|
|
فصاحة السلطة عامية الشعب
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 19:52
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
١
محاورة ثالثة مع علي جازو
1-اللغة العربية الفصحى ليست لغة الشارع ولا هي كلام الناس اليومي والعادي. ليست فقط بعيدة عن العامية السورية، او العاميات المتنوعة لعموم السوريين. هي كذلك لغة السلطة من نصوص قانونية ملزمة، وإيديولوجية قامعة، لغة إدارة الدولة/ النظام التي تنشئها وتعززها غالبا من طرف واحد من دون مشاركة الناس ولا الأخذ برأيهم. في سوريا البعثية والأسدية تقاطعت الهيمنة المتسلطة الشمولية على نحو أكثف مع هيمنة لغة متخشبة مفرغة من اي محتوى يمس معاش الناس وهمومهم. العامية بمكان ما تظهر وتفصح أكثر من الفصحى التي قد يستغربها او حتى يكرها قطاع واسع من المجتمع السوري لأسباب مختلفة. ثورة العامة السوريين في جانب منها هي رفض لهذه الوصاية المهيمنة على الفضاء العام والمتعالية على العوام، لهذا الاستبداد اللغوي إذا صحت العبارة. كيف ترى هذه الهوة بين لغتين/ لغات في سوريا، لاسيما إذا أضفنا الكرد السوريين الذين لديهم معاناة مضاعفة على هذا الصعيد؟ دعني أبدأ من النقطة الأخيرة المتصلة بالكرد السوريين. المشكلة هنا سياسية، وليست لغوية، وهي لا تزول إذا اعتمدنا عربية محكية أو إحدى المحكيات العربية الكثيرة في سورية. تزول إذا عولجت سياسياً وقانونياً بتسهيل تعلم الكرد لغتهم في المدارس العامة، وكذلك من قد يرغب من غير الكرد. الفصحى ليست اللغة العامة التي تجمع متكلمي العربية من السوريين بمتكلمي غيرها، بل هي اللغة التي تجمع متكلمي العربية ذاتها ممن تتعدد لهجاتهم، ولا يسهل على الصغار فهمها حين يتعرضون لها أول مرة. في صغري في ريف الرقة كانت لهجة بعض معلمينا، وأكثرهم من محافظات أخرى، غربية بمقادير، وكنا نحتاج بعض وقت للإلفة بها. وتعرف أن كثيرين بيننا يتكلمون "لهجة بيضاء"، تتجنب المغرق في المحلية من كلمات وطرق تلفظ وتعبيرات اصطلاحية حين يكونون في بيئة سورية مختلطة. الفصحى ليست هي اللهجة البيضاء، بل ضرب من اللينغوا فرانكا، اللسان الجامع الذي يتكلمه من لا تجمعهم لهجة مشتركة. لكن لهما معاً ميزة مشتركة: الحد من الإثر النفسي لعلاقات السلطة بين اللهجات. في سنوات المراهقة كنا نخجل، نحن المراهقين القادمين من الرقة وأريافها، من لهجتنا أمام اللهجة الحلبية التي كانت تحوز في عيوننا سلطة وشرعية أعلى. والصفة الجامعة للعربية المكتوبة أصح إذا انتقلنا إلى نطاق عربي عام حيث فوارق اللهجات أكبر. إنها بالتالي لغة جامعة. وهي تسهل بعد ذلك التواصل بين الأزمنة الثقافية، وقراءة المخزونات التراثية الأقدم. إلى ذلك، هل الفصحى لغة السلطة فحسب؟ إنها لغة المعارضة كذلك، والثقافة العليا ومعظم الأدب المتمرد والثقافة المضادة. الفصحى ليس لغة استعمار. هذا لا ينفي أن هناك مشكلات في الفصحى المعاصرة، مشكلتان بالتحديد. الأولى تتمثل في التفارق بين ما يُحكى في البيت وما يتعلم في المدرسة ويقرأ في الكتب، وهو ما يقتضي من الأولاد العرب تسع سنوات لإجادة لغتهم، فيما تلزم خمس سنوات فقط لمتعلمي لغات أوربية من أجل إجادتها، وهذا بحسب عبد الله العروي. وهذه هدر اقتصادي، تفاقم منه (وهنا المشكلة الثانية) نظرة إلى الفصيح اللغوي الصحيح بأنه نادر، وأن الخطأ يتربص بك طوال الوقت، وهو ما يربي ضميراً لغوياً متشدداً، وما يضع السلطة بيد وكلاء الفصاحة من أساتذة لغة عربية أو كتاب محافظين. هذا الجانب الثاني يتصل بالقواعد المعقدة للتعبير الفصيح، قواعد يمتلكها مدرسو العربية (بعضهم)، وربما مشايخ الدين (بعضهم كذلك)، وهو ما يضع هؤلاء في موضع ضمائر خارجية، أو "منفصلة"، نستفتيهم طوال الوقت في كلامنا المكتوب. أعتقد أن النشر العربي يخصص مواقع وموارد للمصححين اللغويين أكثر