أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - تركيا بين إرث الدولة الصلبة واستحقاق التعددية: نحو عقدٍ اجتماعي جديد يعيد للهوية معناها وللجغرافيا اتساعها















المزيد.....

تركيا بين إرث الدولة الصلبة واستحقاق التعددية: نحو عقدٍ اجتماعي جديد يعيد للهوية معناها وللجغرافيا اتساعها


مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8548 - 2025 / 12 / 6 - 06:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تركيا بين إرث الدولة الصلبة واستحقاق التعددية: نحو عقدٍ اجتماعي جديد يعيد للهوية معناها وللجغرافيا اتساعها

مروان فلو - ٧/١٢/٢٠٢٥
منذ أن خرجت الجمهورية التركية من رحم انهيارٍ إمبراطوريّ مُرهِق، تشكّلت ككيان يخاف انعكاسه قبل أن يخاف خصومه. دولةٌ سارت عقودًا كمن يحرس ظِلّه، تتوجّس من الرياح التي قد تُربك هندسة وحدتها، وتخشى أن يبدّد الاعتراف بالتنوّع صورةَ الأمة المتجانسة التي صاغها المؤسسون الأوائل في مواجهة عالمٍ سريع التغيّر (١). وهكذا، بُنيت هويةٌ رسمية ذات جدران عالية، أرادت أن تحمي الدولة، لكنها كثيرًا ما ضاقت بشعوبها.
في الجنوب الشرقي، حيث تمتد الجبال كصفحات كتاب قديم، عاش الكُرد تجربة الخسارات الصامتة. صودرت اللغة، وحُوصرت الذاكرة، ووُضِعت الهوية في زاويةٍ معتمة من القانون، حتى صار الألم شبيهًا بضبابٍ كثيف لا ينقشع بمرور الزمن. ومع استمرار الصراع المسلّح وتآكل الثقة بين المركز وهوامشه، سال الدم على سفوحٍ كان يُفترض أن تكون مراعي للسلام لا مسارحَ للجنود، بينما ظلّ الشعار المركزي “أمة واحدة، لغة واحدة، عَلم واحد” يتردّد كطَرقٍ عنيد على بابٍ لم يُفتح يومًا (٢).
ومع اقتراب تركيا من قرنها الثاني، يُطرح سؤال الدولة المتنوعة بجدّية غير مسبوقة: كيف يمكن لبلدٍ بمثل هذا الاتساع الروحي والثقافي أن يُدار بنَفَسٍ واحد؟ وكيف لمجتمعٍ متعدد القلوب أن يُجبَر على النبض بإيقاعٍ واحد؟ الإرث القديم يتعب، والطريق الذي تأسس على صهر الاختلاف وليس على احتضانه لم يعد قادرًا على إنتاج استقرارٍ أو شرعيةٍ مستدامة (٣).
إن البديل لا ينهض من الخيال وحده، بل من استحقاقات الواقع. فالدولة الاتحادية أو اللامركزية السياسية الواسعة ليست مشروعًا لتفكيك الكيان، بل محاولة لإعادة تعريف الوحدة نفسها: وحدة تقوم على الرضا والاعتراف، لا على الخوف والإنكار. ضمن هذا التصور، تتشكل البلاد كفسيفساء أقاليم تنظم شؤونها بما ينسجم مع ذاكرة ناسها واحتياجاتهم، بينما تبقى السيادة العليا—الدفاع والسياسة الخارجية—في يد الدولة المركزية (٤). إقليم كُردي ببرلمانه وإدارته، وأقاليم تركية أخرى توازيه في الصلاحيات، هو تصور لا يُقصي أحدًا ولا يمنح أحدًا امتياز السيادة على الآخرين، بل يؤسس لعقد اجتماعي جديد يتساوى فيه الجميع أمام الدولة.
هذا التحوّل يفتح ثلاثة أبواب أساسية:
باب يطفئ مبررات العنف عبر تحويل مطالب الهوية إلى ملفات سياسية قابلة للتفاوض لا إلى ساحات للاشتباك (٥).
باب يحرّر التنمية من أسر المركزية الثقيلة، حيث تصبح الأقاليم قادرة على تخطيط اقتصادها وتطوير مواردها دون انتظار بيروقراطية العاصمة (٦).
باب يوسّع الديمقراطية ويعيد لها معناها بوصفها نظامًا قائمًا على تنفّس المجتمع، لا على إملاءات البنية الأمنية–الإدارية (٧).
