أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - جواد كاظم محسن رحّالة في دروب الذاكرة والتراث














المزيد.....

جواد كاظم محسن رحّالة في دروب الذاكرة والتراث


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8538 - 2025 / 11 / 26 - 12:23
المحور: سيرة ذاتية
    


في مدينة المسيب، تلك الحاضرة النائمة على كتف الفرات، وُلِد جواد عبد الكاظم محسن في الثامن والعشرين من آب عام 1954، ولم يكن يعرف آنذاك أن تلك المدينة الوادعة ستغدو لاحقًا قصيدةً طويلة يسكب فيها روحه، ومتحفًا صغيرًا يملأ رفوفه بحكايا الناس، وسير العلماء، وأصوات الخطباء، ومآذن المساجد، ودفاتر النساء الكاتبات اللواتي سُرق حضورهن من الضوء.
نشأ جواد بين دفء الجنوب وملح الأرض، ودخل مدارس المسيب، ثم امتدّت خطاه إلى كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد، حيث تخرّج منها عام 1972، لكنه لم يُسلِّم قلبه يومًا للأرقام، بل كان مأخوذًا بالقصيدة، مأخوذًا بالحرف وهو يتشكّل على الورق كبرعم في الربيع. فكتب الشعر، وسطر القصة، وتوغّل مبكرًا في عالم النشر، حتى بات اسمه حاضرًا منذ مطلع السبعينيات في الصحافة المحلية والعربية.
لكن جواد، على خلاف كثيرين، لم يبحث عن الأضواء الصاخبة، بل آثر ضوء الفوانيس، ونبش الذاكرة المهملة في مدينته، فراح يؤرّخ وينقّب ويجمع ويحقق، حتى بدا وكأنه يقيم متحفًا أدبيًا حيًّا في ذاكرة المسيب، وعيون أبنائها. وبجهده الفردي، ودون مؤسسات حاضنة، أصدر ما يربو على عشرين مؤلفًا في الشعر، والقصة، والتحقيق، والتوثيق، والتراجم، كان أبرزها معجمه الضخم "معجم الأديبات والكواتب العراقيات في العصر الحديث" بأجزائه الخمسة، وهو مشروعٌ فريدٌ وقف عنده النقاد طويلًا، وأشادوا به بوصفه تأريخًا غير مسبوق لجهود المرأة العراقية في الأدب، وعملاً يوثق ما أغفلته المدونات الرسمية.
وقد قال عنه الدكتور علي حداد في إحدى الفعاليات:" لو لم يكتب جواد غير معجم الأديبات العراقيات لكفاه، فقد قام بعمل لم تجرؤ عليه مؤسسات كاملة، وفتح لنا بابًا نطلّ منه على نصف الحقيقة الغائبة."
لم يكن جواد مجرد باحث يُفرغ وثائق في بطون كتب، بل كان ابن البيئة التي يكتب عنها. فقد أسس جريدة عروس الفرات، ومجلات أوراق فراتية، العشرة كراسي، وآفاق فراتية، وكانت كلها منصّات لرفع الصوت المحلي، والتراث المنسي، والأدب غير الرسمي، مما جعله في أعين النقاد "صوت المدينة"، كما وصفه أحدهم، و"ضمير المكان"، كما نعته آخر.
الناقد جاسم العايف قال عنه في مقال له:" يكتب جواد كاظم محسن بروح الشاهد الذي عاش الأحداث، لا بروح الناسخ البارد، إنه يُعيد للأمكنة الصغيرة نبضها، وللأسماء المنسية حضورها."

