أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - علاء مظلوم... الشاعر الذي أنصتَ لجلنار الوجود














المزيد.....

علاء مظلوم... الشاعر الذي أنصتَ لجلنار الوجود


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 12:08
المحور: سيرة ذاتية
    


من محلة جبران، تلك التي تفوح بعبق نخيل الحلة وأزقتها الطينية، انطلقت أولى حروف علاء مظلوم السعدي، شاعرًا لا يكتب القصيدة كما تُكتب عادة، بل ينحتها كما يُنحت تمثال في معبد قديم، مملوءٍ بصرخة الأسئلة وفتنة الحكمة. وُلد في عام 1954، في زمنٍ كان فيه الوطن يتقلب على جمر السياسة والخيبات، فكبرت في داخله قصيدة لم تكن تبحث عن الوزن فحسب، بل عن المعنى، وعن الإنسان الحائر بين الحرية والاستعباد، بين الضوء والظلال.
في العام 1967، وكان بعدُ تلميذًا، تعلّم كيف يضع قلبه على الورق. لم يكن الشعر عنده تمرينًا لغويًا أو انفعالًا عابرًا، بل كان طريقًا للمعرفة ومجابهة الوجود. وفي 1976، حين وقف في مهرجان مدرسي يُلقي "جدارية على جريد النخل"، لم يكن يُنافس زملاءه فحسب، بل كان يعلن بداية مشروع شعري طويل النفس، متعدد الطبقات، مفتوح الأفق. تلك الجدارية لم تكن أولى تجلياته، لكنها كانت أول صيحة شعرية له في العلن، صيحة أدرك النقاد فيها مبكرًا حضور شاعر يفكر وهو يكتب، ويصغي وهو ينطق.
ثم توالت القصائد، وراحت المجلات والصحف تفتح له نوافذها. كتب في "طريق الشعب"، وفي "الزمان"، وفي "الفكر الجديد"، لكن نصوصه لم تكن تكتفي بالنشر، بل كانت تتمدد نحو القارئ، تزعزع يقينه، وتستفز أسئلته. قصيدته الطويلة "مملكة الجلنار"، التي صدرت في كراس عن اتحاد الأدباء في بابل، لم تكن قصيدة بالمعنى المألوف، بل كانت وثيقة شعرية تتأمل في الإنسان العراقي، وتغوص في أعمق طبقات المخيلة، حتى بدا وكأنها أطروحة شعرية في شكل نسيج لغوي مشبع بالحلم والخيبة معًا.
ترجمت نصوصه إلى اللغة الإنكليزية ضمن إصدار لدار المأمون، واحتفى به النقاد بوصفه شاعرًا يتقاطع مع الفلسفة، لا من موقع الافتعال أو الادعاء، بل من باب الهمّ الفكري الحقيقي. في قصائده، كما يلاحظ الناقد د. عبد الرضا عوض، يتلاقى الحزن الرافديني مع الحنين الأبدي إلى الطهر الإنساني. أما الدكتور صباح نوري المرزوك فقد أدرجه في موسوعاته مرارًا، بوصفه واحدًا من أخلص أبناء الحلة الذين حافظوا على شعريتها وحضارتها، وحملوها إلى فضاءات جديدة لا تتقيد بالشكل، بل تنفذ إلى المضمون.
وقد ذهب بعض النقاد إلى المقارنة بينه وبين الشاعر شاكر نصيف، لا من باب التأثر فقط، بل من حيث الاشتباك مع الأسئلة الكبرى والالتصاق بالإنسان في مأزقه التاريخي. شعر علاء مظلوم لا يصرخ، بل يهمس، لكنه همس مزلزل، يقطر وعيًا. في قصيدته "رأس عطيل" نسمع شبح شكسبير يتحاور مع ذاكرة عراقية مشبعة بالخيانة والموت والحب المجهض. أما في "يوسف"، فتتجلى ثنائية البراءة والمكر، القدر والاختيار، وكأن الشاعر يفتح كتاب التأريخ ليقرأه بعيونٍ لا تزال دامعة.
ولم يكن علاء شاعر قصيدة فقط، بل صاحب فكر ومقالة. منذ 2003، نشر موضوعات تتأمل في الحرية والعقل والإرادة والهوية، كان آخرها "العقل وحرية الإرادة"، التي قدّم فيها مقاربة فلسفية بلغة أدبية، حيث لا حدود فاصلة بين الشعر والفكر. وكانه يقول: "كل فكرة عظيمة لا بد أن تُصاغ بنبض القلب، وكل شعر حقيقي لا بد أن يُفكر."
هو اليوم عضو في اتحاد أدباء وكتّاب بابل، لكنه قبل ذلك ابن الحلة، شاعرها الذي أخذ ترابها إلى القصيدة، وماء فراتها إلى السطر الشعري. كتب عنه الحداد والمرزوك وغيرهما، لكن ما كُتب لا يفيه، لأنه ببساطة شاعر يكتب لا ليمجَّد، بل ليظل السؤال مفتوحًا، والقصيدة مستيقظة، والحلم مشتعلاً تحت رماد الواقع.
علاء مظلوم... شاعرٌ لا يمرّ بك، بل يقيم فيك.
في هذا المقطع المنتقى من إحدى قصائد الشاعر علاء مظلوم، تتجلى فيه نزعته الفلسفية وتأملاته في جدلية الوجود والعدم، والإنسان في مواجهة مصيره:
"أنا لا أرى في المرايا سوى رجع خطوي،
ولا في الوجوه سوايَ،
أشدُّ قميصي على جرح قلبي،
وأمضي إلى غديَ المنكسرْ...
أنا فكرةٌ... لم تقلها العصورُ
لأن الزمان قصيرْ،
وأنا زمنٌ هاربٌ من جدار القبورْ..."
في هذا المقطع، تتضح رؤية علاء مظلوم للذات بوصفها مشروعًا مفتوحًا على الأسئلة، لا تستقر في صورة واحدة، ولا تجد نفسها في الآخر إلا لتتوارى من جديد. "أنا فكرةٌ... لم تقلها العصورُ" — بهذه العبارة يحوّل ذاته إلى كينونة فلسفية، تسبح خارج حدود الزمان والمكان. وهي ذات مرتبكة بالقدر الذي هي متمردة، لا تكتفي بانتظار مصيرها، بل تسعى لكسره أو إعادة تشكيله.
وقد علّق أحد النقاد على هذا المقطع قائلًا:
"في شعر علاء مظلوم، نلمس تمردًا هادئًا على اليقين، وانحيازًا للهاجس الوجودي بأسلوب شفيف، فيه من الحكمة قدر ما فيه من الشجن. إنه لا يكتفي بتأمل العالم، بل يعيد خلقه شعريًا، وهذا سر فرادة صوته."



