أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - سناء الأعرجي القصيدة التي مشت على ضفاف الفرات















المزيد.....

سناء الأعرجي القصيدة التي مشت على ضفاف الفرات


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 12:05
المحور: سيرة ذاتية
    


في مدينة الحلة، حيث الماء يهمس للتاريخ، ولدت سناء الأعرجي عام 1964، وكأنها انبثاق ناعم من روح المكان، وامتداد لعطر نخيل لا يشيخ. نشأت على وقع الحرف، وحفظت من الفرات سر الجريان، ومن تراب العراق الحالم تأملت أولى القصائد، فكانت الكلمة عندها رئة ثانية، تنفست بها الحياة، ومشت بها بين دروب الأدب، حتى صارت من الأسماء التي تكتب بماء الشعر على جدار الذائقة.
درست اللغة العربية في جامعة بغداد، لتصقل موهبة كانت تسكنها منذ نعومة الحرف، وتنهل من معين البلاغة والبيان ما يجعل من قصيدتها صوتًا لا يخطئه السمع، لا في موسيقاه ولا في معناه. ثم سلكت درب التعليم، فزرعت في نفوس أجيالٍ من التلاميذ بذور اللغة والحس الجمالي، قبل أن تحال إلى التقاعد وهي مثقلة بحصاد من العطاء والتجارب.
ليست سناء الأعرجي شاعرة قصيدة واحدة، بل هي فسيفساء من التجارب والهموم والنبضات. تنقلت بين العمود والتفعيلة والنثر، وطرقت باب الشعر الشعبي بثقة العارفة ومهارة المجربة. ديوانها الأول "حينما تحتضر الكلمات" كان إعلانًا عن شاعرة لا تؤمن بالمهادنة مع اللغة، بل تخترق بها جدران الصمت، وتلملم من شظايا الألم قصائد تضيء.
توالت أعمالها: "العشق في فصل خامس"، "في الضفة الأخرى"، "أغاريد مشكاة"، و*“هل تبتسم الدموع؟”* وغيرها من المجموعات التي توزعت بين المخطوطة والمطبوعة، لتشكل سردية ذاتية وجمعية، عن المرأة والوطن، عن الحب والمقاومة، عن البهجة التي لا تدوم، والجرح الذي لا ينام. وقد استطاعت قصائدها أن تتجاوز حدود الورق، فتُلحّن وتُؤدى غناءً في النشاطات المدرسية بمحافظة بابل، وتُترجم إلى الإنكليزية، مما يعكس قدرتها على الولوج إلى الوجدان الإنساني عبر ضفتي اللغة.
لم تغب سناء الأعرجي عن عيون النقاد. كتب عنها ناهض الخياط، ونجاح هادي كبة، وعدي العبادي، وخضير الشمري، ومحمد العميدي. وجاءت قراءاتهم متفاوتة في مناهجها، لكن متفقة على أنها تمتلك حسًا شعريًا يميزها، وصوتًا أنثويًا لا يتقوقع داخل الصورة النمطية للمرأة في القصيدة، بل يتخطى ذلك إلى مساءلة العالم، والبحث عن العدالة، لا بوصفها خطابًا، بل شعورًا داخليًا.
الناقد عدي العبادي رأى في بعض قصائدها محاولة لإعادة تشكيل اليومي شعريًا، بينما ذهب خضير الشمري إلى رصد بعدها الوجداني الذي يتقاطع فيه الخاص بالعام، وتتحول فيه التجربة الذاتية إلى مرآة لتجارب النساء العراقيات، في الحرب، والحب، والخذلان، والحلم.
ليست الأعرجي غريبة عن خشبات المهرجانات، فقد ارتفع صوتها في أكثر من ثلاثين مهرجانًا محليًا وعربيًا، من بابل إلى بغداد، ومن كربلاء إلى العواصم الثقافية. وكانت مشاركاتها امتدادًا لحضورها النصي، لا لمجرد التمثيل، بل لتأكيد موقعها ضمن المشهد الشعري العراقي المعاصر.
