علي جاسم ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 23:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الوعي لا يبدأ عندما نجد كل الإجابات، بل عندما نفقد الاطمئنان التام لما نعرفه. السؤال ليس علامة على قلة المعرفة، بل لحظة شجاعة يعترف فيها العقل أن ما يعرفه لم يعد كافياً. منذ اللحظة التي بدأ فيها الإنسان بالسؤال، تغيرت مكانته في العالم؛ لم يعد جزءاً صامتاً من المشهد، بل أصبح يقف على مسافة من الأشياء، يتأملها، يشك فيها، ويحاول إعادة تسميتها.
المجتمعات التي تخاف من الأسئلة قد تبدو مستقرة من الخارج، لكنها داخلياً ضعيفة. السكوت الطويل لا يعني الانسجام، بل أن الأسئلة بقيت في الداخل وتحولت أحياناً إلى خوف أو غضب. السؤال يربك السلطة لأنه لا يحتاج إذناً، ويزعج العادة لأنه يكشف أنها ليست ثابتة. وعندما يُقمع السؤال باسم الحكمة أو المصلحة أو المقدس، يُقمع الوعي ويُستبدل الفهم بالطاعة.
لكن السؤال ليس تمرداً دائماً، ولا رغبة في الهدم من أجل الهدم، بل محاولة صادقة للفهم. العقل الذي يسأل لا يريد الفوضى، بل يريد ترتيباً أوضح للعالم. غالباً ما يأتي السؤال بعد خيبة أو صدمة أو لحظة صمت مع النفس، عندما ندرك أن ما تعلمناه لم يعد يفسر ما نعيشه. هنا يتشكل الوعي، ليس بيقين، بل كعملية مستمرة من الفهم.
ليس كل من يسأل يصل إلى جواب، لكن من لا يسأل يبقى حيث وُضع. الوعي لا يعني معرفة أكثر من الآخرين، بل أن نكون صادقين مع شكوكنا وحدودنا. في النهاية، السؤال ليس تهديداً للحقيقة،بل مدافع عنها، وكل وعي لا يبدأ بسؤال ينتهي إلى تكرار مريح لا إلى فهم أعمق. وعندما ينتهي القارئ من هذه المقالة، قد لا يجد جواباً جديداً، لكنه قد ينتبه إلى السؤال الذي كان يؤجله طويلاً.
#علي_جاسم_ياسين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