أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - عبود المهنا الناقد الذي نسج المسرح بالفكر، وقرأ الجسد بعيون الفلسفة














المزيد.....

عبود المهنا الناقد الذي نسج المسرح بالفكر، وقرأ الجسد بعيون الفلسفة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8559 - 2025 / 12 / 17 - 20:18
المحور: سيرة ذاتية
    


في زقاق من أزقة الأعظمية ببغداد، حيث تنمو الكلمات كما تنمو الظلال على الحيطان الطينية، وُلد عبود حسن عبود المهنا في العاشر من شباط عام 1952م، ليكون أحد أولئك الذين لم يكتفوا بأن يُشاهدوا المسرح، بل غاصوا فيه، حفروه حفراً، وشكّلوه علماً، حتى غدا من أهم نقاده وباحثيه في العراق.
لم تكن الفنون بالنسبة إليه ملاذًا جماليًا فحسب، بل حقلًا معرفيًا يجب استنطاقه، وتفكيكه، وترميم روحه المتعبة بعد كل عرض. لذلك اختار أن يبدأ من الداخل، من حيث تولد الحركات وتتجسّد الأحاسيس، فالتحق بأكاديمية الفنون الجميلة، جامعة بغداد، متتلمذًا على كبار الفنانين، متشرّبًا كل ما في التمثيل من توتر، وانخطاف، وشهوة معنى.
تخرج عام 1978م، لكنه لم يغادر الخشبة، بل عاد إليها برسالة أكاديمية، فنال الماجستير عام 1982 في التمثيل، ثم توّج تجربته بنيل شهادة الدكتوراه في فلسفة التمثيل عام 2000، وهو اختصاص لا يطرق بابه سوى من يمزجون الفن بالتأمل، والحركة بالفكر، والصوت بالمعنى.
المسرح في عيني مخرجٍ ومفكّر
قبل أن يُعرف ناقدًا وباحثًا، عُرف عبود المهنا مخرجًا تلفزيونيًا لامعًا في إذاعة وتلفزيون العراق منذ عام 1975، فكان وراء الكاميرا ينسّق المشهد، ويُبرز الإيقاع، ويُقارب الكلمة بالصورة. قدّم برامج أصبحت جزءًا من الذاكرة الثقافية العراقية مثل المجلة الثقافية والعلم للجميع وكتاب الشهر وهوايات علمية، وكلها كانت تشتبك مع وعي الجمهور، لا ترفّه عنه فحسب، بل تفتح له أبواب الإدراك.
لم يكن المهنا أسير الاستديوهات، بل طوّف بالكاميرا في الجامعات والهوامش والمدن، فأخرج أفلامًا وثائقية عن الجامعة المستنصرية، وجامعة الموصل، والبصرة، وعن الفلكلور الشعبي في الموصل والرقص الشعبي في الجنوب، كأنه كان يؤرخ للهامش، ويُنقّب عن الصوت الصامت في أعماق الناس.
من المسرح بوصفه عرضًا إلى المسرح بوصفه معرفة
لكن عبود المهنا لم يكتفِ بالإخراج، بل عبر إلى منطقة النقد والبحث الأكاديمي، وسرعان ما أصبح واحدًا من أبرز أعمدة الدراسة المسرحية في العراق. شغل مناصب أكاديمية حساسة: رئيسًا لقسم إعداد المدرسين في الجامعة المستنصرية، ثم رئيسًا لقسم التربية المسرحية في كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل، ورئيسًا لنفس القسم في كلية التربية الفنية.
لم يكن إداريًا تقليديًا، بل معلّمًا ومُلهمًا، أشرف على عشرات الرسائل الجامعية، من الماجستير إلى الدكتوراه، ناقش أكثر من ثمانين أطروحة علمية، وتحوّل بفعل ذلك إلى مرجعٍ لأجيال من الطلبة الذين وجدوا في دراساته زادًا معرفيًا وموقفًا نقديًا جريئًا.
مؤلفاته القليلة في عددها، العميقة في محتواها، هي خير ما يُمثل نظرته للمسرح، فقد كتب في "أداء الممثل بين الذاتي والموضوعي"، وهو عمل يُضيء التوتر الخلّاق بين الداخل النفسي للممثل وبين شروط العرض وعيون الجمهور. كما تناول في "أساليب الأداء التمثيلي عبر العصور" تطور الجسد المسرحي كأنماط تعبيرية خاضعة لثقافة الزمن ومناخاته.
آراء الباحثين فيه: نقدٌ ذو رؤيا واستبصار
نظر إليه زملاؤه وتلامذته لا كمجرد ناقد، بل كمؤسس لذائقة أكاديمية رصينة في المسرح العراقي. الباحثون الذين كتبوا عنه أجمعوا على أن عبود المهنا يمسك بالنقد كما يمسك المايسترو بعصا الإيقاع: لا يُكثر من الضجيج، بل يُصوّب، ويضيء، ويثير التفكير.
