|
أزمة القيادة في البيئات السنّية السورية
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 22:55
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
«قائدنا للأبد» ليس هناك ما يُكثف أزمة القيادة في الوسط السني السوري، الأكثري ديموغرافياً، أكثر من شعار أخذ بالظهور عام 2012، واستُعيدَ قبل أشهر في طرطوس: قائدنا للأبد/ سيدنا محمد! الشعار يُحيل إلى مخيلة فقيرة، تبدو غير قادرة على الإتيان بهتاف مسجوع لا يستنسخ شعاراً أسدياً، ظهرَ بعد مجزرة حماة: قائدنا إلى الأبد/ الأمين حافظ الأسد! وأسوأ من ذلك ما يبدو من عدم تبيُّنِ أصحاب الشعار أنه ماسٌّ في واقع الأمر بكرامة نبي الإسلام، بأن يُقاس على طاغية مثل حافظ الأسد، كانت أوساط أصحاب الشعار ضحيته أكثر من غيرها. ولعل ما يكمن وراء قلة الإحساس بالإهانة نعرةُ الهوية، وهي متحكمة اليوم بجمهور واسع من البيئات السُنّية السورية، تدفعها إلى إعلاء قيمة تَماثُلها مع ذاتها فوق تغيير النفس والواقع. والهويات تُصفِّحُ الأنفس، «تُسمِّكُ جلدها»، وتُشكّل لها دروع احتماء من عَوادي الزمن. منذ نصف قرن أخذ يصعد انشغالٌ وسواسي بالهوية والتماثُل في أوساط النخب الإسلامية السُنّية، قاد بثبات إلى الانكفاء عن العالم والانحباس في النفس المُصفَّحة. في صورة مُحنَّطة للنفس في واقع الأمر، مُندارَة بقوة نحو الماضي، لا تكفُ عن تعميمها خطبُ الجمعة والتعليمُ الديني. أخذ هذا الانشغال الهويتي شكلاً مقاتلاً بعد الثورة السورية، وكان شعار القيادة الأبدية للنبي من تعبيراته الأشد تطرفاً. والشعار بعد ذلك متنطّع، ينكر أن «سيدنا محمد» رحل عن العالم قبل 14 قرناً، وأن عالم اليوم مختلف جذرياً عن عالمه، ولا حلول لمشكلاته في حلول مشكلات عصر النبوة، إن شئنا أن نقول كلاماً معقولاً. بل حتى إن شئنا المعقول الديني: فالنبي كان يتلقى العون الإلهي عبر الوحي، وهذه نافذة سماوية انغلقت برحيله. ويقتضي انتهاكُ المعقول لفرضِ معالجات حلول زمن النبوة عنفاً هائلاً بغرض إجبار الناس على قبول غير المعقول، أي بالفعل على إلغاء عقولهم. ليس للمزايدة الدينية أن تشوِّشَ على ما يُقرَّه الحس السليم من أن مشكلات اليوم تقتضي قيادات متمرسة بفكر وقيم ومعارف اليوم. المشروع الغائب أصحاب هذا الشعار من عالمنا الحالي، مُجايلون له، وينتمون إلى مواقع وأدوار في اجتماعنا السياسي المعاصر. فكيف حصل أن وُجدوا؟ أوجدتهم أزمة القيادة. عصبية الهوية ذاتها، والحضور الكبير لفكرة الهوية في الثقافة، تعود إلى أزمة القيادة، أو بتحديد أكبر أزمة المشروع التغييري، وهذا منذ هزيمة وتهاوي المشروع القومي العربي ابتداء من عام 1967. المشروع هو الأهداف والخطط المتوجهة نحو المستقبل، الساعية وراء واقع أفضل، يعمل من أجله بهمّة قطاع نشط من المجتمع. وبينما الهوية ارتدادٌ إلى أعماق النفس حين يكون العالم