أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سورية بعد عام: عواقب الفراغ السياسي















المزيد.....

سورية بعد عام: عواقب الفراغ السياسي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 15:44
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لا جديد في القول إن سورية تعرضت لعملية تصحير سياسي قاسية في الحقبة الأسدية الطويلة. خلق نظام العائلة فراغاً سياسياً حول نفسه كي يكون هو البديل الوحيد عن نفسه، أو كيلا كون له بديل من غيره مثلما كان يقال فعلاً من قبل قوى دولية كما من قبل سوريين. في العقد السابق للثورة السورية حاول معارضون قدامى إحياء منظماتهم وأحزابهم التي كانت تفكر على صعيد وطني عام من حيث المبدأ، وتحاول أن تكون لها امتدادات في مناطق البلد كلها. لكن كان الأمر يتعلق بمنظمات من بضع مئات من الأشخاص في أحسن الأحوال، فقدت قوة الدفع العامة مع تداعي القومية العربية والحركات الاشتراكية خلال الربع الأخير من القرن الماضي، فلم تعد تصنع فرقاً سياسياً وتمثيلياً مهماً، وإن تكن قد صانت من وجه آخر الموقع المعارض في شروط غير مؤاتية. وخلال سنوات الثورة والصراع السوري الطويلة ظهرت قوى أهلية مسلحة، بخاصة في البيئات السنية وفي البيئة الكردية. وبينما استطاع تنظيم الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري احتكار السلاح في المجال الكردي، مستفيداً من خبرته القتالية التركية ومن تسليم النظام السلاح والسيطرة له في مناطق من الجزيرة وعفرين في تموز 2012، فإن البيئات السنية السورية شهدت تعدداً في المنظمات المسلحة، بلغ المئات وربما وصل الألف في بعض الأوقات (2013-2015). وفي الوقت نفسه حدث شيء آخر: أسلمة واسعة وسريعة للمنظمات السنية الناشئة، بل وسيطرة النموذج السلفي الجهادي في أوساطها، حتى لو كنت سلفيتها محلية ومجاهدوها سوريون حصراً. السرعة المفاجئة لتلك العملية بعد 2012 تشير إلى سطحيتها واصطناعها، وهو ما يعود على الأرجح إلى أثر تمويل شبكات سلفية خليجية في تخليق عدد غير قليل من تلك القوى الدينية المسلحة.
بانتهاء الحكم الأسدي الذي كان العلويون وقود حربه الأساسي يتكشف المشهد السوري عن تمثيل أهلي شبه حصري لمجموعات السوريين المختلفة، ويظهر السوريون كسنيين وعلويين ودروز واسماعيليين، ومسيحيين، وكرد، وسريان، وغير ذلك، دون وجود يذكر لمنظمات أو قوى سياسية عابرة لهذه الجماعات الأهلية. على هذا الصعيد الأخير، هناك تجارب متنوعة تظهر وتختفي بسرعة، ويحاول بعضها إطالة عمره بالارتباط ببعض الجماعات الأهلية المسلحة. والجديد اليوم أن ائتلافاً فصائلياً من قوى سنية مسلحة قد أسقط النظام الأسدي، ويشغل اليوم موقع الدولة. لكن التكوين الفصائلي ذاته يثير الشك في أهلية المؤتلفين للتحول إلى دولة عامة، فضلاً عن عدم تمايز الائتلاف عن المجموع السني السوري، وعدم تمايز فصائله عن بيئات سنية محددة هنا وهناك. هذا التكوين المشرشر ضالع في مجازر الساحل ثم مجازر السويداء في أشهر سابقة من هذا العام.
