أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - علي شاهين الشاعر الذي غرس صوته في شجرة المعنى















المزيد.....

علي شاهين الشاعر الذي غرس صوته في شجرة المعنى


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 12:13
المحور: سيرة ذاتية
    


في مدينة الحلة، حيث تمتزج مياه الفرات برائحة التاريخ، وُلد علي ميثم إبراهيم شاهين الربيعي في الثالث عشر من حزيران عام 1989، وكأن النهر نفسه قد تآمر مع الكلمات لينبت شاعراً يحمل في صوته وهج الأرض ودهشة الطفولة. نشأ علي شاهين في مدارس الحلة، لكنه لم يكتفِ بتلقي الدروس كما يفعل أقرانه، بل كان يلتقط من حواف الحياة شذرات شعرية مبكرة، سكنت دفتره المدرسي قبل أن تسكن ديواناً منشوراً.
كان في سن مبكرة حين أصغى لصوت الشعر في داخله، لا بوصفه ترفاً لغوياً، بل نداءً وجودياً. ومنذ ذلك الحين، وهو يكتب كمن ينقّب عن ذاته في صخور اللغة، ليخرج لنا نصوصاً تحمل ملمحاً خاصاً، لا يشبه إلا انكساراته الداخلية وآماله التي لا تخبو.
تخرج من كلية إدارة الأعمال، لكنه لم يُدر ظهره للمجاز، بل أدرك أن السوق الحقيقي هو سوق اللغة، وأن رأس المال الأجمل هو القصيدة. انتمى إلى اتحاد أدباء وكتاب بابل، وإلى المنتدى الأدبي الإبداعي، ليعلن بذلك أنه اختار أن يكون حيث يكون الشعر، وحيث تولد القصائد من رماد الحياة.
صدر له ديوان شعري بعنوان "عش على شجرة اصطناعية"، عنوان يوحي بغربة الوجود وسخرية المعنى، كأنما يقول: "أعيش في هذا العالم الاصطناعي، لكنني ما زلت أغني". كما شارك في مجاميع شعرية مشتركة مع شعراء عراقيين وعرب وأجانب، منها نصوص لا تعرف الموت، وحلي بابلية الصادرة بلغتين، وهو دليل آخر على رغبة هذا الشاعر في كسر حدود اللغة والجغرافيا، والذهاب بصوته إلى أقاصي العالم.
لم تكن مشاركاته محصورة في الحبر والورق، فقد عرفه جمهور الشعر من خلال حضوره في المهرجانات والأماسي والصالونات الثقافية، حيث وقف غير هيّاب، يقدّم قصيدته كأنها جزء من جسده، ويقرأ كمن يمشي على حبل مشدود فوق هوة اللامعنى.
ترجمت بعض نصوصه إلى لغاتٍ عدّة، منها الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والكردية، ليؤكد بذلك أن الشعر الصادق لا يحتاج إلى جواز سفر، وأن القصيدة النابعة من قلب حيّ تُقرأ في كل مكان، لأنها تنتمي إلى الإنسان أولاً.
حصل الشاعر علي شاهين على جوائز وشهادات وتكريمات، لكنها لم تكن غايته، بل كانت علامات طريق، تُشير إلى أن هذا الصوت، وإن كان شاباً في مسيرته، إلا أنه يسير بثقة في دربٍ اختاره عن قناعة.
علي شاهين لا يزال في بداية الرحلة، يحمل في قلبه مخطوطتين تنتظران النور، ويواصل الحفر في تربة الكلمات. هو شاعر يشبه شتلة برّية نبتت في أرض تعبق بالشعر منذ الأزل، لكنه أراد لها أن تكون مغايرة، أن تُثمر شعراً لا يُشبه إلا روحه. فها هو اليوم، واقف على تخوم الحلم، يكتب، لا ليقول شيئاً فحسب، بل ليجعل اللغة تقول ما لا يقال.
