، كانت عيونه شاردة ، لا يقوى على البكاء يبكي – كل الوجوه مبعثرة مغطاة بالغبار والجلد المعجون بالطين الجاف . . تلاحق البحث عن ناجين ف . . فلا تجد غير العدم .
المدينة لم تعد تعرف نفسها ، البلد لم يعد يعرف لنفسه اسما او شعار أو حتى ذاكرة مفرحة يتغنى بها ، صار وقته صدى للوجع ، لذكرى تقارب الغروب عن نفسيات البشر القاطنين ع . . عن حضارات سبقت العوالم ودفنت نفسها بيدها .
* * * لعنةٌ على زمنٍ كهذا ، تعبر فيه الرياح على جثث الأطفال كما لو كانت تتهرب من النظر إليهم ، والشمس تطوف خجلةً في السماء ، كأنها تخاف أن ترى دورات دماء قادمة – تتذكر كيف الأزقة كان قبل كل موجة فاجعة مفروشة بلعب الصغار – كيف حولت دماهم الطاهرة لترسم كلطخات قاتمة حمراء على الجدران التي كانت تزين قبلا برسوماتهم البريئة – ها هي الأصوات قد خمدت ، حتى البكاء اصبح عصيا خروجه عن الحناجر - فحين سكتت المدافع ، اعتقد الناس عودة للسكون والعيش الأفضل ، لكن صمت خوف يقبع داخلهم اشد رعبا من الرصاص .
* * *
مجددا تنته الحرب ، لكن البشر لا يزالون كان يتجوّلون كالأشباح، ينظرون إلى ذكرى الخراب ثم إلى بعضهم ، كل يرى في الآخر سبب موته المؤجل – أصبحت المقابر الجديدة لا تجد مكانا كافيا لها وللقادمين بعدهم – جميعهم يطلبون وطنا جديدا آمنا ، جميعهم ينظرون لبعضهم بالاتهام والترصد لبعضهم البعض – انهم يقدسون ايمانا شهوتهم للانتقام – ذاكرة نار ، حمى نار لا تغادران احياء المدينة وخطوط خارطة البلد . تجمّع الناجون ليبنوا وطنًا من جديد، لكنهم حملوا في صدورهم الجمر نفسه — لم يتعلموا سوى الكراهية، ولم يحفظوا من الدرس إلا الانتقام و . . الذاكرة سلاح للأيام القادمة والجراح لا التئام لها ، انها تحفظ كرموز افتخار . . تروى للأجيال كأناشيد تؤجج قيمة وجودهم – كراهية نقشت في وجدانهم ، هوية صارت تورَث اعتزازا . . حتى المدن التي أعيدت بناء جدرانها لم . . تبنِ أرواحها - انتشر الفساد كهواءٍ مسموم ، يملأ الصدور مجددا ويُخدّر الضمائر .
لا يزال الناس يضحكون على انفسهم فالعبث لصيق وجودهم ، تباهوا بالبقاء كما لو كان موت الآخرين ثمنًا مشروعًا لحياتهم و . . ولا يطفي جذوة الشعور بالرجولة وردم الأحقاد إلا بنعيق الرصاص والقوارح – هكذا هو وطن اعتزاز الأبناء بأجداهم . . لا تخيفهم الحروب لبناء فجر جديد – جميعهم يبحثون عن الخلاص بتفجير الجسور . . باسم الله او الشيطان او بشعارات تخدير الساذجين بمسمى الوطن – حلقات يسيرون الناس فيها كسير الطرقات غير المنقطع في بلد يهوى تخطيط المدن – لا مخلص من السماء . . لا نبي يرضى به . . غير قواديهم . . في كل مجموعة تعشق الرجولة !!!!.....
قلب المدينة يغفو في صمت مبهم ، كانت هناك مجموعات متباينة من البشر تجتمع في زوايا مظلمة بعيدة داخل اقبية تحت الأرض – هناك في زاوية الشمال البعيدة جلس اليساريون يناقشون ثورتهم الموعودة منذ عقود طويلة ، على الجانب الآخر كانوا المحافظون يتمتمون بصلواتٍ خافتة ، يخططون لحماية ما تبقّى من النظام القديم – كانوا الأكثر إدراكا وتخطيطا لتكون هذه الليلة الأخيرة قبل تفجر الوضع – وفي غرف مغلقة في ازقة نائمة في القدم ، كانت تنبعث منها أصوات صاخبة – كل واحدة لطائفة مذهبية غاضبة شديدة العدائية قبلية او مناطقية او عائلية – كانت تجهر بسفك الدماء و . . رفع شعارات الله والنصر للحق و . . إعادة الزمن الى الماضي الذي جثم على البلد لأكثر من الف عام ، الكلٌّ يلعن الآخر باسم الله والكراهية كانت تتصاعد كدخانٍ سامّ يملأ المكان – كانت الشوارع متخمة بالخوف ، المباني والازقة النائمة في عجينة طين التراب وبقايا مياه المطر ، كانت العيون تترقب لحظة الشرارة الأولى. حين انطفأ الضوء فجأة، انطلقت الصرخة الأولى، وتحوّلت الاجتماعات إلى ساحات دماء تختلط ببعضها البعض ، والمدينة لم يطلع عليها النهار إلا وهي متيبسة في تكومات الرماد المغطية الشوارع والابخرة السامة المغطية الفضاء – خراب . . خراب يصاحب ضجيج صدى أصوات البارحة الناقمة على بعضها بفعل اوهامها بالسيادة . . .