ويُعدّ جواد من القلائل الذين حافظوا على هوية المدن الصغيرة من الذوبان في عمومية الخطاب الثقافي، فكتبه مثل السفر المطيب في تاريخ مدينة المسيب، ودليل المسيب العام، ومن تراث المسيب الشعبي، ومجموعته القصصية العرافة، كلها أعمال تحمل نبض المكان، ولهجة الإنسان العادي، وروح المرويات الشعبية التي تقاوم النسيان.
وقد كتب عنه الصحفي والناقد عدنان الفضلي في صحيفة "النور" قائلاً: يمتلك جواد عبد الكاظم محسن حسًّا ريفيًا عميقًا، لكنه ينقله إلى المتلقي بقلم مثقف كبير، يبرع في المزج بين الحكاية الشعبية والرؤية البحثية المحكمة."
أما شعره، فهو مرآة داخلية لعالمه الحميم، إذ يقول الشاعر محمد حسين آل ياسين عن ديوانه ترانيم الصبا:" قصائد جواد كاظم محسن، وإن اتكأت على البساطة، فإنها تُخفي وجعًا عميقًا، وتُحسن التعبير عن مشاعر الإنسان العادي بلغة لا تُفسدها الزخارف."
وفي كتابه كما رأيتهم، لم يكتب عن الآخرين فحسب، بل كما قالت الكاتبة بشرى الهلالي:" هو لا يكتب عن الآخرين فحسب، بل يكتب بهم؛ بذاكرتهم وصمتهم وسيرهم، وكأنه يشفق من أن يطويهم النسيان."
ويكاد لا يمر عام إلا ويُهدي جواد المكتبة العراقية عملًا جديدًا، بطبعة أولى أو منقحة، في دلالة على استمراره الدؤوب، ووفائه للمكان والناس. ومن أحدث كتبه: مهدي النجم، قراءات في إصدارات حديثة، كما رأيتهم بأجزائه، ومؤلفات عديدة أخرى توثق للمدينة، والأدباء، والموروث، وحتى الشهداء.
وقد لخص الناقد عبد الأمير المجر هذا الدور بقوله:" في زمن يتسابق فيه البعض على النجومية، آثر جواد أن يكون نجم مدينته. لم يغادرها في الكتابة، فغدت هي مدينته وهو مؤرخها الشعري."
إن هذا الرجل الذي تماهى مع مدينته حدّ الذوبان، لا يُمكن أن نقرأه من دون أن نسمع بين سطور كتبه خرير نهر الفرات، وصوت المؤذّن في جامع المسيب الكبير، وهمسات النساء في أسواقها، وبكاء الأطفال في مدرستها الأولى. إنه مؤرخ الشعور، ومُدوّن الذاكرة، ورفيق القصائد التي وُلدت من رحم التراب.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زهير الجبوري ناقد يلتقط تحولات النص وتقلّبات العصر
- صباح شاكر العكام... سارد الذاكرة وراوي التمردات الصغيرة
- شاكر هادي غضب فنان الحروف، وباحث الذاكرة الشعبية
- محمد عبد الجليل شعابث سادن الذاكرة الشعبية وباحث الضوء الخاف ...
- سعد خليل الكبيسي كاتبُ الذاكرة ومحفوظاتُ الوجدان المحلي
- يحيى الربيعي شاعر المنتهى وإشراقات الأزل
- محمد حسين حبيب صوت نقدي بصري يُضيء المسرح العربي
- بابل تنتخب مجلس إدارة اتحاد أدباء بابل عرس ثقافي باسم ناجح ا ...
- علي شاهين الشاعر الذي غرس صوته في شجرة المعنى
- كامل حسين المقيم على حافة الجمال
- مرثية جيلٍ ومدينة قراءة في قصيدة -بغداد- لحسين نهابة
- سناء الأعرجي القصيدة التي مشت على ضفاف الفرات
- الفنان سمير يوسف بابل تمدّ يدها إلى اللون
- موفّق محمد الناي الصادح بالحقيقة
- هلال الشيخ علي حين تهمس القصيدةُ باسم الأرض
- سلام القريني القاص الذي كتب بالمجهر أدبًا، ونفخ من روحه في ا ...
- علي بيعي سادن القصيدة الشعبية الحديثة وظلالها الحزينة
- علي لفتة سعيد الشاعر الذي لا يغادر شعبه، والرائي الذي يسكنه ...
- سعد جاسم: بين الغربة والقافية — رحّالةٌ في الشعر والحلم
- صادق باقر.. شاعر يسكنه القلق وتضيئه الكلمات


المزيد.....




- كيف أنقذت كلبة حياة صاحبها بعد إصابته بتوقف قلبي أثناء النوم ...
- إسرائيل تعيش حربًا مختلفة.. جبهة مفتوحة بين كاتس وزامير ونتن ...
- ترامب -متفائل- ويؤكد أن روسيا -مستعدة لتقديم تنازلات-
- مؤشرات مقلقة وأزمات متعاقبة.. ما واقع التعليم في فلسطين؟
- الخطف الجماعي للتلاميذ بنيجيريا يكشف عن معاناة تينوبو الأمني ...
- تعتبره كابل ندبة استعمارية.. ما الخط الذي يثير التوتر بين أف ...
- قطر الخيرية تدشن مشاريع لتعزيز التنمية المستدامة في سريلانكا ...
- روسيا تقصف أوكرانيا بعشرات المسيرات وويتكوف يتوجه لموسكو الأ ...
- خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا -منسوخة من روسيا-.. كيف؟
- مصر: ندعم الجهود الرامية إلى تخفيف التوتر في لبنان


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - جواد كاظم محسن رحّالة في دروب الذاكرة والتراث