من اللغات الأحرى، فيما تخصص الإنكليزية موارد للمحررين، لمن يُحسِّنون أسلوب النص المكتوب وطلاقته وتماسكه. قبل سنوات أثنيت على أسلوب كتاب مؤرخ بريطاني، فرد عليّ بلك بساطة: لأن محرر الكتاب متميز! التحرير في العربية يقتصر على تدقيق اللغة. ويغلب ألا يوجد حتى هذا المدقق. في أحد كتبي إحالة إلى فصل ارتأيت أثناء العمل عل الكتاب عدم إدراجه، لكني لك أنتبه لتلك الإحالة. ولم يكن في دار النشر من يقرأ المتاب وينتبه إلى مثل هذه الهفوة المؤسفة. وقد يتمثل سبيل للمعالجة في أولوية المتكلم وتعبيره عن أغراضه على حساب معيار الفصاحة. أو إيجاد طرق للجميع بين القواعد اللغوية كأساس جامع للتفاهم وبين الحرية والطلاقة التعبيرية. وربما العمل في الوقت نفسه على تبسيط القواعد وعقلنتها. وعلى هذا النحو ربما نمسك بتلابيب العربية بدل أن تمسك هي بتلابيبنا. الكرة بأيدي مستخدمي العربية من المبدعين في المحكيات والمكتوبة. أنا أفضل أن أرى حضوراً أكبر للمحكية فيما نكتب، فهي أقرب على عالم التجربة والحس الجمعي. وأريد قواعد تسهل التعلم وتضعف سلطة ضمائر اللغة الخارجيين. والمسألة في المحصلة هي التحرر من الاغتراب اللغوي، أعني أن نفكر في العربية لا كجوهر متعال، أو كلغة مقدسة، بل كشيء إنساني يتطور ويقبل الإصلاح، وأن ندنيها من حياتنا ووجودنا في الدنيا، أن تخدمنا هي بكفاءة، وأن نكرمها نحن بأن نعمل على صنع أشياء ذات قيمة بها.
٢ عطفاً على السؤال الأول اتخذت شعارات وهتافات الثورة السورية بمعظمها من العامية لغة وتعبيراً مباشرين وحاسمين. امتلك الناس لأول مرة حاسة اللغة وشهوة التعبير العلني أمام سلطة مسخت الحواس وجعلتها عقيمة. كانت المضامين مكثفة وحسية. لم تعد حاجة لمواربة ولا ترميز رغم ذلك فإن قاموس العامة كان تقليدياً وينهل من الماضي سواء أغاني شعبية او أمثال جرى تركيب المضامين الثائرة على وقعها ومثالها. هنا نحن أمام تناقض مبطن أو ضمني ما بين مضمون متقدم ثائر بحق واسلوب تقليدي متأخر. شبح الأسلاف ألقى بظله على خطوات الأحفاد. الى ما ترد هذه الحالة لجهة عدم ابتكار أساليب تعبير توازي قوة المضامين؟ أعتقد أننا نفتقر إلى تقليد احتجاجي وثوري حديث، فاقم منه الحجر السياسي المفرط على مجتمعنا طوال أكثر من جيلين. يبدو لي الحال أفضل في مصر، وفي لبنان. وأظنه أفضل بكثير في تركيا كذلك. وقد يكون أفضل في البيئة الكردية السورية. أنت أعرف مني بذلك. المفعول المباشر للحجر السياسي المديد هو انقطاع أثر القطاعات المثقف والحديث على البنية الاجتماعية. وبالعكس، فقَد المستوى الثقافي العالِم طاقته وفاعليته العامة، وصار أقرب إلى نمط حياة وأذواق وتعبير جزئي مثل غيره. هذا بينما اندارت قطاعات واسعة من مجتمعنا نحو الهوية والماضي. لذلك حين جاءت الثورة، اقتصرت التعبيرات المبتكرة والجديدة على قطاعات محددة من الشباب الثائر ولفترة قصيرة لم تتجاوز الأشهر الأولى. وأظن أنك توافقني أن الأمر لا يقتصر على وقوع البيئات الثائرة ضحية "تناقض مبطن أو ضمني بين مضمون متقدم ثائر بحق وأسلوب تقليدي متأخر" (وهذا تناقض غير مفاجئ في تصوري بفعل الطابع البؤري والمتناثر محلياً للثورة السورية)، وإنما يتجاوز إلى استجابة متعثرة في أوساط النخب السياسية والثقافية للحدث الثوري. أداء المثقفين، ولا أتكلم عل موقفهم، بل على ثورية التفكير والأدوات والمخيلة، ليس مبرأ من تناقض مواز. أما أداء الأجسام السياسية فهو الرداءة بعينها. فإذا كان الأمر كذلك، فإن الثورة على مستوى الحساسية والتعبير، الثورة في الثقافة في التنظيم السياسي، أمامنا. وإذا كان عالم اليوم في أزمة، ورياح التغير ربما تهب خلال جيل واحد في تقديري، فسيتعين على من هم من جيل الأولاد والشباب منا أن يعدوا للأمر عدته، مستفيدين من تعثراتنا ومما يتيحه عالم الغد من أفكار ومخيلات جديدة.
