أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عبير خالد يحيي - الحركة التصحيحية في سوريا: من -تصحيح المسار- إلى الهاوية بقلم د. عبير خالد يحيي














المزيد.....

الحركة التصحيحية في سوريا: من -تصحيح المسار- إلى الهاوية بقلم د. عبير خالد يحيي


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 22:56
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


في سوريا، لا يمكن فهم الانهيارات الراهنة دون النظر بعين فاحصة إلى اللحظة التي غيّرت وجه البلد على امتداد نصف قرن: الحركة التصحيحية التي قادها حافظ الأسد في 1970، تحت مظلة حزب البعث العربي الاشتراكي. هي اللحظة التي لم تصحح مسار الثورة، كما زُعم، بقدر ما صادرت الثورة، وأطلقت مشروعًا استبداديًا بالغ التأثير، قاد الشعب السوري لاحقًا إلى حافة حربٍ أهلية ودمار شامل.

من البعث إلى الأسد: بناء الدولة الأمنية
جاءت الحركة التصحيحية كتتويج لصراع داخلي في حزب البعث، بعد سلسلة انقلابات داخل التيار نفسه منذ استيلائه على السلطة عام 1963. في 16 تشرين الثاني 1970، ظهر حافظ الأسد – وزير الدفاع آنذاك – كقائد "مُنقذ" يتعهد بإنهاء الخلافات البعثية الداخلية وتثبيت الاستقرار.
لكن سرعان ما تحوّل الأمر إلى بناء نظام يقوم على شخصٍ واحد، تحكمه الأجهزة الأمنية، ويُعاد تشكيل مؤسسات الدولة فيه تحت عباءة الحزب، ثم العائلة. كان حزب البعث، الذي رفع شعارات "الوحدة والحرية والاشتراكية"، أول رهائن السلطة الجديدة. صار غطاءً أيديولوجيًا، ومنصة لتسويق الحكم لا لمساءلة الحاكم.

الدور الإقليمي للحركة: سوريا بين النفوذ والمواجهة
أعاد حافظ الأسد إنتاج صورة سوريا كفاعل إقليمي، مستخدمًا خطاب الممانعة بوصفه رصيدًا سياسيًا داخليًا وخارجيًا. فقد جرى توظيف الصراع العربي الإسرائيلي لصالح منع النقد الداخلي، وتبلغ ذروته بعد حرب تشرين عام 1973، رغم عدم استعادة الجولان. كما دخلت سوريا إلى لبنان عام 1976 بحجة حماية المقاومة، لتتحول لاحقًا إلى وصيّ سياسي وأمني. تحالف نظام الأسد مع إيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979، في حين دخل في مواجهة سياسية مع دول عربية أخرى – كالعراق ومصر – مما جعل سوريا في موقع جيوسياسي حاد ومكلّف.
هذه السياسات الإقليمية، رغم مظهرها القومي، ضمنت ديمومة الحكم أكثر من ضمانها لتحرير الأرض أو بناء اقتصاد قوي. فقد أتت العقوبات والعزلة وغياب الاستثمارات كنتيجة مباشرة، بينما بقي الشعب يرزح تحت حمولة الشعارات التي اختفت فيها العدالة الاجتماعية.

أثر الحركة على المرأة السورية: برواز تقدّمي وقيود بنيوية
لم تُقصِ الحركة التصحيحية المرأة العربية السورية من المشهد؛ بل زجت بها في فضاءات العمل والتعليم والسياسة، لكن ضمن المحدّدات البعثية. ورغم ارتفاع نسب تعليم النساء، خاصة في الجامعات، فإن قرار مشاركة المرأة فعليًا في صناعة القرار كان مقيّدًا – إلّا لمن توفرت لديهم الولاءات الحزبية.
بقي حضور المرأة في الكثير من المواقع التمثيلية أقرب لرمزية تؤكّد "تحضّر النظام"، وممارسات المجتمع والأجهزة الأمنية حبيسة الفكر الأبوي. وهكذا، كانت المرأة جزءًا من صورة سوريا الحديثة، لكن لم تكن جزءًا من سلطتها الحقيقية.

