أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الإسلامية البريّة: روح هائمة تبحث عن جسد















المزيد.....

الإسلامية البريّة: روح هائمة تبحث عن جسد


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8562 - 2025 / 12 / 20 - 17:53
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


صدر
يوم 13 كانون الأول 2025، هاجم مسلح إسلامي موفدين عسكريين أميركيين ينسقون مع نظراء سوريين لهم في مدينة تدمر السورية، فقتل اثنين منهم ومترجماً قبل أن يسقط برصاص مرافقين أمنيين سوريين. ويبدو أن المهاجم إسلامي متطرف، بحسب الناطق باسم الداخلية السورية. ويوم 15 من الشهر الجاري هاجم إسلاميان، أب وابنه، يبدو أنهما مرتبطان بداعش، احتفالاً يهودياً في أستراليا، فقتلوا عشرة أشخاص. وبين هاتين "النازلتين"، يوم 14 كانون الأول، كشفت السلطات الألمانية عن أنها أحبطت "مخططاً إسلاموياً" لمهاجمة أسواق الميلاد في بلدة قرب ميونيخ، واعتقلت خمسة متورطين، مصري وسوري وثلاثة مغاربة. ومثل هذا الوقت في العام الماضي، كان ستة أشخاص قد قتلوا وأصيب 300 في هجوم استخدمت فيه سيارة يقودها سعوي لدهس قاصدي سوق الميلاد في ماغدبورغ. وفي عام 2016 قتل 13 شخصا في برلين في هجوم مماثل.
وفي هذا ما يثير التساؤل عن وضع الإسلامية اليوم: هل هي في صعود أم هبوط؟ كيف يحدث هذا الفلتان، ويخاطب شباناً ورجالاً مسلمين في أنحاء شتى من العالم؟ وهل يشكل وصول إسلاميي هيئة تحرير الشام إلى السلطة في دمشق، مع ما هو معلوم من أنهم سليلو تنظيم القاعدة، ذروة وانتصاراً للإسلامية، أم هو بالأحرى إعلان فشل وترجمة انحدار، بالنظر إلى ما ينسب من "براغماتية" إلى قيادتها، وما يبدو من اتجاه الأمور السورية إلى الانتظام في صورة حكم تسلطي سني في إطار مؤسسات دولة وطنية وخطابها؟ هل من خصوصية لسورية في هذا الشأن؟ أم أن الإسلامية تجنح لأن تصير أليفة في السلطة، بينما تكون برية خارج السلطة؟
في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة، تنظر هذه المقالة في الإسلامية، الدعوى الدينية السياسية المُعوْلمة التي شهدنا صعودها منذ ثمانينات القرن الماضي، وبخاصة من زاوية استقلالها النسبي الواسع عن حملتها العينيين، كما عن الشروط الاجتماعية والتاريخية والجيوسياسية التي أنتجتها، وبالتالي استمرار قدرتها على مخاطبة أفراد ومجموعات وحفزهم إلى الفعل.
أنوّه إلى أن متن هذه المقالة قد كتب قبيل سقوط الحكم الأسدي، أما صدرها هذا وعجُزها فقد كتبا بعد أيام من الذكرى الأولى لوصول إسلاميي هيئة تحرير الشام إلى السلطة في دمشق.

