أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - اللغة العربية: من الذاكرة المقدّسة إلى أفق الذكاء الاصطناعي














المزيد.....

اللغة العربية: من الذاكرة المقدّسة إلى أفق الذكاء الاصطناعي


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 21:53
المحور: الادب والفن
    


في اليوم العالمي للغة العربية، لا يليق بنا أن نقف عند حدود التهنئة الرمزية، بل أن نعيد التفكير في اللغة بوصفها قضية وعي ومعرفة ومصير ثقافي. فاللغة العربية ليست حروفًا تُتداول، ولا تراثًا يُستعاد على هيئة نوستالجيا، بل بنية فكرية عميقة شكّلت رؤية الإنسان العربي للعالم، وما تزال قادرة على إعادة تشكيل هذه الرؤية إذا أُحسن التعامل معها في سياق العصر.
العربية، في جوهرها، ليست أداة تعبير فحسب، بل نظام تفكير وتداول للمعنى، وذاكرة جمعية راكمت القيم والتجارب والمعرفة عبر قرون. بها تشكّلت مفاهيم الوجود، والعدل، والجمال، وبها تبلورت علاقة الإنسان العربي بالزمن، حيث لا ينفصل الماضي عن الحاضر، ولا يُلغى الحاضر لصالح المستقبل، بل يتداخل الجميع في سيرورة دلالية واحدة.
وقد حظيت العربية بتكريمٍ استثنائي حين اختيرت من رب العالمين لغةً للقرآن الكريم، وهو تكريم لا يُقرأ قراءة لغوية محايدة، بل قراءة معرفية عميقة. فالقرآن لم يُنزَل بالعربية لكونها لغة قوم، بل لما تمتلكه من طاقة بيانية، ومرونة دلالية، وقدرة على حمل المعنى المركّب دون اختزاله. بهذا المعنى، لم تُكرَّم العربية فحسب، بل أُنيط بها دور حضاري: أن تكون لغة المعنى، لا لغة النقل الآلي.
ومن هذا المنطلق، كانت العربية في عصور ازدهارها لغة معرفة كونية، كُتبت بها أمهات الكتب، في الفقه، والفلسفة، والطب، والفلك، والرياضيات، والمنطق، ولم تكن آنذاك لغة هوية مغلقة، بل لغة انفتاح، استوعبت الثقافات، وترجمت الآخر، وتُرجِمت للآخر، وأعادت إنتاجه ضمن أفقها الخاص.
غير أن هذا الدور لم يكن في مأمن من التحديات. فقد تعرّضت اللغة العربية لمحاولات متكررة للتهميش أو التفريغ من بعدها المعرفي، تحت شعارات التحديث أو بدعوى مواكبة العصر. وهي محاولات لا تنفصل عن تاريخ أطول من الهيمنة الثقافية، حيث تُستهدف اللغة بوصفها بوابة الوعي، لا بوصفها مجرد أداة تواصل. ومع ذلك، فشلت هذه المحاولات، لأن العربية لغة حيّة، تمتلك قدرة داخلية على التكيّف دون الذوبان، وعلى التجدّد دون فقدان جوهرها.
وفي عصر الذكاء الاصطناعي والعولمة الرقمية، تدخل اللغة العربية اختبارًا جديدًا، أكثر تعقيدًا وخطورة. فلم تعد اللغة تُقاس بحضورها في الخطاب الثقافي أو التعليمي فحسب، بل بفاعليتها داخل النظم الذكية، وقدرتها على أن تكون لغةً للبيانات، والتحليل الدلالي، وصناعة المعرفة الرقمية. وهنا يتجلّى الخطر الحقيقي: أن تُختزل العربية في واجهات استعمالية سطحية، بينما تُقصى عن البنى العميقة التي تُنتج المعرفة والخوارزميات.

