أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الناقد والقاص سلام حربة صوتٌ نقدي وقلمٌ سردي في المشهد الثقافي العراقي















المزيد.....

الناقد والقاص سلام حربة صوتٌ نقدي وقلمٌ سردي في المشهد الثقافي العراقي


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 12:03
المحور: سيرة ذاتية
    


في المشهد الثقافي العراقي، تبرز أسماء استطاعت أن تشكل حضورًا متفردًا عبر التراكم النوعي لأعمالها، وعبر المزاوجة بين الإبداع السردي والنقدي من جهة، وبين الانخراط في الحراك الثقافي والإعلامي من جهة أخرى. ويُعد سلام محمد عباس خضير حربة، المولود في مدينة الحلة (محلة الوردية) في الأول من تموز عام 1955، واحدًا من هذه الأسماء التي جمعت بين الموهبة والتجربة، بين الإنتاج المتنوع والانخراط الفعّال في الوسط الثقافي العراقي.
نشأ سلام حربة في مدينة الحلة، المدينة التي رفدت الثقافة العراقية بعشرات الأسماء اللامعة في الأدب والفكر. تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط والإعدادي فيها، ثم التحق بكلية الطب البيطري في جامعة بغداد، وتخرج منها سنة 1977. لكنه لم يتوقف عند حدود التخصص الأكاديمي، إذ سرعان ما غادر الوظيفة ليتجه إلى العمل الحر، مستثمرًا حريته في تأسيس شركة "برج بابل للإنتاج السينمائي"، ليكون بذلك شاهدًا ومشاركًا في تجربة الإعلام العراقي المعاصر، خاصة في الجانب البصري والدرامي.
مارس سلام حربة الكتابة بمختلف أشكالها، وكان قلمه حادًا في النقد، حالمًا في السرد، مشبعًا بالتجريب في المسرح، وواعياً في السيناريو والدراما. يكتب بوعي المثقف الملتزم بقضايا مجتمعه، وبلغة تجمع بين الصنعة الفنية والحمولة الفكرية. تنوعت مؤلفاته بين القصة والرواية والمسرح والنقد والدراما، ليقدم مشروعًا ثقافيًا متكاملًا قلّ أن نجد له نظيرًا من حيث التعدد والانغماس في تفاصيل المشهد الثقافي العراقي.
-ساعات وعقارب" (2000): مجموعة قصصية تكشف عن قدرة عالية على التقاط التفاصيل اليومية، وإعادة إنتاجها بصيغة فنية تجمع بين الواقعية والرمزية.
-أبواب" (2004) و"كسارات الحجر": مسرحيتان تمثلان اهتمامه بفن الخشبة، واستغلاله للحوار والبنية الدرامية للتعبير عن قضايا وجودية واجتماعية.
-ألوان مائية" و"قيلولة" (2022): روايتان حملتا بصمته الخاصة في السرد، من حيث الغوص في النفس البشرية، وتفكيك العلاقات الاجتماعية والسياسية.
-إضافة إلى أعمال درامية وسينمائية بارزة مثل: "حرائق الرماد"، "الأسرار"، "ألوان الرماد"، "شارع 40"، "صندوق الأسرار"، و"الحاج نجم البقال"، والتي كتب لها القصة والسيناريو والحوار، مما يدل على امتلاكه لأدوات متعددة في بناء العمل الدرامي بكل مكوناته.
سلام حربة ناقد يحمل موقفًا فكريًا، لا يكتب من برج عاجي، بل يخوض في تفاصيل المشهد الثقافي، متابعًا التحولات التي تطرأ على الذوق العام، ومستقرئًا آثار الأزمات السياسية والاجتماعية في بنية النصوص الأدبية. مقالاته النقدية والسياسية المنشورة في الصحف والمجلات العراقية تؤكد هذا الانشغال العميق بقضايا الوطن والمجتمع، وتحمل رؤى تحليلية رصينة للنتاج الثقافي والفني.
كما أن مشاركته في الندوات والمهرجانات في محافظات عدة تدل على حضوره الفاعل، والتقدير الذي يحظى به في الأوساط الثقافية، وهو ما يُعزز من مكانته بوصفه مثقفًا عضويًا لا ينكفئ على ذاته.