٣ لغة دانتي مثلا في الكوميديا الالهية هي لغة الشارع: خشنة وحادة، مليئة بالشتائم والإهانات. وقد اختار دانتي الكتابة باللغة العامية (وبالتالي للقارئ العادي) بدلًا من اللاتينية، وبذلك لعب دورًا رئيسيًا في ترسيخ اللغة الإيطالية اليومية كلغة أدبية لشعبه. وكان لهذا الخيار أثر ثوري على الكتابة في الثقافات الأوروبية الأخرى. مصر ربما ولبنان لديهما تراث عامي لدرجة يمكن نسب المجتمعين الى لغتهما الشعبية إلى اللغة الأولى، إذا صح الوصف. في سوريا نحن بلا لغة أولى. ولغتنا الثانية الفصحى ليست وليدة حياتنا ومعاشنا. على الأمثلة المذكورة لم نشهد في سوريا شيئاً شبيهاً. لدينا مرويات وسير وأغان ومسلسلات عامية، لكنها تبقى ثانوية عابرة غالباً دون أثر. ما سبب ضمور عاميتنا الأخف والأقرب إلينا إزاء فصحى ثقيلة متسلطة؟ الفصحى في تصوري أكثر من لغة واحدة، اثنتان على الأقل. أولهما المكتوبة، وهي لا تتعارض حتماً مع حياة المعنى، الأمر رهن بالكتاب والكاتبات، ومنهم أنت وأنا؛ ثم "الفصحى الثقيلة المتسلطة"، المعنية بفصاحة المفردات والتعابير وليس بفصاحة التفكير، وهي لا تسمح بحياة نشطة للمعنى. أعتقد مجدداً أنه يجب نقل التركيز إلى المتكلمين والممارسات اللغوية بدل توجيه سهامنا للغة. اللغة لا تملك سلطة ذاتية، وهي تتسلط بسلطة من خارجها، سلطة سياسية أو دينية في حالتنا. تاريخياً واليوم، السلطة في المجال العربي ميدان للتعسف والعنف والهوى والغلبة، "الحكم الطبيعي" وليس المدني. إنها بلا دستور أو قيود من داخل ظاهرة السلطة، تحد منها وتشذبها وتعقلنها. اللغة العربية الفصحى والشريعة الإسلامية هما ضرب من دستور خارجي تحرص عليه سلطة لا دستور لها من داخلها، ولا شرعية ذاتية. تكتسب بهما شرعية من خارج تحيل إلى "الأمة"، وتحرص على تجميدهما لأنه ليس لديها شرعية ذاتية. لا أقول إن قواعد العربية هي قواعد للسلطة، أو إن "الشريعة" وطرق استخراج الأحكام الفقهية هي أيضاً قواعد للسلطة. لكني أرى أن هذين هما الثابتين الأكثر استقراراً في مجتمعاتنا التي ظلت السلطة العام فيها عاصفة تقوم على العسف. لا تضبط العربية ولا الإسلام السلطة، لكن السلطة تحتاج لانضباطهما بقواعد لا تتجدد من أجل استقرار العالم الاجتماعي حولها. إنهما تضبطان العالم حول السلطة التي هي مبدأ عنف واعتباط وفوضى، وبصورة ما دستور سلطة لا دستور لها. وهذا يناسب الضمائر الخارجيين من محتكري القرار في شأن الكلام الصحيح والسلوك الشرعي الصحيح، ويحول دون تكون ضمائر داخلية للأفراد أو تكونهم كذاتيات حرة. ولعله لذلك هناك مقاومات كبيرة للإصلاح اللغوي والديني، بل إنكار أي حاجة للإصلاح. لأن من شأن ذلك أن يمس بـ"ثوابت الأمة"، أي لأن اللغة أكثر من لغة، والدين أكثر من دين، ميثاقان وجوديان أو ما يشبه ذلك. تلك الثوابت هي دستور وجودي في غياب دستور حقوقي سياسي. يلزم في تقدير سلطة سياسية قابلة للدسترة من أجل إصلاح لغوي وديني في مجتمعاتنا. سلطة مفتقرة للدستور والشرعية تجد بالأحرى في حراسة الجمود اللغوي والديني ما يعطيها شرعية خارجية. وبالعودة إلى فكرة أولوية المتكلمين والممارسات اللغوية، فإن ما يميز سورية عن مصر ولبنان هو واحدية لغوية جامدة فرضت فيها، ولعود كان المتكلمون السوريون تحت سقوف منخفضة جداً من حيث حرية الكلام. لم يصل الأمر إلى هذا الحد في مصر في أي وقت، أما لبنان فتمتع الناس فيه بحريات تعبير وتعدد لغوي واسع. في القرن الماضي كانا مصر وكان لبنان هما موطن الأغنية العربية بما هي ذلك، أي كأغنية مسموعة ومفهومة ومحبوبة عربياً. هناك مغنون محبوبون من البلدان الأخرى، لكنها غير مشكلة للذائقة العامة، ولم تجعل لهجاتهم العربية شائعة. في هذا القرن يبدو أن المسلسلات السورية تقوم بدور مقارب.
