أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مروان فلو - قراءة في كتاب جهاز المناعة الأيديولوجي














المزيد.....

قراءة في كتاب جهاز المناعة الأيديولوجي


مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 19:24
المحور: قضايا ثقافية
    


جهاز المناعة الأيديولوجيمروان فلو - ٢٢/١٢/٢٠٢٥
كيف يدافع العقل عن أوهامه؟ ولماذا نتمسك بالأفكار الخاطئة رغم وضوح الحقيقة؟
مقدمة
يُعد كتاب «جهاز المناعة الأيديولوجي: دراسة في سيكولوجية الاعتقاد والتحيز» للدكتور عادل مصطفى من الأعمال الفكرية النادرة التي لا تكتفي بوصف المشكلة، بل تكشف بنيتها الداخلية وتشرح كيف يعمل العقل ضد صاحبه وهو يظن أنه يحميه.
الكتاب لا يناقش الأفكار الخاطئة بحد ذاتها، بل يطرح سؤالاً أخطر وأعمق:
لماذا نرفض التخلي عن أفكار ثبت خطؤها؟ ولماذا يبدو الاعتراف بالخطأ مؤلماً كأنه هزيمة وجودية؟
هنا يقدم المؤلف استعارة مركزية بالغة الدقة:
كما يملك الجسد جهاز مناعة يحميه من الأجسام الغريبة، يملك العقل أيضاً جهاز مناعة أيديولوجي، مهمته ليست البحث عن الحقيقة، بل حماية المعتقدات الراسخة لأنها أصبحت جزءاً من هوية صاحبها.

أولاً: ما هو جهاز المناعة الأيديولوجي؟
جهاز المناعة الأيديولوجي هو منظومة نفسية–عقلية تعمل تلقائياً عندما يشعر الإنسان بأن أفكاره الأساسية مهددة.
وظيفته الأساسية
الحفاظ على الاستقرار النفسي
منع انهيار صورة الذات
تجنب الألم الناتج عن الاعتراف بالخطأ
آثاره الجانبية الخطيرة
الجمود الفكري ( العقائدي)
رفض الأدلة
تقديس الرأي
التحول إلى الدوغما (العقيدة المغلقة)
المفارقة هنا أن هذا الجهاز مفيد للبقاء النفسي، لكنه مدمّر للنمو العقلي.

ثانياً: حين تتحول الفكرة إلى هوية
يرى عادل مصطفى أن أصل الأزمة يبدأ عندما تتوقف الفكرة عن كونها أداة لفهم العالم، وتتحول إلى جزء من تعريف الإنسان لذاته.
لا يعود الشخص يقول: «أنا أتبنى هذه الفكرة»
بل يقول (ضمنياً): «أنا هذه الفكرة»
النتيجة
أي نقد للفكرة يُترجم فوراً داخل الدماغ على أنه:
إهانة شخصية
تهديد للكرامة
هجوم على الوجود
وهنا يُستنفَر جهاز المناعة الأيديولوجي، لا للدفاع عن الحقيقة، بل للدفاع عن الذات المجروحة.

ثالثاً: الاستدلال المدفوع – العقل كمحامٍ لا كقاضٍ
من أهم أطروحات الكتاب أن الإنسان لا يفكر ليصل إلى الحقيقة، بل يفكر ليبرر ما يؤمن به مسبقاً.
القاضي: يزن الأدلة ثم يصدر الحكم
المحامي: يمتلك حكماً مسبقاً، ويبحث عن أي ثغرة لتبريره
العقل البشري يعمل غالباً كمحامٍ ماهر:
العاطفة تقرر أولاً
والمنطق يأتي لاحقاً ليبرر القرار
ولهذا نرى:
عقلًا ذكيًا
يستخدم ذكاءه لاكتشاف الحقيقة
بل لإختراع الأعذار

رابعاً: التنافر المعرفي – الألم الذي لا نُحب الاعتراف به
عندما تصطدم معلومة جديدة بمعتقد راسخ، ينشأ ألم نفسي حقيقي يسمى التنافر المعرفي.
مثال:
(أنا إنسان واعٍ واتخذت قراراً صحيحاً)
(الدليل يقول إن قراري خاطئ)
العقل لا يحتمل هذا التناقض، فيلجأ إلى:
إنكار المعلومة
تشويه المصدر
ليّ الواقع
اختراع استثناءات
ليس لأن الدليل ضعيف، بل لأن الألم أقوى من الرغبة في الحقيقة.

خامساً: تأثير النتيجة العكسية – حين تقوّي الحقيقة الخطأ
من أكثر أفكار الكتاب صدمة أن مواجهة المؤدلج بالحقائق قد تجعله أكثر تطرفاً.
لماذا؟ لأن المواجهة العنيفة:
ترفع مستوى التهديد
تشعل جهاز المناعة
تدفع العقل لاستحضار كل دفاعاته
فتتحول الحقيقة من فرصة للمراجعة إلى وقود للتعصب.

