أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عببر خالد يحيي - بين الكلمة واللوحة : دراسة ذرائعية في القيم التربوية والبصرية لقصص الأطفال عند القاصّة السورية أنيبال دكدوك بقلم الناقدة الدكتورة عبير خالد يحيي















المزيد.....

بين الكلمة واللوحة : دراسة ذرائعية في القيم التربوية والبصرية لقصص الأطفال عند القاصّة السورية أنيبال دكدوك بقلم الناقدة الدكتورة عبير خالد يحيي


عببر خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8468 - 2025 / 9 / 17 - 09:43
المحور: الادب والفن
    


يمثّل أدب الأطفال القصصي أحد أهم الوسائط التربوية والجمالية، إذ يجمع بين المتعة الفنية والرسالة الأخلاقية في قالب قصصي مبسّط يتناسب مع إدراك الطفل. وتأتي المجموعة الثانية من قصص أنيبال دكدوك لتكمل رسالتها التربوية التي بدأتها في السلسلة الأولى، عبر نصوص تحمل في طياتها قيمًا إنسانية وفكرية وأخلاقية، صيغت بلغة واضحة، وأسلوب حواري مشوق، وأحداث تحاكي عالم الطفل.

• البؤرة الفكرية العامة للمجموعة تتمحور حول:
التوازن بين الذات والآخر، وبين الرغبة والواجب، وبين الحرية والانضباط. والغاية الأساسية هي غرس قيم إنسانية كالمحبة، الصداقة، القناعة، قيمة الوقت، وأهمية المشاركة.
• الخلفية الأخلاقية:
القصص كلها تنطلق من خلفية أخلاقية ترفض الأنانية والطمع وتؤكد على:
- حق الآخر في الحرية (رامز والفراشات).
- ضرورة الصبر والقناعة (قصة البيضة الذهبية).
- أهمية الوقت في حياة الطفل والدارس (قيمة الوقت).
- تقدير العمل والعطاء المتبادل (نرجس وهديّة العيد).

القيم الفكرية والأخلاقية التي تطرحها القصص:
1. القطة الضائعة: قيمة الصداقة الحقيقية وعدم الأنانية.
2. نرجس وهديّة العيد : الأمل بعد الفقد، والعمل المشترك.
3. القناعة :الرضا بما قسم الله، ونبذ الطمع.
4. رامز والفراشات : الحرية حقّ لكل كائن.
5. الزائر الأبيض : المشاركة الجماعية والفرح البريء.
« تقاذف الأطفال كرات الثلج وعلتِ الأصواتُ والضحكات وخيّم جوّ من الفرح والمرح على ساحة الحي»
ص 40
6. قيمة الوقت: أهمية الالتزام واستغلال الزمن.
7. الصياد والسمكة: التقدير المتبادل بين الإنسان والطبيعة، والأمل بالرزق.
«ابتسمت سمكة مكة للصياد وقالت:.... أصبح لديك قارب يساعدك في توفير حياة كريمة لك ولابنتك »
ص 55

• أما على المستوى الديناميكي (الحبكة والتقنيات السردية)
فقد اعتمدت القاصّة البنية الكلاسيكية للقص: بداية تمهيدية، ثم عقدة، فحل أخلاقي.
قصة (القطة الضائعة) تبدأ بالأنس بين زهرة والقط سكر، ثم عقدة غياب القط، ثم الحل حين تكتشف أن الصداقة لا تقوم على الامتلاك.
«ونظرت إلى سكر وقالت عُذرًا صديقتي سكر، لقد كنت أنانية وعزلتك عن أصدقائك، ولم أدرك أنك تحتاجين أصدقاء من جنسك لتكوني سعيدة » ص 14
في قصة القناعة: تتصاعد الأحداث مع اكتشاف البيضة الذهبية، ثم الطمع بذبح البطة ظنًّا من الزوجين أن أحشاءها مليئة بالبيض الذهبي، فالعبرة النهائية.
«جلسا يندبان حظهما وقالت العجوز: لقد خسرنا البطة التي كانت تعطينا البيض الذهبي بسبب طمعنا وعدم قناعتنا بكرم الله علينا،.....» ص 28

• على المستوى اللغوي والجمالي
لغة بسيطة، واضحة، وجمل قصيرة، تراعي عمر الطفل.
استخدام الأسلوب الحواري لجذب الانتباه، كما في قصة رامز والفراشات:
« خاطبت الأم رامز قائلة : أطلق سراح الفراشة يا ولدي، اتركها تطير من زهرة إلى أخرى، فالله خلقها لتزيّن الطبيعة ولا يحق لم أن تحبسها في الكيس فتموت» ص 33
الصور الجمالية مستقاة من الطبيعة: الثلج، الفراشات، البحر، مما يثري خيال الطفل.
« الجو اليوم بارد وندف الثلج تنزل متراقصة تتمايل بسحر ربّاني تحمل معها الخير» ص 35
عنصر التكرار واضح لتثبيت الفكرة: كالتكرار اليومي لوضع البيضة الذهبية.
« البطة باضت بيضة ذهبية»