٤ ألا ترى أن سوريا بلد جُمع تجميعاً قسرياً. لنعد الى الوراء، وهو ليس بعيداً، الى بدايات تشكل سوريا. حينها نكاد لا نجد اي رابط بين سكان شمال سوريا وجنوبها مثلاً. ما بالك إذا قارنا بين نمط العيش والتعددي القومي والديني اقصى شمال شرقي سوريا بالمنطقة الساحلية. أحد مظاهر التجميع القسري أو أعراضه، اذ ان كل قسر مرض وعامل ممرض، عدم وجود مشتركات لغوية وثقافية رصينة يبنى عليها. والآن بتنا نخسر كل ما ظنناه مشتركاً طيلة المائة السنة الماضية. وفق هذا أي الروابط يمكن ان تبنى الآن لجمع السوريين على نحو طوعي وحر؟ ليس بالتأكيد روابط الدين والإثنية، بل رابط الوطنية الجامعة والمواطنة المتساوية وحقوق الإنسان. سورية لن تبقى إن لم يجر هذا التحول، ونحن في المشكلة الآن، والسلاح بين أيدي الناس. كان دور القسر في تكوين سورية محدوداً جداً في واقع الأمر، ولم يكد يواجه بمقاومات تذكر. لقد حدث بالفعل تجميع فوقي أشرفت عليه قوى استعمارية، ومثله مثائل في البلدان التي كانت مستعمَرة، بل وفي البلدان المستعمِرة كذلك. ولم يكن أي جزء من هذا البلد، سورية، مركزاً لسلطة أو مشروع دولة قضى عليه مركز سوري بالقسر، وما قام من دول أقامه الفرنسيون، وكانت مصطنعة وقتها بقدر اصطناع الكيان السوري في الحدود الموروثة، والفرنسيون هم من طووا صفحة هذه الدول وليس الحكم الاستقلالي. المشكلة ليست هنا في رأيي، المشكلة ماذا نفعل ببلد ورثنا جغرافيته هذه وديمغرافيته هذه من المستعمرين؟ وظاهر اليوم أننا لم نفعل بهذا الميراث خيراً. السؤال الذي يمكن طرحه علينا جميعاً: هل نريد المساواة والحريات العامة والمواطنة في بلد؟ أو بعبارة أخرى: هل المشكلة في غياب المساواة، في التمييز، حتى إذا زالا، كانت سورية هي البديل عن بدائلها؟ لست متأكداً بصراحة. أخشى أن المشكلة في بعض الأحيان ليست أنهم يميزون ضدنا، بل من هم ليميزوا؟ أما إذا ميزنا نحن، فهذا طيب. واقع اليوم يقول: نحن السنة لنا الحق في التمييز ضد الآخرين لأننا الأكثرية، لأن ديننا هو وحده الدين الصحيح، لأننا هجرنا ودمرنا وقتلنا، أما أن يُميِّز غيرنا بحقنا فهذا غير مقبول وموجب للثورة. ولا أرى إلا أن هذه الروحية منتشرة، وإن أسندت نفسها إلى اعتبارات مغايرة. ليس بين القنافذ أملس. إن كان لسورية أن تبقى فبِتَحوُّل ما بعد قومي وما بعد إسلامي للتنظيم الاجتماعي والوعي الذاتي. سيبقى من يريد من الناس عرباً وكرداً، ومسلمين ومسيحيين، وسنيين وعلويين ودروزاً واسماعيليين وغيرهم، لكن النظام السياسي لا ينبغي أن يقوم على أي من هذه الروابط، بل على قيم المواطنة والتعدد الفكري والسياسي والحريات. لقد قلت من قبل إني أُفضِّل بقاء سورية، لكن أضيف هنا أنه ليس لدي كثيرا من الدمع أذرفه على تقسيم سورية موحدة لا يكون السوريون فيها متساوين في الحرية والكرامة والعدالة.
٥في فلسفة فيتغنشتاين المتأخرة، خصوصاً في بحوث فلسفية، تصبح اللغة مرتبطة بما يسميه “ألعاب اللغة” و”أشكال الحياة”، حيث تُفهم المعاني من خلال الاستعمال الاجتماعي لا من خلال جوهر ثابت. إذا أخذنا هذه الرؤية، هل يمكن أن نقرأ علاقة اللغة بالسلطة في السياق السوري - كما تناولتها في كتاباتك—على أنها صراع حول احتكار “لعبة اللغة” الشرعية، أي من يملك تعريف الكلمات (مثل: الحرية، الوطنية، الشعب) ومن ثم ضبط فضاء المعنى؟ وهل ترى أن تحرير اللغة من سلطة الدولة شرطٌ سابق لتحرير السياسة؟ إذا صح ما قلتُه فوق من أن قواعد العربية وأحكام الفقة الإسلامي هي الدستور الخارجي البديل لسلطة بلا دستور داخلي نوعي، فإن من جبهات صراعنا الأساسية ما يتصل بنظام سياسية دستورية، أي مقيدة. معنى مفهوم الدستور هو الضوابط والقواعد التي تحد من سلطة الدولة وتحمي حقوق وحريات الأفراد والجماعات. في الحقبة الأسدية وفي هذه الفترة الراهنة، يبدو الدستور موجهاً نحو تحصين سلطة المركز السياسي في مواجهة المجتمع، أي حماية الأقوياء من الضعفاء وليس العكس. ولا أعرف صراحة أن كان شغلي الكتابي يستجيب لكسر احتكار لعبة اللغة الشرعية. يحدث أن أفكر بأن ما أقوم به يحيل إلى سياسة المعنى، ترجمة تجاربنا وأوجه عنائنا إلى معان حية، تقف في وجه ما يفرض عليها وعلينا من فوق من دلالات وشعارات وكليشيهات وأقواله جاهزة. لا يمكن النضال من أجل الحرية إن بقيت الحرية شعاراً أو معنى خارجياً معلقاً فوق حياتنا وتجاربنا، مثلما كانت غالباً طوال معظم سنوات عمري. والمسألة في تصوري لا تتصل بـ"ضبط فضاء المعنى"، بل فتح المعابر والدروب بين المعاني والتجارب من جهة وبين ما لدينا من أدوات والتراث المتاح الفكري والأدبي والفني العالمي من جهة ثانية. والرهان هو تحرر الروح، التحرر من التبعيات السياسية والأخلاقية والفكرية. أعني بالتبعية السياسية أن نأتمر بأمر سلطة خارجية غير دستورية، تقرر وحدها ومن جانب واحد ما يحق لنا ولا ما يحق من أفعال وتفاعلات، بل وانفعالات، وأفكار. وبالتبعية الأخلاقية أن يقرر لنا "ضمير" خارجي، الشيخ أو المفتي أو الشرعي أو الأمين العام، المسلك الصحيح في الشؤون الأخلاقية بدل أن نوسع عوالمنا الداخلية ويكون مركزنا الأخلاقي في داخلنا. والتبعية الفكرية هي كذلك استئثار مرجع خارجي بتعريف الحقيقة، والتقرير في شأن صلاحية المعارف في انفصال عن وجودنا وحياتنا في العالم وصراعاتنا وتجاربنا فيه. وصفة الخارجية في جميع الأحوال ليست جغرافية ولا ثقافية، ولا تحيل إلى هوية معطاة سلفاً، أو إلى نحن جمعية. تحيل بالأحرى إلى انفصال المعيار عن التجربة، ومن يضعون المعايير عمن يعيشون التجارب، نحن جميعنا. أدافع عن الداخلية، عن توليدنا للمعايير والقواعد والدساتير عبر جهودنا لتنظيم الحياة على نحو يتوافق مع حرية وتفتح أكبر عدد من الناس. وتقديري أن في نمو الداخلية ما يخفف نزعة الشجار المنتشرة في أوساطنا، ذلك أنه يقلل من الانشغال بمن يكون صحاب الكلمة الفصل، اليد العليا، وما يقتضيه ذلك من ملكية معايير الحكم في شؤون الناس، وفصلها بالتالي عن شؤون الناس. من يملك الإسلام؟ عموم المسلمين أم مشايخ وأصحاب سلطة؟ من يملك العربية؟ متكلموها أم وكلاء الفصاحة؟ من يملك الدولة؟ عموم السكان أم مالكو السلاح؟ من يحدد الصواب الأخلاقي؟ ضمائر تتفاعل أم مقررين خارجيين؟ نتشاجر أقل في تقديري لو كنا في مواقع أفضل حيال اللغة والدين والسلطة والحكم الأخلاقي.
٦ ثمة مقولة للأكاديمي الفرنسي ريشار جاكمون (خرافة المكتوب) من كتابه المترجم مؤخرا للعربية (دار صفصافة ت بشير السباعي وعبد الرحيم يوسف)، اي تلك السلطة الممنوحة للكلمات على اساس الوهم ربما، على الايمان المطلق ان للكلمة مفعولا مغيراً، دون الاخذ بالاعتبار تلك الفجوة الهائلة بين التغير الاجتماعي والاقتصادي وما بقي من فعل للكتابة خاصة على الصعيد السوري الذي هوى فيه أثر المكتوب وتداوله خلال النصف الاول من ٢٠٢٥ الى دراما هي مزيج من الفقر والبؤس. هل نحن على وجه ما من ضحايا خرافة المكتوب؟ ككاتب مشتغل بالكلمات، لا أرتاح للتقليل من شأنها، ولا من شأن الكتابة. نحن الكتاب لا نغير العالم، هذا صحيح، لكن نساعد أنفسنا وبعض الناس على أن يتغيروا، تنفسح أنفسهم لإحساس مغاير وفكرة جديدة. ولا أفهم كيف يمكن أن نفصل التغير الاجتماعي والاقتصادي عن عمل الكلمات، محكية ومكتوبة. نحن البشر متكلمون، والتغيرات المذكورة تجري عبر تفاعلات كلامية وغير كلامية بين الناس. في تاريخ الماركسية كان هناك جدل حول اللغة، وما إذا كانت من البنية التحتية، الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، أم البنية الفوقية، السياسية والحقوقية والفكرية، وكان ستالين محقاً، ربما لمرة واحدة في حياته، حين قرب اللغة من البنية التحتية، والأصح (وإن لم تخني الذاكرة، فهذا رأي إلياس مرقص)، أنها سابقة للبنيتين معاً، فلا وجود لحياة اجتماعية ولا اقتصاد ولا علاقات إنتاج دون لغة. وواحدة من أكبر القفزات الحضارية في تاريخ البشر نشوء الكتابة. صحيح، أنها توافقت مع حيازة سلطة أكبر لمن لديهم نفاذ تفضيلي إلى المكتوب من الكهنة يوماً إلى البيروقراطية اليوم، وإلى أصحاب السلطة الذين يتحكمون بهم، إلا أن الكتابة كانت قوة تمرد أحياناً، فضلاً عن أنها حضنت ذخائر تاريخ البشرية وكنوز ثقافاتها. هل هوى أثر المكتوب خلال الأشهر المنقضية من هذا العام؟ أفضل أن أفهم الأمر كصعود للانفعالات الحادة لأسباب مفهومة: تغير جيولوجي هائل تمثل بسقوط الحكم الأسدي، ثم موجتين من المجازر، فضلاً عن أوضاع مضطربة على جميع المستويات الأخرى، اقتصادية واجتماعية وأمنية وسياسية وحقوقية وكل شيء. الأنفس مهتاجة وثائرة، وهذا يقوض ما تحتاجه الكتابة من هدوء وترو، أو يحول الكتابة ذاتها إلى ميدان للتعبير عن الانفعالات الهوجاء. وسائل التواصل الاجتماعي هي المساحة التي يتلاقى فيها الانفعال بالكتابة، ما سميته من قبل الشفاهة المكتوبة. وأرجو ألا يفهم ذلك بأني ضد الانفعالات أو أني شخص لا تتملكه انفعالات حادة أحياناً. نحن كائنات منفعلة بقدر ما نحن كائنات متكلمة، بل أكثر. المسألة ماذا نفعل بانفعالاتنا، وكيف نسوس أنفسنا ونتحكم بها. الانفعالات محرضة للتفكير، تشكل مادته وحافزه. حين نتكلم على التجارب، ماذا نعني؟ نعني انفعالنا بما يحدث وتفاعلنا معه، وربما فعلنا فيه. لكن بقدر ما إننا حين ننفعل، وبدرجة تتناسب مع شدة انفعالنا، لا نستطيع أن نفكر بوضوح، وبقدر ما إننا حين نكتب نحتاج إلى التفكير الواضح، فيجب أن نكون قد تمكنا من ترجمة انفعالاتنا إلى أفكار، إلى كلمات ذات معنى، حين نشرع في الكتابة. في المرات التي كتبت فيها وأنا منفعل، لم أرتح لما كتبت، وإن كان في كتابتي غير قليل من الانفعال المكبوح أو المتحكم بها في تصوري. وتقديري أن الانفعال ليس علاقة لأنفسنا بمنبهات خارجية قد تكون عنيفة وقاسية (جريمة، مجزرة، انتهاك...)، بل هي تتصل كذلك ببنية أنفسنا وقدرتنا المكتسبة التحكم بهذه المنبهات ومعالجتها. يخيل لي، ممن أجل توضيح الفكرة فقط، أني ما كنت لأستطيع تحمل تجارب ما بعد الثورة لولا أني في عمر مبكر نسبياً تعرضت لعملية "إسقاء" طويلة، أخرجت منها أصلب عوداً بعض الشيء. لكن ليس هذا ما تسأل عنه، يا معلم علي. تسأل عن سلطة الكلمات، عن السحر الذي يجعل الكلمات تحدث الأشياء. هذا حلم البشرية، إيجاد الكلمة أو الصيغة السحرية لفتح الأبواب المغلقة، افتح يا سمسم، اسم الله الأعظم الذي تعود معرفته على العارفين بالقدرة الكلية. أعتقد أنك محق في الكلام على ذلك، لكن لماذا نتخلى عن هذا الحلم؟ لماذا نتخلى، نحن الكتاب، عن محاولة قول ما لم يقل من قبل، وما قد يسهم في تغير أشياء في العالم؟ أخشى اننا باسم العلم أو العقلانية، وضد الخرافة واللاعقلانية، نرمي تطلعات وهوامات تشكلنا أو تشكل بعض أفضل ما فينا. هل نفتح بذلك بابا للسحر والخرافة واللاعقلانية؟ ليس حتماً. ربما نفتح باباً للخيال، وهذا طيب في عالم يشكو من أزمة خيال.
7- نحن آثار الكلمات. نتكون من الكلمات التي نسمعها او نقرؤها. لكننا أيضام منابع كلمات نؤلفها أو نلفظها. في هذا الملتقى الذي هو جسر بين عالمين: عالم الأثر وعالم التأثير، ننسى الصور التي نراها والوقائع التي نعيشها، والتصورات التي تنشأ عنها. ما أود قوله ان كلماتنا ليست بريئة ولا أصلية ولا كاملة، أننا نغدو بلا أصل ولا تمثيل - تعبير طالما بقينا مترددين او متلعثمين إزاء ما نراه وما نتصوره دون أن يبلغ حد الكلام والتكلم. كيف لتكلم جديد أن يزيل هذا التردد، هذه الإعاقة إزاء رغبتنا ان نكون أصل ما نقول لا صدى ما نسمع. أن نتكلم لا أن نعيد ما تكلم إلينا وحيرنا. ليس هناك كلمات بريئة ولا يمكن أن توجد. الكلمات كلها بنات حرام، استخدمها وأساء استخدمها كثيرون قبلنا، ونستخدمها ونستخدمها ونسيء استخدامها نحن ونورثها لمن بعدنا. شيوعية الكلمات هذه هي ما يقوم عليها مجتمع. وربما تحاول قطاعات منه أن تتمايز باستخدام رطانة خاصة، أو لغة أجنبية، أو لهجة مميزة. ليست البراءة أو العذرية فضيلة للكلمات (مثلما أن الأصالة ليست فضيلة للثقافات: الثقافات الأغنى هي