أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - هلال الشيخ علي حين تهمس القصيدةُ باسم الأرض














المزيد.....

هلال الشيخ علي حين تهمس القصيدةُ باسم الأرض


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 15:36
المحور: سيرة ذاتية
    


هلال الشيخ علي

حين تهمس القصيدةُ باسم الأرض

محمد علي محيي الدين

في قلب العراق، وتحديدًا في ناحية الإمام التي كانت تتهجى أولى الحروف على شفاه الطين والماء، ولد الشاعر هلال الشيخ علي عام 1935م. جاء إلى الدنيا في بيت يفيض بالدين والشعر، كأن القدر أراده أن يُنصت لتراتيل الأجداد وهم يتلون الحكمة في فجر الحياة، وأن يحمل على كتفيه سلال الحروف قبل أن يحمل منجله إلى الحقل. نشأ بين كتاتيب القرية، حيث تختلط القراءة بصوت السنابل، وتلك النشأة كانت كافية لتُورثه شغف الكتابة، رغم أن مسار التعليم الرسمي لم يُكمل له فصوله كما أراد.

ما إن نضجت قريحته، حتى خرج من ضيق القرية إلى مدينة الحلة، يحمل معه إرث الأرض وأحلام القوافي. وهناك، دخل إلى دائرة الزراعة موظفًا، لكنه ما لبث أن اتجه نحو حقل آخر لا تسقيه المياه بل اللغة، ولا تُثمر فيه السنابل بل القصائد. في عام 1963 نشر أولى قصائده في جريدة الطلائع، وفي عام 1972 أطلق مجموعته الشعرية الأولى التي تحمل عنوانًا لافتًا: "اتركوني لجنوني". وكأن القصيدة عنده ضربٌ من الجنون الممزوج بالبصيرة، أو حلم يسير على حد السكين.

مارس هلال الشعر كمن يمارس الطقوس، وكان من أعمدة ندوة عشتار الأدبية، تلك التي شكلت فضاءً ثقافيًا مفتوحًا في مدينة بابل. وعندما أُنيطت به إدارة الفعاليات الثقافية في دار الثقافة الجماهيرية، لم يكن مجرد موظف، بل كان مؤمنًا بأن الكلمة جسر نجاة، وبأن القصيدة هي الوجه الآخر للحقيقة.

أصدر خلال مسيرته الإبداعية أكثر من عشرين مجموعة شعرية، منها: ما روته النخلة للماء، مكابدات زهرة اليقطين، أعين من زجاج، ذلك الفتى السومري، والحلم الذي كان. كما كتب القصة بنزوع شاعري لافت، فأصدر مجموعات منها: فخ العساليج، نوارس بلون الفضة، ولحظة للغناء. وفي الشعر الشعبي، كان له حضور وذائقة، وقد ترك بصمته بمجموعات مثل غناوي الحب وجديلة رازقي، مجددًا في الموروث دون أن ينفصل عن جذوره.

يكتب هلال الشيخ علي بلغة موشّاة بالحس الإنساني، ومشحونة بروح التأمل، فقصيدته ليست مجرد صياغة فنية، بل هي معايشة وجدانية لما حوله من كائنات وأمكنة وأزمنة. الشاعر عنده ليس كائنًا معزولًا، بل هو قارئ لما بين السطور في الحياة اليومية، لذلك كانت أعماله متشبعة بالتفاصيل العراقية، بحزن المدن، وحنين الأرض، ووجع الوطن.

يرى فيه النقاد شاعرًا مثابرًا لم يبحث عن وهج الأضواء، بل اختار أن يكون وفيًا لصوته الداخلي، أن يكتب كما يزرع، ويصمت كما ينتظر الزهر. امتاز أسلوبه بالصفاء وصدق الإحساس، وقد وُصف شعره بأنه كالماء الصافي لا يُفتعل ولا يتكلّف، بل ينساب من القلب إلى الورق.

كتب عنه الشاعر والناقد حسن النواب واصفًا إياه بأنه "صاحب صوت شعري نقي، ظل وفيًا لنبض الناس"، فيما اعتبره آخرون "ذاكرة شعرية لحلة الخمسينيات والستينيات"، رجل لم يفارق روح القرية حتى وهو يكتب في المدينة، ولم يتخل عن الحلم حتى وهو يشيّع القصيدة في أزمنة الخراب.

هلال الشيخ علي لم يكن من أولئك الذين يرفعون صوتهم في الساحة، لكنه كان ظلًّا دائمًا للمكان. شاعر ظلّ يمشي بهدوء، لكنه يترك أثرًا لا يُمحى. قصائده تتحدث عن الماء والحب والوطن والحنين، بأسلوب لا تكلّفه فيه ولا تصنّع. يختار كلماته كما يختار الفلاح بذوره: واحدة واحدة، وبنية النماء لا الفخر.

