|
حل الإخوان السوريين واحتكار التمثيل السني
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 19:16
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ليس واضحاً لماذا يحتاج "تثبيت حكم" الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع إلى أن تحل جماعة الإخوان المسلمين السوريين نفسها، ولا لماذا من شأن حل التنظيم أن "يخدم البلد"، مثلما يعتقد أحمد موفق زيدان، مستشار الشرع للشؤون الإعلامية (مقالته في موقع قناة الجزيرة، 22/8/2025). الرجل لا يوضح السبب، وما يسوقه من عبارات لتسويغ دعوته من نوع أن مسارعة "الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة، والمجلس الإسلامي السوري، إلى الفصائل العسكرية والسياسية والمجالس المحلية، وغيرها إلى حل أنفسها، ووضع مقدراتها، تحت تصرف القيادة السورية الجديدة" لا يقول لماذا هذا جيد ومرغوب. هذا عدا عن أن في الكلام على "مسارعة" هذه المجموعات إلى حل نفسها غير قليل من مجاملة الذات، كما من مخادعة الغير. فالحقيقة ليست كذلك كما يعرف جيداً المستشار الذي يخلط بين الحل الواجب للفصائل العسكرية (وهو حل ناقص، كما يثبت تقرير الجنة الدولية المستقلة في الانتهاكات ضد المدنيين في الساحل وشمال غرب سوريا، وقد تسبب نقصه في جعل الدولة فصائلية وفي كارثتين وطنيتين خلال سبعة أشهر)، وبين حل أجسام سياسية واجتماعية ومدنية لا يمكن نسبة أي انتهاك أو جريمة إليها. أما تبرير دعوة حل الإخوان بأن "يهتف الكل لحناً واحداً ونغماً موحداً" فهو أصلح لتبرير عدم الحل، لأن اللحن الواحد والنغم الموحد يمكن أن يكون تعريفاً جيداً للطغيان، لا لأي شيء طيب. ومثل ذلك ينطبق على الكلام على التغريد خارج السرب وقد كرره المستشار مرتين، فالمجتمع ليس سرباً من الطيور المغردة، بل كوكبات لا تحصى من أفراد أحرار ومجموعات مستقلة تتكلم أو يفترض بها أن تتكلم ما تؤمن هي به، لا ما يطلب منها من تغريد يطرب الطالبين. وأقرب ما يمكن أن يكون مبرراً سيئاً لدعوة الحل هو إشارة زيدان المقتضبة إلى أن الإخوان ألمحوا إلى "عدم رضاهم عما يجري". لكن أليس هذا واجب من يغارون على بلدهم ويتمنون له الخير، والقوم لم يتجاوزوا التلميح بحسب المستشار نفسه. ثم ألا يكفي الإخوان عقاباً أن تلميحهم إلى عدم الرضا "يزيد الشقة والفجوة مع الشارع الداعم للحكومة"؟ وإذا كان حل النفس مصير من يلمح إلى عدم الرضا، فماذا يحتمل يا ترى أن يكون مصير من يجهر بعدم الرضا؟ ومن يدعو إلى وجوب تغيير الحكم الحالي؟ ولا ينصر زيدان قضيته بالقول إن الإخوان شيوخ مسنون في العمر، باستثناء أولادهم ربما. فإذا كان الأمر كذلك فلم لا يُترك للمقادير التكفل بحل هذه الجماعة الشائخة؟ ليس هناك مبرر قانوني أو معقول لطلب السلطة أن يحل الإخوان أنفسهم، ولا يحتاج المرء إلى أن يكون على تعاطف خاص مع الإخوان حتى يتحفظ على هذا الطلب. كل تقييد للتعدد الاجتماعي والسياسي في سورية هو تضييق للهوامش الحرة لحركة السوريين ومبادراتهم وإضعاف للمجتمع أمام السلطة. الدفاع عن حق الإخوان في النشاط العام والعلني هو ما يتوافق مع الدفاع عن التعددية وهوامش الحرية في سورية، وهو لا يعني بحال الدفاع عن مضمون فكر الإخوان أو عن سياستهم. هذا شيء وذاك شيء. التعدد هو تعدد المختلفين، أما المتماثلون فلا