في المجالس الثقافية، وصفه أحد زملائه بأنه "ناقد لا يُفرّق بين المختبر والخشبة، لأنه يرى المسرح مختبرًا للوعي، والخشبة مرآة للفكر". وفي أطاريح جامعية، استُشهد بمنهجه الذي يزاوج بين التحليل البنيوي والرؤية التاريخية، ويمنح كل عرض مسرحي سياقه المتشابك بين المؤلف والمخرج والممثل والمتلقي.
أثر لا يُمحى، وإن غادر الوظيفة
في عام 2008م، نال درجة الأستاذية، تتويجًا لمسيرة مهنية وعلمية مُضيئة، ثم أحيل إلى التقاعد، لكنه لم يغادر الحقل الثقافي، بل واصل رسالته كعميدٍ لكلية الحلة الجامعة الأهلية، مشاركًا في المؤتمرات، وراعيًا للحركة المسرحية والأكاديمية في بابل وما جاورها.
ينتمي عبود المهنا إلى أولئك الذين لا تنتهي مهنتهم بانتهاء الوظيفة، لأن ما قدّمه للمسرح والنقد العراقي أكبر من أن يُقاس بموقعٍ إداري أو لقبٍ أكاديمي. هو منارة لمن يريد أن يفهم المسرح لا كعرضٍ يُصفق له، بل كوعي يُحرّك السكون.
ان عبود المهنا ليس مجرد ناقد مسرحي، بل رجل جمع بين الفكر والإخراج، بين الصوت والصمت، بين جسد الممثل وعقل المتفرّج. يُمكن أن نُدرجه ضمن النُخبة الثقافية التي آمنت بأن المسرح ليس للفرجة فقط، بل للمساءلة. في عينيه كان العرض سؤالًا، وفي صوته كان النقد مشعلًا، وفي مسيرته ظلّ يحرّض على التفكير، ويُعيد قراءة الخشبة لا كخشبة، بل كعالمٍ كامل يبحث عن خلاص.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كامل الدليمي رجلٌ عبرَ الحياة بين القصيدة والقلق
- علي عبد الأمير عجام الشاعر الذي سكنه الإعلام، والناقد الذي أ ...
- علاء مظلوم... الشاعر الذي أنصتَ لجلنار الوجود
- عباس بغدادي قلم الحلة المتفرد بين دفء التراث ونبض الحداثة
- علاء الكتبي رجل الذاكرة الحيّة، وسادن الثقافة في مدن الفرات
- عباس السلامي: غيم القصيدة وظلال الذات
- صلاح عباس العين التي أرّخت الجمال، والريشة التي كتبت بالنقد ...
- جواد كاظم محسن رحّالة في دروب الذاكرة والتراث
- زهير الجبوري ناقد يلتقط تحولات النص وتقلّبات العصر
- صباح شاكر العكام... سارد الذاكرة وراوي التمردات الصغيرة
- شاكر هادي غضب فنان الحروف، وباحث الذاكرة الشعبية
- محمد عبد الجليل شعابث سادن الذاكرة الشعبية وباحث الضوء الخاف ...
- سعد خليل الكبيسي كاتبُ الذاكرة ومحفوظاتُ الوجدان المحلي
- يحيى الربيعي شاعر المنتهى وإشراقات الأزل
- محمد حسين حبيب صوت نقدي بصري يُضيء المسرح العربي
- بابل تنتخب مجلس إدارة اتحاد أدباء بابل عرس ثقافي باسم ناجح ا ...
- علي شاهين الشاعر الذي غرس صوته في شجرة المعنى
- كامل حسين المقيم على حافة الجمال
- مرثية جيلٍ ومدينة قراءة في قصيدة -بغداد- لحسين نهابة
- سناء الأعرجي القصيدة التي مشت على ضفاف الفرات


المزيد.....




- منفذو هجوم شاطئ بوندي المزعومون زاروا منطقة معروفة بالتطرف ف ...
- هل ينفد الكون من النجوم الجديدة؟
- ترامب يوسع حظر السفر إلى الولايات المتحدة ليشمل 7 دول إضافية ...
- تونس في ذكرى الثورة : مسيرات لأنصار الرئيس وسط احتقان سياسي ...
- سجن بعد تصريحات حول الأمازيغية ثم عفا عنه تبون... من هو المؤ ...
- مجلس الصحافة الألماني يوبخ -بيلد- بسبب تغطيتها استشهاد أنس ا ...
- مادورو محذرا الأميركيين: لا نريد فيتنام جديدة
- عون: نسعى لإبعاد شبح الحرب والتفاوض لا يعني استسلاما
- -أبواب أميركا تُغلق-.. مرسوم ترامب يفجر جدلا واسعا على المنص ...
- موقع إيطالي: 3 نقاط ضعف تهدد الدفاع الجوي الروسي


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - عبود المهنا الناقد الذي نسج المسرح بالفكر، وقرأ الجسد بعيون الفلسفة