أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - اليوم كما بالأمس: الطغيان والطائفية هما المشكلة في سوريا















المزيد.....

اليوم كما بالأمس: الطغيان والطائفية هما المشكلة في سوريا


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 22:43
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أكبر المخاطر في سوريا اليوم لا يختلف في شيء عن أكبرها بالأمس، قبل سقوط الحكم الأسدي: الطغيان الدولتي والطائفية. الطغيان الدولتي قبل الطائفية لأن الطائفية من مقتضياته وعواقبه، دون أن يكون العكس صحيحاً.
الطغيان يعني سحق الحياة السياسية، ومنع السوريين من إنتاج منظماتهم وأحزابهم وجمعياتهم المستقلة، وسجن أو تعذيب أو قتل من يعترضون، ثم إرادة البقاء في الحكم لأطول وقت، أو «إلى الأبد»، مثلما أمل الأسديون وأعلنوا صراحة. الطغيان الدولتي هو الحكم بالجريمة، والأبد من مقتضيات درء العقاب. لكن حكم الطغيان غير ممكن دون أعوان مثلما يعرف عبد الرحمن الكواكبي ودارسو هذا النمط من الحكم. والطائفية هي وسيلة رخيصة لضمان الأعوان، عبر جعل ذوي قربى الطاغية أو عصبيته محاسيب للطاغية، ينتفعون من فُتات ما يترك لهم، وعبر إقناعهم بأن الحكم حكمهم، وأنهم سيذلون ويهانون، وربما يبادون، إن وقع الحكم بيد غيرهم، خاصة خصومهم الطائفيين المتربصين.
وجود الأعوان لا يصنع نظام الطغيان، وإن سهل الأمر له. الطائفية دون طغيان واستئثار بالحكم والموارد توجد في صورة «نعرات»، أحكام مسبقة وضغائن وعداوات صغيرة، مثلما نعرف بين قرية وقرية أو محلة ومحلة أو عشيرة وعشيرة. بالطغيان تصير الطائفية بنية سياسية، يعيد النظام إنتاجها عبر إعادة إنتاجه لنفسه، بما في ذلك عبر السحق المستمر للحياة السياسية كمساحة لخيارات اجتماعية وسياسية مغايرة.
هذه خلاصات مستمدة من تاريخ جيلين من الطغيان الأسدي. قضى الطغيان على وطنية الدولة وتقضي الطائفية على وطنية المجتمع. وأولوية الطغيان على الطائفية مهمة لأن هناك من يتصور أن حافظ الأسد ووريثه من بعده كانا طاغيتين لسبب طائفي يتمثل في منحدرهما العلوي. غير صحيح على الإطلاق. لا المنحدر العلوي بحد ذاته يدفع إلى الطائفية أكثر من غيره، ولا هو الأساس في طغيان حافظ وبشار. ليس للطغيان من أساس غير الشهوة المنحرفة للاستئثار بالسلطة كلها على الناس كلهم الوقت كله، وبالتالي المال الوفير والمجد كله. وهو ليس اختراعاً حديثاً في تاريخنا أو تواريخ غيرنا. الجديد في الزمن الحديث والمعاصر هو توافر تكنولوجيات حكم وسيطرة لم تكن متاحة للطغاة القدامى، تقنيات تتيح لطغاة اليوم وضع الملايين وعشرات الملايين من محكوميهم تحت الرقابة، ومحاصرتهم في عيشهم وعملهم، والتجسس على حياتهم الخاصة، وتحطيمهم أفرادا وجماعات. ومن هذه التكنولوجيات البيروقراطية والإحصاء والمخابرات، والمؤسسات الحديثة من تعليم وجيش وغيرها. الطغيان القديم كان قاسياً، لكنه محدود الانتشار وغير عميق. التنويعة الحديثة منه قاسية ومنتشرة وعميقة. أن نكون عرفنا هذه التنويعة من الطغيان القاتل في الحقبة الأسدية من تاريخ سوريا غير الطويل لا يعني أنها محصورة به، أو مرتبطة بحيثية طائفية بعينها، أو خاصة أنها غير ممكنة اليوم. الطغيان ممكن أياً تكن منابت الطاغية، فرداً أو عصبة، والعصبية التي يُستنّد إليها، وهو ممكن اليوم. والطاغية يمكن أن يكون سنياً ويستنفر عصبية سنية، ويعمل على تحويل السنيين إلى ركيزة طائفية لحكمه، أعوان للحكم بالجريمة.