الأكثر تفاعلاً وتلاقحاً وتهجيناً مع غيرها، والثقافات البدائية المنعزلة هي وحدها الثقافات الأصلية). ما قد يكون فضيلة للكلمات هو مغامرة الدلالة، تجدد الدلالة أو جوب الدلالات الآفاق وانفتاحها على سياقات غير مسبوقة مما يحدث أن نفعله أثناء علمنا الكتابي. تحيا الكلمات باستخدامنا المتجدد لها، وتموت حين نجمد دلالاتها، أو نحولها إلى رموز أو أصنام. لغة الكليشيهات ميتة، والنظم السياسية والاجتماعية التي تقوم على الكليشيهات تقتل الكلمات واللغة وأهل الكتابة الذين يعلمون عليهما. و"الرغبة في أن نكون أصل ما نقول لا صدى ما نسمع" بحسب عبارتك الجميلة هي تعريف مناسب للإبداع الذي هو القيمة المنتظرة من الحقل الثقافي، الآداب والفنون، وحتى المجال الملتبس الذي أعمل أنا فيه أحياناً، مجال ال essays(الكلمة التي أجازف بترجمتها إلى إنشاء رغم السمعة السيئة للكلمة). يلزم فقط أن نحاذر فكرة الأصل المطلق، الإبداع على غير مثال معلوم، الخلق من عدم. إنتاج المعاني الجديد مثل إنتاج السلع الجديدة، هو صناعة اجتماعية، وفرصنا في الإبداع أكبر كلما كانت قاعدة تفاعلنا أوسع مع تجارب الحياة ومع التراث. والتجارب والتراث كلاهما ظواهر جمعية. نحن، جميعنا وكل واحد منا، نقاط تقاطع عارضة بين حياتنا كأفراد في مجتمعات بالملايين وعشرات الملايين، بل ضمن بشرية يتجاوز عديدها اليوم ثماني مليارات، وبين تاريخ شخصي وتاريخ لمجتمعنا، هو بدوره جزر من تاريخ عام طويل عريض. ومن يعيشون في المنفى، مثلك ومثلي يا علي، هم نقاط تقاطع متحركة، أو ربما خطوط قصيرة. نمتلك الكلام بقدر ما نعمل على تمثيل تجاربنا، ننتج منها معان مضافة. المعنى هو المعنى المضاف، والمعنى المكرور هو اللامعنى، هو رمز أو طقس، ربما يفيد ممارسيه لكنه لا يُغني العالم.
8- دعا جاك دريدا فيما دعا الى هجر وترك (الكتاب) والانكباب على (الكتابة). لكن حسب رأيك بأي (لغة) نكتب؟ اللغة بما هي عقل متعال وحقيقةً مجردة، أم اللغة بما هي حس، ممارسة، وتجربة! وكنت قد أشرت في كتابك "الفظيع وتمثيله" أن محمد عابد الجابري شخص مشكلات "العقل العربي" في أنه "عقل قياسي" يقيس الغائب على الشاهد أي المجهول والجديد على المعلوم والقديم، وهو المنهج ذاته في النحو وقواعد اللغة العربية. هل توجد اللغة كعقل متعال وحقيقة مجردة؟ ربما فقط إذا كانت ميتة. بينما نستخدم اللغة هي كذلك تستخدمنا من حيث أننا نعيد إنتاج مفردات وتعابير ونحو مقرر قبلنا، نقبل نظاماً موجوداً من قبل وسيبقى بعدنا. قد نجد أننا في أزمة، وهذا شعور منتشر اليوم، لكن الأزمة اللغوية جزء من أزمة أعم تتصل بالسياسة والثقافة والوجود الفاعل في عالم اليوم. وهذا شرط مديد لمتكلمي العربية، أقدم من عمل محمد عابد الجابري حين تكلم على العقل العربي كعقل قياسي في ثمانينات القرن الماضي. مقاربة الجابري تنميطية واختزالية وتميل إلى التصلب في رأيي، وكان يحفزها جزع من ضعف نوابض النهضة والديمقراطية والتمدن في المجتمعات العربية. وبعد أربعين سنة من عمل الجابري، أخشى أن نقده يُستنفد أحياناً بإبدال المرجع، لكن مع إعادة إنتاج القياسية التي تنتج أحكاماً معرفية وأخلاقية وسياسية عن مجتمعاتنا بعرضها على معيار متكون ناجز، مستمد غالباً من المجتمعات الغربية المعاصرة، ثم الحكم بقصورها عن هذا المعيار. هناك كثيرون يفعلون ذلك دون وعي به، ورأيي أن قدراً من عمل الراحل جورج طرابيشي، ومعظم أحكام طويل العمر أدونيس، وقد انكببت علة علمها قبل سنوات طويلة، هو من هذا الصنف العقيم. وأخشى أن كتاباً شباناً يسلكون هذا المسلك اليوم، ولن تكون النتيجة مختلفة. ولا أقول ما سبق باسم هوية معطاة، أو باسم أي منطق للهوية. أتحرك شخصياً بين فكرة ذات بلا هوية وذات بهوية، أعمل على إضاءة قضايا أهتم بها مستنداً إلى تجارب شخصية وعامة، ومستفيداً من متاح فكري متنوع، لا يقتصر على تراث أو مخزون هووي ثابت، لكني كذلك أكتب بالعربية أساساً، ويعنيني نهوض مجتمعاتنا وتفتح ثقافتها وكرامة الناس