وحصدت الجوائز تباعًا: الجائزة الأولى للنشاط المدرسي في بابل لخمس سنوات متتالية، والجائزة الثانية في مؤتمر كربلاء، ثم الجائزة الأولى في مسابقة اتحاد الأدباء الدولي عام 2017، وكلها شهادات على مكانتها في قلوب القراء قبل المنابر.
إن كانت قصائد سناء الأعرجي قد سُئلت يومًا: "هل تبتسم الدموع؟"، فإن الإجابة كامنة في بوحها، في دفء كلماتها، في حرارة وجدانها، في شجنها المشبع بصدق التجربة. إنها شاعرة لم تكتب لتُرضي، بل لتعبّر. لم تسعَ للنجومية، بل للصدق. فغدت جزءًا من الذاكرة الشعرية لمدينة الحلة، وللمشهد النسوي العراقي عمومًا.
تتعدد عضوياتها في المؤسسات الثقافية، وتتوزع بين الشعر والفكر وحقوق الإنسان، لكنها تبقى أولًا وأخيرًا: الشاعرة التي آمنت بأن للكلمة وطنًا، وأن للقصيدة لسانًا لا يخون، حتى في حضرة الصمت. و ليست مجرد اسمٍ في قائمة الشعراء، بل سيرة حية لامرأة كتبت بالوجدان، ووقّعت قصائدها بالدمع، وأهدتها لمدينة، لوطن، لحلمٍ يليق به أن يُكتب شعرًا.
ومن جميل قصائدها قصيدة "نشيج لوعتي" التي تنتمي إلى فضاء الشعر الحر العاطفي التأملي، وتُعدّ نموذجًا تعبيريًا متميزًا عن الشعر المعاصر الذي يُفلت من قيد الوزن الخليلي دون أن يتخلى عن جماليات الإيقاع الداخلي وكثافة الصورة الشعرية. يتجلى في النص خطابٌ وجداني مشبعٌ بالتوتر الوجودي، والانخطاف الصوفي، والحنين المتجاوز للمألوف.
أولًا: بنية العنوان والدلالة الابتدائية
يشكّل العنوان مدخلًا دلاليًا مركزًا؛ فـ"النشيج" يوحي ببكاء داخلي مكتوم، بينما "اللوعة" تشير إلى احتراق القلب من ألم الشوق أو الفقد. هكذا يفتح العنوان أفقًا شعوريًا مكثفًا، ويؤسس لحالة انفعالية تحتكم إلى الذاتي المأزوم والوجد الغامر.
ثانيًا: الصورة الشعرية والتخييل الرمزي
تحفل القصيدة بمجموعة من الصور المركبة، التي تتجاوز المباشر إلى المجازي، وتزاوج بين الملموس والحلمي، الحسي والميتافيزيقي: (قيثارتي، الزنابق، سوانح، نكهة سجائري، الحمام، الجلنار، أشداق الزيتون): رموز تشكّل حقلاً دلاليًا مرتبطًا بـ النقاء، النشوة، الحنين، الانكسار. والصورة في النص لا تؤدي وظيفة تزيينية، بل تتحول إلى وسيطٍ كاشفٍ عن تمزق الذات وميلها نحو المطلق، كما في: "ضفرتْ جدائلَ الحلمِ / حتى تهادتْ أشداقُ الزيتون على حافة العدم"، وهي صورة متداخلة ذات بُعد رؤيوي، حيث يتقاطع الحلم بالعدم، والدلالة بالفراغ.
ثالثًا: الذات والآخر: جدلية الحضور والغياب
المخاطب في النص (أنت) ليس مجرد حبيب مألوف، بل كيان ميتافيزيقي شبه مقدّس، تتماهى به الذات وتتماهى فيه: "حين خُلقتَ مِنْ صلصال كينونتي / أدركتُ أنَّ العشق هويةً" في هذا التشكيل، يتحول الحبيب إلى جزء من بنية الوجود الشخصي للشاعرة، مما يضفي على العلاقة العاطفية بعدًا وجوديًا، يُخرِجها من النسق الغريزي إلى الحُلم الصوفي، في تقليدٍ معروف عند شعراء التصوف والحب العذري.
رابعًا: الزمن الشعري وبنية الانتقال
القصيدة تتحرك في ثلاث لحظات زمنية: ماضٍ غامر بالشوق والانفجار العاطفي، حاضر مليء بالضياع والتيه، مستقبل مأمول – اللقاء، العناق، السلام، هذا الانتقال الزمني يرافقه تصعيد شعوري، يبدأ من إشعال شمعة والصلاة، لينتهي إلى النداء الأخير: "إطوِ المسافات / ومد يدك / لنلتقي" وكأنّ القصيدة رحلة داخلية من الانفصال إلى الوصل، من العتمة إلى التماس الضوء.