خطراً أو غير مأمون، فإن المشروعَ خروجٌ من النفس إلى العالم وفعلٌ فيه. بهذه الدلالة، سورية تعاني من أزمة مشروع وأزمة قيادة منذ ما يقترب من ستين عاماً. «الأمين حافظ الأسد» أراد أن يحكم إلى الأبد، والأبد ليس مشروعاً ولا سيراً إلى الأمام، إنه حاضر أبدي، أو سجن مؤبد. وهذا يحتاج إلى سجانين وجلادين ومخابرات، لا إلى قادة ورجال سياسة. حافظ الأسد سجنَ سورية ولم يَقُدها من قديم إلى جديد، أو من حال راكد إلى حال نشط متغير. نظامه ونظام ابنه من بعده هو نظام الركود واللاتغيير، بل واللاإصلاح. بشار الأسد تفاخر أمام نائبه فاروق الشرع بأنه نجح في إلغاء كلمة الإصلاح من بيان مؤتمر القمة العربية في تونس عام 2004 (مذكرات فاروق الشرع، الجزء الثاني، 2000- 2015، 2025). لقد أخذت نعرةُ الهوية أو عصبيتُها تظهر منذ سبعينيات القرن العشرين، وتأخذ في السياق السوري شكلاً طائفياً، الشكل الذي أخذه كذلك (لا)مشروع الأبد. الطوائف أوابد، وهي وحدها ما تتوافق مع سياسة الأبد. والتعارض بين مُدركَي الأبد والقيادة جوهريٌ وليس عارضاً. حيث الأبد هناك أوابد، وربما إبادة، وليس قيادة؛ وحيث القيادة هناك إذاً مشروع وتاريخ وتغير، ولا أبد. قيادات لا تقود كانت حداثتنا بدءاً من عصر التنظيمات العثماني قد أخذت تُنتج نوعاً من القيادات الإسلامية: محافظون؛ ونشأ في حقبة ما بعد ظهور الدولة الترابية المعاصرة نوع ثانٍ: وسطيون متلونون؛ قبل أن يظهر في حقبة الأبد نوع ثالث من القيادات في الأوساط السُنّية: متطرفون. هناك منطق في هذا التتابع. ظهر المحافظون في ما يمكن تسميته بحقل النهضة العربية، صعود أفكار وتطلعات جديدة، في مجالات السياسة والاجتماع والآداب والفنون، منها القومية والمواطنة، ومنها تحرر المرأة، ومنها الرواية والموسيقى والمسرح. المحافظون هم جناح النخبة الاجتماعية الذي يستثمر في الميراث الديني ويتعامل معه كأمانة، وأساس لسلطته الاجتماعية. وهذا بالتقابل مع إصلاحيين، أخذوا يستندون إلى علوم العصر وفلسفاته وأفكاره. أما الوسطيون فقد أخذوا بالظهور في إطار الدولة الحديثة، وفي هذا الحقل كان هناك أحزاب وتيارات أخرى، وهناك حد أدنى من منطق الدولة المستقل عن الدين، العلماني. وهم لذلك يعرضون وجهين: وجه مُندار نحو الدولة ومجتمعها الحديث نسبياً، ووجه مُندار نحو الدين والماضي، فلا يكفون عن التقلب بينهما. ونموذجهم في سورية هو الإخوان المسلمون. ونموذج المتطرفين هو مستمر بدأ بالطليعة المقاتلة وآلَ إلى المجموعات السلفية الجهادية. وهؤلاء ظهروا في حقل الأبد، وشاطرهم فيه معادون للإسلامية لا يقلون عنها تطرفاً، وجدوا أنفسهم أقرب إلى أجهزة التأبيد. في الحالات الثلاث لا نفهم ظهور هذه «القيادات» الثلاثة دون النظر في حقول ظهورها واستقطابات هذه الحقول. والفكرة التي تَسوقها هذه المناقشة تتمثل في تهافت تكوين هذه القيادات