الجديد كذلك أن العلويين يبدون بلا قيادة أو تمثيل سياسي من أي نوع، ولو حتى ديني. الشيخ غزال غزال يبدو أقرب إلى اختراع من عدم أو ما يقاربه، وفوق ذلك الرجل غير مقيم وسط مجتمعه الأهلي. كان الحكم الأسدي هو التحقق السياسي للعلويين، حتى إذا سقط بصورة مخزية، وهو المدان بمجازر كثيرة وفساد مهول، وجدت البيئات العلوية نفسها مقطوعة الرأس سياسياً. وهي اليوم الأشد انكشافاً في سورية والأكثر تعرضاً للاستباحة. ربما تنتج الأوساط العلوية تعبيرات سياسية بعد حين، أو هي عاملة على ذلك منذ الآن، إلا أن الموجود منها اليوم يبدو ناظراً نحو الأمس والخارج، وليس نحو الداخل والحاضر. مجازر العلويين في آذار أوهنت البعد الوطني والأشخاص الذين يمثلونه في البيئات العلوية لمصلحة منازع كيانية علوية.
ويشكل المجتمع الدرزي في السويداء مركباً جغرافياً أهلياً مسلحاً، يسعى وراء صيغة من الاستقلال، بعد مجازر تموز على يد قوات الحكم الحالي. هذه المجازر محفورة بعمق في النفسية الجمعية للجماعة الدرزية في سورية، وهي بدورها أضعفت بشدة الوطنيين السوريين من الدروز لمصلحة الكيانيين، أي أنها خلقت فراغاً سياسياً حول الكيانيين، وهو ما يناسبهم تماماً.
وبينما يوجه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي رسائل متناقضة تتراوح بين اندماج مشروط، وبين استمرار الوضع الحالي وتحين الفرص لتغيرات تناسبه، وبين إدماج موالين للحكم الأسدي في قواه المسلحة والاستعداد لمواجهة عسكرية، يبدو أن فؤاد هذا التشكيل المسلح منشغل بتعظيم سيطرته وإحكام الرقابة الأمنية على الواقعين تحت سلطته إلى درجة حظر الاحتفال بذكرى سقوط النظام الأسدي. لا يبعد أن ينفجر الموقف، وأن يؤدي إلى إعادة توزيع للسلطة والسكان والجغرافية في مناطق من حلب والجزيرة.
بمثل هذه التحديات العسيرة تحتاج سورية ترتيبات سياسية جديدة تستجيب لتعدد مجتمعها وتوفر تمثيلاً للسوريين على ثلاث مستويات: مستوى السلطة المركزية بحيث تكون الدولة ملكية عامة لا دولة فئوية، ومستوى السلطات المحلية المتنوعة بما يوفر قدراً أكبر من الإدارة الذاتية للمجتمعات المحلية، ثم التعدد السياسي الكافل لمشاركة قطاعات نشطة ومتحركة من السكان، والذي قد يسهم في إطلاق دينامية تجاوز للانقسامات الأهلية على مدى أطول.
هذه الأشياء لا تتركب على الدولة الحالية التي يتوافق تكوينها الأهلي بالأحرى مع ترسخ الشروخ الاجتماعية والأهلية لا مع التئامها. سورية "الأموية" يتماهى بها السنيون أكثر من غيرهم، إن لم يكن دون غيرهم. وهذه صفة للانقسام المجتمعي والأهلي، مثلما كان الحال في الحقبة الأسدية، لكن مع احتمال أكبر اليوم للانقسام الجغرافي إلى عدة سوريات صغيرة، بفعل انتشار السلاح وتنامي الميول النابذة أو المُبعِدة عن المركز، والافتقار المتجدد إلى مشروع وطني عام. وهي فوق ذلك نذير بأن تصير البيئات السنية هي المقطوعة الرأس سياسياً إن تداعى الحكم الحالي. بخاصة وهو يسعى لاحتكار التمثيل السني، ويفضل حل تنظيم الإخوان المسلمين الأقدم منه بكثير.
الفراغ السياسي يوازنه امتلاء أمني أو أهلي، أو أمني- أهلي مثلما كان الحال في الحقبة الأسدية، ومثلما هو ظاهر اليوم على مستوى السلطة الحالية، وفي السويداء وفي الجزيرة، ومثلما يبدو أنه يعول عليه في أوساط علوية. هذا منطق الأمور: فإما قوى سياسية عابرة للخطوط الأهلية وعاملة من أجل العقلنة العامة، أو تكوينات أهلية مسلحة. ولا يمكن أن تكون الدولة أهلية أمنية دون أن يتشكل المجتمع بالصورة نفسها. فكما يُولى على الناس يصيرون.