خامسًا: المعجم الشعري والبنية الصوتية
يتسم المعجم الشعري بالتنوع بين:
الألفاظ الوجدانية: (اللوعة، الشغاف، الوله، الحنين).
الألفاظ الحسية/الطقوسية: (شمعة، صلاة، سجائر، زيتون، زنابق).
ألفاظ التقديس الصوفي: (صلصال، كينونة، ترانيم، إشراق، شرفات).
كل ذلك يصوغ إيقاعًا داخليًا مشحونًا بالعاطفة والصفاء والترقّب. كما أن التكرار (مثل "لأنك"، "ما زلت"، "أيها") يعزز النبرة التوسلية في الخطاب، ويمنح النص حركة دائرية.
ختاما "نشيج لوعتي" قصيدة تُعيد تموضع الشعر العاطفي داخل مساحة وجودية-صوفية، فتمزج الحب بالكينونة، والغائب بالحضور، والانكسار بالتجلّي. إنّها سفرٌ داخلي عبر اللغة والرمز والتخييل، يكشف عن ذات شاعرة/شاعر تصوغ الوجع جمالًا، والحنين طقسًا، والغياب نشيدًا أبديًا.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفنان سمير يوسف بابل تمدّ يدها إلى اللون
- موفّق محمد الناي الصادح بالحقيقة
- هلال الشيخ علي حين تهمس القصيدةُ باسم الأرض
- سلام القريني القاص الذي كتب بالمجهر أدبًا، ونفخ من روحه في ا ...
- علي بيعي سادن القصيدة الشعبية الحديثة وظلالها الحزينة
- علي لفتة سعيد الشاعر الذي لا يغادر شعبه، والرائي الذي يسكنه ...
- سعد جاسم: بين الغربة والقافية — رحّالةٌ في الشعر والحلم
- صادق باقر.. شاعر يسكنه القلق وتضيئه الكلمات
- علي الطائي بين مشرط الطب ومبضع القصيدة
- زهير المطيري خمسون عاماً من المسرح والحرف
- عبد الحسين العبيدي القاص الذي يفتّش عن المعنى في ظلّ العنكبو ...
- الدكتور عامر عبد زيد بين التاريخ والحداثة، في رحاب الفلسفة و ...
- طه التميمي.. شاعر الضمير الشعبي وصوت الطبقة الكادحة
- رائد النافعي السارد الذي اختزن بابل في قلبه وحررها على الورق
- سعد الحداد حضور أدبي وعطاء إنساني
- الناقد سامر جلاب صانع المرايا في دروب الشعر والنقد
- حواريّة الموت-.. مرثية عراقية موجعة
- حيدر العميدي الناقد الذي قرأ المسرح بجسد الروح
- شريف هاشم الزميلي شاعرٌ بنكهة الأسطورة وناثرُ حلمٍ لا يشيخ
- صدام غازي الشاعر الذي يسكب القصيدة في كأس الخمر والخراب


المزيد.....




- لقطات مهيبة.. كاميرا ترصد شكل عين إعصار ميليسا من الداخل
- -تأملوا تاريخكم العدواني-..الصين تحث اليابان على احترام مخاو ...
- -لم يُعرف عنه قط أنه أينشتاين-.. مشرعة ترد على ترامب ووصفه إ ...
- إليسا تتألق بفستان فضي على مسرح أبو بكر سالم في الرياض
- شقيق شيرين أبو عاقلة: تقرير جديد يكشف تستّر واشنطن على مقتله ...
- من الأرز الأمريكي إلى مضرب الغولف.. كيف كسبت تاكاتشي ودّ ترا ...
- هل تقف فرنسا وراء قرار -اليونيفيل- إسقاط مسيّرة إسرائيلية في ...
- هل سيصدر ترامب أمراً بالإفراج عن البرغوثي؟
- إسرائيل تتحدث عن تسلمها -جثة كاذبة- من حماس
- بعد قضية الجثة.. بن غفير يوجه لنتنياهو -طلبا- بشأن حماس


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - سناء الأعرجي القصيدة التي مشت على ضفاف الفرات