أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبير خالد يحيي - الرئيس السوري أحمد الشرع في موسكو: تناقض الحضور بين الشرعية والمخلوع














المزيد.....

الرئيس السوري أحمد الشرع في موسكو: تناقض الحضور بين الشرعية والمخلوع


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8496 - 2025 / 10 / 15 - 20:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تأتي زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو في لحظة سياسية دقيقة، تحمل في طياتها مفارقات تاريخية وأخلاقية معقدة. فالعاصمة الروسية التي احتضنت بشار الأسد طوال سنوات حكمه ثم بعد سقوطه، تستقبل اليوم رئيسًا جديدًا جاء على أنقاض نظامه، ليطالبها بتسليم من كان بالأمس حليفها الأوثق.
إنها لحظة مشحونة بالرموز: بين دولةٍ تسعى إلى إعادة رسم علاقاتها الخارجية على أسس جديدة، وقوةٍ عظمى لا تزال ترى في الأسد الورقة التي لم تُستنفد بعد. وتكمن المفارقة الأكبر في تواجد الرئيس الشرع والأسد المخلوع في المكان ذاته، لكن على طرفي المعادلة: أحدهما يفاوض، والآخر يختبئ تحت مظلة الحماية الروسية.

• موسكو — ذاكرة التحالف ومختبر التناقض
منذ بداية الثورة السورية، شكّلت موسكو الحاضنة السياسية والعسكرية لنظام الأسد. دعمت الجيش السوري بالسلاح والمستشارين، وثبّتت وجودها العسكري في قاعدتي حميميم وطرطوس، رافعة شعار "محاربة الإرهاب" لتبرير دعمها للنظام.
اليوم، ومع تغيّر موازين القوى، تستقبل موسكو أحمد الشرع، الرئيس الذي يمثّل مرحلة ما بعد الأسد، في زيارة يُفترض أن تفتح صفحة جديدة من العلاقات السورية–الروسية، لكنها في جوهرها اختبار لصدق النوايا الروسية.
كيف يمكن لعاصمةٍ كانت مقبرةً للثورات أن تتحوّل فجأة إلى رافعةٍ للشرعية الجديدة؟ وكيف يُمكن أن تلتقي في أروقة الكرملين ذاكرة القصف على المدن السورية مع طموحات الإعمار وإعادة الإعمار الأخلاقي للدولة؟

• التناقض الأكبر — الشرع يطالب بتسليم الأسد
أعلن الرئيس أحمد الشرع أنه، خلال زيارته، سيطلب من القيادة الروسية تسليم بشار الأسد لمحاكمته في دمشق على جرائم الحرب التي ارتكبها بحق الشعب السوري. خطوةٌ جريئة، لكنها محفوفة بالتناقضات، إذ إن الأسد نفسه يعيش في موسكو تحت ما سُمّي “اللجوء الإنساني” بعد فراره من دمشق.
يطرح هذا المشهد تساؤلات حارقة:
هل يمكن لرئيسٍ أن يطلب من مضيفيه تسليم لاجئٍ سياسي كان حليفهم بالأمس؟ هذا سيحدث، وهو طلب مُعلن عنه سابقًا.
ولكن، هل تستطيع روسيا أن تفرّط في ورقة الأسد التي منحتها نفوذًا استثنائيًا في الشرق الأوسط؟
الجواب الواقعي، كما يبدو، أن روسيا لن تسلّمه بسهولة، فهي تدرك أن الأسد لا يزال رمزًا لوجودها الاستراتيجي في سوريا، وأن التخلي عنه يعني اعترافًا ضمنيًا بهزيمة مشروعها القديم.

• موسكو كمرآة للشرعية المزدوجة
زيارة الشرع لموسكو ليست مجرد حدث دبلوماسي، بالحقيقة هي امتحانٌ رمزي للشرعية ذاتها.
الشرع يمثل "شرعية الثورة والانبعاث"، بينما الأسد المخلوع يجسّد "شرعية القوة الماضية الزائلة".
وجودهما في المكان نفسه يجعل من موسكو مسرحًا مفتوحًا لتجسيد صراع الزمنين:
الزمن الجديد الذي يحاول إعادة بناء الدولة السورية على أسس العدالة والمواطنة،
والزمن القديم الذي ما زال يحتمي خلف الشعارات الفارغة والذكريات الأمنية.
في قاعات الكرملين، تتقاطع نظرات الحاضر والماضي، وكأنّ موسكو نفسها عاجزة عن الحسم بين من صنع نفوذها ومن يريد إعادة صياغة العلاقة معها على أساس الندّية.

• روسيا بين براجماتية المصالح وعبء الحلفاء
من وجهة نظر الكرملين، ليست المسألة أخلاقية، بل مصلحية بحتة.
فروسيا التي دعمت بشار الأسد لعقدين كاملين لا تريد أن تُظهر نفسها كقوة تتخلّى عن حلفائها بسهولة، لكنها في الوقت ذاته تدرك أن المستقبل السوري لا يمكن أن يُبنى فوق رماد الشرعية القديمة.
لذلك، تتعامل موسكو مع زيارة الشرع باعتبارها "فرصة لإعادة التموضع"، تحاول من خلالها الحفاظ على قواعدها العسكرية ومصالحها الاقتصادية، دون خسارة الوجه الجديد لسوريا.
أما من الناحية الإنسانية، فاستمرار وجود الأسد في موسكو يشكل عبئًا سياسيًا، يذكّر العالم بدور روسيا في حماية نظامٍ دموي. ولهذا السبب تحاول موسكو أن تُبقي الأسد في الظل، بلا ظهور علني، وكأنها تقول: "هو بيننا، لكنه لم يعد منّا."

