أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - علي لفتة سعيد الشاعر الذي لا يغادر شعبه، والرائي الذي يسكنه الحرف














المزيد.....

علي لفتة سعيد الشاعر الذي لا يغادر شعبه، والرائي الذي يسكنه الحرف


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 13:56
المحور: سيرة ذاتية
    


في الجنوب العراقي، في مدينة سوق الشيوخ، على مبعدة مسافات من حافات تعانق الأهوار، وتناجي الماء بلغة القصب والحنين، ولد علي لفتة سعيد عام 1961، ليبدأ منها مسيرته نحو الكتابة، لا كهاوٍ أو متطفّل، بل كمثقّفٍ عضويّ، تماهى مع شعبه، وأودع في الكلمة وجع الأرض وتفاصيل الإنسان المهمّش. ومن تلك العتبة الجنوبية، انتقل إلى كربلاء، المدينة التي صارت له مستقرًا وملاذًا، لكنها لم تُغادر روحه الشفّافة المشبّعة بأحلام الجنوب، ولا خفّفت من ذلك الوجع المتورّط في لغته.
كائنٌ يكتب بعدّة أصوات.
لعلّ من النادر أن يجتمع الشعر بالسرد، والنقد والمسرح والصحافة في قامةٍ واحدة، لكن علي لفتة سعيد خرق هذا النادر، فكان شاعرًا وقاصًا وروائيًا وناقدًا ومسرحيًا وإعلاميًا، لا يفصل بين أجناسه الأدبية بل يمزجها كما يمزج الألوان في لوحةٍ واحدة، حتى تُطلّ علينا أعماله ببنيةٍ متكاملةٍ تعكس رؤيةً متجاوزة، ووعيًا فنيًا وثقافيًا، يؤهّله لأن يكون صوتًا متفرّدًا في المشهد الثقافي العراقي والعربي.
في ميدان الشعر
شعره ليس تعبيرًا عابرًا عن ذاتٍ أو موقف، بل هو صوغٌ متأنٍّ لرؤى تنبثق من تأمّلاتٍ وجوديةٍ واجتماعية، وقد صدرت له مجاميع شعرية منها: أثر كفي، ..نا ، مدوّنات ذاكرة الطين، أختفي في الضوء. وموسيقى القيامة. في هذه الأعمال تتجلّى لغته الخاصة التي وصفها الباحث وسام منشد، بأنها لغةٌ كثيفةٌ مشحونةٌ بالنداء والنهي والأمر والاستفهام، لغة تتأرجح بين السطح الدلالي العادي وبين البنية العميقة التي تستبطن الإحساس والفكر معًا، وهي قدرة لا يملكها إلّا شاعر عاشق للحرف وعارف بأسراره.
القصة والرواية: سرد الوجع العراقي
لا يكتب علي لفتة سعيد القصص والروايات كما يكتبها الروائيون العابرون للهمّ اليومي. إنه يوثّق الخراب الداخلي، ويؤرّخ لانكسارات الإنسان، ويغوص في تفاصيل النفس البشرية في مواجهة العبث والحروب والخذلان. منذ مجموعته الأولى "امرأة من النساء"، مرورًا بـ "بيت اللعنة" التي فازت بجائزة الإبداع عام 1998، وصولًا إلى روايته اللافتة "مواسم الإسطرلاب" التي قال عنها الناقد حسب الله يحيى إنها لو نُشرت في وقتها لأودت بصاحبها إلى السجن، ظلّ عليّ يقبض على جمرة الواقع بسردٍ لا يخلو من رمزيةٍ ساخرةٍ ووعيٍ طبقيّ مرير.
في ثلاثيته الروائية (الصورة الثالثة، مزامير المدينة، فضاء ضيق) نلحظ تدرجًا سرديًا فريدًا، فالبطل (محسن) يبدأ مشغّلًا لمولدةٍ كهربائية، ثم حفّار قبور، ثم كاتبًا في مؤسّسة للأيتام، وهي تحوّلات ليست عبثية، بل تُحاكي تحوّلات المجتمع العراقي ما بعد 2003. وقد أكدت الباحثة مي جميل شريف في دراستها عن الزمان والمكان في رواياته، أن الكاتب استطاع أن يلتقط أدق تفاصيل الواقع، معيدًا إنتاجه بلغة روائية تخترق الظواهر إلى أعماقها، وتلامس الجرح الفردي والجماعي معًا.
أما رواية "وشم ناصع البياض" فقد نالت اهتمام الناقد حمدي لعطار الذي أشاد ببنيتها الزمنية واستخدامها الماهر للتقنيات السردية في توثيق الخراب الناتج عن الحروب، حيث سبع شخصيات تبحث عن الخلاص، في ظلّ غيابٍ نسوي دالّ على حجم الأثر الاجتماعي للعنف المستمر.
الناقد الذي يفكك النصّ ليراه من الداخل