فيها ومساواتهم لغيرهم. ما لا أقبله هو فكرة هوية بلا ذات، أن نكون قد تكونّا نهائياً، هويتنا المزعومة، معرفة بالإسلام واللغة العربية، تستنفد تعريفنا مرة وإلى الأبد. هذا مسلك محافظ، ويمكن أن يكون رجعياً مقاتلاً، وهو قبل أن يشغل نفسه بقتل الأفكار الجديدة والناس، يقتل تنوع الإسلام ذاته وتعدد مذاهبه وتأويلاته، وتعدد العربية آداباً وتاريخاً ولهجات. وقد نكون اليوم في سورية في موقع قريب من ذلك، وهذا الحلم الفاشي هو بلا شك حلم البعض في سورية ما بعد الأسدية. وإنما في هذه الدوائر، دوائر الهوية بلا ذات، يعمل العقل القياسي الذي تكلم عليه الجابري، فيخضع اللامتناهي من التجارب والمستجدات للمتناهي من النصوص والأحكام، فيبني عالما مغلقا، سجن. الجابري كان بحاجة إلى يفكر بالذات المعرفية التي تعمل وفق منطق كوني غير قومي وغير هوياتي، ويفترض أنه هو ذاته عمل وفق هذا المنطق، ثم بالذات المعنية بهوية، أي الملتزمة بثقافة ومجتمع في أزمة. هذا ما عنيته فوق بالكلام على تنميط واختزال يسمان عمله. حين نكتب أدباً، أو ننتج إنشاءأ فكرياً، نعمل وفق منطق، ينتج نصوصاً أدبية، أو مقالات وبحوثاً تضيء قضايا جديدة. نكون في هذا العمل ذوات بلا هوية، إذ أن مثل ذلك يمارسه كل كاتب مثلنا، في الصين أو في أفريقيا أو أميركا. وهذا ظاهر أكثر في مجال العلوم المضبوطة، حيث تجرد الذات من الهوية أيسر ولا إشكال فيه. لذلك تجد عدداً من العلماء من أصول إسلامية وعربية فازوا بجوائز نوبل، أكثر من الأدباء والمفكرين، ممن يواجه استقلال الذات عن الهوية صعوبة أكبر، بحكم اللغة على الأقل. وبعضنا، والجابري واحد من البعض، كان بلا شك يريد أن ينتظم في التراث العربي والإسلام، وكان يرى أن النهضة غير ممكنة إلا بالانتظام في هذا التراث. لا أراه محقاً. والتراث مسألة اختيار وليس عبئاً موروثاً أو قدراً مقدوراً. صاحبك دريدا يتكلم في مكان ما على اختيار التراث، وأظنه محق.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة محمد بن راشد: حداثة بلا سياسة، وجمالية بلا تاريخ
-
سورية والمسألة الجيليّة
-
صراع الذاكرات السورية وسياساتها
-
طبّالون ومكيودون وحائرون
-
هيغل وآرنت: فكر بدايات وفكر نهايات
-
تصورات الأقلية والأكثرية على ضوء التاريخ السوري
-
ديمقراطية وجينوقراطية: في تشكل الشعب السوري وتفكّكه
-
مصالحة وطنية في سورية!
-
حوار ثان مع علي جازو: العالم والكتابة واللغة والنشر و...سوري
...
-
أزمة القيادة في البيئات السنّية السورية
-
كلام في المثال: مؤتمر سوري عام
-
في مفهوم الخيال السياسي وأزمته
-
المتن والهامش: جولة أفكار بين سورية والعالم
-
بين ماضي سورية وحاضرها: بدايات مهدورة ومشكلات عسيرة
-
حل الإخوان السوريين واحتكار التمثيل السني
-
الوطنية السورية وبدائلها
-
سورية بين ثلاث مدارس للحكم والسياسة
-
أي سلطة في سورية، أي معارضة، وأي مستقبل؟
-
«الأمة» ضد الدولة: في جذور فشل بناء الدولة في سورية
-
الوطنية السورية وحكم الإسلاميين الراهن
المزيد.....
-
فيديو متداول لحادث -تصادم شاحنة وقود بحافلة معتمرين من الهند
...
-
الحكومة الأردنية تعلن استدعاء مُكلفي -خدمة العلم- الجدد -قري
...
-
معرض دبي للطيران: طائرات استعراضية تقدم عرضا جويا مع مشاركة
...
-
بعد شهرين في السجن.. جورجيا تفرج عن -محتال تيندر- الإسرائيلي
...
-
رينيه زيلويغر تزيح الستار عن تمثال جديد لشخصية -بريدجيت جونز
...
-
تقرير حقوقي: أكثر من 98 فلسطينيًا قضوا في السجون الإسرائيلية
...
-
الجيش السوداني يستعيد -أم سيالة- والنازحون يروون فصول المأسا
...
-
الجيش الإسرائيلي ينفذ توغلين في ريف القنيطرة
-
الادعاء بالجنائية الدولية يطلب المؤبد للسوداني علي كوشيب
-
مطالبات بكشف مصير 3 صحفيين اعتقلتهم إسرائيل من غزة صبيحة 7 أ
...
المزيد.....
-
سبل تعاطي وتفاعل قوى اليسار في الوطن العربي مع الدين الإسلام
...
/ غازي الصوراني
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|