ليست اعتبارات نظرية هي ما تكمن وراء هذه المناقشة التي سبق لكاتب هذه السطور أن أورد مضمونها بتنويعات أكبر هنا وهناك، بل عمليات سياسية راهنة. ومنها بخاصة أن أبرز دينامكية سياسية يمكن تبينها في سوريا اليوم هي ديناميكية تركز السلطة بأيد مقربين من هيئة تحرير الشام، سنيو المنبت، على نحو يستبعد نسقياً نحو ثلث سكان البلد من غير العرب السنيين، فضلاً عن جميع غير السنيين النمطيين، وهم ليسوا قلة. هذا التركيز غير مسبوق في تاريخ سوريا منذ نشوء كيانها الحديث بنهاية الحرب العالمية الأولى. ومحصلاته المحتملة لا يمكن إلا أن تكون وخيمة إن لم يجر الآن، قبل الغد، الحيود عنها نحو نظام سياسي استيعابي، هو ما تطلع إليه النضال الديمقراطي في سوريا منذ سبعينيات القرن العشرين. كانت مشكلة سوريا هي ضيق نظامها السياسي عن التمثيل العادل لمجتمعها المتنوع، وكان الحل المتصور والمعقول للمشكلة هو تغيير النظام على نحو يلاقي تطلعات السوريين المتنوعين إلى امتلاك بلدهم وإلى أن يكونوا مواطنين متساوين فيه، ينتخبون قياداتهم وممثليهم. كان خيار الحكم الأسدي معاكساً: ينتخب هو شعبه الصحيح الموالي، ويروع الجميع، ولا يستبعد المذابح والتهجير والتغييب كمناهج حكم. الطغيان نظام حكم قائم على الخوف حسب مونتسكيو (تقوم الجمهورية بالمقابل على الفضيلة، والملكية على الشرف).
كانت الطائفية عرضاً للطغيان، مرض سوريا الأساسي في الحقبة الأسدية. اليوم يبدو أنه يُفكر بالطائفية بوصفها المرض الأساسي، لكن ليس قبل اعتبار السنيين هم الأمة، وغيرهم طوائف. أي عملياً ليس قبل انتخاب الشعب الصحيح الجدير وحده بالسلطة، الشعب الأموي. ووفقاً لذلك، الطائفيون هم الآخرون، غير السنيين. من وجهة نظر الدولة الوطنية، دولة المواطنة، هذا باطل. الأمة الوحيدة هي أمة المواطنين السوريين، وكل ما غيرها فئات، طوائف أو غير ذلك.
والحال أن معظم ما اعتمده التشكيل السياسي الراهن من قواعد وأجهزة يندرج ضمن منطق الدولة الوطنية، بما في ذلك الكلام على احتكار الدولة للسلاح (هذا لا معنى له في الدولة الدينية، كما في الإمبراطوريات القديمة) وبما في ذلك عناوين مثل الدستور ومجلس الشعب والحوار الوطني. ومنطق الدولة الوطنية لا يقبل أن تكون الأكثرية الدينية هي الأكثرية السياسية، أو أن تكون الجماعة الأكثر عدداً هي الأمة، والجماعات الأصغر عدداً طوائف ثانوية الأهمية. ولا يمكن إبطال ما هو منطقي إلا بالقوة العشوائية التي تسمى في تاريخنا وتواريخ غيرنا بالتعسف، أو الاعتباط. الطغيان هو قبل كل شيء انتهاك للمنطق بالتعسف، قبل أن يكون انتهاكاً لأجساد البشرية بالتعذيب والإذلال والقتل. كان الطغيان الأسدي آية من آيات التعسف حين جعل من الاستثناء حالة سياسية دائمة، ومن الجمهورية ملكاً وراثياً، ومن الطائفية وحدة وطنية، ومن الحكم بالخوف حباً للقائد. وكانت المجزرة وأخواتها حلا بالعنف لمشكلة انتهاك المنطلق. ومآل الأسدية المعلوم، السقوط، مكتوب في هذا التحدي لمنطق المعقول السياسي والاجتماعي الحديث. وليس لمتحدّين آخرين أن يتوقعوا نتيجة مختلفة.
