داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 22:12
المحور:
الادب والفن
يعتمد نص عبد الإله الفهد على شحنة شعورية كثيفة تتجلى من خلال توظيف الرياح والفصول كرموز لحالات داخلية يعيشها المتكلم. فالرياح القادمة من الشرق أو الغرب ليست مجرد ظواهر طبيعية عابرة، بل تتحول إلى استعارات لحالات الاضطراب والقلق التي تلازم النفس أينما توجهت. هذا الاستخدام يعبّر عن فكرة أن الهم ليس مرتبطًا بالاتجاهات أو الأماكن، بل هو نابع من الداخل، من “حزن دفين” يسكن الذات ويعيد تشكيل رؤيتها للعالم. تتأكد هذه الفكرة من خلال الربط بين الداخل والخارج؛ فطالما أنّ الحزن قائم، فإن كل ما يأتي من الخارج سيتحوّل إلى مُذكّر بالألم، حتى لو بدا طبيعيًا أو حياديًا.
يتعمّق النص في إبراز العلاقة بين الفصول ومزاج الإنسان، حيث يرتدي الخريفُ الذاتَ كما ترتدي الذاتُ الربيع. هذا التبادل في الأدوار يوحي بأن الإنسان ليس متلقيًا سلبيًا للطبيعة، بل هو جزء منها ينعكس فيها وتنعكس فيه. الخريف هنا يرمز للذبول والانسحاب والحنين، بينما يمثل الربيع عادةً الانبعاث والأمل، لكن النص يمنح هذه الرموز بعدًا مشوبًا بالأسى. فحتى الربيع، الذي يفترض أن يكون فصل البدايات والانفتاح، يأتي “رغمًا عليك”، محمّلًا بالوجع، كأنه لا يستطيع أن يتجاوز ما اختزنته الروح من ألم.
وهنا ينسج النص مفارقة بين الحركة الخارجية التي تمثلها الرياح وتغيّر الفصول، والسكون الداخلي الذي يمثله الحزن المتجذّر. هذه المفارقة تخلق توترًا شعوريًا يوحي بأن المتكلم محاصر داخل دائرة من الانكفاء، مهما حاولت الطبيعة أن تجلب له تحولًا أو تجديدًا. استخدام الألفاظ مثل “الأنين”، “الأسى”، و“الحزن الدفين” يعمّق حالة الانكسار الداخلي ويعطي للغة بعدًا شفّافًا يعبّر عن الضعف الإنساني دون مباشرة أو مبالغة. وبهذا يتحول النص إلى تأمل في ثقل التجربة الشعورية التي تجعل من الإنسان كائنًا محكومًا بما يحمله في داخله أكثر مما يحيط به خارجه، حيث يصبح الألم عدسة يرى من خلالها العالم، مهما تغيّرت اتجاهات الريح أو تعاقبت الفصول.
النص:
————-
الرياح التي قد تهب من الشرق
والرياح التي قد تهب من الغرب
كلتاهما
تحمل الهم والانكفاء
طالما فيك حزن دفين
الخريف الذي يرتديك
والربيع الذي ترتديه
ربما..
يأتيك… رغما عليك
بالاسى والأنين
#داود_السلمان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