|
العين بوصفها رمزًا كونيًا: دراسة ذرائعية في التجربة الشعرية للشاعر المصري المجدّد عبد المنعم عواد يوسف بقلم الناقدة الدكتورة عبير خالد يحيي
عببر خالد يحيي
الحوار المتمدن-العدد: 8470 - 2025 / 9 / 19 - 09:25
المحور:
الادب والفن
مقدمة يمثل الشاعر عبد المنعم عواد يوسف (1933–2010) أحد الأصوات البارزة في الشعر العربي المعاصر، إذ جمع في تجربته بين صدق العاطفة وعمق الرؤية، فصاغ من اللغة أفقًا رحبًا يحتفي بالحب كقيمة إنسانية كبرى. لم يكن الشعر عنده ترفًا جماليًا أو غزلًا عابرًا، بل مشروعًا وجوديًا يتداخل فيه الهمّ الشخصي بالهمّ الكوني، فتغدو القصيدة مرآةً للروح، ومنبرًا لتأملات الذات في الحياة والموت والحب. تتبدّى في نصوصه نزعة رومانسية أصيلة، لكنها محمولة على وعي إنساني يجعل الحب خلاصًا للذات، ومفتاحًا لفهم العالم. ومن أبرز الرموز التي استند إليها عبد المنعم عواد في بناء تجربته الشعرية رمز العين؛ إذ تجاوز به المعنى الجمالي المباشر ليجعله علامةً كونية تفيض بالدلالات: فهي قصيدة حيّة في/ خذيني إلى شعر عينيك قافية أو رويا/، وسماء خلاصية في /عيناك سمائي/، وينبوع حياة وأفق فجر جديد في /لعينيك طعم الينابيع في زرقة الفجر/.
أهداف الدراسة: تهدف هذه الدراسة إلى: 1. الكشف عن البنية الرمزية لرمز العين في شعر عبد المنعم عواد يوسف. 2. إبراز العلاقة بين التجربة الشخصية للشاعر ورؤيته الوجودية من خلال قصائده.
3. تتبع التحولات الدلالية للعين من كونها تفصيلًا جسديًا إلى رمز كوني شامل. 4. تحليل الجماليات الفنية واللغوية التي أسهمت في بناء الرمز وترسيخه في النصوص. 5. إبراز البعد الأخلاقي والإنساني الكامن في شعره، وكيف يتحوّل الحب عنده إلى قيمة خلاصية.
محاور الدراسة 1. البؤرة الفكرية والخلفية الأخلاقية في تجربة عبد المنعم عواد يوسف. 2. الرمز البصري للعين بين الجمالي والكوني في قصيدة خذيني إلى شعر عينيك قافية أو رويا. 3. العين بوصفها سماءً خلاصية في قصيدة عيناك سمائي. 4. العين كينبوع وحلم في قصيدة لعينيك طعم الينابيع في زرقة الفجر. 5. التقنيات الفنية واللغوية (الإيقاع، التكرار، الصور الشعرية، الحوارية الداخلية). 6. المستوى النفسي والوجداني: الحب كخلاص إنساني وكوني. 7. الخاتمة: دلالات رمزية العين في ضوء التجربة الشعرية للشاعر.
الملخص (Abstract) تتناول هذه الدراسة تجربة الشاعر المصري عبد المنعم عواد يوسف (1933–2010) من خلال قراءة تحليلية لثلاث قصائد مختارة هي: خذيني إلى شعر عينيك قافية أو رويا، عيناك سمائي، ولعينيك طعم الينابيع في زرقة الفجر. وترتكز القراءة على تتبع رمزية العين في شعره، حيث تتجاوز العين وظيفتها الجمالية المباشرة لتغدو علامة كونية تحتفي بالحب كقيمة إنسانية ووجودية. تكشف الدراسة عن تنامي دلالة العين عبر النصوص الثلاثة: فهي قصيدة حيّة تجسد تماهي الشعر بالحب في الأولى، وسماء خلاصية تتيح الحرية والتحليق في الثانية، وينبوع حياة وبداية انبعاث في الثالثة. كما توضح أن هذا الرمز يرتبط ارتباطًا وثيقًا بسيرة الشاعر وتجربته، ليعبّر عن رؤيته للعاطفة بوصفها خلاصًا إنسانيًا من قسوة الواقع. اعتمدت الدراسة على تحليل المستويات الفكرية والجمالية واللغوية والنفسية في النصوص، مبينة كيف ساهمت التقنيات الفنية (التكرار، الحوارية الداخلية، الصور البصرية، الإيقاع) في ترسيخ الرمز وتكثيف أثره الوجداني. وتخلص الدراسة إلى أن العين في شعر عبد المنعم عواد يوسف ليست مجرد تفصيل جسدي، بل هي فضاء شعري شامل يختزل فلسفة الشاعر في الحب والوجود، ويعكس صدقه الفني ودفء تجربته، مما يجعل إرثه الشعري علامة مميزة في مسار الشعر العربي المعاصر.
