أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - كامل الدليمي رجلٌ عبرَ الحياة بين القصيدة والقلق














المزيد.....

كامل الدليمي رجلٌ عبرَ الحياة بين القصيدة والقلق


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 12:01
المحور: سيرة ذاتية
    


في قرية الصياحية من قضاء المحاويل، وتحديدًا في الأول من تموز عام 1963، وُلد كامل حسن عليوي الدليمي، ولم يكن مجرّد ابن أرض خصبة بالحنطة والنخيل، بل كان بذرة في تربة الأدب العراقي ستورق لاحقًا على هيئة شاعر، وباحث، وناقد، لا يني يغرف من ينابيع الفكر والعاطفة والقلق الإنساني.
عاش حياته كمن يقطعُ الطريق وفي يده مشعلٌ لا يخبو، فتقلّب بين ثنايا التجربة الإنسانية، ومضى في دروب متعددة لا يجرؤ السير فيها إلا أولئك الذين جبلوا من نار الفكر وماء الشعر. بدأ حياته العسكرية حين انتسب إلى الكلية العسكرية وتخرج برتبة ملازم، لكنه ما لبث أن لبّى نداء المعرفة، فانتزع نفسه من الميدان الصلد إلى مدارات الفكر والنقد والتأمل، متسلّحًا بعدة شهادات جامعية: في الإدارة والاقتصاد، وفي العلوم التربوية، وفي القرآن الكريم، وفي اللغة العربية، وكأنّه كان يستعدّ لرحلة عمرها أطول من عمره.
شاعر لا يقيم في القصيدة وحدها
لم يكن كامل الدليمي شاعرًا تقليديًا، بل كان شاعرًا يتنفس النقد، ويفكك المفاهيم، ويعيد ترتيب الفوضى بما يشبه الموسيقى. ففي مجموعاته الشعرية "قيد وطن"، و"عَثرة سنونو"، و"لك وحدك اخلعني"، و"اشرب وقتك حتى تثمل"، و"خلخال الوقت"، و "ولأنك... سأغني"، كان النص الشعري لديه مسرحًا للوجود، ورصيفًا للغياب، ونافذة لرؤية العالم من زوايا لم يُلتفت إليها كثيرًا.
كتب الحزن العراقي لا كحالة عابرة، بل كجغرافيا متأصلة في الشخصية، فكانت مجموعته "لماذا الحزن عراقي؟" بمثابة مرآة حارقة للذاكرة الجمعية، حيث تتداخل السياسة بالتاريخ، والأسطورة بالواقع، واللغة بالخراب. لم يتغنَّ بالوطن، بل كان يفتش عن أوجاعه، يطارد خرائطه القديمة، ويعيد رسمها في قصيدة تحاول أن تقول ما لم يقال.
ناقدٌ بأسئلة لا تخشى الصدمة
في النقد، كان كامل الدليمي أكثر جرأة، بل وأكثر استفزازًا للعقل الكسول. لم يكتب من أجل الاستعراض الأكاديمي، بل من أجل إحداث زلزال في الذهنية النقدية العربية. من يقرأ كتبه "تهافت الأدب"، أو "الذرائعية... آليات مرتبكة"، أو "محاكم الحروف"، أو "صحائف السؤال"، أو "تأملات في ومضات على الطريق"، يدرك أنه ناقد مشغول بحفر المعنى، لا بتزيين النصوص. لم يكن يعيد إنتاج مقولات الآخرين، بل كان يعيد تفكيكها ومساءلتها وإعادة صياغتها.
وفي مؤلفه اللافت "مملكة العقارب"، والذي تناول فيه الفكر الديني المتشدد، قدم قراءة جريئة وصادمة للمخيال الديني الذي تحول – كما يرى – من بوابة نور إلى أداة قمع. أما في كتابه "الجندر من العقلية إلى الجسدية"، فقد اقتحم منطقة ملتهبة، مقدّمًا مقاربة أنثروبولوجية عميقة لمفهوم الجندر في الوعي العربي، بعيدًا عن الشعاراتية أو الانحياز الأيديولوجي.
متأمل على هيئة شاعر، وشاعر يتأمل العالم
يرى النقاد في كامل الدليمي حالة ثقافية فريدة، تجمّعت فيها مواهب متعددة دون أن تتنافر، فقد كان شاعرًا ناقدًا، ومفكرًا عابرًا للجغرافيات الفكرية. تنقّل بين الشعر والفلسفة والدين والأنساب والأنثروبولوجيا، دون أن يفقد صوته أو ينقسم على ذاته. لقد مزج في كتاباته بين حرارة الشعور وبرودة التحليل، فصارت كتبه مصفوفة من الأسئلة المفتوحة، لا تمنح اليقين بل تستفز القارئ لتفكيك يقينه.
وما يُحسب له – كما أشار كثير من النقاد – أنه لم يسعَ إلى إرضاء السلطة الثقافية، ولا تصالح مع النماذج السائدة، بل كان مشاكسًا بنبل، وصادمًا بذكاء، وقلقًا بوعي. كتب عن المرأة العربية في كتابه "بين التحرر والتحلل" بأسلوب لا يغازل القارئ بل يوقظه. وكتب عن الدين لا ليؤمن أو يكفر، بل ليفهم ويكشف. وكتب في علم الأنساب كتابه "عشيرتنا العراق" كأنه يربط الشجرة بالأرض، والهوية بالزمن.
حضور ثقافي عربي وتأثير يتجاوز الحدود
شارك الدليمي في مهرجانات مرموقة كمهرجان الإسكندرية الدولي، ودار الأوبرا المصرية، ومهرجان الجواهري، والمهرجان العربي للكتاب والإعلاميين، وكان حضوره متميزًا ليس فقط كنصّ، بل كصوت وموقف. وقد نال جوائز عديدة منها الميدالية الذهبية للكتاب والإعلاميين، ودرع التميز من مهرجان الإسكندرية، وشهادات تقدير من مؤسسات ثقافية في بيروت والقاهرة.
في القاهرة، حيث رحل فجأة في التاسع من أيار 2024، أثناء رحلة سياحية، أسلم قلبه المتعب للكلمات الأخيرة، ورحل كما يليق بالشعراء: بلا وداعٍ، وبكثيرٍ من الصمت العميق. لم يكن موته نهاية، بل انتقالًا إلى ذاكرة الثقافة العراقية والعربية، حيث لا تموت الأرواح التي كتبت بصدق.
صوتٌ خافت... لكنه لا يُنسى
كامل الدليمي لم يكن رجلًا عاديًا، بل كان مكتبة تسير على قدمين، وسؤالًا طويلًا في زمن الأجوبة السريعة. رجلٌ لم تعجبه القوالب الجاهزة، فهشّمها، ولم يطمئن إلى السائد، فحاكمه، ولم يتنكر لوجعه، بل حمله معه في الشعر والنقد والفكر، كأنّ الحزن هوية، والكتابة خلاص.

