أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - محمد كاظم جواد شاعر يغمس ريشته في دهشة الطفولة وحنين الإنسان














المزيد.....

محمد كاظم جواد شاعر يغمس ريشته في دهشة الطفولة وحنين الإنسان


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8562 - 2025 / 12 / 20 - 11:31
المحور: سيرة ذاتية
    


في الزوايا القديمة من مدينة الحلة، حيث تتعانق النخيل برائحة الفرات، وُلد محمد كاظم جواد عام 1957، لينبت في أرض الطفولة والدهشة شاعرٌ سيشدّ الرحيل نحو آفاق الكلمة، متقشفًا بالضوء، مترفًا بالخيال. نشأ في محلة "الكلج"، وتدرج في مدارس مدينته حتى غادرها إلى بغداد، حيث تخرج من معهد التكنولوجيا عام 1978، لكنه ما لبث أن حمل معه حنين الحلة وضوئها الناعم إلى حيث يعمل في دائرة إصلاح الكبار، وكأن قدره أن يجاور الأسرى ليحرر أرواح الأطفال بالشعر.
منذ عام 1973، كان صوت محمد كاظم يتسلل من أعمدة الصحف العراقية والعربية، بصوت خفيض، لا يطرق الأبواب بوقاحة، بل يتسلل كنسمة تمسُّ وجوهَ العابرين. لم تكن قصائده تطرق الأذان بل القلوب، ولم تكن صرخاته مدوية، بل تأملاته لينة، كصمت الحدائق في صباحات المطر.
عرفه الناس شاعرًا للكبار، لكن الطفل الذي يسكنه لم يهدأ. فاختار أن يخاطب هذا الكائن الحالم، المتأمل، البريء، فكتب له قصائد أصبحت زادًا للخيال، وأجنحة للصغار الذين لا يملكون سوى الحلم. كتب "العازف الصغير"، و"قطار من خشب"، و"أين ظلّي؟"، و"أطول لسان"، و"ديك وشمس"، وغيرها الكثير من الإصدارات التي تجاوزت الثلاثين عملاً أدبيًا، توزعت بين بيروت، الشارقة، دمشق، ودبي. وكان في كل ذلك يكتب بخفّة ظل شاعرٍ يدرك أن الطفل لا يُخدع ولا يُجامل.
تميزت قصائد محمد كاظم جواد للأطفال باللعب الذكي على ثنائية الدهشة والمعرفة، وأسلوبه الشعري مزج بسلاسة بين الإيقاع المدهش واللغة المشبعة بالصور والمفارقات، حتى غدا من بين الأسماء القليلة التي تتصدر الكتابة الطفولية في الوطن العربي، كما أشار الناقد شكر جاجم، الذي وصفه بأنه "شاعر يتقن أدواته بمهارة لافتة، ونصوصه كاشفة عن ثقافته وتجربته المتراكمة"، مؤكداً أن إنتاجه لا يلهث خلف الشهرة ولا يتوسل أضواء الصالونات، بل يكتب من الأعماق، متصالحًا مع عزلته، ومؤمنًا بمشروعه الفني.
أما الباحث أنس إسماعيل، فذهب أبعد من ذلك في تفكيك تجربة محمد كاظم، حين رأى فيها نزوعًا نحو "التمثّل بالمكان المنسي والغرائبي"، فهو شاعر "يعيد صياغة المشهد بالمقلوب"، ويتجول في الذاكرة بخفة الحنين، ثم يخطُّ من الحكاية صدى عاطفيًا يليق بشاعرٍ يعيش نصفه في الواقع ونصفه الآخر في حلم يتشكّل من ماء الشمس وظلّ الأرنب.
قصائده ليست مجرد سرد أو تلاعب بالألفاظ، بل محاولة خفيّة لمداواة الشرخ الوجودي في روح الكائن، وربما لهذا السبب حصد جوائز مهمة في ميدان شعر الأطفال، من بينها جائزة العراق عامي 2008 و2011، وجائزة "ملتقى الناشرين العرب" عن قصته اللافتة "أين ظلي؟".
