أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - زلزال الجيوسياسة: الصدام الروسي التركي ومستقبل الخارطة السورية















المزيد.....

زلزال الجيوسياسة: الصدام الروسي التركي ومستقبل الخارطة السورية


مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 18:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مروان فلو - ١٨/١٢/٢٠٢٥
مقدمة: حين تتكلم النار بدل الدبلوماسية
لم يعد الاشتباك الروسي–التركي شأناً تكتيكياً محصوراً في هوامش التفاهمات المرحلية، ولا مجرد خلاف مصالح قابل للاحتواء عبر قنوات أستانا وسوتشي. إن إسقاط المسيّرة الروسية فوق الأجواء التركية، وما تبعه من احتكاكات بحرية متصاعدة في البحر الأسود، يمثلان انتقالاً صريحاً من منطق «إدارة التناقض» إلى منطق «كسر الإرادات». هذه الوقائع لا يمكن فصلها عن التحول الأعمق في موقع تركيا داخل المعادلة الأطلسية، ولا عن شعور موسكو بأن شريك الأمس بات رأس حربة في مشروع تطويقها الجيوسياسي (١).
إن سوريا، مرة أخرى، تجد نفسها في قلب هذا الزلزال؛ لا بوصفها دولة ذات سيادة، بل كساحة اختبار لإعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية والدولية.

تصدع التحالفات وسقوط وهم التوازن الاستراتيجي
لسنوات، نجحت أنقرة في لعب دور «الوسيط المتمرّد»، مستفيدة من حاجات موسكو وواشنطن المتبادلة لها. غير أن صفقة منظومة S-400 الروسية شكّلت نقطة انعطاف مفصلية. فالعقوبات الأمريكية بموجب قانون «كاتسا» حوّلت المنظومة من ورقة سيادية إلى عبء استراتيجي، عاجز عن توفير مظلة دفاعية حقيقية، ومكلّف سياسياً داخل حلف الناتو (٢).
اليوم، يبدو أن القيادة التركية وصلت إلى قناعة حاسمة: سياسة الوقوف على الحبلين استنفدت أغراضها. فالعودة التدريجية إلى الفلك الأمريكي لا تعبّر فقط عن خيار أمني، بل عن إعادة تموضع شامل يهدف إلى استعادة الدور الوظيفي لتركيا كقوة إقليمية ضابطة لإيقاع الشرق الأوسط، بالتنسيق مع واشنطن، وعلى حساب موسكو وطهران.

المحور المتضرر واستراتيجيات الرد غير المتكافئ
1. إيران: من الجغرافيا الصلبة إلى الظل الراديكالي
إيران هي الخاسر الأكثر حساسية من أي تفكك أو إعادة هندسة للمشهد السوري. فخسارة سوريا لا تعني تراجع نفوذ إقليمي فحسب، بل تصدعاً في العمود الفقري لمشروع «الهلال الخصيب». تاريخياً، حين تُحاصر طهران في الجغرافيا، تلجأ إلى الأدوات غير المتماثلة: خلايا نائمة، شبكات محلية، وتفعيل الفوضى المنضبطة (٣).
السيناريو الأخطر يتمثل في توجيه هذه الأدوات نحو مناطق النفوذ التركي، سواء داخل الشمال السوري أو – في حال التصعيد الأقصى – داخل العمق التركي نفسه، بهدف رفع كلفة اندفاع أنقرة وإرباك حساباتها الأمنية.
2. روسيا: البحر الأسود كساحة ردع
بالنسبة لموسكو، لا تمثل سوريا سوى جزء من معركة أوسع عنوانها كسر الطوق الغربي. لذلك يأتي التصعيد في البحر الأسود بوصفه رسالة استراتيجية: أمن تركيا البحري والتجاري لا يمكن فصله عن التفاهم مع الكرملين. إنها محاولة لإعادة تعريف قواعد الاشتباك، وتذكير أنقرة بأن اللعب ضد روسيا له أثمان تتجاوز الساحة السورية (٤).

سوريا وإعادة تعريف الدولة (من الصراع إلى نماذج الحوكمة)
لم يعد السؤال السوري مرتبطاً ببقاء النظام من عدمه، بل بشكل الدولة ووظيفتها في النظام الإقليمي الجديد. من منظور أوراق السياسات، نحن أمام إعادة هندسة قسرية لمفهوم السيادة، حيث تُستبدل الدولة المركزية بنماذج حكم هجين، تُدار عبر توازنات خارجية لا عبر عقد اجتماعي داخلي.
كما يعبّر أحد الباحثين عن ذلك بالقول: "سوريا لم تعد ساحة حرب فحسب، بل مختبراً لإعادة تعريف الدولة في الشرق الأوسط" (٥).
ويمكن تلخيص السيناريوهات المحتملة في مسارين رئيسيين:
1. سيناريو الفوضى المُدارة
في هذا المسار، تغيب التسوية الشاملة، وتتحول سوريا إلى فسيفساء نزاعات منخفضة ومتوسطة الشدة. إسرائيل تواصل ضرباتها الجراحية ضد الوجود الإيراني، وتركيا توسّع نطاق عملياتها لتأمين حدودها ومنع أي كيان كُردي مستقل، فيما تتآكل سلطة دمشق تدريجياً.
هذه الفوضى لا تعني انهياراً كاملاً، بل نمط استنزاف طويل الأمد يخدم مصالح قوى خارجية متعددة، ويمنع في الوقت نفسه بروز دولة سورية فاعلة قد تعيد خلط الأوراق الإقليمية (٦).
2. سيناريو الإدارة الدولية اللامركزية
يقوم هذا السيناريو على فرض واقع جديد تُدار فيه البلاد عبر مناطق نفوذ مستقرة نسبياً، برعاية أمريكية–تركية، وبتنسيق غير معلن مع إسرائيل، وبتحييد جزئي للخليج عبر أدوار اقتصادية وإغاثية لاحقة.
ويصف أحد تقارير مراكز التفكير هذا النموذج بأنه: "دولة بلا مركز، لكنها ليست بلا وظائف" (٧).