اندلعت الحرب كوحشٍ أُطلق من قيودها ، السماء احمرّت بنيران القصف ، والهواء امتلأ برائحة الحديد والرماد. انهارت الجسور، واشتعلت الأسواق القديمة التي كانت تضج بالحياة. كل فصيلٍ يقاتل تحت رايةٍ يظنها الحقيقة، وكل شارعٍ صار جبهةً بين أشباحٍ فقدت أسماءها. تكسّرت المآذن ، تحوّلت المآوي إلى مقابر - في ليال تلك الفاجعة الباردة ، كان صراخ الجرحى يختلط بعواء الريح، وكأن الأرض نفسها تبكي أبناءها انقطعت الكهرباء، جفّ الماء، وتحوّلت المدينة إلى متاهة من الدخان والعتمة . . ومع كل طلقة . . كانت فكرة الوطن تتبعثر أكثر، مرآة كان يحطمها الجميع ، حين انبثق النهار خلسة في كل صباح بعد توقف المعارك ك . . كان وجه المدينة يئن تحت ركامات الرماد والجثث تغطي الشوارع. لا منتصر سوى الخراب، ولا بقاء إلا لصدى الأصوات التي تشاجرت من أجل أوهامها * * * قد يكون الصخب قد هدأ ، لكن الصمت المخيم بشيوع الرعب كان أشد وجعا. ، الجدران كانت مضرّجة بآثار الرصاص والدماء الملطخة كل مكان ، الممرات تعجّ بالأنين الأخير لمن ظنّ أنه يقاتل من أجل وهم الحق الذي غذى رجولته – وباستراق خجول خرجت الشمس تسللت الشمس بضوئها الشتوي الخافت بين غمام دخان القذائف ، كانت كما لو انها تتلمس بين الأنقاض وجوهًا بلا ملامح ، تبحث عن معنى لما حدث .
في زاويةٍ من الحواري المدمرة بيوتها ، جلس شيخٌ متعب يهمس بشبه جنون الى نفسه .......... لو عرفوا أن الحرب لا تبقي لأحد شيئا او حياة ، لما رفعوا السلاح .
أسدل رأسه – كانت المدينة تبكي من حوله بصمتٍ طويل . . خلال أيام . . أسابيع شهور من زمن وقف الحرب – هل تعبوا أم انتهت القذائف والرصاص . . أم لعنة هذا الشعب الساذج في براءته خنقت فيهم مقدرة الاستمرار في القتل والتدمير – لا ربما هي موجهات الخارج لإدارة حرب الاقتتال الى هنا وفقط ، ليبقى منها مؤجل الى زمن آخر قادم . . . * * *
رغم انتهاء الحرب منذ زمن إلا أن المدينة ما تزال تئنّ تحت ذاكرة غبار الخرائب ، لم يعد أحد يعرف من بدأ الحرب ، ولا من كان على حق و . . تتناثر الشائعات يقول بعضهم ان الدخلاء اضرموا اسفين المواجهة ، آخرون يؤمنون أن الخيانة خرجت من الداخل ، لوّحت مجاميع شباب صغار بعلم جديد بلونٍ باهت ، لا أحد يعرف لمن ينتمي – اعلنوا كرههم للجميع و. . لن ينجي البلد سوى أن يكونوا هم اركان دولة الحكم حتى لو كانوا مراهقين – منهم نعرفهم الى الامس كانوا أطفالا يلعبون في الشارع - كانت الأكثر تأذيا وتوهما النساء في حاكياهن بعد الكارثة وكل حرب حين يقصصن عن زمن ماضي من الأمان . . .