وتبدو الهيئة السياسية التي استولت على ملكيات حزب البعث، وتفكر في نفسها كبديل له، قوة حراسة للفراغ السياسي لا قوة سياسية، وهذا مثلما كان حزب البعث الذي يبدو أنه قد زال بلا أثر يذكر. الحزب السياسي يعيش بغيره لا بنفسه، أي بوجود أحزاب أخرى. مفهوم الحزب الواحد متناقض، إذ ما إن يكون واحداً، حتى يكف عن أن يكون حزباً، يصير ملحقاً جهازياً بسلطة أمنية أو أهلية أمنية، مثلما يبدو حال الهيئة السياسية اليوم. هذا آخر ما يصلح كنموذج سياسي بديل عن التقسيم والانفصال.
بهيئة سياسية أو من دونها، من شأن فرض اللباس الأمني الأهلى الضيق على مجتمع سوري يضج بتعدده المتعدد المستويات أن يؤدي إلى انفجاره، مثلما حدث في النهاية في مواجهة الحكم الأسدي. الاحتمال اليوم أقوى بأثر انتشار السلاح بين أيدي الناس، وما توفره موجتين من المجازر من وقود انفعالي، وهشاشة أوضاع البلد السياسية والاقتصادية والأمنية والنفسية، ووفرة المتدخلين الإقليميين والدوليين. لا يحتاج الناس إلى أكثر من فتح عيونهم ليروا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منظورات سورية:ي تبدُّلات المعرفة والسياسة بموازاة تغيُّر الز ...
- فصاحة السلطة عامية الشعب
- قصة محمد بن راشد: حداثة بلا سياسة، وجمالية بلا تاريخ
- سورية والمسألة الجيليّة
- صراع الذاكرات السورية وسياساتها
- طبّالون ومكيودون وحائرون
- هيغل وآرنت: فكر بدايات وفكر نهايات
- تصورات الأقلية والأكثرية على ضوء التاريخ السوري
- ديمقراطية وجينوقراطية: في تشكل الشعب السوري وتفكّكه
- مصالحة وطنية في سورية!
- حوار ثان مع علي جازو: العالم والكتابة واللغة والنشر و...سوري ...
- أزمة القيادة في البيئات السنّية السورية
- كلام في المثال: مؤتمر سوري عام
- في مفهوم الخيال السياسي وأزمته
- المتن والهامش: جولة أفكار بين سورية والعالم
- بين ماضي سورية وحاضرها: بدايات مهدورة ومشكلات عسيرة
- حل الإخوان السوريين واحتكار التمثيل السني
- الوطنية السورية وبدائلها
- سورية بين ثلاث مدارس للحكم والسياسة
- أي سلطة في سورية، أي معارضة، وأي مستقبل؟


المزيد.....




- أوروبا تحشد لدعم أوكرانيا وسط مخاوف من صفقة سلام لا ترضي أحد ...
- -ما كان ينبغي أن يجتمع هذان المجنونان-.. -غونجا- الجميلة الت ...
- خط كتابة يتسبب بجدل في أمريكا.. شاهد ما أمر به وزير الخارجية ...
- ضائعة وعمرها 200 عام.. لن تصدقوا المبلغ المتوقع لبيع هذه الل ...
- لماذا يُطلب من السيّاح مسح أحذيتهم قبل زيارة -أنقى بحيرة في ...
- عائدات النفط الروسي تهوي لأدنى مستوى منذ بداية الحرب في أوكر ...
- كييف تسلم واشنطن نسخة محدثة من الخطة الهادفة إلى إتهاء الحرب ...
- إسرائيل تسعى إلى تحسين صورتها من خلال الإنفلونسرز
- في غزة، لا يزال المزارعون محرومين من أراضيهم
- اليونسكو : تسجل القفطان المغربي تراثا عالميا غير مادي


المزيد.....

- سبل تعاطي وتفاعل قوى اليسار في الوطن العربي مع الدين الإسلام ... / غازي الصوراني
- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سورية بعد عام: عواقب الفراغ السياسي