أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - فضيحة من العيار الثقيل تهز المشهد الثقافي














المزيد.....

فضيحة من العيار الثقيل تهز المشهد الثقافي


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 12:15
المحور: الادب والفن
    


يشكّل المقطع الفيديو الهزيل الذي انتشر بسرعة البرق في وسائل التواصل الاجتماعي مرآة صادمة، تكشف عن حجم الانحطاط الأخلاقي الذي وصل إليه بعض من يُفترض أنهم رموز في المشهد الثقافي. إنّ ما تضمّنه ذلك المقطع من ابتذالٍ في النظر، وتدنٍّ في المعنى الانساني، واستعراضٍ فارغ من أي مضمون جمالي، بل عبّر عن هشاشة متدنية، لا يمكن النظر إليه على أنه مجرّد تصرّف مغلوط أو زلة عابرة، بل هو تجسيد لحالة أعمق من التراجع القيمي والوعي المزيف الذي بات يخيّم على قطاعات واسعة من المشهد الثقافي في مجتمعنا العراقي. فحين يصدر هذا النوع من السلوك عن شخص شغل مناصب ثقافية رفيعة، يصبح الأمر أكثر خطورة، لأنه يكشف أن الخلل، لم يعد محصورًا في الأفراد، بل امتد إلى البنية الثقافة نفسها وإلى المؤسسات التي يفترض بها أن تنتقي النخب وتكرّس المعايير الأخلاقية والفكرية الرفيعة.
طالما كانت الثقافة يومًا ما مساحة للارتقاء بالعقل والذوق، ووسيلة لتطهير النفس من الابتذال والانحدار. أما اليوم، فقد تحوّل جزء من المشهد الثقافي إلى ساحة للبحث عن الشهرة الرخيصة، والاستعراض الإعلامي الباهت، والمزايدة الخطابية التي لا تحمل أي عمق فكري أو جمالي. وسائل التواصل الاجتماعي بدورها ساعدت على تضخيم هذا الانحدار، فصارت تنتج نجومًا من الهشاشة، وتُسقط أصحاب الفكر الحقيقي في زوايا التهميش. إنّ المقطع الذي انتشر لم يكن ليلقى كل هذا الصدى لولا وجود جمهورٍ فقد معاييره الجمالية والأخلاقية، جمهورٍ صار يقيس القيمة بمدى الجدل والانتشار لا بمدى الصدق والمعرفة. وهذا لا يعني أن لا ندين الفاعل، الذي تجاوز الأخلاق، ونمسح على ظهره لكونه ينتمي الى جهة حزبية معينة.
إنّ هذا الانهيار في الأخلاق لا يحدث فجأة، بل هو نتيجة تراكمات طويلة من التسييس الثقافي، المرتبط بالسياسة الخاطئة والجاهلة في الوقت نفسه. إذ تحويلت المؤسسات الثقافية إلى فضاءات بيروقراطية خاوية لا همّ لها سوى المحسوبية، وتعيين أناس لا على اساس الكفاءة، والحنكة المعرفية، بل لكونهم ينتمون الى جهة حزبية. إنّ المناصب التي يفترض أن تكون تكليفًا لخدمة الوعي الجمعي تحوّلت إلى أدوات للتفاخر والظهور، فأنتجت طبقة من المثقفين الرسميين الذين لا يملكون من الثقافة سوى ألقابهم، ومناصبهم الحزبية في هذا الوطن الجريح.
وما يدعو إلى الأسى أن المشهد الثقافي اليوم، بدلًا من أن يواجه هذه الانحرافات بالنقد الجاد، يتعامل معها أحيانًا بصمتٍ أو حتى بتبريرٍ متهافت تحت ذريعة متعددة، وتبريرات مخجلة أو حتى الى أن "الذكاء الاصطناعي". إنّ مسؤولية المثقفين الحقيقيين اليوم أن يواجهوا هذا الانحطاط بالوعي والنقد البنّاء، وأن يعيدوا الاعتبار إلى المعايير التي تُفاضل بين الإبداع والابتذال، بين الرسالة الثقافية وبين التراجع في القيم والاخلاق؛ فالثقافة ليست سلعة تُروَّج بالفضائح، بل هي فعل وعيٍ ومسؤولية تجاه المجتمع والإنسان.
إنّ المقطع الهزيل الخادش للحياء الذي أثار كل هذا الجدل – هو تعبير عن رفض واستنكار، من قبل المثقف الملتزم. لقد تماهت بعض المؤسسات الثقافية مع هذا النمط السطحي حتى فقدت قدرتها على فرز الجيد من الرديء، (لا أعمم - بطبيعة الحال بل أقصد ما اريد قوله) وصار الانتماء إليها لا يعني بالضرورة الانتماء إلى الفكر أو الإبداع، بل إلى منظومة تديرها أحزاب ضالعة بالفساد.
إنّ استعادة القيمة الأخلاقية للثقافة لا تكون بالشعارات، بل بإعادة الاعتبار للإنسان العراقي، والمثقف بوصفه ضمير المجتمع لا بوقه، وبإحياء روح النقد بوصفها جوهر الثقافة لا خصمها. فالمجتمع الذي يبرر الانحطاط، أو يستهين به بدعوى أنه "خطأ غير مقصود"، أو "ليس الانسان معصومًا"، أو "ليس المثقف بنبي"!. وبالتالي علينا أن ندرك أن الثقافة ليست ترفًا، بل هي خط الدفاع الأول عن كرامة الإنسان ومعناه. والمشهد الذي رأيناه في ذلك المقطع ليس سوى تحذير مؤلم من مستقبل ثقافي مهدد بالانهيار، علينا أن لم نواجهه بوعيٍ ومسؤولية. إنّ اللحظة الراهنة تتطلب وقفة صادقة مع الذات الثقافية، ومراجعة شجاعة لمعاييرنا، حتى لا تبقى الثقافة رهينة الهشاشة، وتردي الأخلاق.
المقطع محفوظ عندي