الثلاثة، أي تناقضها الذاتي المكون، وعجزها بالتالي عن القيادة. المحافظون لا ينفصلون عن الجماعة ليقودُوها. هؤلاء هم المشايخ والمفتون والخطباء وما شابه. والمقصود بعدم الانفصال أنهم يستعيدون بلا كلل «علماً» مستقراً لا يضيف جديداً ولا ينتج قيمة مضافة ولا يدعو إلى تفكير مختلف، إلى تجريب وطرق حياتية وسلوكية جديدة، إلى أدوار اجتماعية مغايرة. يتولى المحافظون أمانة حفظ «الإسلام» مثلما هو في عالم تغيَّرَ تَغيُّرات هائلة، فلا يعملون على إعادة هيكلته كي يُلاقي من موقع إيجابي التغيُّرً العالمي، بل كي يسهم في التغير العالمي وفق قيمه الأساسية. هذه القيادات الدينية تحمي الركود، لا السير إلى الأمام، لا تقود. وهم فوق ذلك محليون، مرتبطون بالمجتمعات المحلية وشبكاتها المسجدية والتعليمية والوقفية، ويندر أن يرتفعوا فوق هذا الأفق. الوسطيون الذين نشؤوا في حقل الدولة الاستقلالية لا يقودون لأنهم توفيقيون، مفتقرون إلى رؤية إصلاحية قوية، ويتلونون بحسب ما يقتضي الحال. ورغم أفقهم الأوسع، فإن الإخوان المسلمين في سورية لم يستطيعوا أن يظهروا كقيادة وطنية معتدلة تعمل من أجل تعدد اجتماعي وسياسي وفكري، ولا (في وقت لاحق) أن يتطرفوا. ومثلما هو حال كل تردد، كان ترددهم مأساوياً، دفعوا هم وأوساطهم والمجتمع السوري كلفته الباهظة. الوسطية ليست خير الأمور، بل هي أسوأها في الواقع، وهي عنوان للابتذال والركود. وهي في عالم سياسي واجتماعي وثقافي متردٍ مثل عالمنا، تسوية لصالح الرداءة (mediocrity) على حساب الجديد والمغامرة، علامة 5/10 دائمة. هذا بينما النهوض الفعلي يقتضي علامة كاملة، 10/10، لوقت طويل. خلال سنوات ما بعد الثورة السورية أظهرت الوسطية الإخوانية استعداداً مزدوجاً للسيطرة على التمثيل المعارض واستتباع من يستطيعون من المعارضين، وفي الوقت نفسه للتبعية للغير (الحكم التركي). التابع ليس قائداً بالتعريف. ثم لدينا المتطرفون الذين ينفصلون عن البيئات الاجتماعية كثيراً، وربما يُكفِّرونها ويهجرونها، فلا يقودونها، ويقودون من يتبعهم منها إلى التهلكة. أخذ هذا التكوين بالظهور منذ ستينيات القرن العشرين عبر مفهوم الطليعة المؤمنة لسيد قطب، وأخذ ينتشر في السبعينيات في مصر وسورية، ثم كانت أفغانستان، البلد الطرفي ومن الأقل تطوراً بين مجتمعات المسلمين، مِخْمر تخليق التطرف الإسلامي المعاصر. التيار السلفي الجهادي هو تجسيد للتطرف المضاد للعالم، وقد خلبَ بعد 11 أيلول (سبتمبر) 2001 لُبَّ جيل من الشباب المسلم السني في سورية وغيرها. هنا بدل الانكفاء المحافظ عن العالم ثمة إرادة عدمية لتدمير العالم. القيادة تقود نحو أوضاع أفضل بالتعريف، وليس إلى صراعات انتحارية. هذا مشروع مضاد، عدمي. ويجمع بين المحافظين المنكفئين والمتطرفين العدميين ومعهم الوسطيون انعزاليةٌ إسلاميةٌ متعنتة، قللت من شأن المسلمين، وحولتهم