«قسد» بوصفها ركيزة لا غنى عنها في معادلات ما بعد التحوّل
على عكس الأطروحات التي تتعامل مع قوات سوريا الديمقراطية كـ«وكيل مؤقت» قابل للاستبدال، تشير الوقائع الميدانية والحسابات الاستراتيجية إلى أن «قسد» باتت مكوّناً بنيوياً في مقاربة الولايات المتحدة والتحالف الدولي، بل وفي الحسابات الأمنية الإسرائيلية بعيدة المدى. فهذه القوة لم تعد مجرد أداة ظرفية في الحرب على تنظيم «داعش»، بل تحولت إلى عقدة توازن وظيفي يصعب تجاوزها دون كلفة استراتيجية عالية.
المنظور الأمريكي–الأطلسي:
من زاوية واشنطن، تمثل «قسد» النموذج الأكثر استقراراً وموثوقية لإدارة الفراغ الأمني في شرق وشمال شرق سوريا. فهي قوة محلية ذات قدرة تنظيمية، أثبتت قابلية عالية للتنسيق العملياتي مع التحالف الدولي، وتوفر للولايات المتحدة حضوراً منخفض الكلفة البشرية، وعالي العائد الجيوسياسي. التخلي عنها لا يعني فقط خسارة شريك ميداني، بل فتح الباب أمام تمدد روسي أو إيراني في واحدة من أكثر المناطق حساسية من حيث الطاقة والجغرافيا.


العلاقة مع تركيا: من الصدام إلى الضبط:
على الرغم من التوتر البنيوي بين أنقرة و«قسد»، تدرك الدوائر الغربية أن هذه الإشكالية لا تُحل عبر تفكيك القوة، بل عبر إعادة ضبط دورها ووظيفتها. فالإبقاء على «قسد» ضمن سقف أمني–سياسي مضبوط أمريكياً يتيح احتواء المخاوف التركية، دون تسليم الشمال السوري لفاعلين أكثر عدائية أو أقل قابلية للضبط.


البعد الإسرائيلي: الأمن عبر الاستقرار غير المباشر:
لا تنظر إسرائيل إلى «قسد» كحليف تقليدي، لكنها ترى فيها عاملاً مهماً في منع تشكّل ممر بري إيراني متماسك من العراق إلى المتوسط. إن وجود كيان محلي منظم، غير خاضع لطهران أو دمشق بالكامل، ينسجم مع الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على تفكيك مصادر التهديد قبل تحوّلها إلى بنى دولة معادية.


ما بعد «داعش»: من مكافحة الإرهاب إلى هندسة التوازن:
الدور القادم لـ«قسد» لا يقتصر على الأمن، بل يمتد إلى كونها أداة استقرار نسبي في مرحلة إعادة رسم خرائط النفوذ. فهي مرشحة للعب دور «الوسيط المحلي» بين القوى الدولية، وضامن ميداني لأي صيغة لامركزية تُفرض في سوريا، بما يجعلها جزءاً من الحل المفروض بالقوة، لا ضحية له.


وعليه، يمكن القول إن «قسد» لم تعد فائض قوة مؤقت، بل أصبحت إحدى ركائز التوازن الهش في سوريا. إن المساس بها دون بديل مكافئ لا يهدد فقط استقرار الشمال السوري، بل يربك كامل المعادلة الإقليمية التي تسعى واشنطن وحلفاؤها إلى إدارتها بأقل قدر ممكن من الانفجار.

السياسة الأمريكية وملامح الشرق الأوسط الجديد
التحرك الأمريكي الأخير لا يمكن قراءته بمعزل عن الصراع العالمي مع روسيا. واشنطن ترى في تركيا أداة مزدوجة: جدار صد في البحر الأسود، وقوة تنفيذية في المشرق العربي. هذا الدور يمنح أنقرة نفوذاً واسعاً، لكنه يضعها أيضاً في مواجهة مباشرة مع موسكو، بما يحمله ذلك من مخاطر الانزلاق إلى صدام أوسع (٨).