* * * يبدو أن الدورة لم تنته ، ففي مكانٍ بعيد ، تجمعات وجوه جديدة ومن تبقوا احياء من الحرب الأخيرة ، في اقبية وغرف جديدة فالقديمة قد عرف مكانها آخر - كلها تتكلم وترغي عن خلق نهضة قادمة وبناء العدالة المنشودة . . بنفس الحماس القديم ، نفس الغضب وروائح الكراهية الأشد وقعا من سابقاتها . هل ستكون بداية دم يراق مجددا ، أم أن الرماد ومخلفات من يسمونهم شهدائهم سيعلمهم الصمت والتردد في نزعة المواجهة بمتحديات الحرب الشعواء
* * *
من جديد في خضمّ فوضى معتاد الحياة في هذا البلاد ، تظل ذاتها الأصوات تختلط ، أوامر القادة . . صرخات الأمهات . . نشيج الجوعى وتأوهات المقابر وبكاء صامت لمتوهمي جند الطوائف عمن فقدوهم من رفاقهم . . في حرب البسوس الماضية - لم يعد هناك جبهة واضحة ، فكل شارعٍ يقاتل ، كل بيت هناك منهم متورطا في الحرب القديمة والقادمة ، وعلى سقوف بيوت بناها لصوص الانتصار السابقين يرفع عليها علم يختلف مع شروق كل يوم تالي .
تسلّلت المجاعة بين الأزقة ، وبدأ قلة لناس يبادلون ما تبقّى من الطعام بذكرياتهم ، قلة اكثر يخفون ما خزنوه من الغذاء المنهوب و . . الكثرة تنوء خوفا من المجاعة . . انتظارا للقادم المجهول . . اللعين . . الذي لا ينتهي في هذا البلد - حتى الأطفال الذين كانوا يركضون في الساحات صاروا الآن يحفرون بين الركام بحثًا عن الخبز أو الدفء الذي يخفيهم عن القذائف – مروعة هي الاقاصيص التي سمعوها عن ابائهم و . . وانها قريبة من الوقوع – حتى السماء ب . . بدت تخلو من تحليق الطيور وتكاد تنعدم اصواتها في المكان الذي كان يضج بها سابقا – كانت قد رحلت عن البلد الذي لا يعشق الحروب وتناقل اخبارها بنوع من الفخر والاعتزاز وتمجيد البطولات – رحلت تاركة الذي هم يصنعوه . * * *
تتفجر حرب جديدة ، لم يزل هناك من يهمس الحرب ستنتهي ، وأن المدينة ستنهض من رمادها يومًا ما – هذا إن بقي أحد ليحكي ما سيتبقى من الحكاية !!!........
كانت الشوارع كأنها صفحة من جحيمٍ مفتوح ، البيوت التي كانت تضجّ بالضحك صارت أكوامًا من الغبار والحديد الملتوي. تتدلى منها الأبواب والنوافذ كأطرافٍ مبتورة - بين الركام . . كان كل من تبقى حيا يحاول انتشال احياء او جثث مشوهة تحت الانقاض بأيد مرتجفة وعيونٍ غارقة في الرعب ، نادرا ما كانوا يسمعون أنينًا خافتًا من تحت الأنقاض ، يسابقون الوقت لانتشال ما تبقّى من الحياة – كان تحت بقعة من الأنقاض امرأة تخرج مغطاة بالرماد، تحمل بين ذراعيها خرقة متهالكة محترقة كأنها طفلها الأخير – وهناك اخرج طفلا مرعوبا في حالة صدمة يرتجف بشدة ، كانت عيونه شاردة ، لا يقوى على البكاء يبكي – كل الوجوه مبعثرة مغطاة بالغبار والجلد المعجون بالطين الجاف . . تلاحق البحث عن ناجين ف . . فلا تجد غير العدم .
المدينة لم تعد تعرف نفسها ، البلد لم يعد يعرف لنفسه اسما او شعار أو حتى ذاكرة مفرحة يتغنى بها ، صار وقته صدى للوجع ، لذكرى تقارب الغروب عن نفسيات البشر القاطنين ع . . عن حضارات سبقت العوالم ودفنت نفسها بيدها .
* * * لعنةٌ على زمنٍ كهذا ، تعبر فيه الرياح على جثث الأطفال كما لو كانت تتهرب من النظر إليهم ، والشمس تطوف خجلةً في السماء ، كأنها تخاف أن ترى دورات دماء قادمة – تتذكر كيف الأزقة كان قبل كل موجة فاجعة مفروشة بلعب الصغار – كيف حولت دماهم الطاهرة لترسم كلطخات قاتمة حمراء على الجدران التي كانت تزين قبلا برسوماتهم البريئة – ها هي الأصوات قد خمدت ، حتى البكاء اصبح عصيا خروجه عن الحناجر - فحين سكتت المدافع ، اعتقد الناس عودة للسكون والعيش الأفضل ، لكن صمت خوف يقبع داخلهم اشد رعبا من الرصاص .