• الزيارة كاختبار لسيادة القرار السوري
زيارة الشرع ليست فقط رحلة دبلوماسية، بل مقياس لقدرة سوريا الجديدة على اتخاذ قراراتها باستقلالية.
فهل يستطيع الشرع أن يفرض رؤيته في إعادة توزيع النفوذ داخل بلاده؟
هل يملك الشجاعة للقول إن القواعد الروسية يجب أن تخضع للاتفاقات الجديدة، لا لسياسات الماضي؟
إنه اختبارٌ للسيادة قبل أن يكون اختبارًا للعلاقات الدولية، اختبارٌ بين إرادة التحرّر من نفوذ الحلفاء وبين واقعية الحاجة إليهم في مرحلة الإعمار والانتقال السياسي. وهذا ما نعوّل عليه كشعب سوريا المتحرّر من ثلاثة أنظمة قمعية منذ وقت قصير.

• في البعد الرمزي – حين يجتمع النقيضان
أن يجتمع الشرع والأسد في المدينة نفسها، ولو دون لقاء مباشر، فذلك يكشف عن مأزق الذاكرة السورية.
القاتل والناجي، المخلوع والمنتخب، كلاهما في المكان ذاته الذي كان بالأمس مركز القرار في حربٍ أحرقت البلاد.
هي مفارقةٌ تشبه المرايا المتقابلة: كلٌّ يرى في الآخر ما كانه، وما لن يستطيع أن يعود إليه.
ولعلّ موسكو في هذا السياق ليست سوى "مساحة عازلة" بين زمنين، أو محطةً مؤقّتة قبل أن يُكتب التاريخ من جديد.

في الختام: بين أحمد الشرع الذي يسعى إلى بناء سوريا الجديدة، وبشار الأسد الذي يحتمي بظلال موسكو، تتجلّى قصة كاملة عن الصراع بين المستقبل والماضي.
قد تنجح روسيا في تأجيل الحسم، لكنها لن تستطيع إخفاء التناقض الذي أصبح رمزًا لمرحلة ما بعد الحرب.
إنّ وجود الأسد والشرع في المكان نفسه ليس مصادفة سياسية، بل مشهد درامي يعكس التحوّل العميق في الوعي السوري:
أن الشرعية لا تُورّث، وأن الطغيان مهما احتمى بالقوى الكبرى، يظل غريبًا عن أرضه، فيما يكتب الشعب فصلاً جديدًا في تاريخه من قلب المدن التي قاومت ودفعت الثمن.



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -العامية المكتوبة: موقعها بين السرد الشعبي والأدب الفني- مسا ...
- زمنٌ مارد
- بين الهواجس الفردية وصوت الجماعة: دراسة ذرائعية في رواية /عن ...
- حيال نباح الكلاب
- قراءة ذرائعية في شعرية الاغتراب والذاكرة المنفية في قصيدة -م ...
- العين بوصفها رمزًا كونيًا: دراسة ذرائعية في التجربة الشعرية ...
- بين الكلمة واللوحة : دراسة ذرائعية في القيم التربوية والبصري ...
- من الغياب إلى الذاكرة: قراءة ذرائعية في مجموعة القصصية (المر ...
- الرائي والإنكار الجمعي: دراسة ذرائعية في رمزية الخوف في قصة ...
- دراسة ذرائعية في الغربة والذاكرة بين السرد الملحمي وأدب الرح ...
- مُتَيَّمة بالنور: دراسة ذرائعية في البنية اللسانية والجمالية ...
- -صلاة القلق: رمزية الخوف والتضليل السلطوي الإعلامي- دراسة ذر ...
- جدلية السرّ والجهْر قراءة ذرائعية في ديوان )بين سرّي وجهري( ...
- الموجة التي أطفأت الضوء: دراسة ذرائعية في قصة (كنت أرى ولم أ ...
- -حين انحنى الضوء- قراءة ذرائعية في البنية النفسية والرمزية ل ...
- من الجرح إلى المنار: قراءة ذرائعية في قصيدة «جُروح» للشاعر ا ...
- السجين بين الرمزي والوجودي قراءة ذرائعية في قصة ( السجين) لل ...
- الغربة كجرح وجودي قراءة ذرائعية في مجموعة (شواطئ الغربة) للق ...
- المنتدى الاستثماري السعودي السوري: انتصار اقتصادي وسياسي في ...
- قراءة في الصراع السوري-الإسرائيلي ودور الدروز في المعادلة ال ...


المزيد.....




- نتنياهو يعلق على وصف ترامب له بأنه -ليس أسهل شخص يمكن التعام ...
- المغرب بلد أفريقي؟
- احتجاجات جيل زد 212 في المغرب: السجن بين 3 و15 عاما لـ17 شخص ...
- غزة:ما الذي يهدد اتفاق وقف الحرب؟
- إدريس اليزمي : حركة جيل زد 212 حريصة على التحرك السلمي وستسا ...
- حميميم وطرطوس.. البصمة العسكرية الروسية في سوريا
- الشرع في الكرملين: زيارة تاريخية تعيد رسم خريطة العلاقات الس ...
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. القسام تسلم جثتي أسيرين وترامب يهدد ...
- لو ديبلومات: صراع نفوذ دولي على الصومال يقوض الرهان على استق ...
- -كتائب القسام- تصدر بيانا لتوضيح سبب عدم تسليم جميع رفات الر ...


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبير خالد يحيي - الرئيس السوري أحمد الشرع في موسكو: تناقض الحضور بين الشرعية والمخلوع