أثر الحركة على التعليم: مدرسة العقائد
سيطر حزب البعث على التعليم السوري منذ بدايات حكمه، لكن الحركة التصحيحية حولّته إلى هندسة فكرية تُعيد تشكيل العقول بحسب إيقاع السلطة. فأُضيفت مادة التربية القومية – البعثية – إلى المناهج، بينما تمّ اختزال التاريخ العربي في منظور سياسي يخدم مآلات النظام.
كان المعلم مراقبًا، والجامعة مُسيسة، والكتابة مكبّلة. وفي ظلّ غياب الحريات الأكاديمية، أصبح التعليم مجرّد وسيلة لإنتاج طاعةٍ بلا تفكير. بدأ رفع الشعارات من المدارس وانتهى في قاعات المحاضرات، حيث صار الخوف والمعرفة يتجاوران كمتلازمتَين. خرج آلاف المبدعين السوريين من الوطن بحثًا عن الحرية العلمية، بينما بقي الداخل يتآكل من الداخل.
لقد مرّت الحركة التصحيحية كعاصفةٍ صامتة لم يكن ظاهرها يعكس عمق أثرها. لم تكن مجرّد خطوة لإعادة استقرار حزب البعث، وإنما كانت انقلابًا على الفكرة البعثية ذاتها، وعلى الروح الثورية التي دفعت السوريين إلى الحلم بوطنٍ موحّد حر. واليوم، بعد أن اجترحت الحرب كلّ أشكال الدمار، يظهر جليًا أن ما تمّ "تصحيحه" لم يكن طريق الثورة، وإنما مسار الشعب نفسه نحو حافة الهاوية.



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيدور ديستوفسكي: النفس البشرية في مرآة الأدب
- من دمشق إلى صنعاء: قراءة ذرائعية في خطاب الانتماء والمقاومة ...
- #طقس_القمر_العملاق (حين يشيخُ الضوء)
- البحر كمعادل موضوعي للحرية: قراءة ذرائعية في قصيدة بحرٌ للحر ...
- إشهار كتاب دم على أوراق الذاكرة
- الرئيس السوري أحمد الشرع في موسكو: تناقض الحضور بين الشرعية ...
- -العامية المكتوبة: موقعها بين السرد الشعبي والأدب الفني- مسا ...
- زمنٌ مارد
- بين الهواجس الفردية وصوت الجماعة: دراسة ذرائعية في رواية /عن ...
- حيال نباح الكلاب
- قراءة ذرائعية في شعرية الاغتراب والذاكرة المنفية في قصيدة -م ...
- العين بوصفها رمزًا كونيًا: دراسة ذرائعية في التجربة الشعرية ...
- بين الكلمة واللوحة : دراسة ذرائعية في القيم التربوية والبصري ...
- من الغياب إلى الذاكرة: قراءة ذرائعية في مجموعة القصصية (المر ...
- الرائي والإنكار الجمعي: دراسة ذرائعية في رمزية الخوف في قصة ...
- دراسة ذرائعية في الغربة والذاكرة بين السرد الملحمي وأدب الرح ...
- مُتَيَّمة بالنور: دراسة ذرائعية في البنية اللسانية والجمالية ...
- -صلاة القلق: رمزية الخوف والتضليل السلطوي الإعلامي- دراسة ذر ...
- جدلية السرّ والجهْر قراءة ذرائعية في ديوان )بين سرّي وجهري( ...
- الموجة التي أطفأت الضوء: دراسة ذرائعية في قصة (كنت أرى ولم أ ...


المزيد.....




- مقاتلات إف35 للسعودية: صفقة خلافية بين ترامب وإسرائيل
- شاهد..كيف لحقت الكونغو الديمقراطية بالملحق العالمي على حساب ...
- سوريا.. اشتباكات بين القوات الحكومية وقسد في ريف الرقة
- اليمن.. إحباط مخطط حوثي لتنفيذ اغتيالات في عدن
- واشنطن تحشد قرب فنزويلا.. أحدث حاملة طائرات تصل الكاريبي
- إيران تلجأ إلى تلقيح السحب وسط جفاف تاريخي لم تشهده البلاد م ...
- بعد 800 إفادة.. لجنة التحقيق الحكومية عاجزة عن دخول السويداء ...
- بيان فلسطيني يحذر من -الوصاية الأميركية- على قطاع غزة
- أحداث السويداء: إحالة جميع المتورطين في الانتهاكات للقضاء
- البث الإسرائيلية: حماس تنقل أسلحتها إلى -دول داعمة لها-


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عبير خالد يحيي - الحركة التصحيحية في سوريا: من -تصحيح المسار- إلى الهاوية بقلم د. عبير خالد يحيي