أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - سعد الحداد حضور أدبي وعطاء إنساني














المزيد.....

سعد الحداد حضور أدبي وعطاء إنساني


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 14:01
المحور: سيرة ذاتية
    


في مدينةٍ تعبقُ بتاريخها وتتمسّكُ بهويتها كما يتمسّك العاشقُ بصورة حبيبٍ غائب، وُلد سعد الحداد، ذلك الذي عركَ الورقَ بالحبرِ حتى استحالَ بعضًا منه، ونهض من بين جنبات الحِلّة الفيحاء حارسًا لتراثها، ناسكًا في محرابها الثقافي، ومؤرخًا لجمالها المنسيّ. ليس اسم سعد الحداد مجرّد توقيع على صفحةٍ أو عنوان في فهرس، بل هو سيرةٌ متوهّجة بالحرف، محفوفة بالشغف، ومكلّلة بجهدٍ قلّ نظيره.
من محلة جبران، انطلقت رحلته في العام 1961، حاملاً صوته المعرفي إلى جامعة بغداد، ثم عاد ليزرع شجرة المعرفة في مدارس بابل، من متوسطة الرشيد إلى إعدادية الجهاد، ومن معهد إعداد المعلمين إلى اللجنة العلمية في مركز العلامة الحلي، تنقّل بين المؤسسات كما تتنقّل السنونوة بين الأغصان، تخلّف خلفها نغمةً لا تُنسى.
لم يكن سعد الحداد أستاذًا فحسب، بل كان مشروعًا متكاملًا للبحث والإحياء والتوثيق، سلّط الضوء على زوايا مغفلة من التراث العراقي، لاسيما الحِلّي منه، فجعل من كل وثيقة نبضًا، ومن كل شاعر منسيّ صدىً، ومن كل ركن ترابيّ ضريحًا للمعنى. نذر عمره للكتب والمخطوطات، يرمم ذاكرةً توشك على الانطفاء، وينتشل شذرات منسية من رماد الإهمال، حتى استحق عن جدارة أن يكون "شلالًا حلّيًا متدفقًا"، كما وصفته جمعية الرواد الثقافية.
أكثر من خمسين عنوانًا صدر له في التحقيق والتأليف، جلّها ينتمي إلى مكتبة التراث، تنوّعت بين دواوين شعراء قدامى، وسير أعلام حليين، وتحقيقات لنوادر النصوص، كان فيها الحداد لا مجرّد ناقل، بل محقّقًا ذا نفسٍ علميّ، وروح أدبية، ودقّة منهجية. وفي الشعر، كانت له وقفةٌ أخرى، يكتب القصيدة كمن يخطّ سيرة ذاتية لروحه، فتخرج قصائده مزيجًا من الألم الشفيف، والحب المُترف، والحنين الشجي، لاسيما في ديوانه "جفّت كؤوس العمر" الذي كتبه وكأنّه يسكب من قلبه قبل قلمه.
لم يتقوقع سعد الحداد في غرفة التحقيق، بل كان فاعلًا في المشهد الثقافي والإعلامي، إذ شارك في تحرير وإصدار مجلات وصحف ثقافية عدّة، منها "المحقق" و"الفيحاء" و"شبابيك" و"بابل الأسبوعية"، وأسهم في تأطير الحراك الثقافي في بابل عبر منظمات ومراكز تراثية ومجتمعية، لا تكاد تُعدّ، حتى ليبدو حضوره خيطًا رابطًا بين كل جهد ثقافي عرفته المدينة في العقود الثلاثة الأخيرة.

