أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - عباس بغدادي قلم الحلة المتفرد بين دفء التراث ونبض الحداثة














المزيد.....

عباس بغدادي قلم الحلة المتفرد بين دفء التراث ونبض الحداثة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 12:03
المحور: سيرة ذاتية
    


في قلب العراق، حيث تمتزج عراقة النهر بروح التنوير، نشأ الكاتب عباس بغدادي طفلًا بين دروب الحلة، مدينة الحرف والصورة والذاكرة. حمل اسمه جذرًا ممتدًا إلى بغداد، غير أن الحلة احتضنته وأعادت تشكيل صوته ونظرته، فصار ابنها في الهوى والانتماء، كما كان ابنها في اللغة والكتابة.
ولد عباس بن إبراهيم البغدادي في محلة الكلج سنة 1950، بعد أن نزحت أسرته من بغداد إلى الحلة. نشأ في أزقتها وتشرّب من هوائها أولى بذور التعلق بالتراث والهوية. تنقّل في مدارسها إلى أن غادرها إلى بغداد ليكمل دراسته الجامعية في كلية التربية، قسم الجغرافيا، سنة 1970. وقد لا يكون من الغريب أن يختار الجغرافيا، إذ ظلت الأمكنة تتقاطع في ذاكرته، وتتحول لاحقًا إلى شخصيات روائية وصور سردية تحاكي المعمار والبشر على حد سواء.
سافر إلى مصر أواسط السبعينات، طامحًا إلى نيل شهادة عليا من جامعة عين شمس، لكنه اصطدم بواقع الظروف السياسية التي لم تُمهله طويلاً، فعاد إلى العراق ولم يُكمل مشواره الأكاديمي. وبسبب عدم ولائه للنظام الحاكم آنذاك، وُئدت فرصته في التعليم، ونُقل إلى وزارة المالية، حيث عمل في مصرف الرشيد حتى تقاعده سنة 1993. إلا أن القلم لم يعرف التقاعد، فكانت الكتابة حقيقته المتجددة، ووسيلته للنجاة من قسوة الواقع.
عباس بغدادي لم يكن مجرد موظف يهوى الكتابة، بل كان مؤرخًا شعبيًا لمدينته، غاص في تراثها وسير أعلامها، وكتب عنهم بروح المحب والعارف، فوثق ما اندثر ولامس ما غاب عن عيون المؤرخين الرسميين. كتب عن الشيخ يوسف كركوش بمنهج الباحث، واستعاد ذكريات عبد الكريم الماشطة بحنين الرفيق القديم، وناقش واقع المصارف العراقية وهمومها بفكر اقتصادي شفاف لا يخلو من بعد اجتماعي.
تميّزت كتاباته الأدبية، خصوصًا القصصية، بلغة مقتضبة، ناضجة، تغازل اليومي وتضيء زوايا المهمّش والعابر. في مجموعته "جدران مصوّرة"، يرسم مشاهد الحياة بجمالية مضمرة، تجعل القارئ شريكًا في بناء الحدث لا متلقيًا فقط. أما في "باليه الساعة السادسة"، فنحن أمام كتابة تفتح النافذة على الرمزي والساخر في آن، وكأن النص يتقافز بين الحلم والواقع ليقول: هذا ما تبقى من المدينة... وهذه رقصة مفرداتها.
في روايته "دلتا بابل الفسيح"، يخوض تجربة السرد الطويل ببنية مفتوحة على التاريخ والميتافيزيقيا، تزدحم فيها الصور والموروثات، لكنها لا تقع في فخ التقليد، بل تسبح في تيار خاص صنعه الكاتب لنفسه خارج السائد والمكرر.
النقاد الذين تناولوا أعماله نظروا إليه بوصفه كاتبًا لا يبحث عن الضوء بقدر ما ينشغل بتأثيث عتمة الذاكرة. قال بعضهم إنه "كاتب المهمّشين"، فيما رآه آخرون "مؤرخ الحلة بقلق أدبي"، بينما عُدّ عند نفرٍ ثالث من "الكتّاب الذين تشبه كتاباتهم شخصياتهم: هادئة، عميقة، ومراوغة في آن". وقد أُشيد بقدرته على المزج بين لغة الصحافة وسرديات الأدب دون أن يفقد النص بريقه أو قيمته الجمالية.
