أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - صلاح عباس العين التي أرّخت الجمال، والريشة التي كتبت بالنقد ذاكرة المدن














المزيد.....

صلاح عباس العين التي أرّخت الجمال، والريشة التي كتبت بالنقد ذاكرة المدن


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 12:05
المحور: سيرة ذاتية
    


في مدينة الحلة، حيث تصحو الجداريات على أسماء الأولين، وتهجع الزخارف في ذاكرة الطين، وُلد الناقد والفنان التشكيلي صلاح عباس عام 1957، في محلة الجامعين، محاطًا بروح التراث، وغبار الأسواق القديمة، ونفَس الفرات الذي يشبه الهمس في صدر الشعراء. لم يكن ميلاده فقط في الحلة، بل في قلب الإبداع العراقي الذي ظل طوال حياته يرفده وينقّبه ويحميه من النسيان.
نشأ صلاح عباس في بيت من بيوت الأدب والفن، وكان شقيقه الأديب أحمد عباس الحلي، مما أضفى على طفولته وأحلامه طابعًا منسوجًا بالكتابة والتشكيل معًا. ومنذ بداياته، لم يكن فنانًا تقليديًا يبحث عن مجد فردي، بل كان شاهدًا بصريًا على حركة الفن في العراق، وضميرًا نقديًا يدون تحولاته بوعي وحساسية.
التحق بمعهد الفنون الجميلة وتخرج في قسم الكرافيك سنة 1980، ومنذ تخرجه سلك طريقًا نادرًا: طريق المعلم الذي يغرس الفن في الأجيال الصغيرة، دون أن يبتعد عن هموم التشكيل ولا عن صخب المشهد الثقافي، فمارس التعليم، وكتب القصة القصيرة، والمقالة، والنص المسرحي، وخاض تجربة الرسم والمعارض، واحتفظ ـ على امتداد عقود ـ بأرشيف حافل لتاريخ الفن التشكيلي في محافظة بابل، أرشيفٌ هو خلاصة رجل لم يكتب عن الفن فقط، بل عاشه بأعماقه.
كتب صلاح عباس مقالاته النقدية في الصحف العراقية والعربية والهولندية والإسبانية، متنقلاً بين لغات الجمال ومنابر الفكر، وكان في كل مقالة ينحت بالكلمة تمثالًا للرؤية، ويؤسس لوعي نقدي بعيد عن التهليل والانبهار، قريب من العمق والتحليل. لقد وصفه بعض النقاد بأنه "ذاكرة الفن التشكيلي العراقي"، فيما رأى فيه آخرون "المؤرخ الهادئ الذي يسمع لوحات الفنانين كما يسمع القصائد"، وامتدحوا طريقته المتفردة في الربط بين تجارب الفنانين وظروفهم التاريخية والاجتماعية والسياسية.
لم يكتفِ بالنقد الصحفي، بل أصدر كتبًا رائدة في التوثيق والنقد الفني، منها:
عيدان الشيخلي: نحت عالق في عزلته (2023).
بشير مهدي: فن اللوعة والولع (2021 – مشاركة).
الرائد عبد الجبار البناء.
الفنان مؤيد نعمة.
وثلاثة كتب صدرت له في الولايات المتحدة عن الفن التشكيلي العراقي بعد 2003.
ولم يكن عمله الأكاديمي بمعزل عن الميدان، فقد أقام أربعة معارض شخصية، وشارك في معارض جماعية، ليظل الجسر الذي يصل بين النظرية والممارسة. كما شغل مناصب مؤثرة، مثل رئاسة تحرير مجلة "تشكيل" الصادرة عن وزارة الثقافة، وإدارة قسم الثقافة الفنية في الوزارة ذاتها، فكان صوتًا رسميًا للفن، لكنه لم يُجرّد يوماً من هويته المستقلة، ولم يتورط في الخطابات الرسمية الفارغة.
إن اهتمامه العميق بأزمنة الحرب وآثارها على الجمال جعله يكتب الآن عن "الفن التشكيلي في أزمنة الحرب"، وهو كتاب تحت الطبع، يتناول فيه ليس فقط الجمال المُنتج، بل الجمال المُنتهك، ويتقصى كيف تصنع الفجيعة ذائقة مغايرة، وكيف يتحوّل الفنان إلى شاهد على انكسارات العصر.