المتن التفصيلي للدراسة: أولًا: البؤرة الفكرية تشكل البؤرة الفكرية في تجربة عبد المنعم عواد يوسف نقطة الانطلاق لفهم شعره؛ إذ تتمحور قصائده حول الحب بوصفه قيمة وجودية شاملة تتجاوز حدود الجسد والعاطفة العابرة، لتغدو معادلًا للوجود الإنساني ذاته. في قصائده الثلاث التي نحللها، تترسخ هذه البؤرة على نحو متدرج: في خذيني إلى شعر عينيك قافية أو رويا، الحب = قصيدة، أي أنه معادل إبداعي يتماهى فيه القول بالشعور. في عيناك سمائي، الحب = سماء، أي فضاء كوني خلاصـي يحتضن الذات ويمنحها الحرية. في لعينيك طعم الينابيع في زرقة الفجر، الحب = ينبوع، أي أصل للحياة، وبداية لحلم وانبعاث جديد. وهكذا يصبح الحب في بؤرته الفكرية عند الشاعر قدَرًا إنسانيًا وكونيًا، لا يكتفي بالانفعال الوجداني، بل يتخذ بعدًا فلسفيًا يتصل بمصير الإنسان، في مواجهة الغربة والخذلان وقسوة الواقع.
ثانيًا: الخلفية الأخلاقية: تنهض خلفية عبد المنعم الشعرية على الوفاء للعاطفة الصادقة والالتزام بقيمة الحب كمنقذ للروح. فقصائده تحرص على إبراز النقاء العاطفي، حيث يغدو الحب وسيلة للسمو الأخلاقي، وليس مجرد نزوة أو ترف شعوري. في النصوص الثلاثة، نلمح أن الشاعر يرفع الحبيبة إلى مرتبة رمزية: فهي القصيدة التي تُكتب في الأولى. وهي السماء التي تحتضنه في الثانية. وهي الينبوع الذي يفيض بالحياة في الثالثة. هذه الرؤية تعكس خلفية أخلاقية عميقة، حيث تُقدَّم المرأة لا كموضوع للغزل الجسدي، بل كـ مركز للصفاء الروحي ومصدر للحلم والخلاص. ومن هنا يتجلى البعد الإنساني في شعره، الذي يجعل من الحب قيمة عليا تتجاوز اللذة إلى معنى الوجود ذاته.
ثالثًا: المستوى البصري يتّسم شعر عبد المنعم عواد يوسف بثراء بصري لافت، إذ تتحوّل المفردات في قصائده إلى لوحات مشهدية تحاكي الطبيعة وتستحضر عناصر الكون في خدمة التجربة العاطفية. وتبدو العين في مركز هذا البناء البصري، إذ تُغدو نافذة تطلّ منها الصور الأخرى وتتفرّع رموزها.
1. خذيني إلى شعر عينيك قافية أو رويا العين = قصيدة مكتملة: يختصر الشاعر العالم في عيني الحبيبة، فيراهما نصًا شعريًا قائمًا بذاته. المشهد هنا بسيط لكنه عميق: نداء متكرر، وعينان تكتبان الشعر، فيغدو البصر والقول شيئًا واحدًا. الصورة البصرية تنبني على إلحاح التوجه نحو العينين، بوصفهما ملاذًا من الاضطراب الخارجي. خذيني إلى شعر عينيك قافية أو رويا هذه الصورة تجعل العين نصًا مكتملًا، يختزل الشعر والحب معًا. كما يقدّم الشاعر مفارقة بصرية مؤثرة: لك الحب والويل لي لك الويل والحب لي مشهد بصري–رمزي يقوم على التضاد، فيجمع الحب والعذاب في صورة واحدة.