متن
تقلب الإسلاميون سياسياً خلال ما يقترب من قرن من أول ظهور لهم، لكن الإسلامية التي أنتجوها من المجمل التاريخي الإسلامي، ثم استنتجوا أنفسهم منها، تميزت في نصف القرن الأخير بالحرَج والميل إلى نفي الواقع المحلي والعالمي، كما بالضيق الفكري والروحي والأخلاقي، ثم كذلك بالجنوح إلى العنف، وصولاً إلى ممارسة أشكال مروعة و"إرهابية" بحق منه (تستهدف مدنيين غافلين)، وأخيراً بالبرية ومُهاجَرة أي مجتمع وتقليد حيين. لقد تحولت الإسلامية منذ ثمانينات القرن الماضي إلى حركة معولمة، جوالة ومهاجرة وغير سياقية، منفصلة عن أي إطار جغرافي محددdeterritorialized مثلما كان أوليفيه روا قد أظهر في الجهل المقدس، ويبدو أنها تنتشر حيث تقترب الأوطان من أن تكون لا أوطان، بيئات توحش أو مساحات عنف واستباحة مفتوحة، مثل أفغانستان، ثم العراق، ثم سورية.
ترسخ هذا التكوين الحدي والحرِج عبر اشتباك مميت مع الدول المحلية من جهة، ومع قوى دولية مسيطرة من جهة أخرى، حتى صار الخيال الإسلامي عامراً بالمجاهدين الجوالين، الغرباء في كل مكان، وإن فكروا بأنهم أحق بالبيت من أهله في أمكنة كثيرة. غُربتهم تغذي ميلهم إلى التعامل مع المجتمعات المختلفة كصلصال قابل للتشكيل بالصورة التي يريدونها، مع التخلص العنيف مما لا يسهل تشكيله. يجري تحويل الناس إلى تماثيل متماثلة، في الوقت الذي يجري تحطيم ما قد يوجد من تماثيل حدث أن صنعها البشر في مساعيهم لتمثيل العالم وتمثيل أنفسهم فيه. وشعور الإسلاميين بالاستحقاق يغنيهم عن الانضباط بقواعد جامعة تعمّهم مع غيرهم، وبالعكس يبيح لهم تحكيم ما يعتقدون بعالم متنوع كثير المعتقدات. الإسلامية هذه انفصالية، تكفر المجتمعات الحية وتهجرها (ولا تعمل مع شركاء من أجل عدالة وحرية أكبر فيها)، وينفصل معتنقوها عن مجتمعاتهم شعورياً، مثلما كان سيد قطب قد دعا طليعته المؤمنة إلى فعله في معالم في الطريق.
التمييز الذي تعرض له مسلمون وإسلاميون في بلدان عديدة، وقبل ذلك خبرة السقوط السياسي والعسكري والحضاري للعالم الإسلامي في القرنين الماضيين، يوفران قسماً من الطاقة الانفعالية لنفي العالم، أي للعدمية والعنف، وهو ما يعزز بدوره الارتياب بالمسلمين والتمييز ضدهم في دائرة خبيثة مغلقة. وتحول المظلومية الراسخة في أوساط الإسلاميين دون الشعور بالمسؤولية، حتى حيث حدث أن صار الإسلاميون سلطة، وقد صاروا بالفعل في غير مكان في سورية [قبل سقوط النظام]، وارتكبوا من الجرائم ما يصمد من حيث النوع للمقارنة بجرائم الحكم الأسدي (اعتقال وتعذيب وقتل بالتعذيب، تغييب قسري واغتيالات). وقد حال ترسخ ملكة المظلومية في أنفسهم دون الإحساس بما مارسوه من ظلم، بما فيه ما ارتكبوا من مجازر وخطف واغتيالات، وبالتالي دون أزمة ضمير قد تدفع بعضهم للمراجعة.
ليس الإسلاميون ممتنعين على التكيف مع تغيرات الواقع. لقد صار جيش الإسلام جزءاً من الجيش الوطني التابع لتركيا، بعد أن كان تشكيلاً سلفياً مجاهداً، منضبطاً بالباراديغم السلفي الجهادي. وصارت جبهة النصرة هيئة تحرير الشام، وهي تجتهد في إظهار ارتباطها بالثورة السورية لا بالقاعدة والجهادية العالمية، حتى أن الجولاني يظهر مع "علم الثورة" بعد أن كان هذا "راية عميّة". يمكن التشكك في صدق هذه التحولات، وليس من غرض هذه المناقشة التشكك في هذا التشكك. بالعكس، غرضها في الواقع القول إن هناك منطقاً وجيهاً للتشكك في صدق التحول، قد لا يتبينه كثير من المتشككين بالذات. هذا المنطق هو الإسلامية ذاتها كشيء مستقل عن منتجيها من الإسلاميين، كجنّي فالت أو كروح هائمة تتجسد أو لا تتجسد في هذه أو تلك من منظماتهم الكثيرة، لكنها لم تفتقر خلال السنوات الأربعين الماضية إلى أجساد. الإسلامية التي ترسخت خلال عقود في مزيج من المظلومية (العالم كله ضدنا) والظلامية (الاكتفاء الفكري والقيمي والحقوقي بالعتاد الموروث) والظالمية الحلال أو الشرعية (حاكمية الله تعفي من أي التزامات حيال البشر)، أقوى من الإسلاميين وأشد تطرفاً. إنها مثال للمخلوق الذي يصير أقوى من خالقه مثل فرانكنشتاين، ويستعصي على ضبط هذا الأخير. وهذا نموذج سبق أن شوهد مع إيديولوجيات قومية واجتماعية، تدفع معتنقيها إلى مزيد من المزايدة على أنفسهم وبعضهم حتى يفنى عالمهم ويهلكون جميعاً. الإسلامية هي آخر التجليات فحسب. وهي اليوم قائمة على الاستثناء بنيوياً، متشربة به كل التشرب: ليس استثناء النفس من قواعد عامة فقط، وإنما العيش في عالم من السيادة المطلقة والحرب المستمرة، مما لا تستقيم معه حياة اجتماعية أو سياسة أو صداقة. قد يعتدل إسلاميون خطابياً كثيراً أو قليلاً بفعل موازين القوى الفعلية، لكن إسلامية الاستثناء مفعمة بالاستعلاء ورفض المساواة مع الغير، على نحو لا يبقي غير باب التطرف والانفصال مفتوحاً. يمكن أن تنكسر وتندثر، وهي ستنكسر وتندثر، لكن هذا بالضبط لأنها لا تستطيع أن تعتدل من داخلها. والأساس في ذلك نفسه أنها لا تستطيع أن تكون عادلة، تنضبط بالقواعد ذاتها التي ينضبط بها غيرها، فتكون سنداً للمجتمعات تندرج فيها وتعمل عل إصلاحها، وتكون سنداً للعدالة في العالم، تندرج فيه بإيجابية وتعمل على إصلاحه كذلك.