• على المستوى البصري:
اللوحات في هذه المجموعة ليست مجرد تزيين بل تُشكّل توازيًا دلاليًا مع النصوص: فهي تختصر العبرة وتجسّدها أمام الطفل الذي يتعلّم بالعين كما يتعلّم بالأذن.
التكرار البصري للرموز (الكوخ، البيضة الذهبية، الساعة، القارب، السمكة....) يُعزّز التكرار اللغوي، مما يجعل القصة محفورة في ذاكرة الطفل.
هناك انسجام واضح بين اللغة البسيطة والمشهد التشكيلي، بحيث لا تطغى الصورة على الكلمة، ولا الكلمة على الصورة، بل يعملان معًا في وحدة سردية بصرية-لغوية.
أمثلة:
في قصة ( القطة الضائعة):
الوصف البصري: ترافق القصة لوحة تُظهر الطفلة زهرة وهي نائمة، وهي تحمل الطعام وتطعم القط سكر، أو مشهد القط سكر وحيدًا أو مع قطط أخرى في حديقة المنزل.
التوازي مع النص: اللوحة تُجسّد الصداقة البريئة بين الطفلة والحيوان، وتُبرِز دفء العلاقة في بداية القصة. كما أن اتساع المشهدية في اللوحة يوازي توسّع وعي الطفلة في القصة حين تدرك حاجة القط إلى آخرين من جنسه.
الأثر على الطفل: الصورة تُعطي انطباعًا بالطمأنينة، وتفتح خيال الطفل لرؤية الحيوان ككائن حي له حق بالحرية والصحبة.

في قصة ( القناعة):
الوصف البصري: اللوحة غالبًا تُظهر البطّة البيضاء وبيضتها الذهبية اللامعة، وربما مشهد الزوجين بملابس ريفية بسيطة.
التوازي مع النص: بريق البيضة الذهبية في وسط الكثير من البيض في العلبة الخشبية في اللوحة يوازي بريقها في النص، حيث تُغري العين وتُرمّز إلى الطمع. أما صورة العلبة الخشبية خالية من البيض بعد ذبح البطّة المسكينة فتوازي العاقبة الوخيمة التي أشار إليها السرد.
الأثر على الطفل: الطفل يلتقط من الصورة قيمة بصرية مباشرة: الفرق بين النور واللمعان (الذهب) وبين الخسارة والفراغ (ذبح البطّة). هذا التباين يعمّق العبرة الأخلاقية للنص.

في قصة ( قيمة الوقت )
الوصف البصري: اللوحة قد تُظهر الطفلة لولو تنظر إلى ساعة يدها، أو ساعة جدارية تشير إلى الوقت، أو الأم وهي تنتظر بقلق.
التوازي مع النص: اللوحة تعمل على تجسيد محور النص "الزمن". وجود الساعة في الصورة أو مشهد المعلمة في الروضة يوازي العبارات المتكررة عن أهمية الوقت في القصة.
الأثر على الطفل: الصورة تعلّم الطفل أن الساعة رمز أساسي للانضباط، وأن الأم والمعلمة تمثلان "عين الرقابة" التي تذكّره بمسؤوليته.