2. عيناك سمائي فدعيني عصفورًا يتنقل فرحًا في هذا الأفق النوراني عيناك سمائي هنا العاشق عصفور، والعين سماء، مشهد بصري مفتوح على الحرية. ويعزز الصورة بحثه البصري عن النور: فدعيني أبحث عن نجم جوال يسكن في ليل مختبئ في عمق العينين دعيني العين = فضاء كوني: تمتدّ لتصبح سماءً شاسعة، تتيح للشاعر أن يتحوّل إلى عصفور يرفرف أو فارس يمتطي صهوة الحلم. هنا المشهد أرحب وأكثر دينامية؛ فالحركة (الطيران، الرفرفة، الركوب) تحوّل القصيدة إلى لوحة حركية متصاعدة. العينان ليستا ساكنتين، بل متحوّلتان، تتسعان لتصبحا أفقًا نورانيًا.
3. لعينيك طعم الينابيع في زرقة الفجر فالعينان ينبوع حياة: لعينيك طعم الينابيع في زرقة الفجر صورة حسية تجمع بين الماء والضوء في مشهد واحد. كما يحضر المشهد الحركي: هل أنت من تسكبين الندى في عيون الصباح؟ هل أنت من ترزعين الشذا في شفاه الأقاح؟ صور بصرية–حسية تجعل العين مصدرًا للخصب والجمال. العين = ماء ونور: فهي تسكب الندى في الصباح، وتزرع الشذا في الأقاحي، وتفتح أبواب الفجر. البصر هنا يتصل بالشمّ والذوق واللمس، فتغدو العينان حواسًا جامعة، تُنعش الكيان كله. الصور تنبني على المجاز المائي والضوئي (ينبوع، ندى، زرقة الفجر)، لتجعل من العين مصدرًا للانبعاث والخصب.
الخلاصة : يُظهر المستوى البصري أن العين في شعر عبد المنعم ليست رمزًا جامدًا، بل مركز إشعاع تُبنى عليه شبكة من الصور: في الأولى، صورة جمالية/نصية. في الثانية، صورة كونية/فضائية. في الثالثة، صورة حيوية/مائية. وبذلك يفتح الشاعر عبر العين عوالم تتراوح بين النص والسماء والينبوع، ليخلق تنوّعًا بصريًا يمنح قصائده ثراءً رمزيًا ومشهديًا.
رابعًا: المستوى اللغوي والجمالي 1. الخصائص اللغوية: لغة عبد المنعم عواد رشيقة شفافة، تقوم على صفاء العبارة وبُعدها عن التعقيد، لكنها في الوقت ذاته مشحونة بالإيحاء. في خذيني إلى شعر عينيك قافية أو رويا: اللغة تقترب من البوح العاطفي المباشر، حيث يكرّر الشاعر نداءه خذيني بصياغة بسيطة، لكنها تحمل عُمقًا وجدانيًا. في عيناك سمائي: اللغة أكثر امتدادًا ورحابة، إذ يستخدم ألفاظًا مفتوحة على الفضاء (سماء، عصفور، أفق، نوراني). في لعينيك طعم الينابيع في زرقة الفجر: اللغة غنية بالمعجم الطبيعي (ينابيع، ندى، شذا، أقاح، فجر)، مما يجعل النص متخمًا بالحسّيات.
2. جماليات التعبير لغة الشاعر تبني جمالياتها على التكرار والإيقاع الداخلي والتوازي التركيبي
التكرار الفني: يبرز بوضوح في نصوصه. نلمحه في / خذيني إلى شعر عينيك قافية ورويا/: خذيني… خذيني… هذا التكرار يمنح النص موسيقى داخلية متدفقة. كما تتجلّى الجمالية في التضاد الإيقاعي: لك الحب والويل لي لك الويل والحب لي في / عيناك سمائي /: "عيناك سمائي": هذا التكرار يمنح النص بعدًا إنشاديًا، ويؤكد المعنى العاطفي الملحّ.
الإيقاع الداخلي: ينبع من انسجام الألفاظ، لا من الوزن التقليدي وحده في لعينيك طعم الينابيع في زرقة الفجر، نلمح جماليات القافية الداخلية: تسكبين الندى في عيون الصباح، ترزعين الشذا في شفة الأقاح التقابل الصوتي بين الصباح/الأقاح يولد إيقاعًا موسيقيًا شفيفًا. كما يحضر المجاز الحسي: لعينيك طعم الينابيع حيث تتحول العين إلى ماء يُشرب ويُذوق، في صورة بليغة.