وإذا كان البعض قد تجاهل تجربته لأنها اختارت الهامش وتجنّبت صخب المراكز الثقافية، فإن هذا الهامش هو ذاته الذي صار قلبًا نابضًا في أدب الطفل العربي. لقد أنجز محمد كاظم جواد مشروعه في صمت، دون ادعاء، تاركًا لقصائده أن تتحدث، ولأرنبٍ ضائع أو قطٍ حلق شاربه أن يحمل ما يريد أن يقوله العالم.
إن محمد كاظم جواد ليس مجرد شاعر يكتب للأطفال، بل شاعر يكتب من خلالهم. يجعل من أسئلتهم البسيطة مفاتيح لفهم الوجود، ومن خيالهم مسرحًا يهرب إليه الكبار حين تضيق بهم الحياة. أما شعره للكبار، كما في "بريق أسود" أو "زارني الشعر"، فهو انعكاس لحساسية شاعرية ناضجة، تأخذ بيد القارئ إلى مساحة تتجاوز الواقع، حيث تكون القصيدة مرايا، ومنافي، ومرافئ مترددة بين الحنين والانكسار.
في زمنٍ تكثر فيه القصائد وتقلّ الأصوات، يبقى محمد كاظم جواد صوتًا يتكئ على الحرف لا على الضجيج، ويكفيه أن يكون صديقًا دائمًا لطفلٍ يقرأ، أو لظلّ يبحث عن صاحبه.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علي تاج الدين شاعر الأسطورة والمجازات العالية
- عبود المهنا الناقد الذي نسج المسرح بالفكر، وقرأ الجسد بعيون ...
- كامل الدليمي رجلٌ عبرَ الحياة بين القصيدة والقلق
- علي عبد الأمير عجام الشاعر الذي سكنه الإعلام، والناقد الذي أ ...
- علاء مظلوم... الشاعر الذي أنصتَ لجلنار الوجود
- عباس بغدادي قلم الحلة المتفرد بين دفء التراث ونبض الحداثة
- علاء الكتبي رجل الذاكرة الحيّة، وسادن الثقافة في مدن الفرات
- عباس السلامي: غيم القصيدة وظلال الذات
- صلاح عباس العين التي أرّخت الجمال، والريشة التي كتبت بالنقد ...
- جواد كاظم محسن رحّالة في دروب الذاكرة والتراث
- زهير الجبوري ناقد يلتقط تحولات النص وتقلّبات العصر
- صباح شاكر العكام... سارد الذاكرة وراوي التمردات الصغيرة
- شاكر هادي غضب فنان الحروف، وباحث الذاكرة الشعبية
- محمد عبد الجليل شعابث سادن الذاكرة الشعبية وباحث الضوء الخاف ...
- سعد خليل الكبيسي كاتبُ الذاكرة ومحفوظاتُ الوجدان المحلي
- يحيى الربيعي شاعر المنتهى وإشراقات الأزل
- محمد حسين حبيب صوت نقدي بصري يُضيء المسرح العربي
- بابل تنتخب مجلس إدارة اتحاد أدباء بابل عرس ثقافي باسم ناجح ا ...
- علي شاهين الشاعر الذي غرس صوته في شجرة المعنى
- كامل حسين المقيم على حافة الجمال


المزيد.....




- ألمانيا ـ إحياء ذكرى هجوم ماغديبورغ وميرتس يدعو لـ-التعايش ا ...
- عملية -عين الصقر- تستهدف مواقع لتنظيم الدولة بسوريا
- خبير عسكري: على الجيش السوداني تغيير إستراتيجيته لصد الدعم ا ...
- بطريرك القدس للاتين من غزة: سنعيد إعمار البيوت والمدارس ولن ...
- إسرائيل تدرس بناء سجن محاط بالتماسيح بطلب من بن غفير
- دعوات لحسم تسمية مرشحي رئاسة العراق والبرلمان
- تفاصيل مشروع -شروق الشمس- الأميركي لتغيير وجه غزة
- أمريكا.. هل أزالت وزارة العدل صورة ترامب من موقع وثائق إبستي ...
- أنقرة تدعو لدمج -قسد- في الجيش السوري وتصف النهج الإسرائيلي ...
- الدوري الألماني ـ ليفركوزن يكسر صمود لايبزيغ ويصعد للمركز ال ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - محمد كاظم جواد شاعر يغمس ريشته في دهشة الطفولة وحنين الإنسان