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عباس بغدادي قلم الحلة المتفرد بين دفء التراث ونبض الحداثة
- علاء الكتبي رجل الذاكرة الحيّة، وسادن الثقافة في مدن الفرات
- عباس السلامي: غيم القصيدة وظلال الذات
- صلاح عباس العين التي أرّخت الجمال، والريشة التي كتبت بالنقد ...
- جواد كاظم محسن رحّالة في دروب الذاكرة والتراث
- زهير الجبوري ناقد يلتقط تحولات النص وتقلّبات العصر
- صباح شاكر العكام... سارد الذاكرة وراوي التمردات الصغيرة
- شاكر هادي غضب فنان الحروف، وباحث الذاكرة الشعبية
- محمد عبد الجليل شعابث سادن الذاكرة الشعبية وباحث الضوء الخاف ...
- سعد خليل الكبيسي كاتبُ الذاكرة ومحفوظاتُ الوجدان المحلي
- يحيى الربيعي شاعر المنتهى وإشراقات الأزل
- محمد حسين حبيب صوت نقدي بصري يُضيء المسرح العربي
- بابل تنتخب مجلس إدارة اتحاد أدباء بابل عرس ثقافي باسم ناجح ا ...
- علي شاهين الشاعر الذي غرس صوته في شجرة المعنى
- كامل حسين المقيم على حافة الجمال
- مرثية جيلٍ ومدينة قراءة في قصيدة -بغداد- لحسين نهابة
- سناء الأعرجي القصيدة التي مشت على ضفاف الفرات
- الفنان سمير يوسف بابل تمدّ يدها إلى اللون
- موفّق محمد الناي الصادح بالحقيقة
- هلال الشيخ علي حين تهمس القصيدةُ باسم الأرض


المزيد.....




- بناه السلطان لخياطه الموثوق.. مبنى فريد في إسطنبول يعود إلى ...
- بيوم لقاء بوتين وأردوغان.. أول تعليق من تركيا على هجوم روسي ...
- تضرر 3 سفن تركية بهجوم روسي على ميناء أوكراني.. وكاميرا توثق ...
- مصر.. فيديو لشخصين يقيدان رجلاً مسناً بعامود إنارة والداخلية ...
- كيم جونغ أون يستقبل جنودًا كوريين شماليين عادوا بعد القتال إ ...
- غزة بلا وقود: أزمة الغاز تتحول إلى كارثة إنسانية.. ونازحون ي ...
- استمرار القتال بين تايلاند وكمبوديا رغم إعلان ترامب وقف إطلا ...
- حكومة غزة: ربع مليون نازح بالقطاع تضرروا من تداعيات منخفض -ب ...
- إيران تحتجز ناقلة -وقود مهرب- في خليج عمان وتعتقل طاقمها
- 6 آليات عسكرية إسرائيلية تنتهك القنيطرة جنوبي سوريا


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - علاء مظلوم... الشاعر الذي أنصتَ لجلنار الوجود