لنقارن بين المستوى البصري في قصص أنيبال دكدوك وبعض النماذج العالمية المشهورة، مثل خرافات إيسوب وحكايات جحا المصوّرة، لإبراز كيف يشتغل التوازي بين النص واللوحة البصرية.
1- القطة الضائعة في مقابل قصص الحيوانات في خرافات إيسوب:
عند إيسوب، غالبًا تُرسَم الحيوانات بملامح بشرية (ابتسامة/حيلة/دهاء)، فتقود الطفل إلى قراءة أخلاقية مباشرة.
عند أنيبال دكدوك، يُرسَم القط في مظهره الطبيعي، مع خلفية حديقة المنزل . هنا نلمس صدقًا بصريًا يُساعد الطفل على التعرّف إلى الحيوان كما هو في الواقع، ثم يربط بين صورته الواقعية وبين القيمة الأخلاقية (الحرية والصداقة).
التوازي: عند دكدوك الصورة لا تنفصل عن النص، بل تجسّد العالم الطفولي البسيط وتدعم الرسالة الأخلاقية بدون مبالغة في التشخيص الكاريكاتوري.
2- القناعة مقابل قصة "الإوزة التي تبيض ذهبًا" في الأدب الغربي
كلا القصتين تقومان على رمز البيضة الذهبية.
في القصص الغربية تُرسم الإوزة أو البطّة غالبًا بحجم أكبر من الطبيعي وبألوان زاهية، في مشهد مبالغ فيه يجذب بصر الطفل أكثر من عقله.
عند أنيبال دكدوك، اللوحة أكثر واقعية: بطّة بيضاء بسيطة وبيضة لامعة واحدة. هذا التقشف البصري يجعل الطفل يركّز على العبرة بدل الانبهار بالزينة.
التوازي: النص يحذّر من الطمع، واللوحة تعزّز التحذير عبر تضاد بصري: بريق البيضة ثم موت البطّة.
3- قيمة الوقت مقابل "حكايات جحا المصوّرة" (قصص التعليم بالمرح):
في بعض نسخ جحا المصوّرة، يُستخدم الرسم الكاريكاتوري المبالغ فيه (وجه جحا الكبير، حركات مضحكة) لشدّ انتباه الطفل.
عند أنيبال دكدوك، اللوحات أبسط وأكثر هدوءًا: لولو مع حقيبتها، ساعة حائط، معلمة أو أمّ بملامح عادية. هذا يخلق واقعية تربوية تساعد الطفل على رؤية نفسه في الشخصية، لا الضحك عليها.
التوازي: النص يكرر كلمة "الوقت"، واللوحة تعرض الساعة أو مشهد الأم القلقة، فيتلاقى السمع والبصر في تأكيد المعنى.
الخلاصة :
قصص عالمية مثل إيسوب أو حكايات جحا المصوّرة تلجأ إلى المبالغة البصرية لجذب الطفل.
قصص أنيبال دكدوك تميل إلى التوازن والواقعية في الصور، بحيث لا تسرق الصورة دور النص، بل ترافقه وتوازيه.
هذا التوجّه يجعل الطفل يتعلّم من المشهد الواقعي أكثر مما يضحك أو يندهش من المبالغات، وهو ما يناسب الطفل المعاصر الذي اعتاد على صور الكرتون المبالغ فيها في التلفاز، فيجد في هذه اللوحات هدوءًا وتعليمًا وتوازناً بصريًا-لغويًا.

• على المستوى النفسي:
القصص تعالج حاجات الطفل النفسية:
- الانتماء: في (القطة الضائعة) تبحث زهرة عن صداقة تنتمي إليها.
- التعويض بعد الفقد: في (نرجس وهديّة العيد)، يظهر بابا نويل ليمنح الأمل بعد وفاة الأب.
«وقفت نرجس ونظرت إلى السماء شكرت الله على نعمة المحبة» ص 23
- الشعور بالذنب والتعلّم من الخطأ: (في قيمة الوقت):
«...أجابت لولو بخجل: ...لم أحضر واجبي بسبب استهتاري بالوقت…» ص 48

• أما على المستوى الإيحائي والرمزي:
فرغم بساطة الحكايات، إلا أن الرمز حاضر بعمق:
القط سكر: رمز الصديق الوفي الذي لا يجب أن نحبسه بل ندعه يشارك العالم.
البيضة الذهبية: رمز الجشع الذي يبدّد النعمة.
الفراشات: رمز الحرية والجمال الهش الذي يموت إذا حُبس.
الزائر الأبيض (الثلج): رمز النقاء والمشاركة الجماعية للطفولة.
الخاتم السحري في قصة مكة والصياد: رمز للأمل الذي يتحقق إذا اقترن بالعمل والجد.

• التجربة الإبداعية للقاصّة
أنيبال دكدوك نجحت في صياغة قصص تربوية جاذبة، بلغة مناسبة للطفل، وبتقنيات تقليدية لكنها فاعلة في غرس القيم. وتمكّنت من مخاطبة عقل الطفل المعاصر الذي تشتته المغريات الرقمية، عبر أسلوب بسيط وحكايات مشوقة ترتبط بالطبيعة والواقع اليومي.
تشكّل هذه المجموعة نموذجًا رصينًا لأدب الأطفال العربي الحديث، إذ تجمع بين البساطة الأسلوبية والعمق القيمي، وتقدّم للأطفال نصوصًا تحمل التوجيه التربوي والمتعة السردية والبصرية في آن واحد. وقد وفّت الدراسة الذرائعية بمستوياتها المختلفة على إبراز الأبعاد الفكرية والأخلاقية والنفسية والجمالية في النصوص، مؤكّدة قدرة القاصّة على الوصول إلى عقول الأطفال وإدراكهم ووجدانهم.

#دعبيرخالديحيي الإسكندرية – مصر 17 سبتمبر 2025






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -أنخاب الأصائل-.. إطلالة على المبنى وإيماءة إلى المعنى
- -الأشرار 2- مغامرات من الأرض إلى الفضاء تمنح عائلتك لحظات ما ...
- محمد حلمي الريشة وتشكيل الجغرافيا الشعرية في عمل جديد متناغم ...
- شاهد رد فعل هيلاري كلينتون على إقالة الكوميدي جيمي كيميل
- موسم أصيلة الثقافي 46 . برنامج حافل بالسياسة والأدب والفنون ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عببر خالد يحيي - بين الكلمة واللوحة : دراسة ذرائعية في القيم التربوية والبصرية لقصص الأطفال عند القاصّة السورية أنيبال دكدوك بقلم الناقدة الدكتورة عبير خالد يحيي