في قصيدته "يا حضرة المختفية"، يضعنا الشاعر علي شاهين أمام لوحة شعرية حداثية تختزل الفقد بصوره المعنوية والسمعية والبصرية، من خلال مفردات وأطر تركيبية متداخلة، توظف الرمز والتجريب والانزياح اللغوي بشكل فني مغاير للسائد، وتكشف عن طاقة شعرية تبحث عن صوتها وسط الضجيج الوجودي.
القصيدة تبدأ بمشهد يومي بسيط:
"أنا كلّ يوم امسح زجاج النافذة، حتى أرى غيابك بوضوح"
هذه الجملة المفتاحية تُدخل القارئ في قلب المفارقة الشعرية التي تحكم النص: الغياب يُرى، الغياب له شكل، وله حدوده البصرية التي لا تتجلى إلا عندما يُنظف الحاجز بين الذات والعالم. إن مسح زجاج النافذة هنا ليس طقسًا من العناية المنزلية، بل طقسًا من الطقوس الوجودية التي تهدف لرؤية الغياب بوصفه حضورًا، أي أن الغياب متجسد، حاضر، يكاد يُلمس. وهذا الاشتغال على التناقض بين الفعل والنتيجة يمثل إحدى تجليات الشعر الحديث.
وسريالية الفقد والتوسل بالتاريخ: لويس العاشر وسوماوري في المقطع التالي:
"أسرح في زحمة الفقد
وأقبّل يد لويس العاشر معنويًا
لكي يحذف الراءات التي لا داعي لها"
يتحول الفقد من تجربة شخصية إلى سردية تتقاطع مع التاريخ. يستحضر الشاعر "لويس العاشر" ملك فرنسا، وهو استحضار يشي بنزعة سريالية تنقل مشاعر الحزن الشخصي إلى مشهد عبثي: تقبيل يد ملك ميت من أجل حذف حرف الراء! هذا التجريد في الطلب يكشف عن رغبة في تحطيم البنى التقليدية للغة، ولعلّ حرف "الراء" ـــ الذي قد يُرمز به إلى "الرجع" أو "الرحيل" أو حتى "الرنين" الثقيل في النطق ـــ هو جزء من الأصوات التي تؤلم المتكلم، والتي يريد محوها من العالم.
وبالمثل، حين يطلب اللجوء إلى "سوماوري" (الملك الإفريقي الشهير سوماوري كانتي)، فهو لا يستنجد بقوة سياسية أو مكان جغرافي، بل يسعى للخروج من الزمن ومن التكرار القاسي للدقائق والساعات. إنه يلتمس اللجوء من "الزمن"، من آلية الوقت التي لا تتيح للغائب أن يعود.
وهنا تتكثف تجربة الشاعر مع تفاصيل الحياة:
"وأضبط أصوات الإيقاع مع بعضها:
_ النبض مع أميال الساعة،
_ التعذيب بواسطة تنقيط الصنبور مع نزول السلالم،
_ الدم تك مع رمشة العينين"
إنه توحيد للعذاب. حيث يتآلف إيقاع القلب (النبض) مع حركة الزمن، ويتناغم صوت الصنبور المتقطّع مع ألم الخطوات، بل يمتد التناغم إلى مستوى رمشة العين، لتصبح "الدم تك" (ربما إشارة إلى صوت داخلي أو إيقاع رقمي) جزءًا من اللاوعي الجسدي. هنا، يفكك الشاعر الإيقاع ليركبه من جديد في شكل صادم، غير متوقع، حيث تصبح الحياة اليومية ضربًا من التعذيب الإيقاعي المنظّم، بلا رحمة.
وذروة الانكسار والإقرار بالهيمنة العاطفية
"حتى وإن عدتِ ثانية،
كل شيء يصفق لكِ"