#داود_السلمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما عاد لي وطنٌ
- صوتي ليس للبيع…لهذا لن أنتخب
- رؤية الحيدري.. التشيع كاجتهاد مفتوح نحو الحقيقة
- كمال الحيدري كما أراه
- الحيدري: هل الله موجود أم وجود؟*
- كمال الحيدري: آدم أول نبي لا أول مخلوق
- رؤية كمال الحيدري في شمولية الحقيقة الدينية وتعدد طرق الوصول ...
- اعترافات المطر الخجول قراءة في نص لرنا جمال
- وجع مؤجل
- مفهوم العقل الفقهي عند كمال الحيدري
- كمال الحيدري وخصومه
- كمال الحيدري.. الفيلسوف الذي أشعل نار العقل في محراب المقدس( ...
- نهاية الإنسان تبدأ حين ينتمي إلى القطيع
- تزوير وجهي الرّسمي
- عبرتُ لأنكِ لم تمسكي بيدي
- مَن رجل الدين؟
- المرأة في فلسفة شوبنهاور: نظرة دونية تشاؤمية
- سقوط النجمة في جيب الزورق
- خلاصة كتابي (اعترافات) قيد النشر
- حين يصير التفكير ألمًا: قراءة في (محنة الإنسان في عالم الإمك ...


المزيد.....




- الفنان المصري إسماعيل الليثي يرحل بعد عام على وفاة ابنه
- الشاهنامة.. ملحمة الفردوسي التي ما زالت تلهم الأفغان
- من الفراعنة إلى الذكاء الاصطناعي، كيف تطورت الكوميكس المصرية ...
- -حرب المعلومات-.. كيف أصبح المحتوى أقوى من القنبلة؟
- جريدة “أكتوبر” الصادرة باللغة الكردية والتابعة للحزب الشيوعي ...
- سجال القيم والتقاليد في الدورة الثامنة لمهرجان الكويت الدولي ...
- اليونسكو تُصدر موافقة مبدئية على إدراج المطبخ الإيطالي في ال ...
- بين غوريلا راقصة وطائر منحوس..صور طريفة من جوائز التصوير الك ...
- فوز الكاتب البريطاني المجري ديفيد سالوي بجائزة بوكر عن روايت ...
- مدير السياحة والآثار بغزة: الاحتلال دمر جميع المعالم التاريخ ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - فضيحة من العيار الثقيل تهز المشهد الثقافي