يشكلون تعدداً ولو كانوا بالملايين. والخشية هي أن يكون الابتهاج بأن يؤكل ثور الإخوان الأبيض غفلة لا يعقبها غير أن تؤكل بقية الثيران المبتهجة. على أن الاعتراض على حل الإخوان لا يقتصر، في هذا السياق المخصوص، على الدفاع عن مبدأ التعدد العام في الإطار الوطني. فالمراد المرجح من دعوة زيدان المستشار هو احتكار التمثيل السني، أي إلغاء التعدد في الإطار السني، بما يسهل إلغاء التعدد على المستوى الوطني، أو قصره على جماعات أهلية أقل عدداً وأدنى قوة. وهو ما يضمن استئثاراً مديداً بالحكم، ربما أبدياً، من قبل ما يفترض أنها سلطة انتقالية. مؤشرات نحو 9 أشهر تشير إلى إرادة تركيز السطلة وإضعاف الخصوم المحتملين، وليس إلى حكم انتقالي يعمل على معالجة الملفات الشائكة ووضع قطار البلد على سكة السير المتوازن إلى الأمام. الإخوان ليسوا ملفاً شائكاً من وجهة نظر المصلحة الوطنية، وإن أمكن لهم أن يكونوا كذلك من وجهة نظر تركيز السطلة واحتكار التمثيل السني وتسنين الدولة عبر هذا الاحتكار. ولعله من طبائع الاستبداد التي لم يذكرها الكواكبي نزعة المستبد إلى الاستئثار بكامل السلطة وسط جماعته هو، وهذا قبل ومن أجل الاستئثار بها في مواجهة الجماعات الأخرى. لقد فعل حافظ الأسد ذلك بحبس أو اغتيال أبرز خصومه العلويين، صلاح جديد ومحمد عمران، قبل أن يتفرغ لمن يحتمل أن يكونوا تهديداً من غيرهم. حين بدأ بمواجهة الإخوان المسلمين الذي كان زيدان من أوساطهم وقتها، كان على سيطرة تامة على جيشه ومخابراته عبر محاسيبه الأهليين. لكن ماذا يريد الإخوان؟ لا ينبغي أن يكون الجواب صعباً: ألا ينحلوا، وأن يقدروا على ممارسة العمل العام في البلد. السؤال الذي قد تكون الإجابة عليه صعبة هو: إلى أي مدى يريدون ذلك في مواجهة حكم سني؟ هل إذا زادت الضغوط عليهم يحلون أنفسهم، أم ربما يثابرون على البقاء على قيد الحياة في الشتات؟ هل هناك أي احتمال لأن يتحالفوا مع تعبيرات أهلية أخرى أو منظمات سياسية قديمة أو جديدة ضد الحكم الانتقالي الحالي؟ لا نملك إجابات، ولا حتى تقديرات. الجماعة لم يتركوا لأنفسهم صاحباً، وهم لم يدافعوا يوماً عن حق أي كان في الوجود، وليس عن الحق في السياسة فقط. وفي مواجهة قوى إقليمية تريد تجريمهم ووضعه على قوائم الإرهاب، وكون بعض رعاتهم الإقليميين هم من رعاة الحكم الجديد في سورية، سيكون مفاجئاً ألا "ينِخّوا" لطلب الحل. هذا يبقى مؤسفاً إن حصل. ونجد أنفسنا في المحصلة في وضع تعيس بفعل قلة مبدئية وقلة عدالة وقلة جدية أكثر الفاعلين، هذا بينما تواجه سورية أشد المخاطر، ربما الأشد منذ نشأة الكيان السوري قبل أكثر من 107 سنوات. وهو وضع حزين إن فكر المرء من موقع إخواني. فالجماعة واجهوا النظام الأسدي ودفعوا ثمنا باهظاً من الضحايا والمعاناة والمنفى، وها هم اليوم يستبعدون ويطالبون بحل أنفسهم من قبل حكم سني! يتساءل زيدان لماذا قبل الإخوان بحل أنفسهم أيام الوحدة مع مصر: "وهل دعوة عبد الناصر هي أولى بالإجابة والسمع والطاعة من حاجة الرئيس السوري أحمد الشرع لتثبيت حكم ثمنه مليون شهيد..."؟ كانت الوحدة مع مصر انتحاراً لسورية، دفع إليه عجز النخب المدنية والعسكرية السورية عن حل مشكلاتها، ورمي نفسها بين يدي جمال عبد الناصر تخلصاً من النفس العاجزة، وليس حتماً من المشكلات. ربما كانت هنا نيات حسنة وراء هذا المسعى الذي يجب أن يفهم في زمنه، لكن السياسة ليست بالنيات بل بالعواقب ونتائج الأفعال، والنتائج كانت سيئة. حين سقط حكم الوحدة بعد ثلاث سنوات ونصف، جاء السقوط على أيدي ضباط وثق بهم نظامها وليس من سياسيين أُحبِطوا فانكفؤوا على أنفسهم، ولم يدافعوا عن الوحدة التي تحمسوا لها بدئياً. اليوم تبدو سورية على عتبة انتحار ثان، انتحار تقسيمي وليس توحيدي. وبدلاً من العمل على معالجة المشكلات التي تواجه البلد اليوم والبحث عن حلول سياسية لها، يبدو المستشار ومن يشير عليه وكيلين في عملية الانتحار الجديدة، منشغلين بما هو ثانوي، حل الإخوان ومنظمات سنية أخرى، عما هو أساسي: معالجة المشكلات الكبيرة التي تهدد بانهيار البلاد. الأرجح أن الخطر على نظام الشرع لن يأتي من جهة الإخوان أو أي منظمات سياسية سورية أخرى. واضح في واقع الأمر من أين سيأتي: من تركيبات متينة بين الانقسامي الأهلي وحمايات أجنبية معادية، أو من داخل الدولة الفصائلية نفسها، أو من تقاطع مجتمل بينهما. واضح إلى درجة أن المرء يتساءل عما إذا لم يكن حكم الأمويين السعداء اليوم راضياً بأن يسيطر على أجزاء أصغر من سورية، فقط بشرط أن تكون أكبر من "الكيان السني" في إدلب. زيدان الذي نظر لذلك الكيان وقتها لا تعوزه المواهب للتنظير لنسخة مزيدة ومنقحة منه اليوم.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوطنية السورية وبدائلها
-
سورية بين ثلاث مدارس للحكم والسياسة
-
أي سلطة في سورية، أي معارضة، وأي مستقبل؟
-
«الأمة» ضد الدولة: في جذور فشل بناء الدولة في سورية
-
الوطنية السورية وحكم الإسلاميين الراهن
-
في نقد النصر
-
إبادة جوّالة من الساحل إلى السويداء: حدث أم نمط؟
-
اليوم كما بالأمس: الطغيان والطائفية هما المشكلة في سوريا
-
محنة الوطنية والدولة في سورية اليوم
-
الإرهاب سورياً: أمامنا، وراءنا، أم معنا؟
-
تراثان فكريان سياسيان في سورية: أي دروس للراهن؟
-
عداليون وحضاريون: معيارا العدالة والحضارة في النقد الاجتماعي
...
-
مستقبل عدم: إسرائيل وصراعاتها الوجودية المستمرة
-
أفراد أذكياء وبنى اجتماعية غبية
-
ممسوك أم متماسك؟ المجتمع السوري بين صورتين
-
انتهت الأزمة، ابتدأت الأزمة
-
الدولة المترددة: عن الاعتدال والتطرف في سورية اليوم
-
العناية بسورية، البلد غير المحبوب من أهله
-
تعاقد سوري: نزع السلاح مقابل المشاركة في السلطة
-
المعجزة والأبد والمستحيل: في الشوق إلى الممكن
المزيد.....
-
زيلينسكي ردا على دعوة بوتين للمجيء إلى موسكو: -لا أستطيع الذ
...
-
تقرير يكشف تفاصيل عملية أميركية فاشلة للتجسس على كيم جونغ أو
...
-
رئيس وزراء السنغال يعتذر عن عدم تلبية أول دعوة رسمية لزيارة
...
-
فريق إغاثي يصل قرية سودانية منكوبة على ظهر الحمير
-
فيديو.. حماس تضع رهينتين في سيارة وتجوب بهما شوارع مدينة غزة
...
-
القوات الروسية تسيطر على بلدتين جديدتين في دونيتسك
-
لبنان.. انتشار للجيش ولافتات -دعم- قبيل بحث خطة -نزع السلاح-
...
-
الضربات التوراتية العشر.. رموز دينية تهيمن على جيش إسرائيل
-
كاتس يعلن -فتح باب الجحيم- في غزة وتدمير برج شاهق
-
إسرائيل تعلن اغتيال قيادي في -قسم المالية- بحركة حماس
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|