لم يكن عليّ ناقدًا تقليديًا يصف وينقل، بل كان ناقدًا تفكيكيًا وتحليليًا، يشتغل على البنية، ويعيد تشكيل الرؤية حول النصوص. في دراساته مثل "بنية الكتابة في الرواية العربية" و"فهم الزمن ودلالته في النص السردي" و"بنية الكتابة في قصيدة النثر"، نلحظ انحيازه للعمق والمعنى لا للسطح والانطباع. وقد أكد عدد من النقاد، ومنهم الدكتور عمار الياسري في كتابه اغتراب السرد، أن علي لفتة سعيد استطاع عبر كتاباته النقدية أن يقدّم أطروحات مغايرة عن السرد العراقي، مشيرًا إلى ما يمتلكه من خيالٍ خصبٍ وروحٍ ساخرةٍ ووعيٍ ثقافيٍ مركّب.
كاتب مسرحي وصحفي لا ينفصل عن هموم الناس
كتب للمسرح أيضًا، كما في مسرحيته "المئذنة" التي نشرت في دمشق، وأخرى ( ظلمة.. نصان لمسرحية واحدة" التي نشرت في الاردن، وكتب للصحافة بوعي المثقّف، لا بمزاج المراسل. لم يتخلَّ عن قضايا الناس، بل كان لسانًا لمن لا صوت لهم، وسطرًا حادًا في وجه التزييف. لم يكتب للتسلية، بل للتنوير، ولم يكن مشروعه مشروع فرد، بل مشروع شعب مسكون بالحلم والخذلان.
المثقف العضوي بامتياز
ما يميّز علي لفتة سعيد، ليس غزارة إنتاجه فقط، بل روحه المخلصة، ونبضه الذي لا ينفصل عن نبض المقهورين. إنه صورةٌ حيّةٌ للمثقف العضوي، الذي تحدّث عنه غرامشي، المثقّف الذي لا يعتلي برجه العاجي، بل يمشي في الشارع، ويأكل مع الناس، ويتألّم لآلامهم، ويفرح لفرحهم. لقد ظلّ علي لفتة سعيد كما هو: رجل الكلمة الصافية، الحرف المتوهّج، القلب الذي لم تُطفئه المحن، ولا هدّه التعب، فكان وما يزال منارةً في زمن العتمة، وشاهدًا أمينًا على تحوّلات العراق في الشعر والسرد والنقد.
في كلّ ما كتب، وفي كلّ جنسٍ أدبيٍ اقتحمه، ظلّ عليّ لفتة سعيد مسكونًا بالبحث عن المعنى، عن الحقيقة، عن الإنسان وسط ركام الخراب. إنه ليس كاتبًا عابرًا، بل هو ذاكرةٌ متوهّجة، وروحٌ منتمية، تستحق أن تُقرأ، ويُحتفى بها.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سعد جاسم: بين الغربة والقافية — رحّالةٌ في الشعر والحلم
- صادق باقر.. شاعر يسكنه القلق وتضيئه الكلمات
- علي الطائي بين مشرط الطب ومبضع القصيدة
- زهير المطيري خمسون عاماً من المسرح والحرف
- عبد الحسين العبيدي القاص الذي يفتّش عن المعنى في ظلّ العنكبو ...
- الدكتور عامر عبد زيد بين التاريخ والحداثة، في رحاب الفلسفة و ...
- طه التميمي.. شاعر الضمير الشعبي وصوت الطبقة الكادحة
- رائد النافعي السارد الذي اختزن بابل في قلبه وحررها على الورق
- سعد الحداد حضور أدبي وعطاء إنساني
- الناقد سامر جلاب صانع المرايا في دروب الشعر والنقد
- حواريّة الموت-.. مرثية عراقية موجعة
- حيدر العميدي الناقد الذي قرأ المسرح بجسد الروح
- شريف هاشم الزميلي شاعرٌ بنكهة الأسطورة وناثرُ حلمٍ لا يشيخ
- صدام غازي الشاعر الذي يسكب القصيدة في كأس الخمر والخراب
- طبع الذهب حين تحترق القصيدة بنار الحب.. علي الشباني ومرآة ال ...
- شاكر نصيف الشاعر الشهيد الذي اشتعل بالشعر وانطفأ برصاص الطغا ...
- سعد الشريفي شاعر الغربة والجمرات
- جبر داكي شاعر غنّى للحياة حتى رحيله
- جابر القاري صوت السدة الذي ذاب في الحسين
- كريم النور... شاعر الطين والنخوة والكرامة العالية


المزيد.....




- جيجي حديد تتألق بفستان أصفر اللون في نيويورك
- شاهد.. لحظة مغادرة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي منزل ...
- هدى قطّان تتألق بنقشة النمر في باريس
- مبعوث ترامب للشرق الأوسط ويتكوف يؤكد أن واشنطن تعمل على إنجا ...
- الجزائر تطالب إسبانيا بترحيل 7 مهاجرين فتيان وصلوا إلى أراضي ...
- ساركوزي يغادر إقامته باتجاه سجن -لاسانتيه-
- ما الذي نعرفه عن حذف حسابات المؤثر الفلسطيني صالح الجعفراوي ...
- باراك يحذر لبنان.. مخاوف من عودة الحرب وبرّي يقول ان -مسار ا ...
- ساركوزي في السجن.. عودة على قضية التمويل الليبي لحملته الانت ...
- مؤسسة إنسانية: نقص التمويل يهدد 56 ألف لاجئ أفريقي بمخيم دزا ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - علي لفتة سعيد الشاعر الذي لا يغادر شعبه، والرائي الذي يسكنه الحرف