وتبدو الدعوة إلى إعادة تعريف الوحدة منسجمةً مع تجارب شعوب أخرى أدركت أن التنوع ليس تهديدًا بل قيمة مضافة إذا أُحسن تنظيمها. كما تلتقي روحيًا مع طرح عبدالله أوجلان الذي دعا منذ سنوات إلى مصالحة شاملة مع التعددية بدل اختبار القدرة على نفيها (٨).
غير أن المسألة الكُردية ليست مجرد رهاناتٍ داخلية؛ فهي جزء من شبكة أوسع من الخوف الإقليمي من التعدد. ويظهر ذلك بوضوح عندما نقارن بين تركيا وسوريا: فالنظامان، رغم اختلافهما السياسي، تشاركا إرثًا قوميًا مركزيًا واحدًا، قائمًا على نفي الآخر واعتبار الاعتراف بالشعب الكُردي تهديدًا لوحدة الدولة (٩). وبعد سقوط نظام البعث في سوريا، لم تتبدل النظرة كثيرًا لدى قوى ادّعت الثورة، لأنها ربطت نفسها بالمصالح التركية، وبالتالي تبنّت صدى خطاب إنكار التعددية. وهنا يتضح مأزق سوريا: فهي لن تتعافى من عقدتها القومية ما دامت تمشي في ظلّ أنقرة وتعيد إنتاج مخاوفها.
ولا يكمن الحلّ بسوريا، كما لا يكمن الحلّ بتركيا، إلا في الابتعاد عن النموذج الأحادي الذي يختزل الدولة في فئة واحدة ويُحوّل الآخرين إلى رعايا أو إلى ضحايا. وحدها التعددية السياسية واللامركزية الواسعة تُنقذ الدولة من مسارات الانهيار المتكرر، لأنها تعترف منذ البداية أن الشعب ليس كتلة واحدة، بل أزهار لا تكتمل إلا بتجاور ألوانها (١٠).
في ضوء تحوّلات الإقليم وتقلّبات موازين القوى، يبدو أن زمن الحكم بالنار لم يعد ممكنًا. الدول التي تضيق بشعوبها تضيق بنفسها أيضًا، وتتصدع من داخلها قبل أن تتعرض لأي ضغط خارجي. لذلك فإن الانتقال إلى نموذج اتحادي أو لامركزي حقيقي ليس خاتمة فصلٍ من التاريخ، بل افتتاحية لنصٍ جديد: نصّ تتجاور فيه اللغات بلا خوف، وتتكئ فيه المكوّنات على بعضها، وتتحول التنمية إلى مدرسة للحياة لا إلى رهينةٍ في يد المركز.
لقد قبلت تركيا الكُرد كأفراد، لكنها تحاشت قبولهم كشعب، لأن الاعتراف بالشعب يعني الدخول في عقد اجتماعي متساوٍ، يُقوّض فكرة الدولة المتجانسة التي تأسست عليها الجمهورية الأولى. وهذا الخوف يعود إلى ظلّ معاهدة سيفر وإلى البيروقراطية القومية التي تشكلت على قاعدة حماية الدولة من “الاختلاف” (١١). لكنه خوف تجاوزته دول أخرى، ويمكن لتركيا أن تتجاوزه أيضًا إن أرادت أن تبني جمهوريتها الثانية على أسس المشاركة لا على إرث الإقصاء.
في النهاية، لا خلاص لتركيا ولا لسوريا إلا بالخروج من صقيع الوحدة القسرية، والاعتراف بأن الشعوب لا تُدار بالعقاب، بل بالشراكة والكرامة والضوء.
++++++++++++++-+++&&&
المراجع
Zürcher, Erik J. Turkey: A Modern History.
Bruinessen, Martin van. Agha, Shaikh and State.
Kayalı, Hasan. The Struggle for Independence and the Birth of the Turkish Republic.
Watts, Nicole. Activists in Office: Kurdish Politics and Protest in Turkey.
Güneş, Cengiz. The Kurdish National Movement in Turkey.
Keyman, E. Fuat. The Changing Nature of Turkey’s Political Identity.
Hale, William. Turkish Politics and the Military.
Öcalan, Abdullah. Manifesto for a Democratic Civilization.
Tejel, Jordi. Syria’s Kurds: History, Politics and Society.
Anderson, Benedict. Imagined Communities.
Bozarslan, Hamit. Turkey’s Modern History and Its Conflicts.
إ