خاتمة: سوريا بين لعنة الجغرافيا وإرادة التاريخ
سوريا اليوم ليست دولة في أزمة فحسب، بل عقدة جيوسياسية تتقاطع عندها مشاريع الإمبراطوريات الجديدة. الخطر الأكبر لا يكمن في عودة الحرب، بل في تطبيع فكرة أن تكون البلاد ساحة تصفية حسابات مفتوحة، تُرسم حدودها بالنار لا بالتفاوض.
إن ولادة سوريا جديدة، إن حدثت، لن تكون ثمرة توافق أخلاقي أو قانوني، بل نتيجة ميزان قوى قاسٍ. وفي هذا المشهد، يبقى السوريون هم الخاسر الأكبر، ما لم يتمكنوا من استعادة صوتهم وسط ضجيج الطائرات المسيّرة وصراعات الخرائط.
+++++++++++++++++++&&&
المراجع
(١) Mearsheimer, J. The Tragedy of Great Power Politics. Norton.
(٢) U.S. Congress, CAATSA Legislation Reports.
(٣) International Crisis Group, Iran’s Regional Strategy in the Levant.
(٤) Russian International Affairs Council, Black Sea Security Dynamics.
(٥) Carnegie Middle East Center, Syria’s Fragmentation and Regional Politics.
(٦) International Crisis Group, Managing Conflict Without Resolution in Syria.
(٧) RAND Corporation, Decentralization and Governance in Post-Conflict Syria.
(٨) Washington Institute, The Future of the SDF.
(٩) Brookings Institution, U.S.–Turkey Relations and Strategic Realignmentأ
وهناك فيديو للسيد يوسف الشريف تحدث عن بعض النقاط ،لكن اعتقد هذا المقال أوسع تحليلياً مما تكلم به السيد يوسف الشريف الصحفي المعروف.



#مروان_فلو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيد العلم الكوردي: راية الهوية وذاكرة المقدّس في تاريخ شعب
- كسر التابوهات الجيوسياسية: الجولان والاتفاقيات الإبراهيمية ك ...
- من الدولة القومية إلى المواطنة الشاملة: قراءة تحليلية في مشر ...
- هجوم البادية السورية: جيوبوليتيكا التصعيد وتداعياتها على الت ...
- «الدفاع الوطني المشروط»: كيف تعيد قسد صياغة دورها في سوريا؟ ...
- العزلة والشرعية: تحوّل المواقف الدولية في شمال سوريا
- قانون قيصر والمستقبل السياسي السوري: قراءة نقدية في الاشتراط ...
- موازين القوة الجديدة في شرق المتوسط: التشريع الأمريكي والقرا ...
- أوراق اللعب السورية: حاكم بذاكرة الأمس في مواجهة الجغرافيا ا ...
- بهچلي السلام ليس طائرًا بجناح واحد الجناح الثاني للطائر سيصن ...
- مظلوم عبدي ورسم معالم المرحلة المقبلة: قراءة سياسية–استراتيج ...
- أوجلان… من الكفاح المسلح إلى “عقد اجتماعي جديد”: قراءة تحليل ...
- إلهام أحمد تدعو إلى سلام شامل في سوريا: نقد للنظام المركزي و ...
- تركيا بين إرث الدولة الصلبة واستحقاق التعددية: نحو عقدٍ اجتم ...
- نحو تركيا اتحادية: بين الدولة المزدوجة وتحوّلات القرن الثاني ...
- تعثر اتفاق قسد ودمشق: تشابك المصالح واستعصاء الحلول في الأسا ...
- الفرهْوار: في الجذور الميدية–الكردية للرمز الزردشتي الأعلى
- لماذا يمثّل الكُرد الامتداد السكاني الأكثر قدماً في شمال الر ...
- العام الذي لم يكتمل
- الجزيرة في وثائق 1919: موقعها بين حدود سوريا التاريخية وسياس ...


المزيد.....




- تعاون عالي الدقة بين حيتان الأوركا والدلافين قبالة سواحل كول ...
- بجنازة مهيبة حضرها عشرات الآلاف.. شاهد وداع شريف عثمان هادي ...
- جنوب إفريقيا: مسلحون يطلقون النار عشوائيا على رواد حانة في ج ...
- لفهم خطورة التصعيد.. إليكم جدول زمني للضربات الأمريكية على ق ...
- بيان إمارتي بعد تصريحات روبيو عن ضرورة وقف الحرب في السودان ...
- أستراليا تحيي يوم التأمل لضحايا إطلاق النار في شاطئ بوندي
- جزيرة كريت تحت -تسونامي- الهجرة.. أكثر من 1000 وافد غير شرعي ...
- سلاح الخصم في مختبرات واشنطن: ما سر اهتمام أميركا بمسيّرات - ...
- ألمانيا.. أكثر من 1500 طلب لجوء عقب تشديد الرقابة على الحدود ...
- ماكرون يزور الإمارات ويقضي عطلة عيد الميلاد مع الجنود الفرنس ...


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - زلزال الجيوسياسة: الصدام الروسي التركي ومستقبل الخارطة السورية