* * *
مجددا تنته الحرب ، لكن البشر لا يزالون كان يتجوّلون كالأشباح، ينظرون إلى ذكرى الخراب ثم إلى بعضهم ، كل يرى في الآخر سبب موته المؤجل – أصبحت المقابر الجديدة لا تجد مكانا كافيا لها وللقادمين بعدهم – جميعهم يطلبون وطنا جديدا آمنا ، جميعهم ينظرون لبعضهم بالاتهام والترصد لبعضهم البعض – انهم يقدسون ايمانا شهوتهم للانتقام – ذاكرة نار ، حمى نار لا تغادران احياء المدينة وخطوط خارطة البلد . تجمّع الناجون ليبنوا وطنًا من جديد، لكنهم حملوا في صدورهم الجمر نفسه — لم يتعلموا سوى الكراهية، ولم يحفظوا من الدرس إلا الانتقام و . . الذاكرة سلاح للأيام القادمة والجراح لا التئام لها ، انها تحفظ كرموز افتخار . . تروى للأجيال كأناشيد تؤجج قيمة وجودهم – كراهية نقشت في وجدانهم ، هوية صارت تورَث اعتزازا . . حتى المدن التي أعيدت بناء جدرانها لم . . تبنِ أرواحها - انتشر الفساد كهواءٍ مسموم ، يملأ الصدور مجددا ويُخدّر الضمائر .
لا يزال الناس يضحكون على انفسهم فالعبث لصيق وجودهم ، تباهوا بالبقاء كما لو كان موت الآخرين ثمنًا مشروعًا لحياتهم و . . ولا يطفي جذوة الشعور بالرجولة وردم الأحقاد إلا بنعيق الرصاص والقوارح – هكذا هو وطن اعتزاز الأبناء بأجداهم . . لا تخيفهم الحروب لبناء فجر جديد – جميعهم يبحثون عن الخلاص بتفجير الجسور . . باسم الله او الشيطان او بشعارات تخدير الساذجين بمسمى الوطن – حلقات يسيرون الناس فيها كسير الطرقات غير المنقطع في بلد يهوى تخطيط المدن – لا مخلص من السماء . . لا نبي يرضى به . . غير قواديهم . . في كل مجموعة تعشق الرجولة !!!!.....
#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشوفة / قصة 23/ اكتوبر 2025
-
الثقب / اقصوصة
-
بلدي اليوم مطير قصة قصيرة / ومضة - 15 اكتوبر
...
-
ليلة ممطر حمرة
-
لهب يشيخ العمـــر / ذكرى اكتوبر ثورة اكتوبر1963 ضد الاستعمار
...
-
المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين
...
-
رقص نهاري مفرح حزين
-
نجمتي . . تعلو الجبين
-
الثقافة : اضطراب المفهوم وتعدده بين النظرية والتطبيق ، بين
...
-
لا أحلام . . هروب فقط. - ومضة حالة
-
نظرية عودة الخالق.
-
لا تغادرني ١ سبتمبر ٢٠£
...
-
- ظلال وكلمات وراء - 5/9/2025 قصة
...
-
ملخص و قراءة اولية تحليلية ادبية للنص القصصي - ظلال وكلمات و
...
-
عذاب أم . . في الانتظار - 22/8/2025. - إهداء الى أم ايهم الم
...
-
كتبنا وياماكتبنا ولا اكاديمي واديب وسياسي ما سمعنا
-
صباح غائم بالذكريات اغسطس ١٨ /٢٠
...
-
باختزال اشكالية متخلق ماهية الذات
-
من السر . . ادركت حقيقتي . ١٨/٧/٢
...
-
السعودية تخلق يمن بعبع اكثر مما خفته قديما
المزيد.....
-
ورشة صغيرة بلوس أنجلوس تحفظ ذاكرة نجوم السينما في -القوالب ا
...
-
عائدات الموسيقى على -يوتيوب- تبلغ مستوى غير مسبوق وتحقق 8 مل
...
-
الرواية غير الرسمية لما يحدث في غزة
-
صدور كتاب -أبواب السويداء والجليل- للكاتبتين رانية مرجية وبس
...
-
الممثل التجاري الأميركي: المحادثات مع الصين مهدت للقاء بين ت
...
-
الممثل التجاري الأميركي: المحادثات مع الصين مهدت للقاء بين ت
...
-
هل تصدق ان فيلم الرعب يفيد صحتك؟
-
العمود الثامن: لجنة الثقافة البرلمانية ونظرية «المادون»
-
في الذكرى العشرين للأندلسيات… الصويرة تحلم أن تكون -زرياب ال
...
-
أَصْدَاءٌ فِي صَحْرَاءْ
المزيد.....
-
إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
بيبي أمّ الجواريب الطويلة
/ استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
-
قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
/ كارين بوي
-
ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
/ د. خالد زغريت
-
الممالك السبع
/ محمد عبد المرضي منصور
-
الذين لا يحتفلون كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
المزيد.....
|