أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - شاكر هادي غضب فنان الحروف، وباحث الذاكرة الشعبية














المزيد.....

شاكر هادي غضب فنان الحروف، وباحث الذاكرة الشعبية


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 11:37
المحور: سيرة ذاتية
    


على ضفاف الفرات الأوسط، وتحديدًا في قرية الزرفية الوادعة، وُلد شاكر هادي غضب عام 1947، كأنّه مولود للحرف منذ البداية، وللفنّ منذ الطفولة، وللذاكرة الشعبية منذ أن تفتّحت في ذهنه صور القرويين وعاداتهم، وأزياءهم، وصوت الجزارين في صباحات السوق. لم يكن شاكر ابن بيئة بسيطة فحسب، بل كان ابن التفاصيل المهملة، التي جعل منها لاحقًا مادة معرفية حية تنبض بالحياة.
دخل المدرسة وهو في السادسة من عمره، متقد الذهن، ملهوفًا على الاكتشاف، ثم مضى في دروب الدراسة من القاسم إلى الحلة، حتى وجد نفسه واقفًا أمام أعتاب دار المعلمين الابتدائية، يحمل بين أصابعه الملوّنة بذوق الفن، ميلاً فطريًا للرسم والحفر والنحت، تلك الفنون التي كانت تُدرّس في الهامش، لكنها كانت لديه في المتن.
لم يكن الفن عند شاكر زينة أو هواية، بل كان لهفة وجود، ونافذة على روح عراقية عميقة. وقد وجده المدرس عبد الغني المصري طالبًا خامًا، فشجّعه أن يشق طريقه، ويمضي في تهذيب موهبته التي كانت كجذع برّيّ ينتظر الماء. وهكذا بدأ شاكر يدمج بين حسّ الفنان وعين الباحث، بين ذائقة الجمال ومنهج التوثيق، حتى إذا بلغ عام 1969 نُسب لتدريس الرسم في ثانوية القاسم، وهناك كان اللقاء الحاسم مع أساتذة مبدعين أمثال حامد الهيتي وحسين الشلاء، فانفتح أفقه على ألوان جديدة ورؤى تشكيلية أوسع.
غير أن شاكر لم يكتفِ بفرشاة الرسم، بل أخذ القلم إلى ميادين اللغة، مستعيدًا التراث الشعبي بعين الباحث المدقق. بدأ النشر الأدبي مبكرًا، وهو بعد طالب، في مجلة "المتفرج" عام 1965، ولم تمضِ سنوات حتى صار من كتّاب مجلة "التراث الشعبي" المعتمدين، يكتب عن الحلي والأزياء والعادات، لا بوصفها زخارف، بل كبقايا ذاكرة جمعية تسكن في التفاصيل.
وقد كان لهذا التلاقح بين الفن والبحث أثره في كتاباته؛ فقد صدر له عن وزارة الإعلام العراقية كتابه الفريد "بداءة معجمية في مصطلحات الحلي والأزياء"، وهو عمل يذكّر الباحثين بأن اللباس والزينة لهما لسان، وتاريخ، ووظيفة في سرد الحكاية الاجتماعية. كما جاءت دراسته "الهندسة المعمارية والفن التشكيلي في المساجد الإسلامية والمراقد المقدسة" لتؤكد عمق اتصاله بالجمال الروحي والرمزي في المعمار، كأنّه يبحث عن سرّ الانسجام بين القداسة والبناء.
أما كتابه المشترك مع الدكتور عبد العظيم الجوذري "التاريخ الاجتماعي في الفرات الأوسط" في جزأيه، فهو من الأعمال التي حفرت عميقًا في التربة الاجتماعية، وقدّم فيها شاكر سردًا لواقع الناس، حكاياتهم، عاداتهم، وهمومهم، بلغة لا تخلو من شاعريته الكامنة، وإن جاءت في سياق البحث العلمي.
شارك شاكر غضب في معارض فنية ومهرجانات ثقافية داخل العراق وخارجه، وكان أبرزها فوزه عام 1978 في معرض الخط العربي في الموصل، وهو فوز لم يكن وليد المصادفة، بل ثمرة لدراسة الخط على أيدي كبار الفنّانين أمثال عبد الله السنجاري وحسام الشلاه، حين أُرسل إلى الدورة السادسة للخط بترشيح خاص من مدير عام التربية.