هو شاعر، وناقد، وباحث، ومفكر، لكنه قبل ذلك وبعده: إنسانٌ ظل يبحث عن الحقيقة في مرايا الكلمات. رحل جسدًا، وبقي أثره... كنبضٍ يتكرر في صدر الثقافة العراقية، كلما همس الزمن باسم: كامل الدليمي.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علي عبد الأمير عجام الشاعر الذي سكنه الإعلام، والناقد الذي أ ...
- علاء مظلوم... الشاعر الذي أنصتَ لجلنار الوجود
- عباس بغدادي قلم الحلة المتفرد بين دفء التراث ونبض الحداثة
- علاء الكتبي رجل الذاكرة الحيّة، وسادن الثقافة في مدن الفرات
- عباس السلامي: غيم القصيدة وظلال الذات
- صلاح عباس العين التي أرّخت الجمال، والريشة التي كتبت بالنقد ...
- جواد كاظم محسن رحّالة في دروب الذاكرة والتراث
- زهير الجبوري ناقد يلتقط تحولات النص وتقلّبات العصر
- صباح شاكر العكام... سارد الذاكرة وراوي التمردات الصغيرة
- شاكر هادي غضب فنان الحروف، وباحث الذاكرة الشعبية
- محمد عبد الجليل شعابث سادن الذاكرة الشعبية وباحث الضوء الخاف ...
- سعد خليل الكبيسي كاتبُ الذاكرة ومحفوظاتُ الوجدان المحلي
- يحيى الربيعي شاعر المنتهى وإشراقات الأزل
- محمد حسين حبيب صوت نقدي بصري يُضيء المسرح العربي
- بابل تنتخب مجلس إدارة اتحاد أدباء بابل عرس ثقافي باسم ناجح ا ...
- علي شاهين الشاعر الذي غرس صوته في شجرة المعنى
- كامل حسين المقيم على حافة الجمال
- مرثية جيلٍ ومدينة قراءة في قصيدة -بغداد- لحسين نهابة
- سناء الأعرجي القصيدة التي مشت على ضفاف الفرات
- الفنان سمير يوسف بابل تمدّ يدها إلى اللون


المزيد.....




- تداول فيديو لـ-فيضانات تغمر أطفالا داخل خيمة في غزة-.. ما حق ...
- ما معنى أن تضم إسرائيل الضفة الغربية، وهل يمنعها ترامب من ذل ...
- 340 إعدامًا في السعودية هذا العام.. رقم قياسي جديد
- محكمة فرنسية تأمر سان جيرمان بدفع 60 مليون يورو إلى مبابي
- فرنسا: عصابات المخدرات اخترقت سناب شات وتيك توك لنشر عروض عم ...
- ليبيا: بيوت منحوتة في الصخور.. إرث معماري وثقافي صامد على ال ...
- دونالد ترامب: المزيد من الدول ترغب في الانضمام لقوة تحقيق ا ...
- فولوديمير شوماكوف: من قال إن تنازل أوكرانيا عن أراضيها سيوقف ...
- الكاريبي: ضربات أمريكية جديدة على قوارب مشتبه بتهريبها المخد ...
- المملكة العربية السعودية.. تسارع وتيرة الإعدامات رغم الوعود ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - كامل الدليمي رجلٌ عبرَ الحياة بين القصيدة والقلق