اعتدنا على تفسير التطرف بشروط واقعية، سياسية وحقوقية واجتماعية واقتصادية وغيرها. هذا أساسي. التطرف ليس ذاتياً، ولا ينبع تلقائياً من العقائد أياً تكن. لكن للتطرف ركائز خطابية كذلك، تحيل إلى ما يوفره الخطاب من عالم مؤول تأويلاً يتوافق مع الانفعالات التي يثيرها واقع اعتباطي كواقعنا المعاصر، تسيطر فيه سيادات تعسفية لدول فالتة، تقوم على الاستثناء كبنية مستمرة، مثلما هو الحال في بلداننا كلها بصرف النظر عن إعلان أو عدم إعلان حالة الطوارئ فيها. واستجابة لانفعالات يمتزج فيها الغضب والإحباط والمهانة وتعذر التوقع، توفر الإسلامية إجابات "معلومة بالضرورة"، تجمع بين النظري: عقيدة السلف، والعملي: الجهاد، وتشكل عالماً متماسكاً، لا منافس له اليوم فيما بين أيدينا من أعتدة فكرية وسياسية.
الشروط السياسية والاجتماعية والاقتصادية لا تستنفد تفسير الظواهر التاريخية، وبخاصة على المديين القصير والمتوسط. الخطاب يلعب دوراً مستقلاً على هذين المديين، وهو لا يتفكك إلا ببطء، متأخراً كثيراً عن تغير الأوضاع التي ازدهر في ظلها. نعرف ذلك في مجالنا من النظر في تاريخي كل من الدعوتين الشيوعية والقومية العربية.
وخلاصة ما تريد قوله هذه المناقشة الوجيزة هو أن الجني الذي صنعه الإسلاميون بالمزايدة الدينية، جني الإسلامية، أفلت من أيديهم وصار مستقلاً عنهم ومستعصياً على ضبطهم. استقلال الإسلامية عن خالقيها ليس إلا وجهاً آخر لما تقدم قوله من شرط الهجرة والانفصال النفسي والثقافي والجغرافي المكونين لها. حين تلتقي الروح الهائمة بأفراد هائمين ومجموعات هائمة أو مقتلعة، نحصل على المركب العدمي الإرهابي: نفي معنى العالم والعمل على تدميره.
ويشهد على استقلال الجني عن أي قوى بعينها أنه تلبس شبكة هي القاعدة، ثم "دولة" هي داعش، فخلايا نائمة و"ذئاب منفردة"، مثلما جرى الحديث مراراً في اعتداءات سابقة في أوربا. الروح الهائمة هي نفسها، لكنها تتلبس أجساداً تختلف.
إلا أن فلتان الجني ذاته مسألة وقت. فرغم قوته النسبية، ليست للجني حياة ذاتية، وهو يعيش مما يعيره له من أجساد رجال (ونساء). أو لنقل إن قوة الجني وضعفه يكمنان معاً في انفصاله: فهو عابر للحدود والبلدان والمجتمعات خلافاً للناس، ولكنه لأنه منفصل فهو لا يستغني عن أجساد هؤلاء الناس. وهذا يثير سؤالاً حارقاً عن شرط هذه الأجساد حتى تنحاز إلى عالم الجن وتصير برية، وعن السياسة الناجعة كي تقوم بالحركة المعاكسة، تنفصل عن عالم الجن وتصير مدنية. لا مجال للتوسع في ذلك هنا، لكن ربما تتصل تلك الشروط بأوضاع الاقتلاع التاريخي والاجتماعي وتحيل إلى بنى أطول أمداً مثل الجسد المنتهك والحكم اليدوي والمجتمع البري.
أين موقع الإسلام من الإسلاميين والإسلامية؟ ضائع. الضعف البنيوي الموروث للإسلام، السني في هذا المقام، يتمثل في افتقاره إلى مؤسسة دينية مستقلة ووازنة، تحد من الفوضى الدينية من جهة، وتتيح لدين المسلمين قدراً من الاستقلال السياسي عن الدول من جهة ثانية، وتؤسس لعقلنة التعاليم الدينية عبر اختصاصها الديني من جهة ثالثة (في كتابه سوسيولوجيا الدين، كان ماكس فيبر قد ربط بين عقلنة التعالي والمأسسة الدينية). الإسلاميون السنيون نتاج الضعف البنيوي للإسلام السني بهذا المعنى وليس قوته، وهم بعد ذلك عنصر إضعاف إضافي له. والإسلامية أقوى حتى من الإسلاميين في إضعاف الإسلام، وإن ظهرت أقوى وقتياً بفعل تكوينها الاستثنائي السيادي (ومخيلتها الإمبراطورية). كلاهما، الإسلاميون والإسلامية، يردّان دين المسلمين إلى إيديولوجية سياسية هائجة، قد تسيطر هنا وهناك، لكنها تؤسس لنظام طغيان رقيب، ديّان، فقير ثقافياً وروحياً وأخلاقياً، معادٍ للعالم ومستعْدٍ له.
قد يبدو أن الإسلام "مالئ الدنيا وشاغل الناس" في العقود الأخيرة، وأن هذا طيب على ما يرجح أن يرى الإسلاميون، وربما بعض المسلمين. لكن هذا لأن اسم الإسلام صار ميدان معركة، أما جسمه فمفتت ومهدور، تخترمه الصراعات الطائفية، ويستبيحه التطرف والعدمية.