الكتّاب والنقاد الذين كتبوا عن شاكر هادي غضب، لم يكونوا يتحدثون عن مجرّد باحث ، بل عن صوت أصيل، ينبض بتراب القرى، ورائحة الخبز، وألوان الجلابيب المطرزة. رأوا فيه مثالاً للباحث الذي لا يقف عند عتبات المكتبة، بل ينزل إلى الميدان، يُصغي للناس، ويقرأ وجوههم، ويحاور ذاكرتهم. وقال بعضهم إن شاكر هو وريث الذاكرة الشعبية المنسيّة، التي تتجدد على يديه في كتب ومقالات، وخطوط وألوان.
شاكر هادي غضب ليس باحثًا عابرًا في عالم الفن أو التراث، بل هو مقيم فيه، ناحتٌ في صخر الهوية، يرفض النسيان، ويصرّ على البقاء في هامش الضوء، حيث تبدأ الحكايات التي لا تنتهي. وهو وإن لم يكن من الوجوه الإعلامية الصاخبة، إلا أن أثره في الميدان الثقافي العراقي لا تخطئه العين، لا سيما في الوسط البابلي، حيث عرفه زملاؤه كعضو بارز في اتحاد الأدباء والكتّاب، وناشط فني في نقابة الفنانين.
إنه مثال لما يمكن أن يكون عليه الباحث الحقيقي: عارفًا، فنانًا، نزيهًا في الانتماء للناس، ومخلصًا لما رآه مهمًا في مشروعه الثقافي، مهما بدا بسيطًا في أعين الساسة والنجوم العابرين.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد عبد الجليل شعابث سادن الذاكرة الشعبية وباحث الضوء الخاف ...
- سعد خليل الكبيسي كاتبُ الذاكرة ومحفوظاتُ الوجدان المحلي
- يحيى الربيعي شاعر المنتهى وإشراقات الأزل
- محمد حسين حبيب صوت نقدي بصري يُضيء المسرح العربي
- بابل تنتخب مجلس إدارة اتحاد أدباء بابل عرس ثقافي باسم ناجح ا ...
- علي شاهين الشاعر الذي غرس صوته في شجرة المعنى
- كامل حسين المقيم على حافة الجمال
- مرثية جيلٍ ومدينة قراءة في قصيدة -بغداد- لحسين نهابة
- سناء الأعرجي القصيدة التي مشت على ضفاف الفرات
- الفنان سمير يوسف بابل تمدّ يدها إلى اللون
- موفّق محمد الناي الصادح بالحقيقة
- هلال الشيخ علي حين تهمس القصيدةُ باسم الأرض
- سلام القريني القاص الذي كتب بالمجهر أدبًا، ونفخ من روحه في ا ...
- علي بيعي سادن القصيدة الشعبية الحديثة وظلالها الحزينة
- علي لفتة سعيد الشاعر الذي لا يغادر شعبه، والرائي الذي يسكنه ...
- سعد جاسم: بين الغربة والقافية — رحّالةٌ في الشعر والحلم
- صادق باقر.. شاعر يسكنه القلق وتضيئه الكلمات
- علي الطائي بين مشرط الطب ومبضع القصيدة
- زهير المطيري خمسون عاماً من المسرح والحرف
- عبد الحسين العبيدي القاص الذي يفتّش عن المعنى في ظلّ العنكبو ...


المزيد.....




- ظهور غير معتاد لدلفين يسبح بين القوارب في قنوات البندقية يحي ...
- -بسم الله-.. شاهد ما قاله ضابط أمريكي من أصول عربية ساعد سيد ...
- ترامب يطالب رئيس إسرائيل بمنح نتنياهو العفو في محاكمته الجار ...
- عازفو مزمار القربة في ملبورن يسجلون رقما قياسيا عالميا بعزف ...
- مأساة في البحر المتوسط.. 42 مهاجراً أغلبهم سودانيون يغرقون ق ...
- زين الدين زيدان: سأعود -قريبا- إلى عالم التدريب!
- هجمات 13 نوفمبر الدامية بباريس.. النيابة العامة تفتح تحقيقين ...
- هجمات باريس: -صلاح عبد السلام- يريد لقاء عائلات الضحايا.. ند ...
- الحياة الصعبة في مخيمات غزة.. لا كهرباء وطعام قليل والشتاء ع ...
- في مواجهة التغير المناخي.. مبادرات شبابية أردنية لتحويل الوع ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - شاكر هادي غضب فنان الحروف، وباحث الذاكرة الشعبية