ومجموعته "ما روته النخلة للماء" ليست سوى استعارة لحكايته هو، النخلة التي لم تتكلم إلا للماء، لم تقل شيئًا إلا إذا كان نقيًّا، صادقًا، عابرًا للقلوب.

لقد اختار أن يكون صوتًا لا يُغريه البريق، ولا تستفزه النزعة المركزية في المشهد الثقافي. لم يصرخ، لكنه حضر. لم يطالب بالتكريم، لكنه استُحقّ. وفي كل سطر من قصائده، ثمّة تراتيل لظلّ النخيل، ودمعة على خدّ الوطن، وهمسة عاشق لم يبح بكل ما عنده. هلال الشيخ علي، شاعر تشبهه ملامح العراق حين يبتسم رغم الوجع.

في تكريمه من قِبل اتحاد أدباء بابل عام 2006، لم يكن الحاضرون يقرأون سيرة شاعر فقط، بل كانوا يقرأون تاريخًا من الوفاء للكلمة، من الإصرار على أن القصيدة يمكنها أن تواسي، أن تعترض، أن تفتح نافذة في جدار الزمن المغلق.

هلال الشيخ علي هو ابن زمنٍ لا يسأل عن جوائز ولا ينشد شهرة، لكنه يترك أثره في الأرواح كعطر الأرض بعد المطر. شاعر كتب كما عاش، ببساطة الحالمين وصدق المزارعين. وحين نقرأه اليوم، نُدرك أن هناك شعرًا لا يُقاس بصخبه، بل بما يتركه في النفس من شجن وضياء.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلام القريني القاص الذي كتب بالمجهر أدبًا، ونفخ من روحه في ا ...
- علي بيعي سادن القصيدة الشعبية الحديثة وظلالها الحزينة
- علي لفتة سعيد الشاعر الذي لا يغادر شعبه، والرائي الذي يسكنه ...
- سعد جاسم: بين الغربة والقافية — رحّالةٌ في الشعر والحلم
- صادق باقر.. شاعر يسكنه القلق وتضيئه الكلمات
- علي الطائي بين مشرط الطب ومبضع القصيدة
- زهير المطيري خمسون عاماً من المسرح والحرف
- عبد الحسين العبيدي القاص الذي يفتّش عن المعنى في ظلّ العنكبو ...
- الدكتور عامر عبد زيد بين التاريخ والحداثة، في رحاب الفلسفة و ...
- طه التميمي.. شاعر الضمير الشعبي وصوت الطبقة الكادحة
- رائد النافعي السارد الذي اختزن بابل في قلبه وحررها على الورق
- سعد الحداد حضور أدبي وعطاء إنساني
- الناقد سامر جلاب صانع المرايا في دروب الشعر والنقد
- حواريّة الموت-.. مرثية عراقية موجعة
- حيدر العميدي الناقد الذي قرأ المسرح بجسد الروح
- شريف هاشم الزميلي شاعرٌ بنكهة الأسطورة وناثرُ حلمٍ لا يشيخ
- صدام غازي الشاعر الذي يسكب القصيدة في كأس الخمر والخراب
- طبع الذهب حين تحترق القصيدة بنار الحب.. علي الشباني ومرآة ال ...
- شاكر نصيف الشاعر الشهيد الذي اشتعل بالشعر وانطفأ برصاص الطغا ...
- سعد الشريفي شاعر الغربة والجمرات


المزيد.....




- هل يمهّد أحدث مطار في كمبوديا لعصرٍ سياحي جديد؟
- ترامب عن رسومه الجمركية: أهم قضية على الإطلاق أمام المحكمة ا ...
- أرواح كثيرة -مُعلّقة بين الحياة والموت- في غزة رغم اتفاق وقف ...
- هجمات روسية بالصواريخ والمسيرات تطال كييف ومناطق عدة في أوكر ...
- مسيرات أمريكية فوق غزة.. مراقبة أم رسالة سياسية؟
- ما الذي يجب معرفته عن الاستفتاء الشعبي بشأن استضافة الألعاب ...
- بريطانيا تدعو الحلفاء لتعزيز قدرة أوكرانيا الصاروخية البعيدة ...
- نازحون في غزة ممنوعون من العودة إلى منازلهم خلف -الخط الأصفر ...
- عقوبات أمريكية على رئيس كولومبيا بعد اتهامه بالتقاعس في الحد ...
- انتخابات رئاسية في ساحل العاج والرئيس واتارا يسعى لولاية راب ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - هلال الشيخ علي حين تهمس القصيدةُ باسم الأرض