هنا يختتم الشاعر بحكمة سوداوية مغلفة بابتسامة مرة: الغائبة التي غابت عن كل شيء، ما زالت تملك كل شيء. حتى عودتها المتأخرة لا تغيّر من هيمنة حضورها الرمزي. "كل شيء يصفق لكِ"، الطبيعة، الأصوات، الحياة… وكأن الكون بأكمله يصفّق لسلطان الغياب، لا للحضور الفعلي. هذه الجملة تلخّص التحوّل الداخلي للشاعر: من مقاومة الفقد إلى الاحتفاء به ـ أو بالأحرى، الخضوع له.
ان قصيدة "يا حضرة المختفية" لعلي شاهين ليست نصاً عن الحب أو الفقد بالمعنى التقليدي، بل هي معمار لغوي ينقل تجربة شعورية مركبة بأدوات حداثية عميقة: التناص التاريخي، السريالية، كسر التوقع، تفكيك اللغة، والتقاط التفاصيل اليومية بوصفها مصادر ألم حسي وصوتي. إنها قصيدة كُتبت لا لتواسي، بل لتُقلق.
وفي هذا الإقلاق يكمن الشعر.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كامل حسين المقيم على حافة الجمال
- مرثية جيلٍ ومدينة قراءة في قصيدة -بغداد- لحسين نهابة
- سناء الأعرجي القصيدة التي مشت على ضفاف الفرات
- الفنان سمير يوسف بابل تمدّ يدها إلى اللون
- موفّق محمد الناي الصادح بالحقيقة
- هلال الشيخ علي حين تهمس القصيدةُ باسم الأرض
- سلام القريني القاص الذي كتب بالمجهر أدبًا، ونفخ من روحه في ا ...
- علي بيعي سادن القصيدة الشعبية الحديثة وظلالها الحزينة
- علي لفتة سعيد الشاعر الذي لا يغادر شعبه، والرائي الذي يسكنه ...
- سعد جاسم: بين الغربة والقافية — رحّالةٌ في الشعر والحلم
- صادق باقر.. شاعر يسكنه القلق وتضيئه الكلمات
- علي الطائي بين مشرط الطب ومبضع القصيدة
- زهير المطيري خمسون عاماً من المسرح والحرف
- عبد الحسين العبيدي القاص الذي يفتّش عن المعنى في ظلّ العنكبو ...
- الدكتور عامر عبد زيد بين التاريخ والحداثة، في رحاب الفلسفة و ...
- طه التميمي.. شاعر الضمير الشعبي وصوت الطبقة الكادحة
- رائد النافعي السارد الذي اختزن بابل في قلبه وحررها على الورق
- سعد الحداد حضور أدبي وعطاء إنساني
- الناقد سامر جلاب صانع المرايا في دروب الشعر والنقد
- حواريّة الموت-.. مرثية عراقية موجعة


المزيد.....




- شاهد.. شرطة واشنطن تعتقل عدة أشخاص -مارسوا سلوكا مشينًا- وتف ...
- فيتنام: تحذير من تجاوز هطول الأمطار 700 مليمترًا.. وفيضانات ...
- سوريا: وزير الداخلية يرحب بدمج -الضباط المنشقين- بالوزارة له ...
- ما الذي يجعل -الرعب النسائي الدموي- مختلف عن روايات الرعب ال ...
- خفض المساعدات الغذائية الأمريكية يدفع بنوك الطعام للاستعداد ...
- كيف ردت ناسا.. كيم كاردشيان لا تصدق هبوط الإنسان على القمر
- أطباء بلا حدود: آلاف السودانيين في دائرة الخطر بعد سقوط الفا ...
- هآرتس: تسريب فيديو سدي تيمان أداة اليمين ضد -الدولة العميقة- ...
- إدارة الطاقة لا الوقت.. 9 عادات يومية تساعدك على القيادة بنج ...
- المتحف المصري الكبير.. أكبر مجموعة أثرية للحضارة القديمة


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - علي شاهين الشاعر الذي غرس صوته في شجرة المعنى