عجز
ما حدث في سورية بسقوط الحكم الأسدي كبير جداً من أوجه متعددة، منها ما يتصل بأثره المحتمل على الإسلامية. القوى التي تجد نفسها في مواجهة الجني الفالت اليوم هي قوى إسلامية، بل وتتحدر من شبكة القاعدة الدولية. وهي تحمل من منشئها هذا حضوراً للإسلامية يبدو أنه يتجه راهناً للانفصال عن الخط الذي اعتمدته السلطات الجديدة، على ما تشهد حادثة تدمر. مفارقة الحكم الجديد في سورية أنه هو ذاته مزيج من الجني والأنسي، من الفلتان والتعقل، من البري والمدني، والمحصلة غير محسومة بحال. الأكيد أنه لا يزال ثمة إسلاميون يريدون إسكان الجني في الجسد السوري، ولو بتعذيب لا ينتهي لهذا الجسد.
منذ ثمانينات القرن العشرين كانت سورية رافداً مهمّاً للإسلامية المعولمة التي تخمرت في أفغانستان، ثم شهدت طور انتشار جديد في العراق بعد الاحتلال الأميركي. الجهاد العراقي وتقلباته تجربة مكونة للشاب أبو محمد الجولاني، أحمد الشرع، ولبعض الوقت كانت سورية امتداداً لتلك التجربة، لكن التمايزات أخذت بالظهور منذ نيسان 2013، مروراً بتباعد أكبر عام 2016 مع الانفصال عن القاعدة، ثم أكبر بعد سقوط الأسدية. مسار من انفصال متردد عن الانفصالية الإسلامية.
هل يمكن تفسير تدرجات المسار وتردده بوزن الإسلامية المستقل نسبياً عن معتنقيها، أو باستقلال الخطاب وأثره المشكِّل المستمر، بعد انقضاء الزمن الذي كان يتمفصل الخطاب فيه على الأوضاع العينية تمفصلاً فعالاً؟ هذا عنصر تفسيري أساسي في تقديري، وهو ما حاول متن هذه المناقشة قوله.
ومما يحيل إلى استقلال الخطاب عن مشكلات الواقع ما يلحظ من عدم استرخاء البيئات السنية بعد سقوط الأسدية. بالعكس، شهدنا ميلها إلى الاستئثار الكلي بالسلطة، وتأكيد النفس بطرق عدوانية، وظهور غرائز انتقام غير مكبوحة. لكن هل ما رأيناه في سورية خلال عام يتصل بطائفية سنية محتقنة أم بإسلامية انفصالية، جوالة وغير سياقية ومتطرفة؟ هناك مساحة تشابك وانمحاء للحدود بين الاثنتين، لكن هذه ليست تلك، وإن أسهمت شروط الصراع السوري في التقريب بينهما إلى حد الدمج طوال سنوات. سقوط الحكم الأسدي يبدو أنه يؤذن بتباعد هاتين النزعتين، وقد نرى صراعاً متفجراً بينهما.
إذ في حين أن الإسلامية الجوالة طائفية وجهادية حتماً، فإنه لا يتحتم أن تكون الطائفية السنية كذلك، والصراع ضد الطائفية السنية ليس هو الصراع ضد الإسلامية المعولمة الجوالة. الأول صراع اجتماعي وسياسي وحقوقي وأخلاقي في النطاق السوري، لا يتحتم أن يكون مسلحاً، أما الثاني فاللب فيه هو عمليات أمنية جوالة هي ذاتها.
ويبقى أن من علائم الضعف الفكري للحكم الحالي أنه لا يقوى على أن يؤسس اعتداله الخطابي على مراجعات فكرية تعيد النظر في نشوء الإسلامية البرية ومسارها، ما يبقي هذه الإسلامية معياراً للصواب في عين بعض قوى الحكم ذاتها. هذا مسلك فصامي ومتهافت على المدى الأطول، لأنه يفصل السياسي عن الفكري، فيظل الفكر متطرفاً وغير سياسي، وتبقى السياسة سطحية وبلا فكر. ولا يبدو في وارد "براغماتية" الحكم المفترضة أن تحاول معالجة الفصام بأن تسائل تاريخاً من التطرف والعنف هو تاريخها بالذات، وقد مورست خلاله جرائم وفيرة في سورية وفي غيرها. كنس هذه الجرائم إلى تحت السجادة اليوم يبقيها معنا، كامنة في أعماق الأنفس، في الذاكرات والمخيلات. وما يكمن في الأعماق لا بد له أن ينبعث إلى السطح من جديد.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا زميل! في وداع حسن النيفي
- دماء في صُبح سورية الأغبر
- سورية بعد عام: عواقب الفراغ السياسي
- منظورات سورية:ي تبدُّلات المعرفة والسياسة بموازاة تغيُّر الز ...
- فصاحة السلطة عامية الشعب
- قصة محمد بن راشد: حداثة بلا سياسة، وجمالية بلا تاريخ
- سورية والمسألة الجيليّة
- صراع الذاكرات السورية وسياساتها
- طبّالون ومكيودون وحائرون
- هيغل وآرنت: فكر بدايات وفكر نهايات
- تصورات الأقلية والأكثرية على ضوء التاريخ السوري
- ديمقراطية وجينوقراطية: في تشكل الشعب السوري وتفكّكه
- مصالحة وطنية في سورية!
- حوار ثان مع علي جازو: العالم والكتابة واللغة والنشر و...سوري ...
- أزمة القيادة في البيئات السنّية السورية
- كلام في المثال: مؤتمر سوري عام
- في مفهوم الخيال السياسي وأزمته
- المتن والهامش: جولة أفكار بين سورية والعالم
- بين ماضي سورية وحاضرها: بدايات مهدورة ومشكلات عسيرة
- حل الإخوان السوريين واحتكار التمثيل السني