#مروان_فلو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو تركيا اتحادية: بين الدولة المزدوجة وتحوّلات القرن الثاني ...
- تعثر اتفاق قسد ودمشق: تشابك المصالح واستعصاء الحلول في الأسا ...
- الفرهْوار: في الجذور الميدية–الكردية للرمز الزردشتي الأعلى
- لماذا يمثّل الكُرد الامتداد السكاني الأكثر قدماً في شمال الر ...
- العام الذي لم يكتمل
- الجزيرة في وثائق 1919: موقعها بين حدود سوريا التاريخية وسياس ...
- إعادة هندسة الإقليم عبر المقاربة الديمقراطية الكُردية: تحليل ...
- أوجلان… هندسة الوعي الجمعي وصياغة الجيل الكُردستاني الجديد
- زيارة اللجنة البرلمانية التركية إلى جزيرة إمرالي: الدلالات ا ...
- تعليم اللغة الكُردية في باكور (شمال كردستان/تركيا): بين القي ...
- الطائفية السياسية في الساحل السوري – قراءة في صراع السلطة وا ...
- مظلوم عبدي والدستور السوري الجديد: رؤية شاملة لحقوق المكونات
- الدستور السوري الجديد ورؤية الإدارة الذاتية: قراءة في مطالب ...
- تداعيات تصريحات القائد العام لقسد مظلوم عبدي حول مستقبل المف ...
- من الدولة الكمالية إلى الدولة التعددية: تحليل بنيوي لموقع أو ...
- تحوّل الدولة التركية نحو مقاربة تفاوضية: قراءة في إصرار دولت ...
- تحوّل المزاج الدولي تجاه قوات سوريا الديمقراطية ودلالاته على ...
- منتدى دهوك وتحولات المشهد الكُردي السوري: قراءة تحليلية في ...
- ماذا حصل في منتدى دهوك «السلام والأمن في الشرق الأوسط» (MEPS ...
- سلام هشّ وتوافق مشروط: قسد ودمشق بين شفا الدمج والتوتر


المزيد.....




- منظمتان تدعوان لإجراء تحقيق دولي في مزاعم وجود -قبور مجهولة- ...
- اجتماع أميركي أوكراني -مثمر- ومواصلة محادثات إنهاء الحرب مع ...
- على خطى أمريكا وبريطانيا.. كندا ترفع سوريا من قائمة -الدول ا ...
- غارديان: مجازر قوات الدعم السريع حولت الفاشر إلى مسالخ بشرية ...
- استراتيجية ترامب.. هيمنة على غرب الأرض وتحذير حضاري لأوروبا ...
- قضية إبستين.. أمر قضائي يفرض نشر محاضر التحقيق
- كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. ودمشق ترحب ...
- مصادر: الإعلان عن هيئة دولية لإدارة غزة في هذا الموعد
- مباحثات مستمرة بين واشنطن وكييف لإنهاء حرب أوكرانيا
- تصاعد التوتر بين باكستان وأفغانستان بعد عودة الاشتباكات


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - تركيا بين إرث الدولة الصلبة واستحقاق التعددية: نحو عقدٍ اجتماعي جديد يعيد للهوية معناها وللجغرافيا اتساعها