إلى نحلة غريبة متعصبة، خائفة ومخيفة في آن، بدل أن يكونوا تياراً رئيسياً من تيارات عالم اليوم، على ما يفترض بجماعة يقارب عديدها 20 بالمئة من سكان عالم اليوم. والمدهش أنه لا يكاد أحد يشعر بالدهشة من أن قيادات المسلمين السُنّيين هذه لا تبدو معنية بالنضال من أجل العدالة للجميع في بلدانهم وفي العالم، ولا بالشراكة مع آخرين في هذا النضال، فلا حلفاء قريبين وبعيدين ولا أصدقاء مختلفين. فكرتهم عن العدالة هي أن يسودوا ويفرضوا معتقدهم بالقوة. هنا أساس أزمة القيادة، أنانية المشروع وانعزاليته وعُنفه. سياسة المَهاوي في المحصلة، هناك أزمة قيادة في الأوساط السُنّية السورية لتوزع النخب هنا على الجمود أو التطرف أو التذبذب، ما يتعارض مع قيادة الناس من أوضاع أسوأ إلى أوضاع أفضل. والعجز القيادي في المجال السني لا يمكن إلا أن يكون مضاعفاً في المجال السوري العام إذا تنطع سنيون بلا رؤية وعاجزون عن تغيير أنفسهم للحكم في بلد معقد مثل سورية. والحال أنه ليس هناك حل لأزمة القيادة في سورية أو أي بلد على أساس ديني. هنا أيضاً لا ينبغي للمزايدة الدينية أن تدفع للمجادلة في المحسوس. ينبغي أن يكون الناس عاقلين حتى يمكن أن يكونوا قادة، والعقل هو طبقة الأفكار والمعارف والخبرات المتكونة بالتفاعل مع مشكلات اليوم، والتي تضمن التوجه الصائب والسداد وتجنب الكوارث في عالم اليوم. تحت العقل هو ما قد يُسمى اللاشعور، ومنه اللاشعور السياسي ذي العمق الديني بحسب ريجيس دوبريه في كتابه نقد العقل السياسي (استفاد منه وأحال إليه الراحل محمد عابد الجابري في كتابه العقل السياسي العربي). العقل هو طبقة التفكير القائدة، والقيادة التي تستند إلى طبقات أعمق، ما قد تسمى سياسة الأعماق أو اللاشعور، أو بلغة فرويدية سياسة «الهو»، تقود إلى المهاوي والحفر العميقة دون غيرها. الطبقات العميقة تلك يمكن أن تكون معالم للهداية، ركائز للهوية، أسانيد للروح، لكن ليس للسياسة والتوجه في العالم المُعقد، أي ليس للقيادة. وهو ما يعني أنه لا يمكن لسياسة إسلامية ألا تكون سياسة مهاوي إلا بقدر ما تكون علمانية. أكيد بالمقابل أنه ليس هناك سياسة إسلامية ناجحة لقيادة الدولة في أي من البلدان الإسلامية في عالم اليوم. وهذا ظاهر سلفاً خلال أقل من عام من الحكم السني الراهن في سورية. فحيث غلب الوجه السني على الحكم تسبب ذلك بكارثتين وطنيتين وإنسانيتين في الساحل في آذار (مارس) الماضي، ثم في السويداء في تموز (يوليو). التفكير بمنطق سني مفتوح فقط على الأبد، أي على حكم شرعي/أمني، يقوم طائفيون سنيون فيه بدور الجلادين والسجانين والمخابرات. السنية مثل العلوية مثل غيرهما، أوابد، ركائز لحكم أبدي. بالمقابل، ما حدث أو يمكن أن يحدث من أشياء إيجابية ظهر فقط حيث تصرف الحكم بحس وطني سوري. الحكم اليوم يظهر مُزاوِجاً بين إسلامية سنّية وبين