زيارة اللجنة البرلمانية التركية إلى جزيرة إمرالي: الدلالات السياسية و أسباب حجب تفاصيل الاجتماع

مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8539 - 2025 / 11 / 27 - 21:37
المحور: القضية الكردية
    

زيارة اللجنة البرلمانية التركية إلى جزيرة إمرالي: الدلالات السياسية و أسباب حجب تفاصيل الاجتماع

ملخص
تمثل الزيارة البرلمانية التركية الأخيرة إلى جزيرة إمرالي، حيث يُحتجز السيد عبد الله أوجلان، حدثًا سياسيًا مفصليًا قد يعيد فتح مسار الحلّ السياسي للقضية الكُردية في تركيا وسوريا. ورغم الإعلان عن حدوث اللقاء، لم تُنشر أي تفاصيل رسمية عن مضمونه، رغم أن الاجتماع—بحسب مصادر متعددة—سُجّل بشكل كامل وتجاوزت مدته ساعتين وخمسين دقيقة. يسعى هذا المقال إلى تحليل أسباب التكتّم على محتوى الاجتماع، وربط ذلك بالسياق السياسي التركي–الكُردي، ودراسة أهداف تسريب معلومات جزئية تتعلق حصراً بقوات سوريا الديمقراطية والملفات التي تُعدّ ذات حساسية للمؤسسات الأمنية التركية.

أولاً: السياق السياسي للزيارة
تمثل زيارة اللجنة البرلمانية التركية إلى إمرالي حدثًا نادرًا في تاريخ التعامل الرسمي مع ملف عبد الله أوجلان، الذي يُعد الفاعل الأكثر تأثيرًا في صياغة الوعي السياسي الكُردي الحديث داخل تركيا وخارجها (1). تاريخيًا، شهدت الأعوام 2013–2015 ما عُرف بـ«مسار السلام» بين الحكومة التركية وحزب العمال الكُردستاني، حيث كان لأوجلان دور محوري في ضبط الإيقاع السياسي والعسكري وإعادة هيكلة الحركة الكُردية نحو مسار تفاوضي (2).
إن السماح مجددًا باتصال برلماني رسمي مع أوجلان يحمل دلالات مهمة، أهمها اختبار إمكانية إعادة إحياء قنوات الحوار، أو استثمار رمزية أوجلان في مرحلة انتقالية حساسة داخليًا وإقليميًا.
ثانيًا: أبعاد الزيارة وفق رؤية روج آفا
رحّبت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بالزيارة، ورأت فيها خطوة تمهّد لمرحلة استراتيجية جديدة قد تسهم في إيجاد حل جذري للقضية الكُردية، وفق ما صرّحت به إلهام أحمد (3).
ويستند هذا التقييم إلى عدة اعتبارات:
تأثير أوجلان على الحركات الكُردية في مختلف أجزاء كُردستان، حيث يُنظر إلى أفكاره كمرجعية سياسية لبناء مشروع ديمقراطي يتجاوز الحدود القومية التي فُرضت تاريخيًا (4).
محورية قوات سوريا الديمقراطية في المعادلة الأمنية الإقليمية، وخاصة في سياق التحالف الدولي ضد داعش (5).
وجود فرصة سياسية قد تُعيد ربط المسار التركي بالمسار السوري–الكُردي، عبر رؤية مشتركة للحل السياسي تُطرح لأول مرة منذ انهيار مسار الحوار السابق.

ثالثًا: أسباب عدم نشر تفاصيل الاجتماع
رغم تسجيل الاجتماع بالكامل، لم تُعلن تفاصيله رسميًا. هذه السرية ليست ظرفية، بل تُعدّ جزءًا من إدارة معقّدة لملف يُصنّف ضمن أكثر الملفات حساسية للدولة التركية. يمكن تحديد مجموعة من الأسباب:
1. حساسية الداخل التركي
ملف أوجلان يُقسّم الرأي العام التركي بشكل عميق. نشر تفاصيل حوار سياسي مباشر معه قد يؤدي إلى:
تأجيج الخطاب القومي الرافض لأي اعتراف بدوره السياسي (6).
إضعاف الحكومة أمام المعارضة القومية.
إرباك المؤسسة العسكرية التي لا تزال ترى في «الحل الأمني» الخيار الأكثر فاعلية.
وبالتالي، ستفضّل الحكومة اختبار ردود الفعل تدريجيًا عبر تسريبات محسوبة بدل نشر محتوى كامل.
2. الحفاظ على هامش مناورة سياسي
نشر تفاصيل دقيقة يقيّد الحكومة التركية ويجعلها مُلزمة بخطوات معينة. أما الاحتفاظ بالمحتوى الكامل سرّيًا فيُتيح:
استخدام اللقاء كورقة تفاوضية في ملفات داخلية مثل الإصلاحات الدستورية أو انتخابات قادمة (7).
توظيفه خارجيًا في العلاقة مع الولايات المتحدة وروسيا فيما يتعلق بملف شمال سوريا.
ترك المجال مفتوحًا لإطلاق مسارات موازية دون التزام علني.
3. تجنّب استثمار الأطراف الأخرى للمعلومات
نشر محتوى الاجتماع الكامل قد يفتح المجال أمام:
توتير العلاقة مع المؤسسة السورية في دمشق.
تعقيد العلاقة مع روسيا، التي تراقب بدقة أي تغيّر في علاقة تركيا بقسد.
خلق انقسامات داخلية ضمن الحركة الكردية أو داخل قسد نفسها (8).