الجوائز والتكريمات لم تكن سوى اعتراف متأخر بجميل صنعه وعمق رسالته، أما دراسات النقاد والباحثين عنه، فكانت شهادة حيّة على فرادة أثره، وآخرها رسالة ماجستير بعنوان "الرثاء في شعر سعد الحداد"، وكأن الحداد ذاته صار من رموز الرثاء، لا لأنه راحل، بل لأن شعره ينزف كما تنزف المدن العتيقة حين تُنسى.
لقد ترجمت أعماله، وذُكر اسمه في معاجم وموسوعات كثيرة، وتحوّلت سيرته إلى مرجعٍ لمن أراد أن يفهم كيف يتّحد الباحث بالشاعر، والمحقق بالمحب، والأكاديمي بالمناضل الثقافي. ففي عالم يتهاوى فيه المعنى، ظلّ سعد الحداد حارسًا أمينًا لذاكرة المكان والناس، ومعلّمًا أجيالًا من الباحثين كيف تكون الكلمة مسؤولية لا مجرد أداء.
هكذا هو الحداد: لا تكتمل مكتبة الحلة بدونه، ولا يُكتب عن تراثها إلا ومرّ ذكره عطرًا على الصفحات. وفي زمن الموجة والسطح، ظلّ هو الغائص في الأعماق، يبحث عن اللؤلؤ في صدفة النسيان، ليعيده إلى الضوء.
ولم يغب نتاج الدكتور سعد الحداد عن أنظار الباحثين، بل كان مدار اهتمام أكاديمي وثقافي متزايد، حتى اختير موضوعًا لرسالة ماجستير سنة 2022 عن تجربته الشعرية، لا سيما في فن الرثاء، وقد رأت الدراسة فيه شاعرًا مزج بين صدق العاطفة وصرامة الشكل، فصاغ المراثي كما تُصاغ الوصايا، نابضة بالحزن، متماسكة بالبناء. وعدّه نقاد وباحثون "شاعرًا يكتب بمداد المحققين، ومحققًا يُمسك بروح الشعر"، وقد أُشيد بمنهجه في التحقيق لتوازنه بين الأمانة العلمية وحسّ النص، حتى غدت أعماله التحقيقية مراجع معتمدة في مكتبات الجامعات ومراكز البحوث، ولا سيما "موسوعة أعلام الحلة" التي عُدت إحدى أبرز المحاولات في توثيق الأثر الثقافي لمدينة عراقية. كما توقف أكثر من باحث عند جهده في جمع وتحقيق "ديوان السادة الحلّيين"، معتبرين عمله إحياءً لتراث مغمور كشف عن طبقة شعرية فاعلة في نسيج التاريخ الثقافي للنجف والحلة على حد سواء.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الناقد سامر جلاب صانع المرايا في دروب الشعر والنقد
- حواريّة الموت-.. مرثية عراقية موجعة
- حيدر العميدي الناقد الذي قرأ المسرح بجسد الروح
- شريف هاشم الزميلي شاعرٌ بنكهة الأسطورة وناثرُ حلمٍ لا يشيخ
- صدام غازي الشاعر الذي يسكب القصيدة في كأس الخمر والخراب
- طبع الذهب حين تحترق القصيدة بنار الحب.. علي الشباني ومرآة ال ...
- شاكر نصيف الشاعر الشهيد الذي اشتعل بالشعر وانطفأ برصاص الطغا ...
- سعد الشريفي شاعر الغربة والجمرات
- جبر داكي شاعر غنّى للحياة حتى رحيله
- جابر القاري صوت السدة الذي ذاب في الحسين
- كريم النور... شاعر الطين والنخوة والكرامة العالية
- رياض أبو شبع شاعر الغربة والتمرد النبيل
- صباح العسكري: الشاعر الذي أضحك القمر وبكى العراق
- راسم الخطاط شاعر الومضة ومهندس القصيدة
- الراحل كاظم الرويعي بين الأغنية الملتزمة والاغتراب الموجع
- شاكر ميم.. شاعر الغفوة والابتسامة العابرة
- عبد الستار شعابث شجرة الشعر التي نبتت على ضفاف الحلة
- الناقد والقاص سلام حربة صوتٌ نقدي وقلمٌ سردي في المشهد الثقا ...
- حامد كعيد الجبوري شاعرٌ خرج من رحم الحلة ومضى ليكتب للوطن وا ...
- علي السباك الكاتب الذي جعل من الحلة سطرًا أول في دفتر الحكاي ...


المزيد.....




- ميغان ماركل تتألق باللونين الأبيض والأسود في أسبوع الموضة ال ...
- كواليس تصوير كليب أغنية راغب علامة الجديدة بمشاركة أملي الجز ...
- وثائق مسربة تشير إلى أن روسيا ربما تساعد الصين في الاستعداد ...
- نتنياهو: إيران طورت صواريخ باليستية قادرة على ضرب أمريكا
- أطول حرب وأعنفها.. كيف اختلفت حرب غزة الراهنة عن الجولات الس ...
- أكبر رهينة إسرائيلي سناً يتم إطلاق سراحه يسعى لإحياء كيبوتس ...
- إسرائيل: دقيقة صمت في بدء إحياء مراسم الذكرى السنوية الثانية ...
- تعرف إلى نظام انتخابات مجلس الشعب في سوريا
- أزمة فرنسا الداخلية بعد استقالة الحكومة
- أبرز هجمات الحوثيين على إسرائيل وضربات الاحتلال باليمن في عا ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - سعد الحداد حضور أدبي وعطاء إنساني