حظي سلام حربة باهتمام عدد من النقاد والباحثين الذين كتبوا عنه وأرّخوا لإسهاماته. فقد ورد اسمه وأعماله في كتب وموسوعات أدبية عدة، منها:
-أدباء وكتاب بابل المعاصرون" للدكتور عبد الرضا عوض (ج3/ص113)، حيث يُدرج ضمن أبرز الأسماء الثقافية في بابل، مشيرًا إلى منجزه السردي والنقدي والدرامي.
-معجم المؤلفين والكتاب العراقيين" (كوركيس عواد وميخائيل عواد، ج3/ص330)؛ وهذا الإدراج شهادة موثقة على تنوع عطائه وأهميته في الخارطة الأدبية العراقية.
-موسوعة أعلام الحلة" للدكتور سعد الحداد (ج1/ص138)، التي تعزز الصورة الثقافية لشخصيته وتوثق مسيرته المهنية والفكرية.
-النهضة الفكرية في الحلة" للدكتور صباح المرزوك (ص145)، حيث يُشار إلى دور سلام حربة في تحريك الوعي المحلي والوطني من خلال أدوات الفن والثقافة.
سلام حربة عضو في اتحاد أدباء وكتاب بابل، وعضو في النقابة الوطنية للصحفيين، ما يضعه في قلب المشهد الثقافي والإعلامي العراقي، مشاركًا وفاعلًا ومنتجًا، وليس مجرد متلقٍ أو ناقد من الخارج.
و من أبرز أعماله الروائية رواية "قيلولة" التي صدرت عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر في بابل سنة 2022، ونحاول تحليلها نقديًا من حيث الموضوع والبنية والأسلوب.
بين القيلولة الجسدية واليقظة الوجودية
تمثل رواية قيلولة امتدادًا لسياق اشتغال سلام حربة على اليوميّ والهامشيّ والمكبوت، لكنه في هذه الرواية يتقدم خطوة أبعد نحو التماس مع الجرح العراقي العميق، مستثمرًا فضاءً سرديًا هادئًا في الظاهر، لكنه متوتر تحت السطح، ينضح بأسئلة الإنسان العراقي المعاصر بعد أن جرفته التحولات الكبرى.
وتدور الرواية، كما يدل عنوانها، في زمن "الهدنة المؤقتة"، أو ما يُشبه الانسحاب من صخب الخارج إلى الداخل، إلى عالم القيلولة التي تمثل حالة رمزية للهروب من صدمة الواقع، لكنها ليست هروبًا سلبيًا، بل تأملًا وجوديًا في ضوء الخراب الاجتماعي والسياسي.
يسائل البطل وجوده عبر استدعاء ماضيه الشخصي وماضي المكان، وكأن الرواية تسير على إيقاع مزدوج: إيقاع الحاضر الكسيح، وإيقاع الذاكرة التي ما تزال حيّة على الرغم من انطفاء أبطالها.
أما بناء الرواية الفني فالرواية ذات بنية سيكولوجية داخلية، لا تعتمد على حبكة بوليسية أو تسلسل تقليدي للأحداث، بل تنمو عبر التداعي الحر والارتداد الزمني، ما يجعلها قريبة من تقنيات الرواية الحديثة التي تركز على الذات وتحليلها.
سلام حربة يكتب هنا بذات متأملة، غير عجولة، ولا تستعرض عضلاتها اللغوية، بل تنحت المعنى من هامش اللغة وتفاصيل الأشياء، كأن العالم يُقرأ من نوافذ الحنين أكثر مما يُعاش.
ولغة الرواية مقتصدة لكنها مشحونة بالدلالة. لا يجنح الكاتب إلى الزخرفة، بل يُبقي لغته قريبة من نبض الحياة، مع ومضات شعرية خافتة تمنح النص بُعدًا إنسانيًا عميقًا. وتتخلل الرواية مقاطع حوارية قصيرة، مكثفة، تشبه المونولوجات النفسية، ما يُعمق الطابع التأملي، ويجعل القارئ شريكًا في المعاناة والبحث.
أما أبرز الثيمات في قيلولة هي:
-الخسارة والغياب: سواء في فقد الأحبة، أو انطفاء الأمكنة، أو خيانة الأحلام.
-الزمن: يتجلى الزمن بوصفه عبئًا لا يسير نحو المستقبل بل يعود إلى الخلف، إلى طفولة مجهضة، أو حنين إلى ماضٍ أفضل.
-المكان: يظهر المكان كبطل مرافق، لا كخلفية جامدة. الحلة ليست مجرد مدينة، بل كائن حي يشكو ويئن ويذكر.