رابعًا: لماذا تم تسريب معلومات محدودة تخص قوات سوريا الديمقراطية؟
التسريبات التي ظهرت بعد الزيارة ركّزت حصريًا على مسائل تتعلق بقسد ونظرة تركيا لدورها. يمكن تفسير ذلك كالآتي:
1. توجيه الرأي العام التركي إلى محور «الأمن القومي»
يُعدّ ملف قسد الأكثر قابلية للتسويق داخليًا لأنه يُطرح ضمن خطاب «مكافحة الإرهاب»، على عكس القضايا السياسية الأوسع المتعلقة بالحقوق الكُردية داخل تركيا (9).
2. إرسال رسائل تفاوضية لقسد
تهدف هذه التسريبات إلى:
اختبار استعداد قسد للنقاش حول مستقبل السلاح.
دفعها لتقديم تنازلات أو مقترحات تضعها في موقع الطرف المسؤول عن «تعطيل» أي تقدم سياسي.
3. التغطية على النقاط السياسية الأكثر حساسية
من المرجّح أنّ الاجتماع تناول ملفات حساسة مثل:
إعادة إطلاق مسار تفاوضي داخلي تركي.
وضع أوجلان داخل السجن وإمكانية تخفيف العزلة.
مستقبل الحكم الذاتي الديمقراطي في روج آفا من منظور إقليمي.
وهذه الملفات لا ترغب تركيا بنشرها لأنها قد تغيّر بنية المشهد السياسي الكُردي والتركي على حد سواء.

خامسًا: الدلالات الإستراتيجية للزيارة
تشير الزيارة إلى المرحلة التالية المحتملة:
عودة الدور السياسي لعبد الله أوجلان كطرف قادر على إدارة أو تهدئة النزاع بحكم تأثيره الفكري والتنظيمي (10).
اعتراف غير مباشر بأن الحل الأمني وحده وصل إلى طريق مسدود، وخاصة مع التطورات في شمال سوريا.
تزايد الاهتمام الدولي بقدرة المكوّن الكُردي على لعب دور في الاستقرار الإقليمي.
إمكانية انتقال الملف من حالة الجمود إلى مسار تفاوضي متعدد الأطراف يشمل تركيا وروج آفا واللاعبين الدوليين.

خاتمة
إن حجب تفاصيل الاجتماع بين اللجنة البرلمانية التركية وعبد الله أوجلان ليس حدثًا عابرًا، بل خطوة محسوبة ضمن صراع سرديات سياسي وأمني معقّد. فالدولة التركية تسعى للسيطرة على توقيت وطبيعة أي تحوّل في سياستها الكُردية، بينما ترى روج آفا في الزيارة فرصة تاريخية لإعادة فتح الباب أمام حل استراتيجي شامل.
تُظهر المعطيات أن المرحلة المقبلة قد تشهد إعادة تدوير لأدوات الحوار أو إعادة تموضع للأطراف وفق ميزان قوى يتغيّر بسرعة داخل تركيا وسوريا والمنطقة. وما لم تتوفر إرادة سياسية واضحة على المستويين التركي والكُردي، سيظلّ اللقاء مجرد خطوة رمزية أكثر منه نقطة انعطاف فعلية.
+++++++++++++++++++++++&&&
المراجع
أحمد، س. تاريخ الحركة السياسية الكردية في تركيا. إسطنبول: دار بيرهاتي، 2021.
يلماز، ع. مسار السلام التركي: تقييم للمفاوضات 2013–2015. جامعة أنقرة، 2018.
تصريح إلهام أحمد لوسائل إعلام روج آفا، 2024.
أوجلان، ع. مانيفستو الحضارة الديمقراطية – المجلد الأول. ديلان للنشر، 2017.
تقرير التحالف الدولي حول مكافحة داعش، 2023.
تانغور، م. القومية التركية والتحديات الكردية. مركز الأناضول للدراسات، 2020.
كايا، خ. التحولات السياسية في تركيا بعد 2016. جامعة مرمرة، 2019.
عبدو، ف. الحركات الكردية في سوريا والعراق: دراسة مقارنة. 2022.
أوزديمير، ب. الأمن القومي التركي وملف شمال سوريا. المركز التركي للدراسات، 2023.
رسول، د. الدور السياسي لعبد الله أوجلان في التحولات الكردية الحديثة. مجلة دراسات الشرق الأوسط، 2022.

#مروان_فلو (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل