داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 11:42
المحور:
الادب والفن
معارض الكتب… جعجعة بلا طحين
إذا كانت أسعار الكتب قد تجاوزت الطاقة الشرائية للمثقف، وأصبحت عبئًا يربك تفاصيل حياته اليومية، يفرض نفسه سؤالٌ جوهري: ما جدوى إقامة معارض للكتب، تلك التي صُدِعَت رؤوسنا بإعلاناتها، بينما لا نحصد منها سوى جعجعة بلا طحين؟
لقد تحوّلت معارض الكتب، في كثير من بلداننا، من فضاءات للمعرفة إلى مهرجانات استهلاكية، تُزيَّن بالشعارات البراقة عن “دعم الثقافة” و“نشر الوعي”، بينما الواقع يكشف مفارقة موجعة. المثقف، الذي يُفترض أن يكون الضيف الأول على هذه المعارض، يدخلها مترددًا، يحصي الأسعار قبل العناوين، ويغادرها محمّلًا بالحسرة لا بالكتب. كتابٌ واحد قد يلتهم نصف راتب، ومجموعة كتب قد تعادل نفقات شهر كامل، فكيف يُطالَب القارئ بأن يجعل المعرفة أولوية في ظل هذا الغلاء؟
إن المشكلة لا تكمن في قيمة الكتاب المعرفية، فهي لا تُقدَّر بثمن، بل في آليات تسعيره وتسويقه. الناشر يبرّر بالورق والطباعة، والموزّع يضيف حصته، والمعرض يفرض رسومه، وفي النهاية يُدفع القارئ إلى الهامش، وكأن الثقافة ترفٌ لا حق. وهنا تفقد معارض الكتب معناها الحقيقي؛ إذ تصبح واجهات إعلامية وصورًا رسمية، لا جسورًا حقيقية بين الكتاب والقارئ.
ما الفائدة من آلاف العناوين إذا كانت محجوبة بالأسعار؟ وما قيمة الندوات واللافتات إن لم تُترجَم إلى سياسات دعم حقيقية: تخفيضات جادة، دعم حكومي، تشجيع الطبعات الشعبية، أو حتى إتاحة بدائل رقمية بأسعار معقولة؟
إن الثقافة لا تزدهر بالإعلانات، بل بإتاحة المعرفة. أما حين يُقصى المثقف عن الكتاب، فإننا لا نقيم معرضًا للكتب، بل معرضًا للفجوة بين الخطاب والواقع، حيث يعلو الصوت وتغيب الفائدة.
وبالتالي ولا يمكن تجاهل الأثر النفسي لهذا الواقع؛ فالمثقف الذي كان يجد في المعرض عيدًا سنويًا للروح، بات يشعر بالغربة داخله. يتجوّل بين الأجنحة كمتفرّج لا كفاعل، يلتقط الصور بدل الكتب، ويكتفي بتصفح العناوين دون امتلاكها. وهكذا يتحوّل الكتاب من رفيق يومي إلى حلم مؤجّل، وتتحوّل المعارض إلى طقوس شكلية لا تمس جوهر الأزمة. إن استمرار هذا النهج لا يقتل شغف القراءة فحسب، بل يكرّس قطيعة خطيرة بين المجتمع والمعرفة، ويجعل الثقافة شعارًا مرفوعًا لا ممارسةً حيّة.
#داود_السلمان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