وطنية سورية، وستتسبب هذه المزاوجة في مآسٍ وكوارث أكثر مما تسببت إلى اليوم، مثلما يتسبب كل نهج متردد. الفكر الإسلامي متردد منذ قرن ونصف، وهو لا يراكم غير المآسي بفعل ذلك. وبنظرة عريضة، تبدو السنية السياسية مأساوية تكوينياً، لأنها مسكونة بالتفوق والاستعلاء من جهة، مع تواضع في القدرات والقوى من جهة ثانية، ما يسوقها في اتجاهات انتحارية في عالم يقوم على القوى والقدرات لا على أوهام الناس عن أنفسهم. المسلك الذي يجنب المآسي، التواضع والتعلم من الغير وإصلاح النفس، يبدو ممتنعاً ممن يعتقدون أنهم مالكون سلفاً لكل علم صحيح فلا حاجة لهم للتعلم من غيرهم، وأنهم معيار الصلاح في العالم فلا حاجة بهم لإصلاح أمرهم. بهذا التكوين تبدو الكارثة وحدها مضمونة المستقبل. الفكرة القائدة ما سبق يعني بكل بساطة أن سورية يمكن أن تُقاد فقط بمنطق وطني سوري، لا بمنطق إسلامي سني، ولا من باب أولى بأحد تفريعاته مثل السلفية أو الإخوانية. الوطنية السورية هي عنوان المشكلات المعاصرة، التي يتكون العقل بالتفاعل معها وإيجاد الحلول الأنسب لها. حق المسلمين في أن يحترم دينهم شيء والسيطرة على الدولة وعلى الغير شيء آخر. السيطرة ليست حقاً لأي كان. لكن في حين أن الفشل محتم على أساس إسلامي، فإن الوطنية السورية شرط غير كاف للنجاح القيادي، وإن يكن ضرورياً. ضروري لأن القيادة مسألة فكرة قائدة أو مشروع، وليس هناك فكرة قائدة منافسة في سورية للوطنية السورية. وغير كاف لأن القيادة كذلك مسألة أشخاص وقدرات، وليس فقط أفكار. هناك عناصر ذاتية في القيادة الناجحة، الذكاء والمهارة وحسن التصرف والأناة والصبر، مما كان العرب يجمعونه قديماً تحت عنواني الدهاء والحلم. ثم هناك الحظ الذي تكلم عليه مكيافيلي (البخت، بترجمة عبدالله العروي) والتوفيق. ويكاد لا يُجدي شيء إن كان هناك أعداء أقوياء يعملون على تحطيمك مهما فعلت، مستغلين قوتهم وسوء تدبيرك، مثل حال سورية بعد الأسدية مع إسرائيل طوال نحو عشرة أشهر. بالمقابل، ليست «الشعبية» من اللوازم الحتمية للنجاح القيادي، بل قد تكون فخاً، يأسر القادة في صور معينة كي يحافظوا عليها، فينقلبون مقودين، فلا يلبثوا أن يخسروا شعبيتهم ويحل محلها الفتور واللامبالاة. كما قد تولد الشعبية الغرور، فتقلل من الحذر وتعمي عن المخاطر. وأرخص الشعبية ما يجري فبركته، إن عبر المؤثرين اليوم وحملات العلاقات العامة، أو عبر أجهزة المخابرات بالأمس. وفي مثل أوضاع سورية اليوم قد يكون أنسب للقادة أن يحترسوا من الشعبية أكثر من أن يحرصوا عليها. القيادة مدعوة لأن تكون فعالة، مسؤولة، وذات رؤية، وليس أن تكون جماهيرية، يهتف باسمها «الهتّيفة». لا حلول دينية… سورية في وضع فريد من حيث أن المسيطرين الجدد قَدِموا من مواقع متطرفة جداً، وهم إن كانوا يعرضون اعتدالاً في الخطاب، فالبنية السياسية التي يشيدونها