سادساً: تحصينات الأيديولوجيا والمغالطات الدفاعية
يشرح الكتاب كيف تبني الأيديولوجيات أسواراً منطقية تمنع اختراقها، مثل:
تسميم البئر: مهاجمة الشخص لا الفكرة
الاستثناء المحفوظ: كل دليل ناقض يصبح “حالة خاصة”
الغموض المتعمد: أفكار مطاطية لا يمكن دحضها
وهكذا تصبح الفكرة:
غير قابلة للاختبار
غير قابلة للتكذيب
وغير قابلة للتطور

سابعاً: غرف الصدى والتحيز التأكيدي
في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح جهاز المناعة الأيديولوجي أقوى من أي وقت مضى.
نحن:
نتابع من يشبهوننا
نقرأ ما يوافقنا
نكتم الأصوات المخالفة
فنعيش داخل غرف صدى توهمنا أن:
الجميع يوافقنا
نحن الأغلبية
نحن على حق دائماً
وهذه أخطر أنواع المناعة: المناعة الزائفة.

ثامناً: السيناريو العملي – صديقان وقرار استثماري
يضرب الكتاب مثالاً حيّاً: شخص (X) ارتبط بفكرة (شركة، عملة، تيار).
أصبحت الفكرة جزءاً من هويته.
عندما يواجهه صديقه (Y) بتقرير يثبت فشل الفكرة:
يشعر X بالضيق
يهاجم المصدر
يعيد تفسير الأرقام
ثم يتطرف أكثر (شراء أسهم إضافية)
هنا لا نرى شخصاً غبياً، بل جهاز مناعة يعمل بكفاءة عالية.

الخلاصة: كيف نروّض جهاز المناعة الأيديولوجي؟
الكتاب لا يدعو إلى التخلي عن الأفكار، بل إلى تحريرها من القداسة.
الرَوشتة ( الوصفة) الفكرية:
افصل بينك وبين أفكارك
اطلب المعلومات المزعجة
اسأل نفسك: ما الذي قد يغيّر رأيي؟
أي فكرة لا تقبل التكذيب = سجن عقلي

خاتمة
كتاب «جهاز المناعة الأيديولوجي» ليس هجوماً على القناعات، بل دعوة إلى التواضع المعرفي.
هو مرآة قاسية، لكنها ضرورية، تذكّرنا بأن:
أخطر عدو للحقيقة ليس الجهل… بل اليقين المريح.
إنه كتاب لا يُقرأ فقط، بل يُستخدم.
ودليل تشغيل لعقل يريد أن ينمو… لا أن يتحصّن.



#مروان_فلو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب الجنرال مظلوم عبدي: تحليل متعدد المستويات في لحظة سورية ...
- المسألة الكُردية بين بنية الدولة التركية وتحولات الجغرافيا ا ...
- زلزال الجيوسياسة: الصدام الروسي التركي ومستقبل الخارطة السور ...
- عيد العلم الكوردي: راية الهوية وذاكرة المقدّس في تاريخ شعب
- كسر التابوهات الجيوسياسية: الجولان والاتفاقيات الإبراهيمية ك ...
- من الدولة القومية إلى المواطنة الشاملة: قراءة تحليلية في مشر ...
- هجوم البادية السورية: جيوبوليتيكا التصعيد وتداعياتها على الت ...
- «الدفاع الوطني المشروط»: كيف تعيد قسد صياغة دورها في سوريا؟ ...
- العزلة والشرعية: تحوّل المواقف الدولية في شمال سوريا
- قانون قيصر والمستقبل السياسي السوري: قراءة نقدية في الاشتراط ...
- موازين القوة الجديدة في شرق المتوسط: التشريع الأمريكي والقرا ...
- أوراق اللعب السورية: حاكم بذاكرة الأمس في مواجهة الجغرافيا ا ...
- بهچلي السلام ليس طائرًا بجناح واحد الجناح الثاني للطائر سيصن ...
- مظلوم عبدي ورسم معالم المرحلة المقبلة: قراءة سياسية–استراتيج ...
- أوجلان… من الكفاح المسلح إلى “عقد اجتماعي جديد”: قراءة تحليل ...
- إلهام أحمد تدعو إلى سلام شامل في سوريا: نقد للنظام المركزي و ...
- تركيا بين إرث الدولة الصلبة واستحقاق التعددية: نحو عقدٍ اجتم ...
- نحو تركيا اتحادية: بين الدولة المزدوجة وتحوّلات القرن الثاني ...
- تعثر اتفاق قسد ودمشق: تشابك المصالح واستعصاء الحلول في الأسا ...
- الفرهْوار: في الجذور الميدية–الكردية للرمز الزردشتي الأعلى


المزيد.....




- فيديو متداول لـ-دخول قوات تركية على خط المواجهات في حلب-.. م ...
- تركيا تتوقع بدء المرحلة الثانية من اتفاق غزة -مطلع عام 2026- ...
- حيوانات حديقة حيوان برلين تستمتع بوجبات خفيفة لعيد الميلاد و ...
- نفتالي بينيت يطالب باستقالة نتانياهو ويصف قضية -قطر غيت- بال ...
- اتصال بين لافروف ونظيره الفنزويلي.. دعم روسي -كامل- لكراكاس ...
- مع تراجع الصين.. شيفرون تتصدر المشهد في نفط فنزويلا
- فيضانات آسفي: حين تكشف الكوارث عُري التدبير
- واشنطن بوست: خيارات ترامب تضيق بشأن طريقة تعامله مع مادورو
- بعيدا عن واشنطن.. -نادٍ خاص- يحتضن مفاوضات أوكرانيا وغزة
- الجيش الإسرائيلي ينهي التحقيقات في هجوم 7 أكتوبر


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مروان فلو - قراءة في كتاب جهاز المناعة الأيديولوجي