التوازي التركيبي: يظهر في الجمل القصيرة المتعاقبة التي تبني تصعيدًا شعوريًا، مثل: خذيني إلى شعر عينيك... خذيني قافية... خذيني رويا...، حيث يتحقق إيقاع عبر التكرار والتوازي. في عيناك سمائي، نجد توازيًا تركيبيًا يُولّد إيقاعًا داخليًا: فدعيني عصفورًا فرحًا... دعيني كالطير أرفرف في دفقة فرح دعيني أبحث عن نجم جوال دعيني أشرب صفوهما دعيني أسكن عمقهما تكرار فعل الأمر دعيني يخلق نسقًا موسيقيًا متواترًا. ويظهر البعد الجمالي في المجاز: كالفارس أركب صهوتك حيث تتحول الحبيبة إلى فرس والقصيدة إلى مغامرة بطولية.
المجاز والاستعارة: في جميع القصائد، تتحول العين إلى صور مجازية: قصيدة، سماء، ينبوع. هذا التوسع في الرمز يكشف عن طاقة اللغة على خلق معانٍ أرحب. 3. التوازن بين البساطة والعمق ما يميز عبد المنعم أنه يحافظ على لغة قريبة من القارئ، غير أنها تحتضن طبقات من المعنى. فهي ليست غامضة، لكنها أيضًا ليست مباشرة حد الابتذال. بهذا يحقق المعادلة التي تجعل شعره مقروءًا ووجدانيًا في آن.
الخلاصة اللغوية والجمالية اللغة: رقيقة وشفافة، مشبعة بالحسّيات. الإيقاع: يتكئ على التكرار والموسيقى الداخلية أكثر من الوزن. الصور: مجازية موسّعة تُحوِّل العين إلى نص وسماء وينبوع. الأسلوب: مزيج بين البساطة الجاذبة والعمق الرمزي، مما يجعل النصوص ذات أثر جمالي مضاعف.
خامسًا: المستوى الديناميكي تتجلى الحركية في شعر عبد المنعم من خلال التكرار الإنشادي والتصعيد التدريجي والحوارية الداخلية. في قصيدة خذيني إلى شعر عينيك قافية أو رويا، يتكرر النداء: خذيني إلى شعر عينيك قافية أو رويا ليكون بمثابة refrain إنشادي يهيمن على النص. كما نلحظ المفارقة التصعيدية: لك الحب والويل لي لك الويل والحب لي وهذه الحركة المتناقضة بين الحب والويل تولّد طاقة درامية تصعّد النص. أما في عيناك سمائي، فيبرز الخطاب المباشر للحبيبة: عيناك سمائي فدعيني عصفورًا يتنقل فرحًا في هذا الأفق النوراني هنا يتحول الشاعر من صورة العصفور البسيطة إلى صورة أوسع هي الأفق، بما يعكس تصعيدًا متدرجًا في التجربة. كما يتكرر التركيب عيناك سمائي ليعيد القارئ إلى المحور الرمزي للنص.
وفي لعينيك طعم الينابيع في زرقة الفجر، تظهر دينامية الأفعال الحركية: تسكبين الندى في عيون الصباح ترزعين الشذا في شفاه الأقاح لتمنح المشهد طاقة حيوية نابضة. ويصعّد الشاعر انفعاله بتكرار النداء: تعالي فلنبحر… تعالي… تعالي فيتحول النص إلى موجة وجدانية متراكبة تزداد كثافة مع تكرار الدعوة. بهذا، يتضح أن الديناميكية في شعر عبد المنعم تقوم على التكرار البنائي، والتصعيد الرمزي من البسيط إلى الكوني، وعلى تحويل الحوار الداخلي إلى خطاب شعري مفتوح.
سادسًا: المستوى النفسي يُبرز المستوى النفسي العمق الوجداني في شعر عبد المنعم عبر التقمص والتساؤل والإيحاء. في خذيني إلى شعر عينيك قافية أو رويا، يصل التقمص ذروته حين يقول: هو الموت والبعث حبك فالحب هنا ليس عاطفة، بل قدر شامل يحتضن الحياة والموت معًا. كما يطرح الشاعر سؤالًا قلقًا: هل تري تكمل السلسلة؟ ليُدخل القارئ في حيرة وجودية لا تحتاج إلى جواب بقدر ما تكشف عن اضطراب داخلي.
وفي عيناك سمائي، يذوب الشاعر في الفضاء الرمزي حتى يتحول إلى كائن آخر: دعيني أرفرف في دفقة فرح إنه تقمص كامل للحرية التي تمنحها العين. كما يظهر البعد الإيحائي في قوله: أبحث عن نجم جوال يسكن في ليل مختبئ حيث تتحول العيون إلى نافذة على الأمل في مواجهة العتمة.