متطرفة، لا مشاركة فيها ولا تمثيل فعلياً لتعدد المجتمع السوري. ثنائية الاعتدال الخطابي والتطرف البنيوي متواترة سورياً. إصلاح أحوال البلد لا يستقيم مع تعهد ثنائية اعتدال خطابي ظاهر وتطرف بنيوي باطن. ما يمكن أن يُصلِح، هو نفسه ما يُعالِج من حيث المبدأ أزمة القيادة، أي قيام السياسة العامة على مبدأ وطنية سورية استيعابية. ينبغي أن يكون هذا بديهياً في واقع الأمر، وهو بديهي في كل مكان. إذ من العجيب أن يضطر الواحد منا إلى إثبات أن معيار السياسة العامة هو خدمة البلد ومصالح العموم من سكانه، وليس ديناً من أديانه أو طائفة من طوائفه أو إثنية من إثنياته. يبقى أن ما يصح على المسلمين، والسُنّيين منهم، يصح على غيرهم. فلا حلول دينية لمشكلات دنيوية، اجتماعية وسياسية وعسكرية واقتصادية وحقوقية وتعليمية وصحية وتكنولوجية وثقافية ومعنوية وغيرها. الحلول تأتي من إعمال الفكر المُزامِن للمشكلات، أي مرة أخرى من «العقل».
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلام في المثال: مؤتمر سوري عام
-
في مفهوم الخيال السياسي وأزمته
-
المتن والهامش: جولة أفكار بين سورية والعالم
-
بين ماضي سورية وحاضرها: بدايات مهدورة ومشكلات عسيرة
-
حل الإخوان السوريين واحتكار التمثيل السني
-
الوطنية السورية وبدائلها
-
سورية بين ثلاث مدارس للحكم والسياسة
-
أي سلطة في سورية، أي معارضة، وأي مستقبل؟
-
«الأمة» ضد الدولة: في جذور فشل بناء الدولة في سورية
-
الوطنية السورية وحكم الإسلاميين الراهن
-
في نقد النصر
-
إبادة جوّالة من الساحل إلى السويداء: حدث أم نمط؟
-
اليوم كما بالأمس: الطغيان والطائفية هما المشكلة في سوريا
-
محنة الوطنية والدولة في سورية اليوم
-
الإرهاب سورياً: أمامنا، وراءنا، أم معنا؟
-
تراثان فكريان سياسيان في سورية: أي دروس للراهن؟
-
عداليون وحضاريون: معيارا العدالة والحضارة في النقد الاجتماعي
...
-
مستقبل عدم: إسرائيل وصراعاتها الوجودية المستمرة
-
أفراد أذكياء وبنى اجتماعية غبية
-
ممسوك أم متماسك؟ المجتمع السوري بين صورتين
المزيد.....
-
حكومة نتنياهو تعين ديفيد زيني رئيسا جديدا لـ-الشاباك-.. لماذ
...
-
تعديل شامل لشروط الدخول والإقامة.. البرلمان البرتغالي يُشدّد
...
-
رئيس مؤسسة ياد فاشيم لـDW: حين ترون معاداة للسامية تصرفوا فو
...
-
المغرب: لماذا مُنعت مظاهرات مجموعة -جيل زد 212- الشبابية؟
-
صحيفتان جزائريتان تنفيان فرار الجنرال عبد القادر حداد المشهو
...
-
الحكومة المغربية: نتفهم المطالب الاجتماعية ومستعدون للتجاوب
...
-
بفيديو عنصري ومزيف، ترامب يسخر من الديمقراطيين!
-
الاتحاد الأوروبي - تونس: دبلوماسي أوروبي يقر بتقدم وبصعوبات
...
-
كيف ستحسم حماس موقفها من خطة ترامب؟
-
الحرب تدق أبواب بولندا فما القصة؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|