وقيلولة رواية تحمل رؤية نقدية عميقة للمجتمع العراقي، لكنها لا تسقط في المباشرة أو الوعظ. الكاتب لا يدين أحدًا، بل يكشف العطب من الداخل، عبر شخصيات تبدو عادية لكنها مرآة لانهيارات كبرى. وسلام حربة لا يكتب برؤية أيديولوجية، بل برؤية إنسانية، منحازة للناس البسطاء، للمهمشين، للذين يسيرون على هامش الضوء ولا تُكتب أسماؤهم في الصحف.
رواية قيلولة تمثل نموذجًا ناضجًا في سرد سلام حربة، وقد تكون أهم أعماله الروائية من حيث العمق والتركيب، حيث تكشف عن نضج فني ومعرفي، وتضعه بين كتاب الرواية الذين يتقنون كتابة الداخل العراقي بأدوات فنية راقية
أخيرا يمكن القول إن تجربة سلام حربة تمثل نموذجًا للمثقف الذي استطاع أن يُمسك بخيوط متعددة من الإبداع: من القصة إلى الرواية، من المسرح إلى السيناريو، ومن النقد إلى الصحافة، دون أن يفقد توازنه الفني أو وضوح رؤيته. لقد قدّم من خلال أعماله المتنوعة شهادة على قدرة المثقف العراقي على تجاوز العقبات والتحديات، وعلى البقاء فاعلًا رغم كل ما مرّت به البلاد من أزمات وتحولات. وأثره لن يُقاس فقط بعدد مؤلفاته، بل بتلك البصمة التي تركها في نفوس قرائه، وفي ذاكرة الثقافة العراقية المعاصرة، كمبدعٍ متجددٍ، وناقدٍ يقظ، وساردٍ يكتب من قلب الحياة.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حامد كعيد الجبوري شاعرٌ خرج من رحم الحلة ومضى ليكتب للوطن وا ...
- علي السباك الكاتب الذي جعل من الحلة سطرًا أول في دفتر الحكاي ...
- عماد الطالباني طبيب الحرف وروح الباحث
- الباحث محمد هادي رحلة في آفاق البحث والتأليف
- الشاعر إبراهيم الشيخ حسون صائغُ الحرف الشعبي ومغني الروح الح ...
- عبد الأمير خليل مراد شاعر يُمسك بجمر القصيدة ويشعل بها خيمة ...
- مهدي المعموري ضفاف الحرف ومرافئ الذاكرة
- الدكتور عدنان العوادي حكمة الأكاديمي وروح الأديب
- ليلى عبد الأمير حين تتكئ القصيدة على ريشة وتكتب قلبًا
- حسين مبدر الأعرجي: القاص الذي كتب بمداد الذاكرة والمكان
- عمران العبيدي شاعر تتقد الكلمات بين أصابعه
- وسام العبيدي الباحث الجاد والشاعر المتأمل
- محمد الزهيري... فكرٌ يقاوم، وصوتٌ لا يهادن
- قيس الجنابي الناقد الذي حرّك سواكن النص، وفتّش في ضمير الترا ...
- محمد مبارك بين الفلسفة والنقد الأدبي
- ناجح المعموري رحالة الأسطورة والفكر في فضاء الثقافة العراقية ...
- مضر النجار الموسوي شاعر الضفتين، ولسان الحرف المتأمل
- وئام كريم الموسوي حين تتفتّح القصيدة بأنوثة الجنوب وروح بابل
- زهير عبد الرزاق محيي الدين العالمُ الذي حملَ العراقَ في قلبه ...
- عبد الجبار عباس: قامة نقديّة باسقة


المزيد.....




- لماذا لا تقيم قطر علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل؟ الأنصار ...
- الشيخ موفق طريف في بلا قيود: للأسف لا توجد نوايا حسنة حتى ا ...
- اُتهمت بسرقة التبرعات.. مؤثرة فلسطينية تواجه انتقادات بعد مغ ...
- إسبانيا وإسرائيل..تحالفات تتصدع ومصالح تتشابك بسبب حرب غزة
- -ما وراء الخبر- يتناول رفض مجلس الأمن تمديد رفع العقوبات عن ...
- مالي تلجأ إلى محكمة العدل الدولية والجزائر ترد
- مباحثات -مثمرة- بين ترامب والرئيس الصيني
- كيف تحل الخلافات بين الأطفال على طريقة -ميمامورو- اليابانية؟ ...
- ماذا بعد رفض تمديد رفع العقوبات عن إيران؟ محللون يجيبون
- نازحو غزة على شاطئ الموت.. بين البحر وقسوة الحرب


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الناقد والقاص سلام حربة صوتٌ نقدي وقلمٌ سردي في المشهد الثقافي العراقي