ومن منظور الذرائعية، بوصفها نظرية تداولية عربية تربط اللغة بالفعل، والمعنى بالوظيفة، والمعرفة بالأثر، لا يمكن التعامل مع العربية في عصر الذكاء الاصطناعي بوصفها كيانًا رمزيًا محنّطًا، ولا بوصفها لغة ماضٍ مكتمل. فاللغة، ذرائعيًا، تُقاس بقدرتها على الإنجاز، وعلى إنتاج المعنى الفاعل في سياقه. وعليه، فإن السؤال الجوهري ليس: هل العربية صالحة لعصر الذكاء الاصطناعي؟ بل: كيف نُدرج العربية داخل هذا العصر بوصفها لغة تفكير وإنتاج، لا لغة استهلاك رقمي؟
إن الذكاء الاصطناعي، رغم ما يطرحه من مخاطر تتعلّق بإعادة إنتاج التبعية اللغوية، يفتح في الوقت نفسه أفقًا جديدًا للعربية، إذا أُحسن توظيفه. فثراء العربية الصرفي، وقدرتها على الاشتقاق والتوليد، وبنيتها الدلالية العميقة، تجعلها مؤهلة لأن تكون لغة فاعلة في النماذج الذكية، شرط أن تُدرَّس وتُدرَّب وتُبنى بياناتها من داخل منطقها الخاص، لا بوصفها نسخة ناقصة من لغات مهيمنة.
ومن هنا، يصبح الدفاع عن العربية في زمن الذكاء الاصطناعي فعلًا معرفيًا لا شعاريًا؛ دفاعًا يقوم على امتلاك التقنية لا رفضها، وعلى إعادة التفاوض مع العولمة من موقع الوعي، لا من موقع الخوف. فاللغة التي لا تدخل العصر بوظيفتها الكاملة، تتحوّل إلى أثر، مهما كان تاريخها عريقًا.
في اليوم العالمي للغة العربية، نؤكد أن الوفاء الحقيقي لهذه اللغة لا يكون بتقديسها لفظيًا، بل بإعادة تفعيلها بوصفها لغة تفكير، وبحث، وإبداع، قادرة على أن تكون لغة الحاضر والمستقبل، كما كانت لغة الحضارة. فهي لغتنا: هويتنا، وتراثنا، ومسؤوليتنا المعرفية في آنٍ واحد.

#دعبيرخالديحيي مرسين – تركيا 18 ديسمبر 2025



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الومضة الشعرية – جماليات الكتابة وثراء الدلالة والتجريب : مق ...
- سوريا… عامٌ على الفجر الذي أزهر أخيرًا
- ندبة الجمال والغياب: دراسة ذرائعية في الدلالات الوجودية والج ...
- #اعتصامات ومظاهرات الطائفة العلوية اليوم الطائفة بين خطاب ال ...
- من الظلام إلى النور: دراسة ذرائعية في البنية النفسية-السلوكي ...
- من فطام الذكورة إلى غسل الخوف: قراءة ذرائعية في سرد الطفولة ...
- الحركة التصحيحية في سوريا: من -تصحيح المسار- إلى الهاوية بقل ...
- فيدور ديستوفسكي: النفس البشرية في مرآة الأدب
- من دمشق إلى صنعاء: قراءة ذرائعية في خطاب الانتماء والمقاومة ...
- #طقس_القمر_العملاق (حين يشيخُ الضوء)
- البحر كمعادل موضوعي للحرية: قراءة ذرائعية في قصيدة بحرٌ للحر ...
- إشهار كتاب دم على أوراق الذاكرة
- الرئيس السوري أحمد الشرع في موسكو: تناقض الحضور بين الشرعية ...
- -العامية المكتوبة: موقعها بين السرد الشعبي والأدب الفني- مسا ...
- زمنٌ مارد
- بين الهواجس الفردية وصوت الجماعة: دراسة ذرائعية في رواية /عن ...
- حيال نباح الكلاب
- قراءة ذرائعية في شعرية الاغتراب والذاكرة المنفية في قصيدة -م ...
- العين بوصفها رمزًا كونيًا: دراسة ذرائعية في التجربة الشعرية ...
- بين الكلمة واللوحة : دراسة ذرائعية في القيم التربوية والبصري ...


المزيد.....




- الشرطة تفتش منزل ومكتب وزيرة الثقافة الفرنسية في تحقيق فساد ...
- من فلسطين الى العراق..أفلام لعربية تطرق أبواب الأوسكار بقوة ...
- فيلم -صوت هند رجب- يستعد للعرض في 167 دار سينما بالوطن العرب ...
- شوقي عبد الأمير: اللغة العربية هي الحصن الأخير لحماية الوجود ...
- ماذا يعني انتقال بث حفل الأوسكار إلى يوتيوب؟
- جليل إبراهيم المندلاوي: بقايا اعتذار
- مهرجان الرياض للمسرح يقدّم «اللوحة الثالثة» ويقيم أمسية لمحم ...
- -العربية- منذ الصغر، مبادرة إماراتية ورحلة هوية وانتماء
- اللغة العربية.. هل هي في خطر أم تتطور؟
- بعد أكثر من 70 عاما.. الأوسكار يغادر التلفزيون إلى يوتيوب


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - اللغة العربية: من الذاكرة المقدّسة إلى أفق الذكاء الاصطناعي