ويكاد لا يُذكر معرض فني في بابل إلا وكان صلاح عباس حاضراً فيه، مشاركًا أو ناقدًا أو شاهدًا. وهو عضو فعّال في اتحاد الأدباء والكتاب، وجمعية الفنانين التشكيليين، ونقابة الصحفيين، والهيئة الإدارية للجمعية العراقية للفن التشكيلي، وأحد المؤسسين لجمعية إنقاذ الأعمال الفنية المفقودة من المتحف بعد 2003، وعضو هيئة الإحياء والتحديث الحضاري ببابل.
صلاح عباس هو ذلك المثقف الذي لا تُثنيه العناوين عن فعل الحضور، ولا تغويه الإطارات البراقة عن مواجهة الحقيقة الفنية كما هي: عارية، ضعيفة، أحيانًا عظيمة، أحيانًا هشة، لكنها دائمًا صادقة. إنّه ليس ناقدًا يكتب من برجٍ عاجي، بل من قلب المدن العراقية، من حاراتها، من معارضها الصغيرة، من الجدران التي تحلم أن تُعلّق عليها لوحة.
هو الناقد الذي لا يطعن، بل يُضيء. لا يُشوّه، بل يُفكّك. ولا يُصدر الأحكام، بل يفتح الأبواب للقراءة والتأمل. في زمن يتكاثر فيه أدعياء النقد، بقي صلاح عباس الناقد الذي صنع اسمه بعمل دؤوب، ورؤية طويلة النفس، وضمير لا يساوم.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جواد كاظم محسن رحّالة في دروب الذاكرة والتراث
- زهير الجبوري ناقد يلتقط تحولات النص وتقلّبات العصر
- صباح شاكر العكام... سارد الذاكرة وراوي التمردات الصغيرة
- شاكر هادي غضب فنان الحروف، وباحث الذاكرة الشعبية
- محمد عبد الجليل شعابث سادن الذاكرة الشعبية وباحث الضوء الخاف ...
- سعد خليل الكبيسي كاتبُ الذاكرة ومحفوظاتُ الوجدان المحلي
- يحيى الربيعي شاعر المنتهى وإشراقات الأزل
- محمد حسين حبيب صوت نقدي بصري يُضيء المسرح العربي
- بابل تنتخب مجلس إدارة اتحاد أدباء بابل عرس ثقافي باسم ناجح ا ...
- علي شاهين الشاعر الذي غرس صوته في شجرة المعنى
- كامل حسين المقيم على حافة الجمال
- مرثية جيلٍ ومدينة قراءة في قصيدة -بغداد- لحسين نهابة
- سناء الأعرجي القصيدة التي مشت على ضفاف الفرات
- الفنان سمير يوسف بابل تمدّ يدها إلى اللون
- موفّق محمد الناي الصادح بالحقيقة
- هلال الشيخ علي حين تهمس القصيدةُ باسم الأرض
- سلام القريني القاص الذي كتب بالمجهر أدبًا، ونفخ من روحه في ا ...
- علي بيعي سادن القصيدة الشعبية الحديثة وظلالها الحزينة
- علي لفتة سعيد الشاعر الذي لا يغادر شعبه، والرائي الذي يسكنه ...
- سعد جاسم: بين الغربة والقافية — رحّالةٌ في الشعر والحلم


المزيد.....




- ارتفاع حصيلة قتلى الفيضانات في آسيا إلى 1250 شخصا ومئات المف ...
- البابا لاون الرابع عشر يختتم زيارته للبنان بلقاء المرضى، وبق ...
- هندوراس: تقارب شديد بين عصفورة ونصر الله بعد فرز أكثر من نصف ...
- أوروبا توافق على انضمام كندا لبرنامج دفاعي
- مسؤول أميركي: نتنياهو يرى أشباحا في كل مكان
- الخرطوم تفتح الباب لوجود روسي دائم في البحر الأحمر
- ماذا استفاد قيصر الذكاء الاصطناعي من منصبه مع ترامب؟
- شاحنة تصطدم بحاجز وحافلة تعلق في خندق.. كاميرات ترصد حوادث ط ...
- بمشهد يفوق الخيال.. مغامرة تستكشف مسارًا حلزونيًا في قلب الأ ...
- السعودية.. ضبط رجلين و3 نساء وافدين بمنزل شعبي والأمن يكشف م ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - صلاح عباس العين التي أرّخت الجمال، والريشة التي كتبت بالنقد ذاكرة المدن