وأوخم محصلات مركب الطغيان والطائفية هو القتل على الهوية. ما إن نتكلم على طغيان حتى نتكلم على القتل وملحقاته من تعذيب واغتيال وتغييب ومجازر، وما إن نتكلم على طائفية حتى نتكلم على هويات وجماعات معرفة بتمايزها العقدي (وموقعها في نظام علاقات القتل). باختصار، الطغيان قتل (وأشياء أخرى) والطائفية هويات (وأشياء أخرى) واجتماعهما هو الإبادة (الجينوسايد) التي لا تعدو كونها قتلاً جماعياً على الهوية، على أيدي من هم في السلطة غالباً، وفي سياق من الحرب غالباً. وظاهر أننا رأينا هذه المحصلة الوخيمة مرتين خلال سبعة أشهر ونيف من الحكم الحالي، مثلما سبق أن رأيناها مرات خلال سنوات ما بعد الثورة، وقبل ذلك بعقود. ودوماً عبر عمليات صنع سياقات حربية.
ما يستخلص مما تقدم هو أن البنية العميقة للسلطة في سوريا لم تتغير، من وراء تغير الأشخاص والمظاهر والعناوين الإيديولوجية. تغيرت هويات القاتلين والمقتولين، لكن لم تتغير البنية القائمة على القتل على الهوية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محنة الوطنية والدولة في سورية اليوم
- الإرهاب سورياً: أمامنا، وراءنا، أم معنا؟
- تراثان فكريان سياسيان في سورية: أي دروس للراهن؟
- عداليون وحضاريون: معيارا العدالة والحضارة في النقد الاجتماعي ...
- مستقبل عدم: إسرائيل وصراعاتها الوجودية المستمرة
- أفراد أذكياء وبنى اجتماعية غبية
- ممسوك أم متماسك؟ المجتمع السوري بين صورتين
- انتهت الأزمة، ابتدأت الأزمة
- الدولة المترددة: عن الاعتدال والتطرف في سورية اليوم
- العناية بسورية، البلد غير المحبوب من أهله
- تعاقد سوري: نزع السلاح مقابل المشاركة في السلطة
- المعجزة والأبد والمستحيل: في الشوق إلى الممكن
- تكثير السلطة: لماذا الحكم منحدر في مجالنا؟
- سقط النظام، الثورة لم تنتصر، والصراع السوري مستمر!
- الحزب السياسي وأزمة الذاتية المعاصرة
- بعد أربعة أشهر، سورية من هنا إلى أين؟
- القنبلة السلفية والسلم الأهلي في سورية
- 100 يوم سورية جديدة: أحداث، ديناميّات، وتناقضات
- حملة -أنا أعتذر- ومراتب المسؤولية
- قمعي وإبادي: نظرات في عنف الدولة في سورية


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعترض سفينة -حنظلة- المتجهة إلى غزة
- أستراليا وبريطانيا توقّعان معاهدة شراكة نووية تمتد لـ50 عاما ...
- تصعيد بالمسيرات بين روسيا وأوكرانيا وقتلى مدنيون من الطرفين ...
- حزب بريطاني يهدد بفرض إجراء تصويت للاعتراف بدولة فلسطين
- بحثا عن الأطعمة الفاخرة والأرباح على ساحل غرب أفريقيا
- لقاء سوري-إسرائيلي رفيع بباريس: تهدئة مشروطة أم بداية تطبيع؟ ...
- حزب بريطاني يهدد ستارمر بطرح مشروع قانون للاعتراف بفلسطين
- زعيم كوريا الشمالية يتعهد بالانتصار في المعركة ضد أميركا
- الشرطة الهندية توقف رجلا يدير سفارة -وهمية-
- صحافي روسي ينجو بأعجوبة من هجوم بمسيرات أوكرانية


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - اليوم كما بالأمس: الطغيان والطائفية هما المشكلة في سوريا