المزيد.....




- صندوق مفاجأة دمية -لابوبو- يبرز أيضا ضمن صيحات هدايا عيد الم ...
- ضاحي خلفان يكشف عن 3 أسباب لفشل الوحدة العربية ونجاحها في ال ...
- كيف يؤثر التأمل علي دماغك ويحمي صحتك النفسية؟
- جرائم إبستين ـ اختفاء وثائق وملفات يهز وزارة العدل الأمريكية ...
- شرطة تايوان تنفي الدوافع الإرهابية عن هجوم مترو تايبيه
- قصة -الملثم خالد- الشاب الذي كان -مفتاح النصر- لحلب
- 10 قتلى بنيران مسيرة استهدفت سوقا بولاية شمال دارفور
- مقتل 3 بقصف إسرائيلي شرقي مدينة غزة.. واقتحامات في الضفة
- البرادعي: صراعات عالمنا العربي كانت بين الأنظمة والآن الكارث ...
- خارجية سوريا تعقب ببيان عن جهود محاربة داعش وتعزي ضحايا الهج ...


المزيد.....

- سبل تعاطي وتفاعل قوى اليسار في الوطن العربي مع الدين الإسلام ... / غازي الصوراني
- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الإسلامية البريّة: روح هائمة تبحث عن جسد