أما في لعينيك طعم الينابيع في زرقة الفجر، فيصوغ دهشته في صيغة سؤال: هل أنت من تسكبين الندى في عيون الصباح؟ ليعكس القلق والبحث عن يقين. كما يمنح العينين طاقة إيحائية كونية: لعينيك طعم الينابيع في زرقة الفجر فتغدو العين رمزًا للماء والنور والانبعاث. وبهذا يظهر أن المستوى النفسي في شعر عبد المنعم يقوم على انصهار الذات بالرمز (التقمص)، والبحث القلق عن الإجابة (التساؤل)، وإطلاق الإيحاءات الطبيعية والكونية التي تُعيد للحب طابعه الخلاصي.
سابعًا: التجربة الإبداعية: تشكل تجربة عبد المنعم عواد يوسف الشعرية امتدادًا للحسّ الرومانسي العربي، لكنها لا تقع في أسر التكرار أو المحاكاة. فقد استطاع أن يزاوج بين الصدق العاطفي والوعي الثقافي، ليمنح قصيدته خصوصية تنبع من ذاته وتجربته الإنسانية. لقد عاش الشاعر في قلب الحركة الأدبية العربية، متنقلًا بين الصحافة الثقافية والمنابر الشعرية، ما جعله على تماسّ مباشر مع نبض الحياة ومع هموم القارئ. هذه التجربة المتنوعة انعكست في شعره، فظهر دائمًا مشغولًا بـ البحث عن معنى أسمى للحب، ومخلصًا للغة صافية قريبة من الناس، لكنها غنية بالرموز والإيحاءات. خصوصيته تتجلى في أنه جعل من العين رمزًا مركزيًا يعبر عن فلسفته في الحب والوجود: فهي قصيدة تتماهى مع القول في نصه الأول، وسماء خلاصية في الثاني، وينبوع حياة في الثالث. هذا التطور الرمزي لا يعكس مجرد براعة فنية، بل يكشف عن رحلة وعي عاشها الشاعر، حيث تحولت تجربته الشخصية إلى لغة شعرية مشبعة بالصفاء، تحفظ له موقعًا متميزًا في خارطة الشعر العربي الحديث.
بالختام: تبيّن من خلال هذه القراءة أن الشاعر عبد المنعم عواد يوسف قد صاغ مشروعًا شعريًا يرتكز على الصدق الإنساني والرمزية الشفافة، وجعل من الحب محورًا كونيًا يعيد للإنسان توازنه ومعناه. لقد تحوّلت العين في نصوصه من رمز جمالي بسيط إلى علامة كونية شاملة، تختزل فلسفة الشاعر في الحب والوجود. في خذيني إلى شعر عينيك قافية أو رويا: العين = قصيدة حيّة. في عيناك سمائي: العين = سماء خلاصية. في لعينيك طعم الينابيع في زرقة الفجر: العين = ينبوع حياة وفجر جديد. وبذلك نرى أن الشاعر قدّم في قصائده الثلاث رحلة رمزية متكاملة، تبدأ بالنصّ الشعري، وتصل إلى الفضاء الكوني، ثم تنفتح على منابع الحياة. هذه الرحلة تؤكد أن شعر عبد المنعم ليس مجرد تعبير عن العاطفة، بل هو إعادة صياغة للوجود من منظور وجداني–إنساني. يبقى عبد المنعم عواد يوسف حاضرًا في ذاكرة الأدب العربي، شاعرًا صافح الحياة بالحب، وحوّل العاطفة إلى قصيدة، والعين إلى سماء، واللغة إلى ينابيع أبدية تتجدد كلما قرأها القارئ.
#دعبيرخالديحيي الاسكندرية – مصر 18 سبتمبر 2025
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين الكلمة واللوحة : دراسة ذرائعية في القيم التربوية والبصري
...
المزيد.....
-
مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
-
أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
-
ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري
...
-
الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني
...
-
فيلم -ذا روزز- كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية
-
فيلم -البحر- عن طفل فلسطيني يفوز بـ-الأوسكار الإسرائيلي- ووز
...
-
كيف تراجع ويجز عن مساره الموسيقي في ألبومه الجديد -عقارب-؟
-
فرنسا تختار فيلم -مجرد حادث- للإيراني بناهي لتمثيلها في الأو
...
-
فنانة تُنشِئ شخصيات بالذكاء الاصطناعي ناطقة بلسان أثرياء الت
...
-
فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي يمثل فرنسا في تر
...
المزيد.....
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|