عباس بغدادي لم ينشغل يومًا بوهج الجوائز ولا ضجيج المنابر، بل اختار أن يكتب حيث ينبغي أن تكون الكتابة: في الظلال، في الهوامش، وفي وجدان الناس. تُرجمت بعض قصصه إلى اللغة الإنكليزية ونُشرت في مجلة "كلكامش"، لتثبت أن صوته قادر على عبور الجغرافيا، شأنه شأن كل كاتب أصيل.
هو واحد من أصوات مدينة الحلة التي لا تُنسى. إن لم يكن في الذاكرة الرسمية، ففي القلوب التي قرأت له، أو عبرت ذات يوم شارعًا تحدّث عنه، أو عثرت في نصه على ملامحها المطموسة. عباس بغدادي... كتابة لا تهتف، بل تهمس بما لا يُقال، وتحمل الحلة كأثرٍ خالد في القلب والنص.
توفي بعد مرض لازمه لأيام وترك ارثاً لا زال محط الأنظار.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علاء الكتبي رجل الذاكرة الحيّة، وسادن الثقافة في مدن الفرات
- عباس السلامي: غيم القصيدة وظلال الذات
- صلاح عباس العين التي أرّخت الجمال، والريشة التي كتبت بالنقد ...
- جواد كاظم محسن رحّالة في دروب الذاكرة والتراث
- زهير الجبوري ناقد يلتقط تحولات النص وتقلّبات العصر
- صباح شاكر العكام... سارد الذاكرة وراوي التمردات الصغيرة
- شاكر هادي غضب فنان الحروف، وباحث الذاكرة الشعبية
- محمد عبد الجليل شعابث سادن الذاكرة الشعبية وباحث الضوء الخاف ...
- سعد خليل الكبيسي كاتبُ الذاكرة ومحفوظاتُ الوجدان المحلي
- يحيى الربيعي شاعر المنتهى وإشراقات الأزل
- محمد حسين حبيب صوت نقدي بصري يُضيء المسرح العربي
- بابل تنتخب مجلس إدارة اتحاد أدباء بابل عرس ثقافي باسم ناجح ا ...
- علي شاهين الشاعر الذي غرس صوته في شجرة المعنى
- كامل حسين المقيم على حافة الجمال
- مرثية جيلٍ ومدينة قراءة في قصيدة -بغداد- لحسين نهابة
- سناء الأعرجي القصيدة التي مشت على ضفاف الفرات
- الفنان سمير يوسف بابل تمدّ يدها إلى اللون
- موفّق محمد الناي الصادح بالحقيقة
- هلال الشيخ علي حين تهمس القصيدةُ باسم الأرض
- سلام القريني القاص الذي كتب بالمجهر أدبًا، ونفخ من روحه في ا ...


المزيد.....




- ترتيب الجناة الرئيسيين خلف مقتل 67 إعلاميا وفقا لمراسلون بلا ...
- -الغبيات القذرات-… عبارة بريجيت ماكرون التي أشعلت فرنسا
- الكونغرس الأمريكي يوافق على إلغاء قانون قيصر ورفع العقوبات ع ...
- تشيكيا تشرّع استخدام مادة السيلوسيبين المستخلص من الفطر السح ...
- إسرائيل تقر بناء 764 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية ا ...
- لوموند: إسرائيل تفرض نظاما غير مسبوق من الإرهاب في الضفة الغ ...
- الذكاء الاصطناعي يكتب أكثر في 2026 لكن الصحافة البشرية لا تف ...
- قوة إسرائيلية تفجر منزلا بعد تسللها في جنوب لبنان
- صحف عالمية: غزة تتعرض لوصاية استعمارية غير قانونية بقيادة تر ...
- زعيم الانقلاب الفاشل في بنين يفر إلى توغو المجاورة


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - عباس بغدادي قلم الحلة المتفرد بين دفء التراث ونبض الحداثة